تطورات اقليمية
خفر السواحل اليمنية في قلب الشراكة..
مؤتمر الرياض للأمن البحري: توافق دولي لمواجهة التهديدات الحوثية بالمنطقة
40 دولة تبحث أمن الممرات البحرية اليمنية برعاية سعودية–بريطانية
عقدت قمة دولية حول الأمن البحري اليمني برعاية المملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة في الرياض، وحضرت المؤتمر نحو 35–40 دولة ومنظمة دولية. ويأتي هذا الحدث في سياق تصاعد هجمات ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران على السفن التجارية العابرة للبحر الأحمر وباب المندب منذ نوفمبر 2023، حيث استهدفت هذه الهجمات ممرات حيوية للتجارة العالمية. وأشارت الحكومة اليمنية إلى أن الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب اليمني (شريط ساحلي يتجاوز 2500 كم) تمر عبرها ملايين الأطنان من البضائع والمساعدات، مما يجعل أمن هذه الممرات أمراً حيوياً لاستقرار المنطقة وحماية الاقتصاد العالمي.
أهداف المؤتمر والتحديات الأساسية
ركز المؤتمر على إعادة بناء ودعم قدرات خفر السواحل اليمني باعتباره خط الدفاع الأول لحماية الممرات المائية. وأوضح قائد خفر السواحل اليمني، اللواء الركن خالد القملي، أن الشراكة الجديدة تُمثّل “آلية حوكمة فعّالة وشفافة” لاستيعاب دعم الشركاء الدوليين في ظل الظروف اليمنية الاستثنائية. وتم تسليط الضوء على عدد من الأولويات والتحديات الرئيسية التي يواجهها خفر السواحل، من أبرزها:
توفير زوارق دوريات بحرية قادرة على الاستجابة لطوارئ الإنقاذ وملاحقة مهربي الأسلحة والمخدرات.
نشر أنظمة رادار ساحلية حديثة للتمكن من مراقبة وتحليل حركة الملاحة في المياه اليمنية بفعالية عالية.
تحديث مراكز القيادة والسيطرة عبر بناء مراكز عمليات متطورة قادرة على تنسيق جهود المراقبة ومتابعة الحوادث في الوقت الحقيقي.
برامج تدريب متقدمة لتنمية رأس المال البشري، تشمل التدريب المستمر في تطبيق القانون البحري، وعمليات الاعتراض والإنقاذ والاستجابة للطوارئ.
هذه الاحتياجات الرئيسية أكّد عليها خفر السواحل والمستشارون الدوليون باعتبارها أساساً لتمكين هذه القوة المحلية من القيام بمسؤولياتها الأمنية بعيداً عن القيود اللوجستية والمالية التي عانت منها خلال سنوات الصراع.
التعهدات الدولية والدعم المقدم
وقد ضمّن المؤتمر إعلانات عن حزمة واسعة من التعهدات المالية والفنية لدعم خفر السواحل اليمني، تعهدت بها دول عدة ضمن الشراكة البحرية اليمنية. من بين هذه التعهدات:
المملكة العربية السعودية: أعلنت عن تخصيص نحو 4 ملايين دولار لبرنامج دعم خفر السواحل اليمني، تشمل توفير المعدات والتدريب والاستشارات.
المملكة المتحدة: عرضت حزمة دعم تشمل زوارق دوريات سريعة وبرامج تدريب متقدمة، في إطار التعاون الوثيق مع الحكومة اليمنية لتحسين أمن البحر وكبح تهريب الأسلحة.
دول أخرى: وعدت بتقديم برامج تدريبية مشتركة وتوفير معدّات حديثة (رادارات اتصالات، أنظمة إنذار، تجهيزات تشغيلية) وبناء القدرات المؤسسية اللازمة.
وعلى إثر ذلك، تكلل المؤتمر بإطلاق أمانة عامة مشتركة للأمن الملاحي اليمني تُدار عبر برنامج المساعدة الفنية لليمن. وتهدف هذه الأمانة التنسيقية إلى إدارة موارد الدعم الدولي ومتابعة تنفيذ المشاريع بشكل شفاف ومنظم، مما يعزز المساءلة والثقة بين الشركاء.
وأضاف البيان الختامي أن هذه الجهود ستسهم في تحسين الرقابة على الحدود البحرية اليمنية، مما يعزّز الأمن ويخلق فرصاً اقتصادية جديدة لمجتمعات السواحل. وذكر قائد خفر السواحل اللواء القملي أن التزام الدول المشاركة سيترجم عملاً في الواقع من خلال توفير الطلائع التالية: زوارق دوريات بحرية لمواجهة نداءات الاستغاثة وعمليات التهريب، وأنظمة رادار ساحلية للمراقبة الفعّالة، ومراكز قيادة متطورة، وبرامج تدريب متقدمة لتنمية الكوادر المحلية.
دلالات وأبعاد استراتيجية
ترى القيادة اليمنية أن هذا الدعم البحري المكثف ليس مجرد تحسين لأسطول خفر السواحل فحسب، بل هو استثمار استراتيجي في استقرار المنطقة بأسرها. فقد أكّد اللواء خالد القملي أن دعم خفر السواحل “هو استثمار مباشر في استقرار المنطقة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة”. كما لاحظ الرئيس اليمني رشاد العليمي أن المؤتمر يشكل “تدشيناً لشراكة نوعية تعزز أمن ممراتنا المائية، وتجديداً لالتزامنا القوي بمكافحة الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود”. ولقد أشار بيان رسمي بريطاني إلى أن شراكة الأمن البحري لليمن (YMSP) تعد آلية أساسية للتعاون الدولي بهدف حماية مياه اليمن وإعادة بناء قدرات خفر السواحل.
هذه المبادرات تأتي وسط تحذيرات أممية ودولية من أن استمرار هجمات الحوثيين سيقوض الأمن الإقليمي ويزيد من تكلفة النقل البحري العالمي. ومن هنا، يفسّر الكثيرون هذا المؤتمر باعتباره نقطة تحول نحو تعزيز التعاون الإقليمي والدولي لصالح اليمن واستقراره. وبالموازاة، يهدف تحسين قدرات خفر السواحل إلى خلق بيئة أكثر أمناً للملاحة وتحفيز النشاط الاقتصادي في الساحل اليمني الذي طالما عانى من الاضطراب.
خلاصة
يعد مؤتمر شراكة الأمن البحري في اليمن خطوة مهمة لتحقيق توافق دولي حول أمن الممرات المائية الحيوية. فقد أدّى إلى إطلاق شراكة دولية وإعلان تعهدات ملموسة لدعم خفر السواحل اليمني وتطوير قدراته (زوارق متطورة، وأنظمة رصد متقدمة، وبرامج تدريب)، فضلاً عن إنشاء أمانة تنسيقية لضمان تنفيذ المساعدات. وتشكل هذه الجهود دعمًا مباشراً لاستقرار المنطقة وحماية التجارة العالمية، من خلال ضمان حرية الملاحة ومكافحة شبكات التهريب والإرهاب البحرية. يبقى التحدي الرئيس هو التنفيذ الفعّال لهذه التعهدات، والتغلب على الصعوبات اللوجستية في اليمن، لضمان نقل الدعم إلى السواحل المستهدفة وتعظيم أثره الأمني والاقتصادي.