قضايا وحريات

"تحقيق في إعدام خارج القانون داخل سجن سري بمأرب"..

النائب العام أمام تحدٍ جديد.. إخوان اليمن يعزلون مأرب عن سلطة المجلس الرئاسي

تحقيق في إعدام خارج القانون داخل سجن سري بمأرب - اليوم الثامن

لم يكن الشاب اليمني عيسى الحطام، المولود في بلدة رداع بمحافظة البيضاء (150 كيلومترًا جنوب شرق صنعاء)، يعلم أن رحلته إلى مدينة مأرب ستكون الأخيرة في حياته. هناك، اعترضته عناصر مسلحة واقتادته إلى سجن سري، حيث تعرض للضرب والتعذيب حتى أعلنت الجماعة عن وفاته يوم الثلاثاء، الرابع من فبراير/شباط الجاري.

اختطاف وتعذيب

في اليوم التالي، أعلنت وسائل إعلام محلية في اليمن وفاة الشاعر الشاب عيسى الحطام بعد أيام من احتجازه في سجن المخابرات بمدينة مأرب (200 كيلومتر شرق صنعاء)، والذي يخضع لسيطرة جماعة الإخوان اليمنية المدعومة من بعض الأطراف الإقليمية. 

وبحسب المصادر، توفي الحطام نتيجة تعرضه للتعذيب داخل سجن سري، عقب اختطافه من وسط مدينة مأرب على يد جماعة مسلحة تُعرف باسم "مخابرات الجيش الوطني". وقد وُجّهت له تهمة دعم جماعة الحوثي المدعومة من إيران، قبل نقله إلى سجن الأمن السياسي، حيث أُخفي قسرًا وتعرض لتحقيقات مكثفة وتعذيب وصف بالوحشي.

واشارت تقارير صحفية إلى أن هذه ليست الحادثة الأولى لوفاة مختطف داخل مراكز الاحتجاز في مأرب، إذ شهد ذات السجن خلال السنوات الماضية حوادث مشابهة، راح ضحيتها مختطفون من أبناء المحافظة ولاجئون، معظمهم من المعارضين لسيطرة الإخوان والحكم العسكري في المنطقة.

وقد اثارت واقعة قتل الشاب الحطام، حالة غضب شعبي واسع في مأرب، كما دفعت منظمات حقوقية إلى مطالبة النائب العام في عدن بالتدخل للتحقيق في الواقعة ومحاسبة المتورطين. 

إلا أن النائب العام بدا عاجزًا عن اتخاذ خطوات فعلية، مما يثير تساؤلات حول أبعاد هذه الجريمة ودلالاتها في السياق اليمني الأوسع، وكذلك الدور الذي تلعبه السعودية كراعٍ لجماعة الإخوان في مأرب.

تشكيل لجنة تحقيق
قالت وسائل إعلام محلية في اليمن إن حاكم مأرب وعضو مجلس القيادة الرئاسي، اللواء سلطان العرادة، وجّه بتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات وظروف وفاة الشاعر الحطام أثناء احتجازه في أحد سجون السرية، وضمت اللجنة وكيل مساعد وزارة الداخلية اللواء الركن عبدالحميد الحمادي، ووكيل محافظة البيضاء لشؤون مديريات رداع سنان جرعون، ورئيس نيابة استئناف مأرب والجوف عارف المخلافي، ومدير إدارة البحث بمحافظة مأرب العميد حسين الحليسي، ونائب مدير عام شرطة محافظة البيضاء العميد عبدالله العبدلي، إلى جانب ممثل للسلطة المحلية بمحافظة مأرب وممثل لأولياء الدم بالإضافة إلى ممثل عن الاستخبارات العسكرية. 

وأكدت مصادر حقوقية أن الحادثة تسلط الضوء على استمرار الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز الإخوانية في مأرب، والتي شهدت حالات مماثلة في وقت سابق. وتزايدت الدعوات لفتح تحقيق شفاف ومستقل لكشف ملابسات الوفاة ومحاسبة المسؤولين لضمان احترام حقوق المحتجزين وفق المعايير القانونية والإنسانية.

