الأدب والفن
عفراء الظاهري في أول معرض فردي مؤسسي..
من الرمل إلى القماش.. «دائرة حائرة» يجسّد حركات الزمن في فضاء المريجة
«الشارقة للفنون» تستهل خريفها بمعرض «دائرة حائرة» لعفراء الظاهري
تفتتح مؤسسة الشارقة للفنون برنامجها لخريف 2025، بمعرض «دائرة حائرة» للفنانة الإماراتية عفراء الظاهري، والذي يقام في ساحة المريجة في الفترة بين 30 أغسطس/ آب و14 ديسمبر كانون الأول 2025.
«دائرة حائرة» هو أول معرض فردي مؤسسي للفنانة، وتقيّمه مي القايدي، القيّمة مساعدة في مؤسسة الشارقة للفنون، ويقدم مختارات من أعمالها التي تستكشف التداعيات الهيكلية للتوتر والتكرار والزمن، وذلك من خلال توظيف مواد متنوعة مثل حبال القطن والقماش والخرسانة والشَّعر، بما يبرز الإيماءات البطيئة والحركات المقصودة والإرهاق الذي قد ينشأ من العمل المستمر والمتكرر وغير المرئي أحياناً.
يستمد المعرض عنوانه من العمل التركيبي الجديد «دائرة حائرة» (2025)، الذي كُلِّفت به الفنانة واستوحته من النباتات الصحراوية التي تنقش أنماطاً حلزونية على الرمال أثناء تحركها مع الريح، حيث ترى الظاهري أن هذه الحركة المستمرة والمواظبة لا تفضي إلى وجهة واضحة وإنما تأتي كاستجابة بسيطة لما هو خارج سيطرتها، وبالتالي تقدّم مجازاً عن الإرهاق الذهني والإجهاد الجماعي، والشعور بضغط مستمر يدفعنا للإنتاج أو أداء المهام. وهكذا يستحضر العمل تلك اللحظات التي يبدو فيها الزمن متناثراً، عندما تصبح الحركة إلى الأمام دائرية، وعندما نتساءل عمّا لو كنا نتقدم من الأساس، أم أننا نعود إلى المكان الذي بدأنا منه بكل بساطة، حيث يكون هذا الشكل الدائري بطريقة ما انعكاساً للعبء العاطفي للتحمل، وتأملاً لما يتطلبه الاستمرار في الحركة حتى عندما يكون المسار غامضاً.
يحيك الزمن نفسه ضمن الأعمال المعروضة، فينحني وينجرف ويدور ويعود من البداية، محققاً توازناً هشاً بين الاستمرارية والانقطاع، حيث تتجه الظاهري في تكليف آخر جديد بعنوان «رغبت الطبيعة فانبثقت لي حديقة بين الطيّات» نحو أسلوب أبطأ وأكثر اتصالاً بالحدس في العملية الإبداعية، وليأتي ذلك جراء فترة انتقال عاشتها الفنانة، أفضت إلى الابتعاد عن السياقات السابقة الأكثر استهلاكاً للجهد، من خلال اقتراح بنية يمكن العودة إليها في بيئات متعددة. صممت الظاهري قاعدة العمل القماشية بحيث تطويها وتحملها بين مرسمها ومنزلها، ومع ظهور الطيّات، تتبعت خطوطها باستخدام الأكريليك، لتسجّل ذاكرة كل طيّة. ومع تراكم هذه الإيماءات تدريجياً، يغدو الزمن جزءاً من المادة، لا عبر الكثافة، بل عبر التوقف والعودة، وتشير الطبيعة المتنقلة للعمل إلى إمكانية إعادة زيارته مع كلّ لقاء جديد. هنا، لا تقود الإبداعَ رغبةٌ ملحّة بالإنجاز، بل انسجامٌ مع روتين متغير، واعتراف بما يكشفه الزمن.
