تطورات اقليمية

قراءة في المشهد اليمني الراهن..

فشل التحالف الهشّ: مجلس القيادة الرئاسي .. صراع نفوذ في عدن وجمود في الجبهات

المجلس الرئاسي بلا فاعلية والحوثيون يحكمون بالشعار والسلاح

واشنطن

بعد أكثر من عشر سنوات على اندلاع الحرب الأهلية في اليمن، لا نهاية تلوح في الأفق لهذا الصراع المستنزِف. فقد بقيت خطوط المواجهة بين الأطراف المتحاربة شبه جامدة ولم تتغير إلا بشكل طفيف، فيما تزداد أوضاع اليمنيين بؤسًا وتدهورًا يومًا بعد يوم. وفي ظل حالة "السكون العنيف" هذه، تحوّلت الحرب إلى جزء من الحياة اليومية لليمنيين، تدور ببطء قاتل بين جبهات راكدة وأزمات متكررة، بينما يدفع الشعب الثمن الأكبر لصراع لا يعدهم لا بنصرٍ حاسم ولا بسلام منشود.

لقد أفضت سنوات الحرب الطويلة إلى انهيار الاقتصاد وتفاقم الأزمة الإنسانية بشكل غير مسبوق. أكثر من نصف سكان اليمن (نحو 17 مليون شخص) يواجهون انعدام الأمن الغذائي، بينما يفتقر حوالي 18 مليونًا إلى المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي. وتصف الأمم المتحدة الوضع في اليمن بأنه من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يعتمد الملايين على المساعدات الخارجية من أجل البقاء. لكن حتى هذه المساعدات لم تسلم من التدخل؛ إذ يشكو المانحون والعاملون الإغاثيون من عرقلة أطراف الصراع لعمليات الإغاثة وتسييس توزيعها، مما أدى إلى هدر جزء كبير منها وتوجيهه وفق المصالح السياسية. وفي المحصلة، باتت مؤسسات الدولة شبه غائبة في معظم المناطق، سواء الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو للحكومة الشرعية، نتيجة تفشي الفساد والبيروقراطية الفاشلة وانعدام الحوكمة الرشيدة.

لم ينجح المجلس الرئاسي القيادي – الذي تشكّل في عام 2022 بدعم سعودي–إماراتي ليوحّد القوى المناهضة للحوثيين – في ترجمة ذلك الدعم إلى إنجاز سياسي أو عسكري ملموس على الأرض. فمنذ تأسيسه ظل المجلس يعاني من عدم الكفاءة والفساد والانقسامات الداخلية، وبقي تحالفه الهشّ عاجزًا عن تحقيق تقدم عسكري يُذكر ضد الحوثيين. ورغم المعونات السخية التي قدّمتها له الرياض وأبوظبي، فإن القوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليًا عجزت عن استعادة المناطق الرئيسية التي يسيطر عليها الحوثيون منذ سنوات. انخفضت حدة العنف العسكري بشكل عام منذ 2022 ولم تسفر المواجهات إلا عن تغييرات طفيفة في خارطة السيطرة، وظلت جبهات القتال الرئيسية (خصوصًا في مأرب والحديدة) على حالها تقريبًا؛ إذ ما زالت تلك المناطق مقسّمة بين نفوذ الحكومة والحوثيين دون حسم.

على الصعيد السياسي والإداري، تفتقر الحكومة اليمنية الشرعية إلى التماسك والفعالية. فمعظم قيادة المجلس الرئاسي تقيم في المنفى بالعاصمة السعودية الرياض، في حين تدار المناطق "المحررة" نظريًا من قِبل الحكومة عن بُعد أكثر مما تدار من داخلها. حتى أن رئيس المجلس رشاد العليمي نفسه واجه صعوبة في مزاولة مهامه من قصر المعاشيق في عدن، بسبب التوترات والخلافات مع أعضاء المجلس الآخرين وعلى رأسهم عيدروس الزبيدي، زعيم المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيًا. وقد تحوّلت عدن (العاصمة المؤقتة) إلى ساحة صراع نفوذ بين فصائل القوات المحسوبة على المجلس الرئاسي من جهة، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي المطالِب بالانفصال من جهة أخرى. وبرزت الخلافات إلى العلن مرارًا، مهددةً بتفجير الأوضاع في الجنوب ومعيقةً جهود توحيد الصف المناهض للحوثيين.

