قضايا وحريات
"قضايا المناخ"..
التحديات المناخية في المدن الساحلية: حالة مدينة عدن وتأثيرها على الأمن الغذائي
تهدف هذه الورقة البحثية إلى معرفة التحديات التي تواجهها مدينة عدن في العقود الأخيرة حيث أثرت هذه التغيرات المناخية بشكل كبير وسلبي على صحة السكان والاقتصاد والبيئة لاسيما في عدن التي تُعدُّ من أهم المدن الساحلية، تقع في الجزء الغربية من السهل الساحلي الجنوبي لشبة الجزيرة العربية وتتمتع بميناء استراتيجي على البحر الأحمر وعند نقطة التقاء قارتي آسيا وأفريقيا.
وتُعدُّ التغييرات المناخية من أبرز التحديات التي تواجها المدينة ومن أجل التكيف مع هذه التغيرات يجب أن تتضافر الجهود على المستويات الحكومية والشعبية من أجل تنفيذ استراتيجيات فعالة للحد من الآثار السلبية وتحقيق استدامة بيئية واقتصادية.
سنتناول أبرز التغيرات المناخية التي شهدتها مدينة عدن أسبابها، وآثارها على المدينة وسكانها. وأختم هذه الورقة بعدد من التوصيات.
الكلمات المفتاحية:-
التغييرات المناخية، مدينة عدن.
مقدمة:
تُعدٌّد التغيرات المناخية واحدة من أهم القضايا الملحة في وقتنا الحالي، مما جعلها في المرتبة الأولى على أجندة كافة المؤتمرات الإقليمية والدولية، وأصبح العمل المناخي واحدًا من أهداف التنمية المستدامة بشكل مباشر وطبقًا للتقارير العلمية، فإن التغيرات المناخية تهدد صحة الإنسان. إلى جانب ارتفاع في درجة حرارة، وتدهور مستمر للغطاء النباتي وللتنوع البيئي وظهور أنماط مناخية جديدة وتغير كبير في الظواهر الطبيعية.
وقد أدت هذه التغيرات إلى حدوث الكثير من المخاطر البيئية تجاه صحة الإنسان مثل الضغوط على الأنظمة المنتجة للغذاء، وفقدان التنوع الحيوي، وانتشار الأمراض المعدية بشكل عالمي، فقد قدرت منظمة الصحة العالمية(WHO) 16000 حالة وفاة منذ عام 1950م مرتبطة بصوره مباشرة بالتغيرات المناخية.
فغالبية الآثار العكسية للتغير المناخي تعاني منها المجتمعات الفقيرة وذات الدخل المنخفض حول العالم.
كما تؤدي تأثيرات التغير المناخي على الزراعة إلى انخفاض غلة المحاصيل والجودة الغذائية بسبب الجفاف وموجات الحر والفيضانات، وكذلك زيادة الآفات وأمراض النباتات وسببها التغيرات في درجات الحرارة، وهطول الأمطار، ومستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الناتجة عن تغير المناخ.
كما يوثر التغير المناخي على مصادر المياه في العالم بسبب التقلبات التي تحدث في دورة المائية وحدوث الظواهر المناخية بطرق معقدة من أنماط هطول الأمطار غير المتوقعة إلى ذوبان الصفائح الجليدية، وارتفاع مستويات سطح البحر، والفيضانات، والجفاف.
ويتسم الوضع الحالي باختلال بين الاحتياجات المائية والموارد المائية المتاحة، مما ولد تضاربًا في تخصيص هذا المورد وصعوبة التحكم في تخصيص هذا المورد، وصعوبة التحكم فيه نظرًا لأن الاحتياجات من هذا المورد تعبر عن استخداماته في كل القطاعات، وهدر هذا المورد يهدد التنمية على جميع مستوياتها وبدرجة أكبر يهدد الأمن الغذائي.
كما يؤثر التغير المناخي بشكل مباشر على امدادات الوقود، وإنتاج الطاقة فموجات الحر والجفاف تضع بالفعل توليد الطاقة في الوقت الحالي تحت الضغط مما يجعل من المهم للغاية الحد من انبعاثات الوقود.
وبالتالي زيادة الانبعاثات الكربونية، مما نجم عنه ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ العالمي.
حدود البحث
تقع مدينة عدن بين دائرتي عرض(12,50 _ 12,7) شمالًا، وخطي الطول(40,0 _ 45,32) شرقًا، أي أنها تقع في العروض المدارية فمناخها صحراوي، يحد محافظة عدن من الشمال والغرب محافظة لحج، ومن الشمال الشرقي محافظة أبين ومن الشرق والجنوب خليج عدن.
