تطورات اقليمية

تفاؤل مشروط وتهديدات ضمنية..

لقاء إيراني أمريكي غير مباشر في مسقط: خطوة أولى نحو الحوار وسط تباين المواقف

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف (أ.ف.ب)

عمان

في خطوة دبلوماسية بارزة، استضافت سلطنة عمان لقاءً غير مباشر بين وفد إيراني برئاسة وزير الخارجية عباس عراقجي ووفد أمريكي بقيادة المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، في محاولة لتخفيف التوتر المتصاعد بين طهران وواشنطن. اللقاء، الذي جرى بوساطة وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، لم يسفر عن نتائج ملموسة، لكنه فتح الباب أمام حوار قد يكون له تداعيات كبيرة على المنطقة.

تفاصيل اللقاء: حوار غير مباشر وأجواء "بناءة"

تم تنظيم المفاوضات بشكل منفصل، حيث جلس كل وفد في غرفة مستقلة، مع قيام الجانب العماني بنقل الرسائل والأفكار بين الطرفين. هذا النهج يعكس عمق الخلافات بين طهران وواشنطن، حيث رفضت إيران إجراء حوار وجهاً لوجه كما اقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومع ذلك، شهد اللقاء لحظة قصيرة للتواصل المباشر، إذ تبادل رئيسا الوفدين بضع كلمات بحضور الوزير العماني عند انتهاء المحادثات التي استمرت لأكثر من ساعتين ونصف.

وصف الجانبان اللقاء بأنه "بنّاء"، لكنهما تجنبا الخوض في تفاصيل حول أي تقدم أو تنازلات. وقال عراقجي في تصريحات له إن المحادثات جرت في "أجواء إيجابية"، مؤكداً اتفاق الطرفين على مواصلة الحوار خلال الأسبوع المقبل، دون الكشف عن موعد أو مكان محددين. في المقابل، لم يصدر البيت الأبيض تعليقاً رسمياً بعد، مما يعزز الانطباع بأن الولايات المتحدة تتعامل مع المحادثات بحذر.

مواقف الطرفين: تفاؤل مشروط وتهديدات ضمنية

أظهر الوفد الإيراني حماساً واضحاً للحوار، حيث عكست تصريحات عراقجي رغبة طهران في كسر الجمود الدبلوماسي. وفي محاولة لإظهار حسن النوايا، بعثت إيران برسائل تهدئة عبر حلفائها الإقليميين. فقد أعلن قادة في الحشد الشعبي بالعراق استعدادهم لنزع السلاح وحل الميليشيات، فيما أشار حزب الله في لبنان إلى حصر مناقشة سلاحه مع المؤسسات الرسمية، وهي خطوات تهدف إلى تخفيف الضغوط الدولية.

على الجانب الآخر، اكتفى الأمريكيون بتفاؤل مشروط. ونقل عراقجي عن الوفد الأمريكي تأكيدهم على رغبتهم في اتفاق "في أقرب وقت ممكن"، محذرين من أن المفاوضات "العقيمة" أو المطولة دون نتائج قد تدفع واشنطن نحو التصعيد. وأشار بيان للبيت الأبيض إلى أن المبعوث ويتكوف تلقى تعليمات من ترامب لحل الخلافات عبر الدبلوماسية "إن أمكن"، في إشارة إلى إبقاء خيار المواجهة مفتوحاً.

مطالب واشنطن ومخاوف طهران

تركزت المحادثات، بحسب مصادر عمانية، على قضايا رئيسية تشمل تهدئة التوتر الإقليمي، تبادل السجناء، وتخفيف العقوبات على إيران مقابل قيود على برنامجها النووي. وتطالب الولايات المتحدة بوقف إيران لتخصيب اليورانيوم بمستويات متقدمة، معتبرة أن تقدم طهران في هذا المجال يشكل تهديداً مباشراً. في المقابل، تتعامل إيران مع المفاوضات بحذر، مشككة في نوايا ترامب الذي هدد مراراً بضرب منشآتها النووية.

وتخشى طهران أن تكون هذه المحادثات بمثابة اختبار لنواياها، خاصة مع استمرار سياسة "أقصى الضغوط" التي أعاد ترامب فرضها منذ فبراير 2025. ومع ذلك، يبدو أن إيران، بدعم من المرشد الأعلى علي خامنئي الذي منح عراقجي صلاحيات واسعة، تسعى لاستغلال الوساطة العمانية لتجنب تصعيد عسكري قد يكون كارثياً.

دور سلطنة عمان: وسيط موثوق يعزز الاستقرار

برزت سلطنة عمان كلاعب محوري في هذا اللقاء، مؤكدة سمعتها كوسيط محايد يحظى بثقة الطرفين. وقال الوزير البوسعيدي إن المحادثات جرت في "أجواء ودية"، مشيراً إلى أنها عززت فرص تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي. وأكدت مسقط التزامها بمواصلة جهودها لدعم الحوار، مما يعكس استراتيجيتها طويلة الأمد في منع الصراعات بالمنطقة.

يعتبر المراقبون أن نجاح عمان في استضافة هذا اللقاء يعزز مكانتها كقناة دبلوماسية فعالة، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة منذ اندلاع الحرب في غزة عام 2023، وتداعياتها في لبنان وسوريا واليمن. ويرى البعض أن عمان قدمت "قشة نجاة" لإيران، التي وجدت في الوساطة العمانية فرصة لتخفيف الضغوط دون الظهور بموقف ضعف.

تداعيات إقليمية ومخاطر التصعيد

يأتي هذا اللقاء في وقت تشهد فيه المنطقة اضطرابات مستمرة، من الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله إلى هجمات الحوثيين في البحر الأحمر والتغيرات السياسية في سوريا. ويمثل الحوار خطوة محتملة نحو التهدئة، لكن فشله قد يؤدي إلى تفاقم المخاوف من حرب أوسع، خاصة مع تهديدات إيران للدول المجاورة التي تستضيف قواعد أمريكية.

ويظل البرنامج النووي الإيراني محور الخلاف الأساسي. فقد تجاوزت إيران، بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، حدود التخصيب المسموح بها، وباتت تمتلك مخزونات قريبة من المستوى اللازم لصنع أسلحة نووية، وفق تقديرات غربية. وتثير هذه التطورات قلق إسرائيل، التي تهدد بضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا فشلت الدبلوماسية.

خطوة أولية وسط تحديات كبيرة

رغم الغموض الذي اكتنف نتائج اللقاء، فإنه يمثل خطوة مهمة نحو الحوار في ظل توترات غير مسبوقة. ومع إعلان الطرفين استعدادهما لمواصلة المحادثات، تبقى الأسئلة معلقة حول إمكانية التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين، خاصة مع تباين المواقف بشأن البرنامج النووي والعقوبات.

وتبرز سلطنة عمان كأكبر الرابحين دبلوماسياً، حيث نجحت في خلق قناة حوار قد تمنع انزلاق المنطقة نحو صراع مدمر. ومع ذلك، يظل المستقبل غامضاً، حيث تعتمد النتائج على مدى استعداد كل طرف لتقديم تنازلات حقيقية في ظل ضغوط إقليمية ودولية متزايدة.

دورة تدريبية مكثفة حول "أساسيات البحث العلمي وأوراق العمل" في الفترة من 13 إلى 15 أبريل 2025


مسرح محمد الخامس يتوهج: الدكالي ونجاة الرجوي يُشعلان ليلة فنية لا تُنسى


غارات أمريكية مكثفة تستهدف الحوثيين رداً على هجمات البحر الأحمر.. الكشف عن التفاصيل


فضيحة "سيغنال": هل تكشف عن هشاشة أمن المعلومات الأمريكية وتزيد البلبلة العالمية؟