تطورات اقليمية

الحوثيون يهددون الأمن الإقليمي والدولي..

الإستراتيجية الأميركية في اليمن.. بين الحاجة إلى إعادة تقييم وإعادة توجيه

معالجة قوة الحوثيين مع تجنب المزيد من زعزعة الاستقرار أولوية مطلقة.

واشنطن

مع استمرار الحوثيين في تعزيز سيطرتهم على العاصمة صنعاء وتصعيد تهديداتهم للملاحة الدولية، يبرز التدخل الأمريكي كعامل حاسم في تحديد مستقبل اليمن سياسيًا وعسكريًا. السياسات الأمريكية السابقة تجاه اليمن، سواء خلال إدارة بايدن أو إدارة ترامب، أظهرت تناقضات وأوجه قصور واضحة. 

ففي حين ركزت إدارة بايدن على الإغاثة الإنسانية والدبلوماسية في البداية، اتجهت لاحقًا نحو المشاركة العسكرية والعقوبات، مما أدى إلى تفاقم الصراع واستمرار معاناة المدنيين دون تحقيق نتائج ملموسة.

وترى أفراح ناصر، الزميلة غير المقيمة في المركز العربي واشنطن دي.سي، أنه بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب القادمة، فإن التحديات التي يفرضها اليمن تقدم مجموعة معقدة من المخاطر الجيوسياسية، لكن الطريق إلى الأمام يجب أن يكون واضحا: لا ينبغي للبيت الأبيض في عهد ترامب أن يتمسك بنهج سلفه جو بايدن الفاشل تجاه اليمن.

وفشلت السياسات الأميركية في كبح قوة الحوثيين وأنشطتهم في البحر الأحمر وفي الداخل. ولكن بدلا من ذلك، ساهمت الجهود الأميركية في استمرار الصراع في اليمن وتفاقم معاناة المدنيين في البلاد.

واتسمت سياسة إدارة بايدن في اليمن بالتناقض: فقد ركزت في البداية على الإغاثة الإنسانية والدبلوماسية، ثم أعطت الأولوية للمشاركة العسكرية والعقوبات.

وفي البداية، تحولت عن سياسة إدارة ترامب المتشددة بإنهاء الدعم الأميركي للأعمال العسكرية الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن.

ولتوجيه الولايات المتحدة خلال التغيير، عين مبعوثا أميركيا خاصا لليمن، تيم ليندركينغ، وعهد إليه بالعمل مع الأمم المتحدة لإنهاء الحرب وتحسين الوضع الإنساني. كما ألغت إدارة بايدن تصنيف ترامب للحوثيين باعتبارهم “منظمة إرهابية أجنبية”.

وكان هدف بايدن إعادة ضبط الأولويات الأميركية، وتوجيه المسار نحو نهج دبلوماسي أكثر توازنا للصراع المدمر في اليمن. وعلى الرغم من هذه الجهود، ظل الحوثيون غير متعاونين، ورفضوا تقديم التنازلات.

وتحتاج إدارة ترامب الثانية إلى إستراتيجية لمعالجة القضايا الأعمق المطروحة وتوفير أساس مستقر للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط. لكن من المرجح أن تواجه الإدارة الجديدة تحديا في الموازنة بين الحاجة إلى تأمين حرية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن ومعالجة الأزمة الإنسانية وعدم الاستقرار السياسي في اليمن.

وقد تعقد هذا التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة في اليمن منذ عام 2011 بسبب هجمات الحوثيين في البحر الأحمر. لكن إعطاء الأولوية للحلول العسكرية يخاطر بتفاقم الأزمة الإنسانية وتعميق عدم الاستقرار الإقليمي. وهذا يتطلب إستراتيجية دبلوماسية لمعالجة قوة الحوثيين مع تجنب المزيد من زعزعة الاستقرار.

ولم تفشل عسكرة الولايات المتحدة للبحر الأحمر في الحد من قدرات الحوثيين فحسب، بل شجعتهم عن غير قصد أيضا.

وفي أكتوبر 2024، أفاد فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة بشأن اليمن بأن الحوثيين شنوا ما لا يقل عن 134 هجوما من مناطق خاضعة لسيطرتهم على سفن تجارية من العديد من البلدان بزعم أن السفن كانت متجهة نحو إسرائيل أو مرتبطة بها بطريقة أو بأخرى، وكذلك ضد السفن الحربية الأميركية والبريطانية.

ولم تكن هذه مناوشات بسيطة، فقد استخدمت بعض الهجمات صواريخ جديدة ومتطورة للغاية، مما يمثل تقدما مذهلا في القدرات العسكرية للحوثيين.

وكشف تقرير الأمم المتحدة أيضا أن الحوثيين بدأوا في فرض رسوم غير قانونية على وكالات الشحن. وبتنسيق من قِبَل شركة مرتبطة بزعيم حوثي كبير، سمحت هذه الرسوم للسفن بالمرور عبر البحر الأحمر وخليج عدن دون التعرض للهجوم.

وبهذه الطريقة، حول الحوثيون الممرات المائية إلى مشروع مربح، حيث جمعوا ما يقدر بنحو 180 مليون دولار شهريا من رسومهم غير القانونية.

وفي حين لم تتمكن الأمم المتحدة من التحقق بشكل مستقل من هذه المكاسب، قدم تقريرها اقتراحا مقلقا حول كيفية العثور على الحوثيين لسبل الاستفادة من الصراع الذي كانت الولايات المتحدة قد شرعت في احتوائه.

ومع تزايد التزام الجيش الأميركي ضد الحوثيين في اليمن، أصبح من الواضح أن التركيز الأساسي كان على حماية المصالح الأمنية لإسرائيل. ولكن مع مرور الأشهر، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن هذا النهج العسكري جاء بتكلفة.

وتم إهمال القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية عميقة الجذور في اليمن لصالح الأهداف العسكرية قصيرة الأجل.

وبدلا من تخفيف المعاناة أو جلب الفصائل المتحاربة إلى طاولة المفاوضات، أدى الوجود العسكري الأميركي إلى تغذية حلقة من العنف. وبدا أن الضربات الجوية والتدخلات العسكرية، على الرغم من أنها تهدف إلى حماية المصالح الإستراتيجية، تتجاهل المبادئ الإنسانية التي كانت الولايات المتحدة تدافع عنها سابقا. وفي النهاية، لم تقدم الإستراتيجية أي مسار واضح للسلام.

وكان الحوثيون قوة متنامية في اليمن لسنوات، ولكن في عام 2024، وصلت قدراتهم العسكرية إلى آفاق جديدة. فلم يعودوا معزولين، بل شكلوا تحالفات جديدة قوية.

ومن الجدير بالذكر بشكل خاص اتصالاتهم العميقة مع روسيا: فقد بدأت موسكو في تقديم الاستخبارات العسكرية وبيانات الأقمار الاصطناعية للحوثيين، كما شملت المناقشات أيضا عمليات نقل الأسلحة الروسية المحتملة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للسفن.

ولكن الحوثيين لم يتوقفوا عند موسكو. فقد امتدت تحالفاتهم إلى الجماعات المسلحة العراقية مثل المقاومة الإسلامية في العراق وحتى وصلت إلى جماعات مثل حركة الشباب في الصومال. ولم تكن هذه الاتصالات تتعلق بالأسلحة فحسب، بل كانت أيضا تتعلق بالمصالح المشتركة والجهود المنسقة لتحدي القوى الإقليمية.

ونظرا للقيود المفروضة على العمل العسكري الأميركي، بسبب افتقار الجمهور الأميركي إلى الرغبة في المزيد من الصراعات، والحالة الضعيفة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وإمكانية قيام حملة عسكرية بتعزيز الحوثيين عن غير قصد، يجب على إدارة ترامب التركيز على الدبلوماسية والتفاوض والحلول السياسية باعتبارها الوسيلة الوحيدة القابلة للتطبيق لحل أزمة البحر الأحمر واستقرار اليمن.

ولمعالجة التحديات بشكل فعال، يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى إستراتيجية تتجاوز الإجراءات العسكرية الضيقة ضد البنية التحتية للحوثيين.

ويكمن العمل الحقيقي في معالجة الأسباب الأوسع التي تغذي العنف. وستكون الخطوة الأولى الحاسمة في غزة، حيث إن وقف إطلاق النار هناك من شأنه أن يقلل من الإجراءات التي تؤجج التوترات.

ومن ثم، يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى نهجا جديدا في اليمن لمعالجة جذور قوة الحوثيين، حيث كانت إيران وروسيا والشباب والميليشيات العراقية تلعب دورا في تعزيز التمرد الحوثي.

ويتعين على إدارة ترامب أن تمارس ضغوطا دبلوماسية واقتصادية على هذه الجهات الخارجية لوقف دعمها العسكري والمالي للحوثيين. ولكن هذا لن يكون كافيا.

ويتعين على الولايات المتحدة أن تدرك مدى إلحاح قطع خطوط إمداد الحوثيين بالأسلحة التي تعتمد على التهريب. وينبغي لها أن تركز على طرق التهريب الرئيسية في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تتسرب الأسلحة من خلال الشقوق. وينبغي تكثيف عمليات الحظر البحرية والبرية، مما يجعل من الصعب على الحوثيين الاستمرار في تلقي الموارد العسكرية.

وبالنسبة لإدارة ترامب القادمة، فإن الدروس المستفادة من الماضي واضحة. فلا ينبغي للولايات المتحدة أن تعتمد بعد الآن على إستراتيجيات مجزأة تعالج فقط أعراض أزمة اليمن. ولتحويل المسار في اليمن حقا، تحتاج الولايات المتحدة إلى معالجة القوى الأعمق وراء الصراع.

غضب عربي من خريطة إسرائيلية تضم أراضٍ فلسطينية وأجزاء من الدول المجاورة


الإمارات تدرج 19 فردًا وكيانًا على قوائم الإرهاب المحلية بسبب الارتباط بالإخوان


الحوثيون وإسرائيل: مواجهة غير متكافئة تعيد تشكيل موازين المنطقة


رياح سانتا آنا تدفع حرائق الغابات إلى تدمير المنازل وإخلاء الآلاف (ترجمة)