تستقر بقايا الزمن عبر أعمال الظاهري في الأصباغ الباهتة والحبال الليّنة والخطوط الأولية التي تركتها لمسةٌ هنا وضوءٌ هناك، وتتراكم الإيماءاتُ البطيئة تدريجياً، على غرار الذاكرةِ أو التعب، بحيث يحمل كلٌ منها شكلاً مختلفاً من المعرفة، مصاغةً بفعل الإحجام والتوقف والتكرار، ففي عملها «سلّم حلزوني» توثّق سمة معمارية بسيطة سائدة في أبوظبي، تتمثل في السلالم اللولبية التي تظهر على طول الجزء الخارجي من المباني، وتوفّر سبيلاً للانتقال بين المساحتين العامة والخاصة دون الاضطرار إلى التطفّل. ومع ندرة هذه السلالم بعد التغيرات المعمارية التي طرأت على المدن، اختارت الظاهري مثالين ووثقتهما قبل اختفائهما تماماً، أحدهما من مستودع في ميناء زايد تم هدمه في مرحلة لاحقة، والآخر من خزان مياه في الخالدية. يحمل العمل إحساساً بالإلحاح، فيصبح فعل الرسم الذي جاء سريعاً وعفوياً وسيلةً لحفظ الأشكال العابرة.
تعمل الفنانة عفراء الظاهري أستاذاً مساعداً في جامعة زايد، وهي حاصلة على ماجستير الفنون الجميلة من كلية رود آيلاند للتصميم (2017). شاركت في العديد من برامج الإقامة مثل زمالة سلامة بنت حمدان للفنانين الناشئين، الإمارات العربية المتحدة (2014)؛ واستوديوهات بورثمور، كورنوال (2019)؛ ومركز ووترميل، نيويورك (2023)، ووصلت إلى القائمة النهائية لجائزة ريتشارد ميلي للفنون (2022). تتضمن تكليفاتها العامة «اتحاد الفنانين» (دبي للثقافة وآرت دبي، 2024) و«نلعب بيت» (إكسبو 2020، دبي، 2021)، عُرضت أعمالها ضمن معارض فردية في غاليري غرين آرت، دبي (2021، 2023)، ومعارض جماعية في رواق الفن بجامعة نيويورك أبوظبي (2024)؛ وغاليري بيدرو سيرا، لشبونة (2024)؛ وغاليري باليس هيرتلينغ، باريس (2024)؛ ومتحف اللوفر أبوظبي (2022)؛ ومهرجان الفنون الإسلامية في الشارقة (2021)؛ ومعهد الشرق الأوسط، واشنطن العاصمة (2021)؛ ومعهد مسك للفنون، الرياض (2021)؛ وقصر كرومويل، لندن (2021)؛ وتاتيانا بيترز، غنت (2021)، وغيرها.
تستقطب مؤسسة الشارقة للفنون طيفاً واسعاً من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية، لتفعيل الحراك الفني في المجتمع المحلي في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، والمنطقة. وتسعى إلى تحفيز الطاقات الإبداعية، وإنتاج الفنون البصرية المغايرة والمأخوذة بهاجس البحث والتجريب والتفرد، وفتح أبواب الحوار مع كافة الهويّات الثقافية والحضارية، وبما يعكس ثراء البيئة المحلية وتعدديتها الثقافية. وتضم مؤسسة الشارقة للفنون مجموعة من المبادرات والبرامج الأساسية مثل «بينالي الشارقة» و«لقاء مارس»، وبرنامج «الفنان المقيم»، و«البرنامج التعليمي»، و«برنامج الإنتاج» والمعارض والبحوث والإصدارات، بالإضافة إلى مجموعة من المقتنيات المتنامية. كما تركّز البرامج العامة والتعليمية للمؤسسة على ترسيخ الدّور الأساسي الذي تلعبه الفنون في حياة المجتمع، وذلك من خلال تعزيز التعليم العام والنهج التفاعلي للفن.