بحوث ودراسات

"اليوم الثامن" تحلل العدالةُ الانتقاليّة في اليمن..

العدالةُ الانتقاليّة Transitional justice.. دراسة عن المفهوم القانوني للعدالةُ الانتقاليّة وآليات تحقيقها

العدالةُ الانتقاليّة Transitional justice غلاف الدراسة - اليوم الثامن

عدن

 المحتويات : 
(1) مفهوم العدالةُ الانتقاليّة
(2) نشأت وظهور مصطلح العدالةُ الانتقاليّة 
(3) تاريخ العدالةُ الانتقاليّة
(4) تطور مفهوم العدالةُ الانتقاليّة
(5) أهمّية العدالةُ الانتقاليّة
(6) أسس تحقيق العدالةُ الانتقاليّة
(7) أهداف العدالةُ الانتقاليّة
(8) آليات تحقيق العدالةُ الانتقاليّة
(9) العدالةُ الانتقاليّة في اليمن


مفهوم العدالةُ الانتقاليّة 


يُقصد بالعدالةُ الانتقاليّة مَجموعة من التّدابير القضائيّة وغير القضائيّة التي تُطبّقها العديد من البلدان؛ بهدف مُعالجة الانتِهاكات الكثيرة لحقوق الإنسان؛ حيث تشمل هذه التّدابير: ملاحقاتٍ قضائيّة، ولجان الحقيقة، وأشكال عديدة ومتنوّعة تستهدف إصلاح المؤسّسات؛ فالعدالةُ الانتقاليّة ليست نوعاً خاصّاً من العدالة، بل هي مُقاربة من أجل تحقيق العدالة خلال مدّة الانتقال من المنازعات وقمع الدّولة، بواسطة تحقيق المحاسبة العادلة، والتّعويض عن الضّحايا، وهي مجموعة إجراءات وتدابير، بعضها قانوني وقضائي، هدفها معالجة إرث ثقيل من انتهاكات حقوق الإنسان لتمكين مجتمع معين من أسباب الاستقرار والسلم الاجتماعي بعد حقبة من الحرب الأهلية أو الحكم الدكتاتوري.
مفهوم العدالةُ الانتقاليّة يعني أيضاً الاستجابة للانتهاكات المنهجية أو الواسعة النطاق لحقوق الإنسان، بهدف تحقيق الاعتراف الواجب بما كابده الضحايا من انتهاكات، وتعزيز إمكانيات تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية، أي أنها تكييف للعدالة على النحو الذي يلائم مجتمعات تخوض مرحلة من التحولات في أعقاب حقبة من تفشي انتهاكات حقوق الإنسان؛ سواء حدثت هذه التحولات فجأة أو على مدى عقود طويلةبعبارة أخرى، يربط مفهوم العدالةُ الانتقاليّة بين مفهومين هما العدالة والانتقال، بحيث يعني تحقيق العدالة أثناء المرحلة الانتقاليّة التي تمر بها دولة من الدول.

لقد عرّف المركز الدولي للعدالةُ الانتقاليّة بأنها مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات، والعدالة الانتقالية متجذرة في المساءلة وجبر ضرر الضحايا وتعترف بكرامتهم كمواطنين وكبشر، وإن تجاهل الانتهاكات الواسعة قد يكون مَهْرَبا سهلاً ولكنه يدمر القيم التي يُبنى عليها أي مجتمع لائق، تسألُ العدالة الانتقالية أصعب الأسئلة التي يٌمكن تصورها حول القانون والسياسة، عن طريق وضع الضحايا وكرامتهم في المقدمة، تشير العدالة الانتقاليّة إلى الطريق قُدماً لتجديد الالتزام بجعل المواطنين العاديين على يقين بالأمان في بلدانهم - في مأمن من تجاوزات سلطاتهم وتحت حماية فعالة من أي انتهاكات من قبل الآخرين ..