- الموقع الجغرافي:
فعدن تقع على خليج عدن في الجزء الجنوبي الغربي من السهل الساحلي الجنوبي لشبة الجزيرة العربية، وتبعد عن باب المندب عند مدخل البحر الأحمد بنحو 170 كم نحو الغرب.
وتبلغ عدن(750) كيلو كتر مربع، ويصل عدد سكان المدينة وفقًا لنتائج التعداد العام للسكان والمساكن لعام(2004م) حوالي (589419) نسمة منها 313,555 نسمة ذكور و 275,864 نسمة إناث، وتنقسم محافظة عدن إداريًا إلى ثمان مديريات، هي: (صيرة - التواهي – المعلا - خورمكسر - الشيخ عثمان - المنصورة - دار سعد ) ، جدول (1)
جدول (1)
المديرية | المساحة كم2 | الكثافة (نسمة كم2) | عدد الذكور | عدد الإناث | الإجمالي |
دار سعد | 37 | 2154,37 | 42398 | 37311 | 79712 |
الشيخ عثمان | 42 | 2505,9 | 58180 | 47060 | 105248 |
المنصورة | 88 | 1306 | 61578 | 53269 | 114931 |
البريقة | 485,90 | 128,4 | 32137 | 30212 | 62405 |
التواهي | 10 | 5298,4 | 27303 | 25671 | 52984 |
المعلا | 4 | 12472,75 | 26290 | 23521 | 49891 |
صيرة | 13 | 5901,7 | 39940 | 36739 | 76723 |
خور مكسر | 61 | 771,2 | 25264 | 21716 | 47044 |
أخرى(خاص بعدد السكان) | _ | _ | 239 | 242 | 481 |
الإجمالي | 741 | 795,4 | 313,555 | 275,864 | 589,419 |
مشكلة البحث:
تعاني عدن من عدة مشكلات ناتجة عن التغيرات المناخية منها ارتفاع درجه الحرارة، لوحظت زيادة ملحوظة في درجات الحرارة خلال فصل الصيف، وهذه الزيادة تؤثر سلبًا على صحة السكان، كما أن الفيضانات في عدن نتيجة الأمطار الغزيرة وغير المتوقعة خلال الفصل الشتاء أدَّت إلى تدمير البنية التحتية مثل الطرق والمباني وخسائر في الأرواح.
ويشهد السكان في مدينة عدن نقصًا متزايدًا في المياه الصالحة للشرب نتيجة تغيّر المناخ حيث يؤدي انخفاض المياه الجوفية بسبب قلة الأمطار، والزيادة في معدلات التبخر، مما يشكل مشكلة نقص المياه العذبة للسكان.
أهداف البحث:-
1 _ عرض تأثيرات التغير المناخي على البيئة مثل ارتفاع درجات الحرارة وتغییرات في أنماط الطقس وزيادة حالات الجفاف والفيضانات وارتفاع مستوى سطح البحر إضافة إلى آثار ذلك على صحة الإنسان والموارد المائية والزراعة.
2_ معرفة العوامل الطبيعية والبشرية التي أسهمت في تغير المناخ مثل انبعاثات الغازات، والتغيرات في الأنظمة البيئية
3_ توعية المجتمعات والأفراد حول مخاطر التغير المناخي وأثره على الحياة اليومية وطرق المساهمة في الحد من تأثيراته من خلال سلوكيات بيئية مستدامة.
4 _ التوصية بدعم الحكومات والمنظمات العالمية في اتخاذ قرارات بشأن السياسات المتعلقة بالحد من التغيرات المناخية من انبعاثات الكربون.
أهمية البحث:
تتجلى أهمية البحث لعدن بسبب موقعها الجغرافي والظروف البيئية الخاصة بها، إذ تُعدُّ من المناطق الساحلية التي تتعرض للارتفاع في درجات الحرارة نتيجة للتغيرات المناخية وبالتالي زيادة من معدلات الأمراض المرتبطة بالحرارة. وكذا موقع المحافظة الساحلي ساعد في ارتفاع مستوى البحر، وبالتالي فإن ارتفاع مستوى البحر يشكل تهديدًا للمناطق المنخفضة.
ويساعد هذا البحث في فهم التحديات المناخية المحتملة، وتهيئة المجتمع المحلي للتكيف مع هذه التغيرات مما يساهم في تعزيز التنمية المستدامة في عدن.
منهج البحث.
