الاقتصاد

فصلًا جديدًا في العلاقات الدفاعية والاقتصادية..

شراكة إستراتيجية جديدة بين روسيا وإيران.. تحالف يتحدى الضغوط الغربية

حديث بوتين عن مشروع طاقة نووية ضخم مع طهران رسالة تحد للغرب.

طهران

في خطوة تُعد تحوّلًا استراتيجيًا في العلاقات بين موسكو وطهران، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الإيراني مسعود بزشكيان اتفاقية شراكة إستراتيجية تمتد لعشرين عامًا، تشمل تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين. تأتي هذه الاتفاقية في سياق سعي إيران لتعويض خسائرها الإقليمية المتلاحقة، بدءًا من تراجع نفوذ أذرعها في غزة ولبنان، وانهيار نظام بشار الأسد، وصولًا إلى انكفاء ميليشيات الحشد الشعبي في العراق.

الرئيس الإيراني، الذي يرى في هذه الشراكة مع روسيا إثباتًا لامتلاك بلاده بدائل سياسية واقتصادية تمنع عزلتها الدولية، حرص على توجيه رسالة تحدٍ إلى الغرب من خلال الاتفاق على مشروع طاقة نووية ضخم. يأتي ذلك في وقت تكثف فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ضغوطهم لتفكيك برنامج إيران النووي، مما يجعل هذا التحالف الجديد مؤشرًا واضحًا على إعادة رسم التحالفات الإقليمية والدولية في وجه التحديات المشتركة.

وبموجب الاتفاقية ستعزز روسيا وإيران التعاون في مجالات، منها الخدمات الأمنية والتدريبات العسكرية ودخول السفن الحربيةِ الموانئَ والتدريب المشترك للضباط.

وجاء في الاتفاقية أن أيا من البلدين لن يسمح باستخدام أراضيه لأي عمل يهدد البلد الآخر، ولن يقدم أي مساعدة لمعتد يهاجم أيّا منهما وسيعمل البلدان معا على مواجهة التهديدات العسكرية.

إيران، التي تلقّى نفوذها ضربات موجعة في الشرق الأوسط، تريد تحالفا متينا مع روسيا يمنع محاولة استهدافها

لكن الاتفاقية لم تتضمن بندا للدفاع المتبادل على غرار الوارد في معاهدة بين روسيا وكوريا الشمالية. ولم تذكر تحديدا نقل أسلحة، وهو موضوع يثير قلقا خاصا لدى الولايات المتحدة وحلفائها، على الرغم من أن الجانبين قالا إنهما سيطوران “التعاون العسكري التقني”.

وفي أول زيارة له إلى الكرملين، منذ فوزه بالرئاسة في يوليو، قال بزشكيان إن الاتفاقية تدشن فصلا جديدا ومهمّا في العلاقات بين البلدين، بينما قال بوتين إن موسكو وطهران تتفقان في وجهات نظر كثيرة بشأن القضايا الدولية.

ويرى مراقبون أن إيران، التي تلقّى نفوذها ضربات موجعة في الشرق الأوسط، تريد البحث عن تحالف متين مع روسيا يمنع أي محاولة لاستهدافها بشكل مباشر من إسرائيل أو الولايات المتحدة بعد خسارتها وكلاء كانوا يخوضون الحرب بدلا منها. في المقابل تريد روسيا، التي بينها وبين الغرب عداوة مستحكمة بسبب الحرب في أوكرانيا، الحفاظ على حلفائها خاصة إيران، التي ساعدت موسكو في حربها ضد كييف من خلال إرسال مسيرات وصواريخ إلى الروس.

وكانت روسيا وإيران الحليفين العسكريين الرئيسيين للرئيس السوري بشار الأسد الذي فر إلى موسكو بعد الإطاحة به الشهر الماضي.

ويتهم الغرب إيران بتزويد روسيا بالصواريخ والطائرات المسيرة لاستخدامها في الحرب مع أوكرانيا. وتقول موسكو وطهران إن توطيد علاقاتهما ليس موجها ضد أي دولة أخرى.

وقال بوتين “توفر هذه (الاتفاقية) ظروفا أفضل للتعاون الثنائي في جميع المجالات،” مشددا على أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية التي أوضح أن أغلب المعاملات فيها تكون بعملتي البلدين.

وتابع “نحتاج إلى تقليص (الإجراءات) البيروقراطية وزيادة العمل الملموس. مهما كانت الصعوبات التي يسببها الآخرون فسنكون قادرين على التغلب عليها والمضي قدما،” في إشارة إلى العقوبات الغربية المفروضة على البلدين.