نشأت وظهور مصطلح العدالةُ الانتقاليّة 


يُرجع بعض الباحثين أصل مفهوم العدالةُ الانتقاليّة إلى محاكم نورنبيرغ (1945م)، حيث عمدت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية إلى توسيع نطاق آليات القانون الجنائي في حينها، لتُمكن من محاكمة قيادات عسكرية وسياسية بعينها في النظامين النازي والياباني، مع التركيز على الجرائم التي أرتكباها، وليس من منطلق انتمائهم الأيديولوجي فقط.
وقد جنّب هذا التوجه بعض أركان النظامين المتابعة القضائية، لكنَّه مكّن من إبراز الجانب الجنائي والحقوقي في تجاوزات الأنظمة المهزومة، مما كان له أثر حاسم في تعزيز الوعي الحقوقي على المستوى الدولي، وبروز فعاليات مؤسسية على المستوى الدولي جعلت القضية الحقوقية عبر العالم قضيتها الأولى.
وهنا لابد من الإشارة إلى أنَّ المكاسب المحققة في المجال الحقوقي على المستوى الدولي، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، هي الأهم في التاريخ الحديث والمعاصر، ويعود الفضل الأكبر فيها إلى الحركة الحقوقية التي نشأت في الخمسينيات، منطلقة من دروس الحرب العالمية ومحاكم نورنبيرغ.
في تسعينات القرن الفائت، صاغ عدد من الأكاديميين الأمريكيين مصطلح العدالةُ الانتقاليّة لوصف الطرق المختلفة التي عالجت بها البلدان مشاكل وصول أنظمة جديدة إلى السلطة ومواجهتها للانتهاكات الجسيمة أسلافها.
كان مصطلح العدالةُ الانتقاليّة مجرد مصطلح وصفي، لم يكن يشير إلى وجود نهج موحد أو حتى مبادئ مشتركة، كما يُمكن أن يرى من المجموعة الكبيرة من الدول المختلفة التي حاولت أو لم تحاول التصدي لانتهاكات، وحمل المصطلح ثقلاً، خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب الاهتمام الكبير بالطريقة التي تعاملت بها بلدان الكتلة السوفياتية السابقة مع إرث الاستبداد

 


تاريخ العدالةُ الانتقاليّة 


المرحلة الأولى :


المرحلة الأولى جاءت في أعقاب الحرب العالمية الثانية مباشرة، وتمثلت بشكل أساسي في محاكمات نورمبرك، تمحورت العدالةُ الانتقاليّة خلال هذه المرحلة حول فكرة التجريم والمحاكمات الدولية المترتبة عليها، وتمثلت أهم ميكانيزمات عملها في اتفاقية الإبادة الجماعية التي تم إقرارها، وإرساء سوابق لم يعد من الممكن بعدها تبرير انتهاك حقوق الإنسان باسم الاستجابة للأوامر، في هذه المرحلة، شكل مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان مركز الاهتمام في مساع تحقيق العدالة.

المرحلة الثانية


أثناء الحرب الباردة، ركدت جهود تحقيق العدالةُ الانتقاليّة وأستمر ذلك حتى المرحلة الثانية والتي حدثت بعد انهيار الاتحاد السوڤيتي والتغيرات السياسية المختلفة في دول أوروبا الشرقية وألمانيا وتشيكوسلوفاكيا، وفي هذه المرحلة تم تطبيق مفهوم مُسيس وذا طابع محلي أو وطني من العدالة الاجتماعية ارتبط بالهياكل الرسمية للدولة، وهنا تجاوزت فكرة المحاكمات وتضمنت آليات أخرى مثل لجان الحقيقة، والتعويضات، أي إنه خلال هذه المرحلة صارت العدالةُ الانتقالية بمثابة حوار وطني بين الجناة والضحايا، وخلال هذه المرحلة برزت تجربة لجان الحقيقة في الأرجنتين وعدد من دول أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا.
لقد تطور المفهوم خلال الفترات الانتقالية التالية لحكم الدكتاتوريات العسكرية في أمريكا اللاتينية، جنوب أفريقيا بعد نظام الفصل العنصري وبعض الدول الأفريقية ودول شرق ووسط أوروبا في أعقاب الحرب الباردة. كان هناك توافق دولي على الحاجة لإجراءات العدالةُ الانتقاليّة للتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان الماضية، وهذا ما تزامن مع أهداف الدول والهيئات المانحة التي تطلبت وجود تطبيقاً محكماً لحكم القانون بما يسمح بالتنمية الاقتصادية.