تم الاعتماد على المنهج الوصفي من خلال وصف التغيرات المناخية في عدن، وكذلك الاعتماد على المنهج التجريبي لغرض تحليل التقارير العلمية والمعلومات والبيانات، وذلك لتوضيح العلاقة بين العوامل الطبيعية والبشرية كمؤشرات أساسية لإبراز مناخ عدن، وما ينجم عنها من تأثيرات مناخية على صحة الإنسان والاقتصاد والبيئة.
مناخ عدن:
تتأثر عدن بعناصر المناخ المختلفة من حرارة ورطوبة ورياح ولها علاقة بالتغيرات المناخية.
- الحرارة والرطوبة: _
لقد دلت الدراسات بأن زيادة درجات الحرارة واختلافها له تأثير على صحة السكان، وأن اختلاف معدل الوفيات من أمراض القلب والجهاز التنفسي من مكان إلى آخر، يرجع إلى اختلاف درجات الحرارة، ومنها الدراسة التي قام بها هودجسن(Hodgson) 1970م، التي تبين من خلالها أن معدل الوفيات عند ارتفاع درجة الحرارة يزيد 10 أضعاف عن المعدل العام، كما وجد أن درجة الحرارة العظمى إذا زادت على 35 ْم فإن معدل الوفيات يرتفع إلى 37% عن المعدل العام. وإذا زادت على 37 ْم فإن النسبة ترتفع إلى 75% عن المعدل العام، وإذا زادت على 45 ْم فإن النسبة سوف تصل إلى 200%.
وإن اختلاف معدل الحرارة له تأثير كبير على انتشار الأمراض، خاصة الوبائية منها الملاريا malaria، الحمى الصفراء Yellow fever، والكوليرا cholera لأنها تجعل البيئة مناسبة لتكاثر البعوض والذباب (بسبب الماء الراكد) وغيرها من الحشرات الناقلة للأمراض.
وهذا واضح في عدن أثناء فصل الصيف واستنادا إلى تقرير وزارة الصحة عن الأمراض الوبائية وخاصة الملاريا وزيادة انتشارها.
إن المعدلات العالية للحرارة والرطوبة تجعل الجو خانقًا صعب الاحتمال مما يؤثر على صحة السكان ونشاطه في العمل.
وتتعرض عدن مثل العديد من مناطق العالم لتأثيرات التغيرات المناخية التي تؤثر في درجات الحرارة والرطوبة وبالتالي تأثيرهما على مناخ المحافظة.
أصبحت هناك تقلبات أكبر في المناخ في السنوات الأخيرة وفيما يلي عرض لدرجات الحرارة والرطوبة المعتادة خلال فصول السنة في عدن.
فصل الصيف (يونيو - أغسطس)
يُعدُّ فصل الصيف في عدن حارًا حيث تتراوح درجات الحرارة. ما بين 30 إلى 40 درجة مئوية خلال النهار، ونتيجة للتغيرات المناخية تزيد حرارة الصيف حيث تتجاوز بعض الأيام 40 درجة مئوية أو أكثر ويصاحب ذلك ارتفاع ملحوظ في الرطوبة وتتجاوز نسبة الرطوبة في الصيف 80% في بعض الأيام، لاسيما في المناطق الساحلية، مما يجعل الجو خانقًا أشد حرارة وشديد الرطوبة.
فصل الخريف (سبتمبر - نوفمبر)
يتسم عضلة الخريف في عدن بدرجات حرارة مرتفعة نسبيًا حيث تتراوح ما بين 28 إلى 35 درجه مئوية، وتسبب التغيرات المناخية امتدادًا لفترة الحر بشكل غير معتاد في هذا الفصل مع درجات الحرارة قد تتجاوز المعدلات المعتادة.
وتقل الرطوبة نسبيًا مقارنة بالصيف، ومع ذلك تظل الرطوبة في معظم الأيام مرتفعة، وتتراوح ما بين 60% و 70% لكنها أقل بكثير من فصل الصيف.
فصل الشتاء (ديسمبر - فبراير)
عادة فصل الشتاء في عدن ما يكون معتدلًا حيث تتراوح درجات الحرارة ما بين 20 إلى 25 درجة مئوية خلال النهار. وفي ظل التغيرات المناخية تكون هناك فترات دافئة أكثر من المعتاد مع انخفاض في أيام البرد نسبيًا.
اما الرطوبة فتظل نسبيًا مرتفعة وتتراوح ما بين 60% و70% مقارنة بالفصول الأخرى.