وتعكس هذه الجريمة حالة الفوضى الأمنية التي تعيشها مأرب نتيجة ضعف سيطرة السلطات الشرعية وتغوّل الجماعات الدينية المسلحة ذات الولاءات السياسية المتعددة. 

ويُعد تنظيم الإخوان المسلمين أحد أبرز هذه الجهات التي تسيطر فعليًّا على العديد من المواقع الأمنية والسجون غير الرسمية في مأرب، وتعزز استمرار مثل هذه الانتهاكات حالة عدم الاستقرار ويهدد بتحويل المحافظة إلى بؤرة توتر دائم.

مأرب خارج القانون وإعدامات تعسفية تهدد العدالة

وتلقت "اليوم الثامن بيانا صحفيا صادرا عن رابطة معونة لحقوق الإنسان والهجرة، ومقرها في نيويورك الأمريكية، بشأن تقديم شكوى للنائب العام اليمني للتحقيق في جريمة إعدام الشابين عيسى راشد الحطام وماجد العامري، يوم الـ8 من فبراير/ شباط 2025.

وقالت الرابطة إنها تقدمت بشكوى رسمية إلى النائب العام للجمهورية اليمنية، القاضي قاهر مصطفى، للمطالبة بفتح تحقيق جنائي عاجل ومستقل في جريمة إعدام الشابين عيسى راشد الحطام وماجد العامري الجهمي بمحافظة مأرب، والتي تمّت خارج إطار القانون ودون إجراءات محاكمة عادلة. 

ووفقًا للشكوى التي تم تسليمها إلى مكتب النائب العام في مدينة عدن، فقد تم القبض على الشابين واحتجازهما تعسفيًا من قبل الأجهزة الأمنية في مأرب، ومن ثم إعدامهما داخل السجون الأمنية، في انتهاك صارخ للدستور اليمني والقوانين الوطنية، فضلاً عن مخالفة المعاهدات الدولية التي تحظر الإعدام خارج نطاق القضاء تحت أي ظرف. 

وطالبت الرابطة في عريضة الشكوى بفتح تحقيق عاجل ومستقل تحت إشراف النائب العام لكشف ملابسات الجريمتين، وإحالة المسؤولين عن هذه الجريمة إلى العدالة ومعاقبتهم وفقًا للقوانين اليمنية النافذة، وإلزام الأجهزة الأمنية في مأرب بالتقيد بالقانون وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم، وإشراك المنظمات الحقوقية المحلية والدولية في التحقيق لضمان الشفافية والاستقلالية. 

وأوضحت الرابطة في بيانها أنها أبلغت المجتمع الدولي بطلبها التحقيق في هذه الانتهاكات، وشاركت في جلسة استماع للمنظمات غير الحكومية في الأمم المتحدة يوم الخميس 5 فبراير، حيث قدمت إحاطة شفهية حول هذه الجريمة والانتهاكات المرتكبة في اليمن. 

أكد المحامي محمد علي علاو، رئيس رابطة معونة لحقوق الإنسان والهجرة، أن هذه الجرائم تمثل انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان وتقويضًا لثقة المواطنين في منظومة العدالة. 

وأضاف: "إذا لم يتم التحقيق في هذه الجريمة ومحاسبة مرتكبيها، فإن ذلك سيظهر عجز الحكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دوليًا ويشجع على استمرار الإفلات من العقاب والمزيد من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان." 

وفي ختام بيانها، دعت الرابطة كافة الجهات الحقوقية والمنظمات الدولية إلى دعم مطالبها بإجراء تحقيق شفاف ومستقل، واتخاذ خطوات عملية لضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات. 

ورابطة معونة لحقوق الإنسان والهجرة هي منظمة غير حكومية مسجلة في اليمن والولايات المتحدة، وتتمتع بالصفة الاستشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة. تعمل على الدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون في اليمن وحول العالم.

عجز القضاء أمام الانقسامات السياسية

قالت مصادر حقوقية في مأرب إن النائب العام في عدن، قاهر مصطفى، لم يتفاعل مع قضية تصفية الشاعر عيسى الحطام، وهو ما عزز شعورًا لدى الحقوقيين بعزل تنظيم الإخوان لمحافظة مأرب عن السلطات الشرعية في عدن. رغم أن محافظها اللواء سلطان العرادة يمثل عضوًا في مجلس القيادة الرئاسي، إلا أنه يرفض الاعتراف بنقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن. 