المرحلة الثالثة 


أعطت الموجة الثالثة للديمقراطية في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات زخماً وحافزاً جديداً للعدالةُ الانتقاليّة، أنتقل به من كونه مفهوماً رابطاً بين المرحلة الانتقالية للتحول الديمقراطي والعدالة (كما نشأ في أواخر الأربعينات)، إلى فضاء أوسع بحيث أضحى هذا المفهوم يتضمن منظوراً أوسع يقوم على إعادة تقييم شامل للوصول بمجتمع ما في المرحلة الانتقالية إلى موقع آخر تعد الديمقراطية أحد أهدافه الأساسية، ثم كانت البداية الحقيقية لما يمكن أن يسمي تطبيق للعدالةُ الانتقاليّة، في محاكمات حقوق الإنسان في اليونان في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، وبعدها في المتابعات للحكم العسكري في الأرجنتين وتشيلي من خلال لجنتي تقصي الحقائق في الأرجنتين عام 1983م وتشيلي عام 1990م ومن بعد ذلك في العديد من دول القارة اللاتينية.
▪️ويعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة في 1993م بداية لمشهد سياسي جديد شمل المرحلة الثالثة للعدالة الانتقالية، إذ أدى تكرر النزاعات إلى تكرر حالات تطبيق تطبيق العدالة الانتقالية، كما أرتفعت الأصوات المنادية بالحد من الأخذ بمبدأ الحصانة ليصبح الاستثناء وليس القاعدة، وفي هذا السياق تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا في 1994م، ثم في 1998م تم إقرارا النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وقد أثرت هذه التطورات في الكثير من اتفاقيات السلام التي عقدت بعد ذلك، والتي أشارت إلى المحاكمات الدولية باعتبارها جزءا من عملية التسوية السلمية؛ من ذلك اتفاقية أروشا المتعلقة ببوروندي، واتفاقية ليناس-ماركوسيس Linas-Marcoussis Agreement الخاصة بساحل العاج، وفي هذه المرحلة التي لا تزال مستمرة حتى الآن تتم الإحالة دائما إلى القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى العودة لاستلهام نموذج محاكمات نورمبرك، لاسيما مع دخول ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية لحيز التنفيذ في 2004م وإقرار وجود المحكمة كآلية دائمة لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.


تطور مفهوم العدالةُ الانتقاليّة 


لن يعرف مفهوم العدالةُ الانتقاليّة ازدهاره ويُصبح حقلاً مستقلاً للبحث في القانون الدولي إلاَّ مع تجارب الانتقال الديمقراطي في أوروبا وأميركا الجنوبية خلال سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، فقد صاحبت محاكمات أعضاء النظام العسكري في اليونان (1975م) والأرجنتين (1983م) تعبئة حقوقية دولية واسعة أججها ما تكشف من فظاعات ارتكبتها تلك الأنظمة خلال فترات حكمها، وقد فرضت هذه التعبئة منح أهمية خاصة للجانبين الجنائي والحقوقي في التحول السياسي، وعدم اقتصاره على متابعات فردية تُبنى على دعاوى فردية أو جماعية محدودة في أحسن الأحوال، ورفعت التعبئة الحقوقية شعارَ "العدالة الجنائية" بوصفها قاعدة أساسية لتحقيق العدالة الانتقالية التي تجعل من كشف الانتهاكات ومعاقبة مرتكبيها ووضع آليات منعها مستقبلاً هدفها الأسمى، ومبتغاها الأبعد.


