أنشطة وقضايا
"البيئة الموبوءة لا تنتج سوى الأوبئة"..
بعوضة تفتك بلحج.. انتشار كثيف وأمراض فتاكة وسط غياب الحملات الوقائية
موسم البعوض حلّ، والموت متخفٍ بجناحين صغيرين
تشهد محافظة لحج، بمديرياتها كافة، انتشارًا كثيفًا للبعوض في ما يُعرف بـ"موسم البعوض"، مما أسفر عن تزايد الإصابات بأمراض الحميات الفيروسية المنقولة عبره، لا سيما في مديريتي الحوطة وتبن. ويأتي هذا الانتشار في ظل تدهور الخدمات الصحية وارتفاع أسعار الأدوية، ما يؤدي أحيانًا إلى حالات وفاة، كما حدث خلال مواسم سابقة شهدت موجات قاتلة من الحميات. إلا أن الموسم الحالي فاق سابقاته سوءًا، حيث يتساءل المواطنون: متى ستصل حملات الرش الضبابي إلى أحيائنا؟ أم أنه لا تحرّك إلا بعد أن تتحول الأزمة إلى كارثة صحية وبيئية؟
البعوض.. ناقل وقاتل
البعوض ليس مجرد حشرة مزعجة، بل يُعد من أخطر الناقلين للأمراض، حيث ينقل الطفيليات والفيروسات والديدان الخيطية من خلال حقن لعابه في جلد الإنسان. من أبرز الأمراض التي ينقلها: الملاريا، حمى الضنك، الحمى الصفراء، داء الفيل، فيروس شيكونغونيا "المكرفس"، والتهاب الكبد الوبائي. وتشترك هذه الأمراض في أعراضها مثل الحمى، الصداع، الغثيان، انخفاض المناعة، والالتهابات الحادة.
التغير المناخي يضاعف الأزمة
شهدت لحج في السنوات الخمس الأخيرة تصاعدًا لافتًا في أعداد البعوض، نتيجة للتغيرات المناخية، وخاصة الفيضانات التي خلّفت بركًا ومستنقعات شكلت بيئة خصبة لتكاثر البعوض. إضافة إلى تلوث الهواء بسبب ارتفاع معدلات الحرق، وتراجع التنوع البيئي نتيجة تدخلات بشرية غير مدروسة. كما أن تكدّس النفايات ومياه الصرف الصحي في الأماكن العامة أسهم في تفشي الحشرات والقوارض، بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة، ما جعل المحافظة بيئة ملائمة لتكاثر وانتشار البعوض.
إلى جانب ذلك، أدّى استقبال لحج آلاف النازحين من مناطق الحرب كتعز والحديدة إلى ارتفاع خطر انتشار الأمراض المعدية، إذ ينقل البعوض الفيروسات من دم مصاب إلى آخر سليم.
بعوضة "الأنوفيليس" والزاعجة المصرية.. الأخطر
بحسب دراسة أمريكية، فإن من أبرز الناقلين للأمراض الفيروسية في اليمن بعوضة "الأنوفيليس" القادمة من أفريقيا، والتي تنقل طفيل "البلازموديوم" المسبب للملاريا، وتُعد من أخطر الأنواع. كما تنتشر بعوضة "الزاعجة المصرية"، الناقلة الرئيسية لحمى الضنك، وتتميز بنقاط بيضاء على أرجلها، وقد استوطنت المناطق الاستوائية ومنها لحج.
أعداد متزايدة لمرضى الحميات
تشهد المرافق الصحية في لحج توافد عشرات الحالات يوميًا بين مشتبه بها أو مؤكدة بإصابة بحمى الضنك أو الملاريا. وأفادت الدكتورة هالة محمد بأن المرضى يُخضعون لفحص "CBC"، وفحوصات خاصة بالضنك والملاريا، وفي معظم الحالات تُصرف لهم مضادات حيوية ومغذيات لعلاج أعراض الحمى والصداع وآلام البطن.
وأضافت ل(اليوم الثامن) أن غياب العلاج النوعي لحمى الضنك يدفع الأطباء لتوصية المرضى بالإكثار من شرب السوائل وتناول الحمضيات والخضروات، مع الراحة التامة. إلا أن تردي الأوضاع الاقتصادية يحول دون قدرة كثير من المرضى على دفع تكاليف العلاج، ما يدفعهم للجوء إلى علاجات منزلية متوارثة، كمنقوع التمر الهندي أو شراب الليمون، إضافة إلى المسكنات.
شكاوى المواطنين وتقصير الجهات المختصة
يعزو المواطنون انتشار الأمراض إلى ضعف الخدمات الصحية، إذ بات المرضى يدفعون مقابل الفحص والعلاج حتى في المستشفيات الحكومية. كما عبّروا عن خشيتهم من تكرار سيناريو المواسم السابقة، حين أودت الحميات بحياة العشرات من مختلف الأعمار.
دعوات للرش ومعالجات عاجلة
المهندس فتحي الصعود، مدير هيئة حماية البيئة بلحج، أوضح أن تقلب درجات الحرارة يؤثر على كثافة البعوض من منطقة لأخرى، مؤكدًا على أهمية ردم مواقع المياه الراكدة، ونشر التوعية البيئية، إلى جانب تنفيذ حملات الرش الضبابي والذُبابي باعتبارها أدوات رئيسية في مكافحة البعوض.
من جانبه، أشار العميد محمد الرجاعي، مدير صندوق النظافة، إلى تنفيذ حملات نظافة واسعة في عدد من المديريات، شملت إزالة النفايات ومخلفات البناء، بالتوازي مع حملات رش ميدانية بالتنسيق مع مكتب الصحة.
أما الدكتور عادل السيد، مدير برنامج مكافحة الملاريا والوبائيات، فأوضح أنهم قدّموا خططًا إلى السلطة المحلية بانتظار التمويل لتنفيذ حملات الرش. وأشار إلى رصد حالات مؤكدة بالضنك والملاريا أدت إلى الوفاة في الحوطة وتبن، محذرًا من قدرة البعوض على الطيران لمسافة تصل إلى كيلومترين، حتى دون وجود مستنقعات قريبة.
كما دعا السيد المواطنين إلى رش الغرف بمبيد "بف باف"، وإغلاقها لنصف ساعة قبل تهويتها، محذرًا من استخدام الأقراص الطاردة للبعوض في وجود الأطفال بسبب تأثيراتها التنفسية.
وسائل منزلية لمكافحة البعوض
يلجأ المواطنون إلى وسائل تقليدية مثل تبخير المنازل بـ"لبان الذكر" لطرد البعوض، واستخدام الناموسيات، والشبكات في النوافذ، ودهن الجسم بالزيوت الطبيعية، باعتبارها وسائل فعالة وآمنة.
أعباء نفسية متفاقمة
يقول المواطن يسلم صالح من منطقة صبر إن تردي الخدمات، وخاصة الصحية، يضاعف معاناة السكان، خصوصًا في ظل انقطاع الكهرباء، إذ لا تكفي البطاريات والألواح الشمسية لتشغيل المراوح طوال الليل، ما يؤدي إلى أرق الأطفال والبالغين بسبب الحر والبعوض.
ودعا يسلم إلى الإسراع في تنفيذ حملات الرش، وتغطية خزانات المياه، والحفاظ على نظافة المنازل، وعدم التهاون مع أي أعراض حُميات، مشددًا على ضرورة ردم المستنقعات باعتبارها بؤرًا خطيرة لتكاثر البعوض.