- فصل الربيع (مارس – مايو)
عادة درجات الحرارة في فصل الربيع تتراوح ما بين 25 – 35 درجة مئوية، وبسبب التغيرات المناخية تكون بداية مبكرة في ارتفاع درجات الحرارة ويصاحبها زيادة في نسبة الرطوبة خاصة في المناطق الساحلية. وتتراوح الرطوبة في هذا الفصل ما بين 60 % و75% وفي بعض الأيام تتجاوز هذه النسبة.
الأمطار:
تُعدُّ عدن من أبرز المدن الساحلية، وتتميز بمناخ حار وجاف معظم فترات العام، إلا أن الأمطار في عدن تختلف من فصل إلى آخر، وتتأثر بعدة عوامل من أهمها الموقع الجغرافي والظروف المناخية، وفيما يلي عرض للأمطار خلال فصول السنة ..
فصل الصيف (يونيو - أغسطس)
وجود الأمطار في هذا الفصل قليلة بشكل ملحوظ، وتكاد تنعدم في أحد شهوره (يونيو)، إلا أن هناك فترات قصيرة يمكن أن تشهد زخات من الأمطار نتيجة لارتفاع درجات الحرارة والرطوبة خاصة في شهري يوليو وأغسطس، وتكون الأمطار غالبًا مصحوبة بالعواصف الرعدية الخفيفة.
فصل الخريف (سبتمبر - نوفمبر)
تُعدُّ الأمطار في فصل الخريف متقاربةً مع الأمطار في فصل الصيف من حيث كميتها، ويُعدُّ هذا الفصل بداية مواسم الأمطار في عدن، وتكون أمطار متوسطة الشدة، وتحدث بشكل غير منتظم خاصة في شهري سبتمبر وأكتوبر، وهذه الأمطار ناتجه عن منخفضات جوية قادمة من البحر العربي يصاحبها بعض العواصف الرعدية.
فصل الشتاء (ديسمبر - فبراير)
تتسم الأمطار في فصل الشتاء بالشدة المطرية نسبيًا لانخفاض درجات الحرارة التي تزيد من فرص التكاثف، كما أن التقاء كتل هوائية شمالية أبرد مع كتل هوائية جنوبية أسخن يساعد على سقوط الأمطار، ويمثل شهر فبراير أكثر الشهور مطرًا في عدن.
فصل الربيع (مارس - مايو)
يُعدُّ فصل الربيع أقل فصول السنة من حيث كميات الأمطار حيث تشهد هطول الأمطار المتفرقة، خاصة في شهري فارس وأبريل، حيث تكون الأمطار خفيفة إلى معتدلة الشدة، وتكون مصحوبة بهبوب رياح موسمية.
الرياح:
تمثل الرياح إحدى ملامح المناخ الرئيسة في عدن، إذ تتأثر بموقعها الجغرافي على البحر الأحمر والخليج عدن بالإضافة إلى تأثيرات المناخ المداري. ويحس بها السكان عندما تهب عليهم وخاصة الرياح المحملة بالغبار في فصل الصيف.
ويمكن تقسيم الرياح على النحو الآتي:
1_ الرياح الشمالية الشرقية: (الرياح الموسمية)
تهب الرياح الشمالية الشرقية في فصل الصيف بشكل منتظم وتكون هذه الرياح جافة وحارة، وهي سمة من سمات الرياح الموسمية التي تهب من مناطق الصحاري نحو البحر.
2_ الرياح الجنوبية الغربية (الرياح البحرية)
تهب الرياح الجنوبية الغربية في فصل الشتاء، وهي عادة رياح بحرية رطبة، هذه الرياح تساعد في اعتدال درجات الحرارة في عدن، حيث تأتي من البحر العربي، وتُعدُّ أكثر برودة مقارنة بالرياح الصيفية.
الرياح الغربية:
تهب الرياح الغربية من الاتجاه الغربي، وتكون هذه الرياح نتيجة للتغيرات في الضغط الجوي على مستوى البحر الأحمر.
الرياح المحلية:
تتأثر محافظة عدن برياح محلية ناتجة عن التغيرات الحرارية بين المناطق اليابسة والساحل، وتظهر هذه الرياح بشكل غير منتظم.
بشكل عام تتسم الرياح في عدن بكونها موسمية ومتغيرة تبعًا للموسم والظروف الجوية المحلية.
- مباحث الدراسة:
تناولت هذه الدراسة تغييرات مناخية في عدن واحتوت على أربعة مباحث تناول المبحث الأولى التغيرات المناخية وتناول المبحث الثاني أسباب التغيرات المناخية في محافظة عدن والمبحث الثالث آثار التغيرات المناخية والمبحث الرابع التكيف مع التغيرات المناخية. وتوصلت الدراسة إلى عدة توصيات.