أهمّية العدالةُ الانتقاليّة 


يَحق للضّحايا بناءً على أثر الانتهاكات الجسيمة على حقوق الإنسان أن يَشهدوا معاقبة من أرتكبوا الجرائم، ومعرفة الحقيقة، والحصول على تعويضات؛ حيث إنّ الانتهاكات لا تؤثّر على الضّحايا فقط، بل على المجتمع ككل، فيستوجب على الدولة ضمان الإيفاء بهذه الموجبات وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات، وذلك من خلال إصلاح المؤسّسات التي كان لها يد فيها، أو كانت غير قادرة على تفاديها، وغالباً فإنّ هذه الانتهاكات الجسيمة التي لم تُعالج ستنتج عنها انقسامات اجتماعيّة، وغياب الثقة بين المجتمع ومؤسّسات الدّولة، بالإضافة إلى عرقلة الأمن وأهداف التّنمية، وإبطاء تحقيقهما.
أسس تحقيق العدالةُ الانتقاليّة : 
▪️تقوم العدالةُ الانتقاليّة تقليدياً على أربعة أسس هي:
(1) محاكمة وكشف الضالعين في الانتهاكات.
(2) كشف حقيقة الانتهاكات.
(3) تعويض الضحايا والاعتذار أحياناً من قبل الدولة إذا كانت الجرائم ذات طبيعة عرقية.
(4) الإصلاح الإداري والمؤسسي بما يُمكّن من ضمان عدم تكرار الانتهاكات.
▪️ترمي العدالةُ الانتقاليّة أولاً إلى القطيعة مع الإفلات من العقاب وترسيخ ثقافة المسؤولية الجنائية لدى الدولة ومؤسساتها، وكذلك لدى الأفراد؛ فهي تشمل الرئيس والشرطي دون تفرقة إلا في حجم الانتهاكات المرتكبة ومستوى المسؤولية.
▪️والواقع أنَّ ترسيخ ثقافة عدم الإفلات من العقاب يُسهم تلقائيا في تعزيز الديمقراطية ودولة القانون القائمة في الأصل على ربط المسؤولية بالمساءلة والمحاسبة، لكن العدالةُ الانتقاليّة مع صرامتها لا تسعى إلى العقاب في جوهرها، وإنما إلى تحديد المسؤوليات وجبر الضرر وإعادة الثقة للضحايا في الدولة والمجتمع وفي قدرتهما على حمايتهم، وهي قيم حيوية للتماسك الاجتماعي والاستقرار.

أهداف العدالةُ الانتقاليّة 


(1) الهدف الأساسي للعدالة الانتقاليّة هو تحقيق المُصالحة الوطنيّة، حيث إنّه من بعد الانتهاكات الكبيرة في حقوق الإنسان سيفقد المجتمع الثّقة بحكم القانون، والآليات التقليدية للعدالة، وغالباً ما يظهر ذلك في الدول التي عَانت من حُروبٍ ونزاعات أهليّة، حيث تتشكّل لديها دوافع قوية للانتقام، ممّا سينتج عنه عنف متبادل.
(2) إصلاح المؤسّسات في الدّولة، وفي مقدّمتها مؤسّسات الجيش والأمن، والمؤسّسات جميعها التي تورّطت في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، أو التي لم تحاول منع أرتكابها، ومن هنا قد تتوصل الدولة لمنع تكرارها مستقبلاً.
▪️قد تشتمل الأهداف التكاملية للعدالةُ الانتقاليّة على:-
(1) إنشاء مؤسسات خاضعة للمساءلة واستعادة الثقة في تلك المؤسسات.
(2) جعل الوصول إلى العدالة ممكناً للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع في أعقاب الانتهاكات.
(3) ضمان أن النساء والمجموعات المهمشة تلعب دورا فعالاً في السعي لتحقيق مجتمع عادل.
(4) إحترام سيادة القانون.
(5) تسهيل عمليات السلام، وتعزيز حل دائم للصراعات.
(6) إقامة أساس لمعالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع والتهميش.
(7) دفع قضية المصالحة.
آليات تحقيق العدالةُ الانتقاليّة :

(1) الملاحقات القضائية 
▪️وهي إقامة الدّعاوى الجنائية والتحقيقات مع المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات، لاسيّما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحمّل المسؤولية،
ومن الأمثلة على مثل هذه الدّعاوى: المُحاكمات التي حدثت في نورمبرج التي أُجريت للنّازيّين في البلاد الألمانية من بعد الحرب العالمية الثّانية.
  