وذكر أن روسيا تُطلع إيران بانتظام على ما يجري في الصراع مع أوكرانيا، وأن البلدين يجريان مشاورات عن كثب بشأن الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وجنوب القوقاز.

وتسعى موسكو وطهران إلى الارتقاء بالشراكة الثنائية إلى ما هو أبعد من الجانب السياسي والعسكري وبناء علاقات اقتصادية متينة.

وأشار بوتين إلى إحراز تقدم في جهود مد خط أنابيب محتمل لنقل الغاز الروسي إلى إيران رغم بعض الصعوبات، قائلا إن موسكو منفتحة على تنفيذ المزيد من المشاريع النووية على الرغم من التأخير في بناء مفاعلات نووية جديدة لإيران.

وقال بزشكيان، الذي ترجم التلفزيون الرسمي الروسي كلماته، إن الاتفاقية ستوفر فرصا جيدة وتظهر أن موسكو وإيران ليستا بحاجة إلى الالتفات إلى رأي ما وصفه بـ”الدول الواقعة خلف المحيط”.

وأضاف “الاتفاقيات التي توصلنا إليها هي حافز آخر عندما يتعلق الأمر بإنشاء عالم متعدد الأقطاب.”

لكن اللافت في هذه الاتفاقيات هو التعاون في المجال النووي، وهو توجه سيثير مخاوف الغرب الذي لم يتمكن إلى حد الآن من النجاح في مراقبة البرنامج النووي الإيراني في ظل قدرة الإيرانيين على المناورة والإخفاء وعدم التجاوب مع المفتشين الأمميين كرد فعل على انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لسنة 2015. ومن شأن التعاون مع روسيا أن يزيد من حظوظ إيران في صناعة القنبلة النووية.

وقال الرئيس الروسي إن موسكو تدرس بناء وحدات جديدة للطاقة النووية في إيران. وأضاف خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس الإيراني “لدينا مشروع طاقة نووية ضخم. وحدة واحدة تعمل فعلا بنجاح ونناقش في الوقت الراهن إمكانية بناء وحدات إضافية.”

ورغم استمرارها في تأكيد أن برنامجها النووي سلمي ويستخدم لإنتاج الطاقة، إلا أن طهران باتت تمتلك ما يكفي من المواد لصنع أكثر من ثلاث قنابل نووية، وفق الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وعاد الإيرانيون إلى التلويح بالبرنامج النووي في الأسابيع الأخيرة كورقة ردع فعالة بأيديهم، وذلك بعد انكشاف محدودية القدرات العسكرية لطهران خلال هجومها الصاروخي على إسرائيل، ما وضعها في إحراج بالداخل وكذلك أمام “محور المقاومة” إقليميّا، وهز صورتها كخصم مفترض لإسرائيل والولايات المتحدة.

وإذا كانت إيران لا تزال ترغب في التصعيد ضد إسرائيل والولايات المتحدة دون حرب مفتوحة، فسيكون تصعيد برنامجها النووي خيارا على الطاولة، خاصة أنها تمتلك القدرات الكافية لتحقيق ذلك.

وأشار بوتين إلى أنه بحث مع نظيره الإيراني التطورات الأخيرة في سوريا، مؤكدًا دعمهما لحل شامل يستند إلى احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها.

وقال “مستعدون لتقديم الدعم اللازم للشعب السوري في ما يتعلق بتطبيع الأوضاع، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، وبدء عملية الحل الشامل بعد انتهاء النزاعات.”

وأضاف “نؤمن بضرورة أن يحدد السوريون مستقبل بلادهم من خلال الحوار، ونتمنى بصدق أن يتغلب الشعب السوري بنجاح على جميع التحديات المرتبطة بالفترة الانتقالية.”

وبخصوص اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بين إسرائيل وحماس، شدد بوتين على أهمية زيادة حجم المساعدات الإنسانية المقدمة إلى غزة بموجب الاتفاق.

وقال “نأمل أن تسهم كل هذه الجهود في تحسين الأوضاع الإنسانية في غزة وتحقيق الاستقرار على المدى الطويل.”

اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس يدخل حيز التنفيذ.. من سيحكم قطاع غزة؟


إيران تعول على الحوثيين.. استعراض قوة أم ورقة ضغط إقليمية؟


الإمارات تعرب عن قلقها بشأن القيادة السورية الجديدة وسط تحالفات متغيرة


"رشاد العليمي" يعرقل تطبيع الأوضاع في حضرموت وعدن "تقدير موقف"