الاقتصاد
شراكة غير متكافئة..
مصر والصين: عقد من التعاون الإستراتيجي الشامل وسط عدم توازن اقتصادي
بدأ عام 2025 بنهاية "عام الشراكة المصرية - الصينية" وختام "العقد الذهبي"، الذي شهد عشر سنوات من تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين ضمن إطار الشراكة الإستراتيجية الشاملة. وعلى الرغم من التوسع الكبير في التعاون بين الجانبين، إلا أن الشراكة الاقتصادية تميل بشكل واضح لصالح الصين.
واختتمت الشراكة لعام 2024 بزيارة وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي إلى بكين في ديسمبر، حيث التقى نظيره الصيني وانغ يي. وجاءت هذه الزيارة بعد زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي لحضور منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر، حيث وقّعت مصر عقوداً ومذكرات تفاهم بقيمة مليار دولار مع شركات صينية. كما كانت زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى بكين في مايو للمشاركة في قمة صينية - عربية وللقاء الزعيم الصيني شي جينبينغ من أبرز المحطات، حيث ناقش الطرفان مجالات التعاون في التكنولوجيا والطاقة والأمن الغذائي والتمويل.
ومنذ إعلان مبادرة الحزام والطريق في 2013، عززت الصين حضورها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك مصر، التي أصبحت شريكاً مهماً لبكين. وخلال "العقد الذهبي"، احتلت الصين المرتبة الأولى كشريك تجاري لمصر، حيث ركزت الاستثمارات الصينية على موانئ المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي تضم منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري الصينية - المصرية. وتشير الأرقام إلى أن الاستثمار الصيني في المنطقة الاقتصادية بلغ ثلاثة مليارات دولار، ما يمثل 40% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال العامين الماضيين.
ومع ذلك، توضح البيانات التجارية وجود اختلال كبير في الميزان التجاري. ففي عام 2022، بلغت الصادرات الصينية إلى مصر حوالي 11.5 مليار دولار، في حين أن الصادرات المصرية إلى الصين بلغت 1.8 مليار دولار فقط. وبحلول 2023، انخفضت الصادرات المصرية إلى 834 مليون دولار، ما يشير إلى اعتماد كبير على السلع الأساسية، خاصة الطاقة، مما يثير تحديات مستقبلية مع التزام الصين بتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060.
وشهد التعاون العسكري بين البلدين تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث أجريا مناورات بحرية مشتركة في البحر المتوسط في 2024، بعد آخر مناورات لهما في 2019. كما أرسلت الصين طائرات للمشاركة في عرض جوي مصري، وسط شائعات حول احتمالية شراء مصر لطائرات مقاتلة صينية من طراز J-10C. تأتي هذه الخطوة في سياق تنويع مصر لمورديها العسكريين وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، خاصة بعد تجميد صفقة طائرات F-35.
ويرى المحللون أن الشراكة بين القاهرة وبكين نتاج لمزيج من الضرورة السياسية والاقتصادية. إذ ساهم الاستياء المصري من الموقف الأميركي خلال الربيع العربي في دفع القاهرة للبحث عن شركاء دوليين جدد. وبالنسبة للصين، تمثل مصر شريكاً مهماً في الشرق الأوسط، نظراً لموقعها الإستراتيجي وأهميتها في أمن الطاقة والتجارة.
ومع نهاية "العقد الذهبي"، تبرز تساؤلات حول مستقبل الشراكة بين مصر والصين. فبينما استفادت الشركات الصينية من فرص استثمارية واسعة في مصر، لا يزال على القاهرة مواجهة تحديات في تنويع صادراتها وتطوير شراكة أكثر توازناً. وإذا استمر النمط الحالي، فقد تصبح الصين لاعباً أكثر نفوذاً في مصر، مما يزيد من تعقيد المشهد الدبلوماسي في الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة.