تطورات اقليمية
قلق غربي وتصاعد التوتر في الساحل الأفريقي..
قاعدة معطن السارة: خطوة روسية لاستعادة النفوذ في البحر المتوسط وأفريقيا
موسكو تتطلع إلى الاستفادة من موقع معطن السارة لتعزيز نفوذها في الساحل الأفريقي.
كشف موقع “إنسايد أوفر” الإيطالي عن تحركات روسية لإنشاء قاعدة عسكرية جوية في منطقة معطن السارة جنوب ليبيا، في خطوة قد تجعلها مركزاً رئيسياً لعمليات فيلق أفريقيا الروسي. يرى المراقبون أن هذا التحرك يأتي رداً على انزعاج الغرب من الوجود الروسي في ليبيا، في ظل تصاعد التنافس الدولي على النفوذ في المنطقة.
وأفاد الكاتب الإيطالي ماورو إنديليكاتو أن روسيا تسعى للاستفادة من الموقع الاستراتيجي لمنطقة معطن السارة، وهي واحة نائية في منطقة الكفرة جنوب ليبيا، بالقرب من الحدود مع تشاد والسودان. تتميز المنطقة بقاعدة عسكرية ليبية قديمة تحتوي على مستودعات وثلاثة مدارج هبوط، مما يجعلها نقطة مثالية لتعزيز النفوذ الروسي. صور أقمار اصطناعية حصلت عليها وكالات استخبارات غربية أظهرت أعمال بناء مكثفة في المنطقة خلال الأشهر الماضية، مما يشير إلى استعدادات لاستقبال معدات عسكرية، ربما قادمة من سوريا.
وتعتبر موسكو ليبيا منصة مثالية لإعادة ترسيخ نفوذها بعد تراجعه في سوريا، مستغلة المشهد السياسي والعسكري المضطرب في البلاد. كما تنظر إلى الجنوب الليبي كمرساة لتوسيع وجودها في منطقة الساحل الأفريقي، حيث تنتشر قواتها في دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.
ويثير التمدد الروسي قلق القوى الغربية، خاصة الاتحاد الأوروبي وفرنسا التي ترى فيه تهديداً لمصالحها في شمال أفريقيا والساحل. ناقشت باريس هذا التطور مؤخراً مع الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، خلال زيارته لفرنسا أواخر فبراير 2025، حيث استقبله الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه. تعكس هذه الزيارة رغبة فرنسا في تعزيز وجودها في شرق ليبيا، الذي يمثل نقطة وصل حيوية على البحر المتوسط، رغم التحديات الناجمة عن تصاعد النفوذ الروسي.
من جانبها، تعارض الولايات المتحدة وحلف الناتو النشاط الروسي في جنوب ليبيا، على الرغم من التقارب الأخير بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين. وفي سياق متصل، كشفت وكالة “نوفا” الإيطالية عن خطط أمريكية لتنفيذ مناورات جوية في ليبيا بالتعاون مع القوات الشرقية والغربية، بهدف تعزيز الاستقرار ودعم توحيد الجيش الليبي.
وتأتي الخطوة الروسية بعد محاولات فرنسية للسيطرة على قاعدة الويغ العسكرية في أقصى جنوب ليبيا، والتي اضطرت للانسحاب منها مع تزايد النفوذ الروسي في المنطقة ودول الساحل المجاورة. كما تسعى باريس إلى تفعيل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 لتوحيد الجيش الليبي، لكنها تواجه عراقيل من قوى إقليمية ودولية تفضل استمرار الانقسام.
في المقابل، تعتمد روسيا على علاقتها الوثيقة مع حفتر، التي بدأت منذ تسع سنوات، لتعزيز مواقعها في ليبيا. وتهدف موسكو إلى تعويض خسائرها في سوريا من خلال قاعدة معطن السارة، التي قد تصبح مركزاً لوجستياً لنقل المعدات والقوات إلى الساحل الأفريقي.
ويواجه الجنوب الليبي تحديات أمنية كبيرة بسبب نشاط الجماعات المسلحة والجهادية، مما يجعله ساحة صراع بين القوى الدولية. يرى المراقبون أن التنافس بين روسيا والغرب قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة، خاصة مع ضعف الحكومات المحلية والانسحاب التدريجي للقوات الغربية من الساحل.
ويشير التمدد الروسي في ليبيا إلى تحول استراتيجي في سياسة موسكو لاستعادة نفوذها في البحر المتوسط وأفريقيا، مستغلة الفراغ الذي خلفه تراجع القوى الغربية. في المقابل، تسعى فرنسا والولايات المتحدة إلى احتواء هذا التمدد عبر تعزيز تعاونهما مع الأطراف الليبية. تبقى ليبيا، بموقعها الاستراتيجي ومواردها، ساحة مفتوحة للصراع الدولي، مما ينذر بمزيد من التعقيدات في المشهد السياسي والعسكري بالمنطقة.