(2) لجان الحقيقة 
هي عبارة عن هَيئات غير قضائية تُجري تحقيقات تخصّ الانتهاكات التي حدثت في الماضي القريب، ثم تُصدر تقارير وتوصيات بهدف إيجاد طرق ووسائل لمعالجة الانتهاكات والترويج للمصالحة، وتعويض ضحايا الانتهاكات، وتقديم المُقترحات التي من شأنها الحدّ من تكرّرها في المستقبل ومَنعها.
(3) برامج التّعويض (جبر الضرر) :
وهي عبارة عن مُبادرات تدعمها الدّولة، من أجل المُساهمة في جبر الأضرار المعنويّة والماديّة التي نتجت عن انتهاكات الماضي، حيث تُوزّع تَعويضات رمزيّة وماديّة على الضّحايا، ومن ضمنها الاعتذارات الرّسميّة، وجبر الضرر الذي تعترف الحكومات من خلاله بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية (كالمدفوعات النقدية أو الخدمات الصحيّة على سبيل المثال) فضلاً عن أشكال رمزية (كالاعتذار العلني أو إحياء يوم للذكرى).
 
(4) إصلاح المؤسّسات :
إصلاح المؤسّسات ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوات المسلّحة، والشرطة والمحاكم، بغية تفكيك  بالوسائل المناسبة آلية الإنتهاكات البنيوية وتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب، والهدف هنا هو إصلاح المؤسّسات التي كان لها دور في الانتهاكات، مثل: القطاع الأمنيّ، والمؤسّسات القضائيّة والعسكريّة والشرطية ونحو ذلك من تدابير، مثل: التخلّص من بعض المسؤولين غير الأكفياء.
لاينبغي النظر إلى هذه الأساليب المختلفة كبدائل لبعضها البعض، على سبيل المثال، لجان الحقيقة ليست بديلاً عن المحاكمات، تحاول لجان الحقيقة أن تفعل شيئًا مختلفا عن الملاحقات القضائية بتقديم مستوى أوسع بكثير من الاعتراف والحد من ثقافة الإنكار، وبالمثل فإصلاح الدساتير والقوانين والمؤسسات ليست بديلا عن تدابير أخرى ولكن تهدف مباشرة إلى استعادة الثقة ومنع تكرار الانتهاكات.

▪️يجري تحقيق آليات تحقيق العدالة الانتقاليّة على مستويين :-


(1) آليات تحقيق العدالةُ الانتقاليّة داخلياً :

داخلياً يلزم تحقق إرادة سياسية جادة في تحقيق العدالةُ الانتقاليّة تُلغي الحسابات السياسية لصالح التأسيس لدولة الحق والقانون، وهنا يبرز تحد كبير وهو قدرة النظام القائم (إن كان هو المسؤول عن الجرائم) على تناول حقبة مظلمة من تاريخه وتحمل المسؤولية التاريخية عنها، ومكمن الصعوبة في مثل هذا القرار هو ما قد يُرتبه من انعكاسات سياسية قد تُهدد النظام نفسه، كقيام ثورة شعبية ضده، أو إقدام بعض أركانه على تنفيذ عملية انقلابية شاملة من منطلق الخوف على أنفسهم من المتابعات القضائية.

(2) آليات تحقيق العدالةُ الانتقاليّة خارجياً :

على المستوى الدولي، تتحقق العدالةُ الانتقاليّة  بإقامة محاكم خاصة تضطلع بالمتابعات القضائية ضدَّ الضالعين في جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم التعذيب والإبادة، ومن أشهر المحاكم الخاصة المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة والمحكمة الخاصة برواندا، وقد نجحت هاتان المحكمتان في جرّ عدد من المتهمين إلى العدالة، لكنَّها ظلت مكبلة بحسابات السياسة في متابعاتها بعض القادة السياسيين، ومعلوم أن هذه المحاكم لاتتوفر على آليات تنفيذية لإنجاز العدالة، وتعتمد كلياً على تعاون حكومات العالم في توقيف وتسليم المتهمين.

