بحوث ودراسات

عرض كتاب..

السعودية بين 1744-2017.. من دعوة وهابية إلى مملكة نفطية.. رصد تاريخي شامل لمسيرة آل سعود

تحولات الجزيرة العربية قصة آل سعود من الدرعية إلى العالمية - اليوم الثامن

تقديم د. سالم الحنشي

مقدمة: في كتابه الموسوم "السعودية بين (1744-2017).. من دعوة وهابية إلى مملكة نفطية: أسرار تكشف لأول مرة"، يقدم الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز آل سعود، أستاذ التاريخ بجامعة المجمعة، رحلة تأريخية مكثفة تمتد عبر قرون، تسلط الضوء على نشأة وتطور حكم عائلة آل سعود منذ بداياتها المتواضعة في الدرعية بوسط الجزيرة العربية عام 1744م (1157هـ)، وحتى تحولها إلى مملكة عصرية تقود اقتصاداً نفطياً عالمياً بحلول 2017م (1438هـ).

ويتناول الكتاب، الذي صدر في طبعته الأولى عام 2018م (1439هـ) عن جامعة المجمعة بالرياض، مراحل حكم آل سعود عبر ثلاث فترات رئيسية، مع التركيز على السياقات الاجتماعية والسياسية والدينية والاقتصادية التي شكلت هذا التطور. يقسم المؤلف عمله إلى ستة أقسام رئيسية، تتناول التمهيد للأوضاع قبل ظهور العائلة، ثم الدولة الأولى والثانية، وصولاً إلى تأسيس المملكة العربية السعودية، مع استعراض للنمو الحضاري وأدوار ولاية العهد.

القسم الأول: التمهيد - الأوضاع قبل آل سعود

يبدأ الكتاب بتمهيد يرصد الأوضاع في وسط الجزيرة العربية قبل ظهور حكم آل سعود، مركزاً على منطقة نجد التي كانت تشهد استقراراً اجتماعياً نسبياً مع طابع قبلي بارز. يصور المؤلف مجتمعاً منقسماً بين الحاضرة والبادية، حيث كان أهل الحاضرة يعتمدون على الزراعة والتجارة المحلية، بينما كان البدو يتنقلون بحثاً عن المراعي. اقتصادياً، كانت الزراعة، خاصة النخيل، العمود الفقري، مع تحديات مثل قلة الأمطار وهجوم الجراد. التجارة، بدورها، كانت ثلاثية الأبعاد: محلية وإقليمية وخارجية، لكنها واجهت عقبات أمنية وطبيعية.
سياسياً، كانت المنطقة مشتتة بين إمارات صغيرة مستقلة مثل الدرعية والرياض والعيينة، مما أدى إلى نزاعات مستمرة. دينياً، يشير المؤلف إلى وجود انحرافات عقدية كالشرك، مثل تقديس الأشجار والأحجار، مع ضعف التعليم بسبب انعدام الأمن والظروف الاقتصادية. هنا يبرز دور الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الذي دعا إلى تصحيح العقيدة وإفراد الله بالعبادة، وهي الدعوة التي وجدت صداها لاحقاً مع آل سعود.


القسم الثاني: الدولة السعودية الأولى (1744-1818)


ينتقل الكتاب إلى تأسيس ما يسميه المؤلف "الدولة السعودية الأولى"، التي بدأت باتفاق الدرعية عام 1744م بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب. يرصد المؤلف كيف تحولت الدرعية من إمارة صغيرة إلى قوة إقليمية، حيث توسعت لتشمل نجد والأحساء والحجاز وعسير. يبرز دور الإمام عبدالعزيز بن محمد في تعزيز هذا التوسع، ثم الإمام سعود بن عبدالعزيز الذي وصلت في عهده السيطرة إلى ذروتها.
لكن هذا التوسع أثار مخاوف الدولة العثمانية، التي كلفت واليها في مصر محمد علي باشا بإنهاء هذا الحكم. بدأت الحملات العثمانية عام 1811م، وانتهت بسقوط الدرعية عام 1818م بعد حصار طويل قاده إبراهيم باشا، لتنتهي هذه المرحلة بإعدام الإمام عبدالله بن سعود في إسطنبول.


القسم الثالث: الدولة السعودية الثانية (1824-1891)


بعد سقوط الدرعية، يتناول الكتاب عودة آل سعود إلى الحكم عام 1824م بقيادة الإمام تركي بن عبدالله، الذي نقل مركز الحكم إلى الرياض. يصف المؤلف هذه المرحلة بالصمود أمام تحديات داخلية وخارجية، حيث واجه الإمام تركي بقايا قوات محمد علي والأشراف في الحجاز. تبعه الإمام فيصل بن تركي، الذي قاد فترتين من الحكم (1833-1838 و1843-1865)، ونجح في استعادة الأحساء وتوطيد السلطة.
لكن الصراعات الأسرية بين أبناء فيصل، خاصة بين عبدالله وسعود، أضعفت الحكم. يبرز هنا دور آل رشيد في حائل، الذين استغلوا هذا الضعف للسيطرة على الرياض عام 1891م، مما أجبر الإمام عبدالرحمن بن فيصل على اللجوء إلى الكويت، لتنتهي هذه المرحلة.


القسم الرابع: تأسيس المملكة العربية السعودية


في هذا القسم، يركز المؤلف على الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن، الذي ولد عام 1877م ونشأ في ظل أحداث سقوط الدولة الثانية. عام 1902م، قاد حملة جريئة لاستعادة الرياض من آل رشيد، معلناً بداية المرحلة الثالثة. يوثق الكتاب كيف ضم عبدالعزيز تدريجياً جنوب نجد والقصيم والأحساء وحائل والحجاز وعسير وجازان، مستخدماً الدبلوماسية والقوة العسكرية. بحلول 1932م، أعلن توحيد هذه المناطق تحت اسم "المملكة العربية السعودية"، مدشناً دولة حديثة تجمع بين الهوية الدينية والسياسية.

القسم الخامس: النمو الحضاري


يتناول هذا القسم تطور المملكة منذ تأسيسها عبر حكم أبناء الملك عبدالعزيز. يبدأ بالملك سعود (1953-1964)، الذي شهد عهده بداية التنمية المدعومة بالنفط وافتتاح جامعات. ثم الملك فيصل (1964-1975)، الذي عزز الاقتصاد والمكانة الدولية للمملكة. يليه الملك خالد (1975-1982)، الذي واصل التقدم في التعليم والصحة، ثم الملك فهد (1982-2005)، الذي حمل لقب "خادم الحرمين الشريفين" وركز على تطوير البنية التحتية. بعد ذلك الملك عبدالله (2005-2015)، الذي شهد عهده إصلاحات اجتماعية واقتصادية، وأخيراً الملك سلمان (2015-حتى الآن)، الذي أطلق رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد.

القسم السادس: ولاية العهد

يختم الكتاب باستعراض أدوار أمراء ولاية العهد، من الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الذي أسهم في تطوير الدفاع، إلى الأمير نايف، الذي قاد الداخلية، ثم الأمير مقرن، وصولاً إلى الأمير محمد بن نايف، وأخيراً الأمير محمد بن سلمان، الذي يقود حالياً تحولات اقتصادية وسياسية كبرى.
تحليل وتقييم

يتميز الكتاب بأسلوبه الأكاديمي الدقيق، معتمداً على مصادر تاريخية موثوقة، لكنه يركز بشكل كبير على مسيرة عائلة آل سعود بدلاً من تاريخ الشعب أو المؤسسات. يثير المؤلف تساؤلات حول الهوية السعودية، التي ارتبطت بالعائلة الحاكمة بشكل غير مسبوق عالمياً، ملغية هويات محلية كنجد والحجاز. كما يبرز دوره الشخصي كابن للعائلة، مما قد يضفي طابعاً عاطفياً على السرد.


يعد الكتاب وثيقة تاريخية غنية، تكشف عن أسرار وتحولات حكم آل سعود من دعوة دينية إلى قوة نفطية عالمية. رغم تركيزه على العائلة، فإنه يقدم رؤية شاملة لتطور المملكة، مما يجعله مرجعاً مهماً لفهم تاريخها الحديث.

مستقبل ألمانيا في الميزان: المحافظون واليمين المتطرف يتصدران السباق الانتخابي


انطلاق مؤتمر الحوار الوطني لرسم ملامح سوريا الجديدة


حماس تتهم إسرائيل بالتهرب من الهدنة بعد تأجيل الإفراج عن المعتقلين


تضامن عالمي: مؤتمر باريس يدعم نضال النساء الإيرانيات