المبحث الأول: التغيرات المناخية في عدن
1_ مناخ عدن وتقلباته:
تتسم عدن بمناخ صحراوي حار حيث تسجل درجات حرارة مرتفعة طوال العام خاصة في أشهر الصيف، ومع ذلك شهدت المدينة في السنوات الأخيرة تغيرات في المناخ حيث سجلت درجة الحرارة أعلى من المعتاد بشكل ملحوظ حيث يتراوح متوسط درجات الحرارة في الصيف 35 _ 40 درجة مئوية، بينما في فصل الشتاء تتراوح بين 18 _ 22 درجة مئوية. ومن المتوقع أن تشهد عدن في المستقبل القريب ارتفاعًا في درجات الحرارة نتيجة للتغيرات المناخية التي تؤثر على مناطق مختلفة من العالم بما في ذلك عدن.
إن الاحتباس الحراري يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة بشكل عام. وزیادة تأثيراتها المناخية القاسية مثل الموجات الحارة في عدن من المحتمل أن يتسارع هذا الارتفاع في درجات الحرارة، خاصة خلال فصل الصيف، مما قد يؤدي الى درجات حرارة مرتفعة جدًا قد تتجاوز 45 درجة مئوية أو أكثر في بعض الأحيان، هذه الزيادة في الحرارة قد تؤثر على الصحة العامة للسكان وعلى الطاقة والمياه والزراعة.
2 _ تغير أنماط الأمطار:-
كانت عدن تشهد سابقًا موسمًا ممطرًا محدودًا حيث تقتصر الأمطار على أشهر محدودة من السنة لكن مع التغيرات المناخية شهدت المدينة تقلبات في هذه الأنماط حيث سجلت بعض السنوات زيادة في كميات وطول الأمطار إلا أن معظم الأمطار في عدن يتم في بضع ساعات من اليوم أو عدة أيام.
من المتوقع أن تشهد عدن تغيرات ملحوظة في أنماط الأمطار قد تؤدي إلى زيادة في فترات هطول الأمطار الغزيرة في عدن نتيجة لتغير الأنماط المناخية، هذا قد يؤدي إلى زيادة في حجم الأمطار في بعض الأشهر، مما يعزز حدوث فيضانات مفاجئة في بعض المناطق. وكذا من المتوقع أن يتغير موسم الأمطار في عدن حيث قد تتأخر بعض الأمطار أو تزداد كثافتها في أوقات معينة من السنة قد تحدث تغيرات في توقيت الأمطار وتوزيعها المكاني..
3_ زيادة في العواصف والرياح:
شهدت عدن في الآونة الأخيرة تزايدًا في عدد العواصف الرملية والرياح الشديدة خاصة في فصلي الربيع والصيف، هذه الرياح تؤثر بشكل سلبي على جودة الهواء. ويصل تأثيرها إلى داخل المدينة، وهي رياح محملة بالأتربة تؤدي إلى سوء الأحوال الجوية، وتحجب الرؤية، كما أن العواصف المتربة عندما تزيد سرعة الرياح على 7 _ 8 متر / ساعة يرتفع الغبار إلى 5 متر ويصل تأثيره إلى مسافة 3 _ 5 كم، من المتوقع تؤدي التغيرات المناخية إلى إزدياد الاضطرابات الجوية مما يتسبب في تغيرات غير متوقعة في أنماط الرياح.
المبحث الثاني: أسباب التغيرات المناخية في عدن
1- التغيرات العالمية:
يشكل التغير المناخي العالمي أحد الأسباب الرئيسة وراء التغيرات المنافية في عدن، زيادة الانبعاثات الكربونية والتلوث البيئي على مستوى العالم، يؤثر بشكل مباشر على درجات الحرارة، وتوزيع الأمطار في المناطق المختلفة بما في ذلك عدن.
2 _ النمو السكاني والتحضر:
تشهد عدن تزايدًا في النمو السكاني والتحضر وتوسع عمراني متزامن مع المؤثرات الدالة على الوضع الاقتصادي، ودور عدن بوصفها ميناءً تجاريًّا تاريخيًّا، وعليه فقد شهدت نموًا سكانيًا متسارعًا، وأصبحت عدن منطقة جذب وافدين من المحافظات المجاورة، وما ترتب عليه من مشاكل من زيادة في استهلاك الطاقة والمياه والموارد الطبيعية، هذه الأنشطة من تسهم في زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة وتفاقم المشاكل المناخية.
