تطورات اقليمية
تحذيرات سعودية من حرب أهلية في لبنان إذا لم يُنزع سلاح حزب الله..
الأمير تركي الفيصل: استمرار الجرائم الإسرائيلية يصنع أجيالًا جديدة من المقاومة
الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ورئيس الاستخبارات السعودية الأسبق
أجرى رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ورئيس الاستخبارات السعودية الأسبق الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود مقابلة شاملة تناولت مستقبل القضية الفلسطينية، وخطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والملفات الإقليمية المتشابكة من لبنان إلى سوريا والهجرة.
وخلال المقابلة التي أجرتها الإعلامية هادلي غامبل، أطلق الفيصل مواقف صريحة اعتبرها المراقبون رؤية سعودية متقدمة تجاه الأزمات الإقليمية، خصوصًا في ظل اشتداد الصراع في غزة واستمرار الاحتلال الإسرائيلي.
القضية الفلسطينية.. الاحتلال يصنع المقاومة
أكد الأمير تركي الفيصل أن القمع الإسرائيلي وحرمان الفلسطينيين من حقهم في تقرير المصير هو ما أفرز حركات المقاومة، وأن استمرار الجرائم في غزة والضفة لن يقضي على حماس بل سيخلق “أجيالًا جديدة من المقاومة”.
وأشار إلى أن عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية تجاوز 65 ألف قتيل، وأن آلاف المدنيين ما زالوا تحت الأنقاض، داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار وفرض حل الدولتين الذي يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
واعتبر الفيصل أن “أي تأخير في وقف القتل هو تخاذل أخلاقي من المجتمع الدولي”، مؤكدًا أن إسرائيل تدفع المنطقة نحو دوامة دائمة من العنف ستفرز مزيدًا من التطرف والمقاومة المسلحة.
خطة ترامب للسلام.. الشيطان في التفاصيل
وفي رده على خطة ترامب المؤلفة من عشرين نقطة، قال الفيصل إن “الشيطان يكمن في التفاصيل”، مضيفًا أن الحكم على الخطة يجب أن يكون بعد معرفة آليات تنفيذها وضمان عدالتها.
وأوضح أن مقارنة الخطة الجديدة بالمبادرة العربية للسلام تكشف “فارقًا كبيرًا في الشمولية والمنطق السياسي”، محذرًا من اختزال الحل في ترتيبات أمنية أو إنسانية دون معالجة جذور الصراع، أي الاحتلال والاستيطان والاعتراف بحق الفلسطينيين في دولتهم.
كما انتقد الفيصل ما وصفه بـ“التفكير الساذج” في بعض بنود الخطة مثل فكرة “ريفيرا غزة”، معتبرًا أنها “هراء سياسي” ولا يمكن أن تُطرح بجدية على طاولة التفاوض.
نتنياهو وحسابات البقاء
تطرق الفيصل إلى سلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واصفًا إياه بأنه “لا يهتم بالرأي العام العالمي بقدر حرصه على البقاء في السلطة”، معربًا عن اعتقاده أن الضغوط الدولية وحدها قد تدفعه إلى التجاوب مع مساعي وقف الحرب.
وأضاف أن ترامب يحاول استثمار هذه الضغوط لتحقيق ما وصفه بـ“إنجاز سياسي تاريخي”، لكنه شدد على أن الثقة لا تُمنح للأشخاص بل تُبنى على النتائج، داعيًا إلى مراقبة الأفعال لا الأقوال.
الموقف السعودي والدور الأوروبي
رحب الأمير تركي الفيصل باعتراف عدد من الدول الأوروبية بالدولة الفلسطينية، واعتبره “انتصارًا للإنسانية وللحق الفلسطيني”، مشيرًا إلى أن المملكة العربية السعودية وفرنسا لعبتا دورًا محوريًا في الدفع نحو هذا الاعتراف.
كما دعا إلى تشكيل قوة دولية مشتركة تضم دولًا أوروبية وأمريكية وإسلامية للإشراف على أي تسوية سياسية قادمة وضمان تنفيذها، مشددًا على أن “أي حل دون رقابة دولية عادلة لن يصمد أمام الواقع الإسرائيلي”.
حزب الله ولبنان.. خطر الانزلاق إلى الحرب الأهلية
وفي الشأن اللبناني، حذر الفيصل من أن استمرار سلاح حزب الله خارج إطار الدولة قد يقود البلاد إلى حرب أهلية جديدة، معتبرًا أن “لبنان يعيش اليوم حالة احتلال غير معلن، فإسرائيل تحتل أراضيه منذ 1982، وحزب الله يحتكر قراره الداخلي”.
وأكد أن نزع سلاح الحزب ضرورة لحماية وحدة لبنان، مشيرًا إلى أن “إيران ما تزال المستفيد الأكبر من استمرار الوضع الراهن”.
الهجرة والعالم الجديد
انتقل الفيصل إلى الحديث عن قضية الهجرة العالمية، معربًا عن رفضه ربطها بالأمن أو بالعنصرية، مؤكدًا أن “كل حضارات العالم قامت على تلاقي الشعوب”، وأن الحل يكمن في تنظيم الهجرة وضمان حقوق اللاجئين.
وأشار إلى أن أوروبا تواجه خطر التراجع السكاني، وأن عليها أن تنظر للهجرة كفرصة لا كتهديد، شرط أن يتم دمج المهاجرين ضمن نظم عادلة تحافظ على الاستقرار وتمنع الانعزال الثقافي.
سوريا وفرص التعافي
وفي الملف السوري، أبدى الفيصل تفاؤله حذرًا بإمكانية عودة الاستقرار مع تشكيل الحكومة الجديدة، مؤكدًا أن استقرار سوريا سيفتح الباب أمام عودة المهاجرين واستثمارات إعادة الإعمار، وأن أي نهضة سورية مقبلة ستسهم في تخفيف موجات الهجرة نحو أوروبا.
خاتمة: صوت سعودي يعيد التوازن
يعيد حديث الأمير تركي الفيصل تأكيد الموقف السعودي الثابت في دعم القضية الفلسطينية ورفض سياسات الاحتلال، والدعوة إلى حل الدولتين كخيار وحيد للسلام العادل.
وفي الوقت ذاته، يعكس خطابه رؤية استراتيجية أوسع تسعى إلى تحقيق توازن بين الواقعية السياسية والمبادئ الأخلاقية، في وقت تمر فيه المنطقة بأشد مراحلها تعقيدًا منذ عقود.