وأشار مصدر حقوقي في مأرب لـ "اليوم الثامن" إلى أن منظمات حقوقية محلية ودولية حاولت دفع النائب العام للتدخل، في خطوة تعكس إدراكًا متزايدًا لأهمية تفعيل المساءلة القانونية، خاصة في ظل وجود سجون سرية تديرها قيادات إخوانية، يرتبط بعضها بتنظيم القاعدة. 

وفي السياق ذاته، قال صحفي يمني في مأرب إن تنظيم القاعدة الإرهابي أعدم مؤخرًا صحفيًا من أبناء حضرموت بعد سنوات من اختطافه في مأرب التي تخضع لسيطرة تنظيم الإخوان.

توقع الصحفي، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، عجز النائب العام عن اتخاذ أي خطوة فعلية تجاه انتهاكات إخوان اليمن في مأرب، وهو ما يعكس التحديات التي يواجهها الجهاز القضائي اليمني في ظل هيمنة الميليشيات الدينية المسلحة على صنعاء ومأرب. هذه الهيمنة أفقدت القضاء استقلاليته، وأسهمت في تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب. 

ورغم ضعف استجابة السلطات، فإن تنامي دور المنظمات الحقوقية في رصد الانتهاكات والمطالبة بالعدالة يظهر وعيًا متزايدًا لدى المجتمع المدني بأهمية المحاسبة. ومع ذلك، تبقى هذه الجهود محدودة التأثير ما لم تحظَ بدعم سياسي ودولي فعّال. 

ولا يمكن قراءة هذه الجريمة بمعزل عن الدور الذي تلعبه بعض الدول الإقليمية في مأرب واليمن عمومًا، حيث تُعد راعيًا رئيسيًا لجماعة الإخوان المسلمين في مأرب، مما يعزز نفوذ هذه الجماعات المسلحة ويوفر لها غطاءً سياسيًا ضمن مجلس القيادة الرئاسي. هذا الوضع يعيق جهود ضبط الأمن ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات. 

وقد تسبب الدعم الإقليمي لجماعة الإخوان في مأرب في إضعاف سيطرة الحكومة المركزية في عدن، وخلق مراكز نفوذ موازية في مأرب وتعز ووادي حضرموت، وهي مناطق باتت بعيدة عن سلطة مجلس القيادة الرئاسي.

وقال ناشطون حقوقيون إن الدعم الإقليمي لجماعة الإخوان في مأرب، كان بمثابة الضوء الأخضر لإدارة السجون السرية واحتكار ممارسات أمنية ساهمت في حالة الفوضى والانتهاكات.

واستمرار مثل هذه الجرائم يُفاقم من الغضب الشعبي تجاه السلطة الشرعية وحلفائها، مالم تكن هناك مقاربة شاملة للمحاسبة ومعالجة هذه الحادثة المروعة من خلال تحقيق شفاف تحت إشراف جهات حقوقية مستقلة لمحاسبة المتورطين، بشكل علني، ومخاطبة الفاعلين الإقليميين من خطورة دعم الجماعات الدينية المسلحة، على مستقبل اليمن.

وشدد ناشطون على أهمية إصلاح القضاء وضمان استقلاليته واستعادة هيبته، وتعزيز الأمن المحلي من خلال هيكلة الأجهزة الأمنية بعيدًا عن الولاءات السياسية، ما لم يتم التعامل بجدية مع هذه القضايا، فإن مأرب واليمن عمومًا سيظلّان رهينة للفوضى والانتهاكات، مما يقوّض أي أمل في تحقيق السلام والاستقرار.

هل أقتربت نهاية سيطرة الاذرع الايرانية اليمنية على ميناء الحديدة الاستراتيجي؟


الخلجان والجزر الاستراتيجية في البحر العربي: أدوارها الاقتصادية والسياسية


مريم رجوي: سقوط نظام الملالي حتمي والانتفاضة مستمرة حتى الإطاحة به


تصريحات نتنياهو حول إقامة دولة فلسطينية في السعودية تثير عاصفة من الاستنكار العربي والدولي