▪️لوضع آلية دولية للتصدي لجرائم الحرب والجرائم المرتكبة في حق الإنسانية، أسست محكمة الجنايات الدولية عام 2002م بناء على معاهدة روما الموقعة قبل ذلك بأربع سنوات، وقد أصدرت المحكمة مذكرة أعتقال في حق رئيس السودان عمر البشير بعد اتهامه بالمسؤولية السياسية عن العنف في دارفور، وفي عام 2015 مثل رئيس كينيا أوهيرو كنياتا أمامها للشهادة في أحداث العنف العرقية اللاحقة على رئاسيات 2007م، ورأى الاتحاد الأفريقي في اقتصار المتابعات على الزعماء الأفارقة تطفيفاً  طعناً في مصداقية المحكمة.

العدالةُ الانتقاليّة في اليمن:
 


يثير مشروع قانون العدالة الانتقاليّة في اليمن الكثير من الجدل، ففيما يعتبره البعض وسيلة للمصالحة وضمانة لعدم تكرار الإنتهاكات، يتهمه آخرون بتجاهل حقوق الضحايا، ومنح الفرصة للجناة للإفلات من العقاب على جرائم أقترفت على مدى عقود.

لقد تقدمت الحكومة في اليمن خطوات مهمة باتجاه المصادقة على مشروع قانون العدالةُ الانتقاليّة الذي تم إدراجه ضمن مخرجات الحوار الوطني في عام 1914م، حيث أنجزت وزارة الشؤون القانونية اليمنية مشروع قانون العدالة الانتقاليّة الذي يهدف إلى كشف حقيقة ما جرى من جرائم قتل المتظاهرين المدنيين ووضع نهاية لأسباب الانقسام والصراع بين أفراد المجتمع اليمني نتيجة للصراعات السياسية في الماضي والحاضر وحقهم في تحقيق العدالة والتعويض المناسب عبر تحقيق شامل، لكن تطبيق القانون على أرض الواقع قد تكتنفه تحديات كبيرة، ويسعى القانون مستقبلاً لتحقيق العدالة لضحايا القمع الحكومي وإنتهاكات حقوق الإنسان خلال سنوات الحرب والنزاعات السياسية، لهذا يعتبر العدالة الانتقالية في اليمن مطلب دولي يتوجب تحقيقه على أرض الواقع في اليمن، لكن لا يزال مشروع القانون عالقاً وذلك بسبب الأحداث الجارية فيها، وذلك لإنقلاب ميليشيات الحوثة على النظام الشرعي، والتي تبعه تدخل دولي لاستعادة الشرعية لازالت  معاركها وضحاياها حتى الآن، ويؤمل أن يحقق تطبيق القانون مستقبلاً بعد سكوت أصوات المدافع إلى مصالحة وطنية بين أبناء الشعب اليمني تمهد الطريق أمام إستدامة السلام وتحقيق التنمية وسيادة القانون.
 
المصادر: 
(1) ما هي العدالة الانتقالية؟ المركز الدولي للعدالة الانتقالية
(2) العدالة الانتقالية Transitional justice / موقع المعرفة
(3) مفهوم العدالة الانتقالية -هايل الجازي- موقع موضوع كوم
(4) العدالة الأنتقالية aljazeera.net
(5) العدالة الانتقالية في اليمن/ فيصل عبدون/جريدة الخليج العربي

تصعيد غير مسبوق في لبنان قبيل إعلان محتمل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله


محمد بن سلمان: ميزانية 2025 تعزز قوة الاقتصاد السعودي وتفتح آفاقاً جديدة للنمو


اجتماع رباعي يبحث أزمة السودان: دعوات لوقف إطلاق النار وتعزيز الاستجابة الإنسانية


الإمارات تواجه زيادة حادة في الهجمات السيبرانية وهجمات الفدية في 2024