3_ تدهور الغطاء النباتي:
تدهور الغطاء النباتي في عدن نتيجة لعوامل مثل التصحر، وقطع الأشجار، والأنشطة البشرية غير المستدامة تسهم في تفاقم تأثيرات التغيرات المناخية، يقلك هذا التدهور من قدرة البيئة على امتصاص الكربون، وتنظيم درجات الحرارة.
المبحث الثالث: آثار التغيرات المناخية
أولًا: آثار صحية
تؤثر التغيرات المناخية بشكل ملحوظ على صحة السكان في عدن، خاصة في ظل التحديات المناخية التي تواجهها، وفيما يلي عرض بعض الآثار الصحية التي قد تنجم عن هذه التغيرات تشمل:
1_ ارتفاع درجات الحرارة
زيادة درجات الحرارة نتيجة للتغير المناخي تؤدي إلى ارتفاع حالات الإصابات بضربات الشمس والجفاف، خاصة في فصل الصيف الحار كما يمكن أن يزيد من معدلات الأمراض المتعلقة بالحرارة مثلالتسمم الحراري.
2_ تفاقم الأمراض التنفسية:
تزايد درجات الحرارة قد يؤدي إلى تدهور جودة الهواء وزيادة انبعاث الغازات السامة من المصادر الصناعية أو المركبات، مما يزيد من خطر الأمراض التنفسية مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية.
3 _ زيادة الأمراض المعدية:-
التغيرات المناخية تؤثر على أنماط هطول الأمطار، مما يسبب الفيضانات، وهذه الفيضانات قد تسهم في انتشار الأمراض المنقولة عن طريق المياه مثل الكوليرا والتيفوئيد.
4 _ ارتفاع خطر الأمراض المزمنة: _
تأثرت التغير المناخي على جودة المياه والموارد الطبيعية قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة مثل السكري، الضغط، وأمراض القلب، بسبب التغيرات في النظام الغذائي والبيئة المحيطة.
5 _ انتشار الأمراض المدارية: _
تغيرات درجة الحرارة والرطوبة يمكن أن تؤدي إلى انتشار أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك التي تنتقل بوساطة البعوض.
ثانيًا: آثار اقتصادية:
تواجه عدن تحديات اقتصادية كبيرة بسبب التغيرات المناخية التي تؤثر بشكل مباشر على مختلف القطاعات الاقتصادية في عدن، مما يترتب عليه مجموعة من الآثار الاقتصادية السلبية.
1 _ 1 _ تأثير التغيرات المناخية على القطاعات الاقتصادية الرئيسة:
أ _ القطاع الزراعي:
يُعدُّ القطاع الزراعي من أكثر القطاعات تأثرًا بتغيرات المناخ في عدن فقد أدَّى ارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار إلى تدهور الإنتاج الزراعي، مما أثر سلبًا على الأمن الغذائي في عدن وزيادة تكاليف الاستيراد.
ب _ القطاع السمكي:
يُعدُّ قطاع الصيد البحري من المصادر الرئيسة للرزق في عدن لكن ارتفاع درجات الحرارة لمياه البحر وزيادة ملوحتها يؤثران سلبًا على الحياة. البحرية، كما أن العواصف والأمواج العالية تؤثر على الأنشطة الصيدية.
ج _ القطاع السياحي:
شهد قطاع السياحة تراجعًا نتيجة التغيرات المناخية التي تؤثر على البيئة الطبيعية للمناطق السياحية، فقد أدَّت الحرارة الشديدة والظروف الجوية القاسية إلى تراجع أعداد السياح.
د _ البنية التحتية والمرافق:
تزايد الأحداث المناخية القاسية مثل الفيضانات والعواصف والرياح يؤثر بشكل مباشر على البنية التحتية في عدن، مما يزيد من تكاليف الصيانة والإصلاحات، ويعطل الحركة الاقتصادية في عرن.
١-٢- ارتفاع تكلفة الإنتاج:
يؤدي ارتفاع درجات الحرارة والجفاف إلى زيادة استهلاك المياه والطاقة. مما يرفع من تكاليف الإنتاج الصناعي والزراعي. كما أن تغيرات المناخ تؤدي إلى زيادة تكلفة نقل المنتوجات الزراعية من المحافظات إلى عدن.
1 _ 3 _ الآثار على الأمن الغذائي:
بسبب تدهور الإنتاج الزراعي والصيد البحري، يزداد الاعتماد على الواردات الغذائية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة المخاطر المرتبطة بالأمن الغذائي.
ثالثًا: آثار البيئية.
في ظل التغيرات المنافية من المتوقع ان تتزايد الآثار البيئية السلبية في عدن، وهذه الآثار تتنوع بين ظواهر مناخية شديدة وتدهور في النظم البيئية المحلية ويمكن تلخيصها كما يلي:
1_ الجفاف وندرة المياه: تواجه عدن تحديات كبيرة فيما يتعلق بندرة المياه حيث يؤدي التغير المناخي إلى انخفاض معدلات هطول الأمطار في عدن، هذا يؤثر سلبًا على مصادر المياه العذبة، مما يضاعف من معاناة السكان الذين يعتمدون على المياه الجوفية ويزيد من الضغط على النظام البيئي للمياه.
2 _ ارتفاع مستوى سطح البحر: يُعدُّ ارتفاع مستوى البحر نتيجة للتغير المناخي من أكبر التهديدات التي تواجه عدن، خاصة المناطق الساحلية، يؤدي ذلك إلى التآكل الساحلي، مما يهدد المناطق السكنية ويؤثر على الزراعة الساحلية وصيد الأسماك التي تُعدُّ مصدر رزق مهم للسكان المحليين.
3_ التدهور البيني والتصحر:_ نتيجة لتغيرات المناخ، تعاني كثير من المناطق في عدد من التصحر وتدهور الأراضي الزراعية، يمكن أن يؤدي هنا إلى فقدان التنوع البيولوجي وزيادة الفقر الزراعي حيث تعاني المجتمعات المحلية من نقص في الموارد الطبيعية.
رابعًا: آثار على المعالم التاريخية.
تدهور صهاريج عدن في ظل التغيرات المناخية، وهي من المعالم التاريخية والأثرية في عدن، وقد تم بناؤها كخزانات المياه التي تم استخدامها لتخزين المياه، وتوزيعها لسكان عدن، وهي تُعدُّ جزءًا حيويًا من البنية التحتية للمدينة، ومع التغيرات المناخية تواجه صهاريج عدن عدة مشكلات وهي كما يلي:
1- التآكل الطبيعي: بسبب مرور الزمن وتعرض الصهاريج للظروف المناخية القاسية مثل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، تشرخت الجدران وتصدعت بعض حجارتها جراء توغل جذور النباتات فيها، وتآكلت مادة الجص من على جدرانها، قد تؤدي إلى تدهور البنية التحتية للصهاريج، مما يقلل من قدرتها على تخزين المياه بشكل فعال.
2_ التلوث: يحدث تلوث للمياه المخزنة في الصهاريج بسبب العوامل الطبيعية مثل الأمطار والرياح، وكذلك التوسع العمراني في المنطقة، مما أدَّى إلى زيادة الضغط على صهاريج عدن، هذا المعلم التاريخي، مما يزيد من صعوبة السيطرة على التلوث، وتراكمها بمرور الوقت.
3_ مشكلة الصيانة والتمويل:
بسبب فعل الرياح تراكمت الحجارة والأتربة والطمي في قيعانها، وفي ظل الوضع الاقتصادي والسياسي من المتوقع أن تكون هناك صعوبات في صيانة صهاريج المياه بشكل دوري مما يفاقم المشكلة.
المبحث الرابع: التكيف مع التغيرات المناخية.
من أجل الحد من آثار التغيرات المناخية يجب على السلطة المحلية والمجتمع المدني اتخاذ خطوات فعالة للتكيف مع هذه التغيرات:
1_ الاستثمار في الطاقة المتجددة:
يمكن استغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في توليد الكهرباء؛ لتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية للطاقة وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.
2_ تحسين إدارة المياه:
من خلال تحسين شبكات المياه والري يمكن زيادة كفاءة استخدام المياه، والتقليل من تأثيرات نقص المياه الناجم عن تغيرات المناخ.
3_ التوعية والتثقيف:
توعية السكان بمخاطر التغيرات المناخية، وتشجيعهم على تبني ممارسات مستدامة لحماية البيئة والموارد الطبيعية.
الخاتمة :-
شكّلت التغيرات المناخية تهديدًا متزايدًا بعدن خلال العقود الأخيرة. تتضمن تأثير التغيرات المناخية في عدن بارتفاع درجات الحرارة، وتغيرات في أنماط هطول الأمطار، وزيادة في تكرار وشدة الظواهر المناخية المتطرفة مثل العواصف الرملية والرياح القوية.
لذا يتطلب الأمر تكثيف الجهود لمواكبة هذه التغيرات في عبر خطط شاملة المواجهة تحدياتها من خلال التكيف مع الآثار المتوقعة، وتقليل تأثيراتها على المجتمع والاقتصاد المحلي.
التوصيات
يمكن تلخيص بعض التوصيات التي ستسهم في دعم استراتيجيات عدن للتعامل مع التغيرات المناخية بشكل فعَّال وتحقيق استدامة بيئية واقتصادية.
1 _ رصد التغيرات المناخية:
ضرورة إقامة محطات مراقبة لقياس درجات الحرارة، ونسبة الرطوبة، والأمطار في مختلف المناطق داخل عدن، هذا يساعد على متابعة التغيرات في المناخ بشكل مستمر.
2 _ تحليل تأثيرات التغيرات المناخية على البيئة المحلية:-
دراسة تأثير ارتفاع درجات الحرارة على الموارد المائية والبيئة البحرية، والتنوع البيولوجي، بما في ذلك تأثيرات التغيرات المناخية على الشعاب المرجانية.
3_ تحسين إدارة المياه:
ضرورة تحسين استراتيجيات إدارة المياه في عدن بما في ذلك تطوير تقنيات للحد من الفاقد المائي، وتشجيع إعادة معالجة الصرف الصحي باستخدام التقنيات الحديثة.
٤ _ التوسع في الطاقة المتجددة:
تشجيع الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، والرياح، لتقليل الاعتماد على الوقود، وبالتالي التقليل من انبعاثات الغازات.
5 _ التوعية المجتمعية:
تنظيم حملات توعية لتثقيف السكان المحليين حول أهمية التكيف مع التغيرات المناخية، وطرق الحد من انبعاثات الغازات.
6 _ تشجيع الزراعة المستدامة:
دعم المزارعين في تبني تقنيات الزراعة المقاومة للجفاف والحرارة مثل الزراعة باستخدام المياه المحسنة أو تقنيات الري الحديثة.
7 _ إنشاء شبكات إنذار مبكر للكوارث المناخية:
ضرورة إنشاء نظام إنذار مبكر للأحداث المناخية المتطرفة مثل الفيضانات أو العواصف الرملية، لتقليل الخسائر البشرية والمادية.
8 _ تشجيع الدراسات البحثية:
ضرورة دعم البحوث المحلية التي تتناول تأثيرات التغييرات المناخية على التنوع البيولوجي والصحة العامة والاقتصاد في عدن.
9 _ الاستثمار في البنية التحتية المقاومة للمناخ:
العمل على تحسين تصميم المباني والمنشآت بما يتناسب مع التغيرات المناخية، مثل بناء شبكات تصريف مياه الأمطار أكثر فعالية لتقليل آثار الفيضانات.
10 _ التعاون مع المنظمات الدولية:
العمل مع المنظمات العالمية والمحلية لمكافحة التغيرات المناخية، وتطوير مشاريع مشتركة لتحسين قدرة عدن على التكيف مع ال التحريات المستقبلية.
المراجع:
1_ أبو الريش تاج السر، محمد متولي موسى، الجمهورية اليمنية، الموسوعة الجغرافية للعالم الإسلامي، الجزء الثالث، إقليم شبة الجزيرة العربية، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض، 1993م.
2 _ أحمد فضل أحمد، التصحر في دلتا تبن، رسالة ماجستير (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة عدن، 1996م.
3_ النتائج النهائية للتعداد العام للسكان والمنشآت 2004م.
4_ جمال باوزیر، عبد الله حمود أبو الفتوح، الهيئة الإقليمية للمدينة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، الدراسة الأولية للوضع الراهن للمنطقة الساحلية عدن، عدن، 2001م.
5_ عادل سعيد الراوي، قصى عبد المجيد السامرائي، المناخ التطبيقي، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد، 1990م.
6_ عبدالله أحمد محيرز، صهاريج عدن، دار الهمداني، عدن، 1987م.
7_ عیدروس علوي بلفقيه، جغرافية الجمهورية اليمنية، دار جامعة عدن للطباعة والنشر، عدن، 1997م.
8 _ نور أحمد هيثم، المشكلات البيئية في مدينة عدن، رسالة دكتوراه (غير منشورة)، القاهرة، 2006م.
9 _ مجموعة البنك الدولي: تقرير المناخ والتنمية الخاص باليمن، الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2024م.
10_ شبكة الإنترنت عبر الرابط
http://www.esrl.noaa.gov/psd/data/gridded.