في المحافظات الجنوبية، تتصاعد حالة السخط الشعبي من أداء السلطات المحلية والحكومة الشرعية على حدٍ سواء. فقد تدهورت الخدمات الأساسية إلى حدٍ كبير في عدن وغيرها من مدن الجنوب، وانقطعت الكهرباء والمياه بشكل متكرر، وارتفعت كلفة المعيشة بصورة خانقة في ظل انهيار العملة وغياب الرقابة. شهدت عدن تظاهرات متكررة احتجاجًا على تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات الضرورية، ما يعكس تآكل ثقة المواطنين بقدرة القيادة السياسية على الحكم وإدارة شؤونهم. ويضاعف من الاحتقان انتشار الفساد؛ إذ يُتهم مسؤولون في الحكومة بنهب المال العام وتلقي رواتب ضخمة في الوقت الذي يعاني فيه عامة الناس من الفقر وانعدام الدخل. هذا الغضب الشعبي وضعف الأداء الحكومي أدى إلى استقالات في صفوف المسؤولين الجنوبيين – أبرزها استقالة رئيس الوزراء معين عبدالملك (أحمد بن مبارك) في 2025 بعد خلافات مع العليمي، حيث برر استقالته بأنه لا يملك الصلاحيات الكافية لإحداث تغيير. ولم تفلح التغييرات الحكومية اللاحقة في تهدئة الشارع الجنوبي أو تحسين الأوضاع المعيشية، ما ترك الجنوب على فوهة بركان من الاحتجاجات والاستياء الشعبي.

أما في المحافظات الشمالية الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين (أنصار الله)، فقد رسخت الجماعة حكمها على مدار سنوات الحرب مستندةً إلى تحالفات قبلية وشعارات دينية تعبّئ بها أتباعها. يفرض الحوثيون قبضة أمنية صارمة على مناطقهم، وأقاموا جهازًا سلطويًا يهيمن على الموارد ومفاصل الإدارة والقرار. وبعد استيلائهم على صنعاء بالقوة في 2014 وتوسّعهم في معظم الشمال، باتوا يحكمون قرابة 70–80% من سكان اليمن المقيمين في نطاق سيطرتهم، عبر شبكة من الولاءات والتحالفات القبلية والحزبية. وقد عززوا تحالفاتهم حتى مع بعض خصوم الأمس – مثل الرئيس السابق علي عبدالله صالح قبل أن ينقلبوا عليه ويقتلوه في 2017 – بما ساعدهم على توطيد نفوذهم.

يحكم الحوثيون الشمال بنموذج سلطوي شديد المركزية، يعاقب المعارضين ويكمّم الأفواه تحت ذرائع مختلفة. وثّقت منظمات حقوقية يمنية ودولية حملة قمع ممنهجة من قبل الجماعة، شملت الإخفاء القسري للمنتقدين والاعتقال التعسفي واحتجاز المئات دون إجراءات قانونية، إضافة إلى مصادرة الممتلكات وفرض الجبايات. كما كشفت تقارير صحفية عن ممارسات تعذيب في سجون الحوثيين بحق المحتجزين. ويبرر الحوثيون قبضتهم الحديدية هذه بخطاب أيديولوجي ديني يصوّر حربهم بأنها واجب ديني ومقاومة مشروعة ضد "العدوان الخارجي". فعلى سبيل المثال، قدّم زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي انخراطهم في دعم الفلسطينيين ومهاجمة إسرائيل بأنه واجب ديني وأخلاقي وإنساني لا بد منه. وعلى المنوال نفسه، تُصوَّر المعركة الداخلية ضد الحكومة والتحالف الذي تقوده السعودية على أنها جزء من "المعركة المقدسة" لحماية الوطن والدين. هذا المزيج من التعبئة الدينية والانضباط الأمني أتاح للحوثيين ترسيخ حكمهم وفرض نموذج من الاستقرار النسبي في مناطقهم، لكنه استقرار يقوم على القمع وتقييد الحريات وإقصاء كل صوت معارض، مما يبقي المجتمع في حالة توتر وكبت مستمرَّين.

على الصعيد العسكري، تبدو خارطة السيطرة في اليمن وكأنها مرسومة بالحجر؛ فلم تشهد الجبهات الرئيسية تغييرات جوهرية منذ سنوات. فمحافظة مأرب الغنية بالنفط لا تزال منقسمة بين الشرق الخاضع للشرعية والغرب الواقع تحت سيطرة الحوثيين، رغم الحملات العسكرية العنيفة التي شهدتها هذه الجبهة سابقًا. وكذلك الحال في محافظة الحديدة ومينائها الاستراتيجي على البحر الأحمر، حيث يستمر وضع تقاسم النفوذ بين قوات الحكومة والحوثيين وفق اتفاق ستوكهولم (2018) دون حسم كامل. أما بقية الجبهات، خصوصًا في المناطق الريفية والجبلية، فتشهد جولات متقطعة من الكرّ والفرّ دون أن يحقق أي طرف اختراقًا يُذكر. لقد وصلت الحرب إلى حالة جمود عسكري: كل طرف يتحصن بمواقعه الدفاعية، ويكتفي بعمليات محدودة لا تغير ميزان القوى بشكل استراتيجي.

هذا الجمود على الأرض يعكس في الوقت نفسه جمودًا سياسيًا أشد عمقًا وخطورة. فاستمرار التوازن العسكري السلبي (لا غالب ولا مغلوب) أدى إلى غياب أي دافع لدى الأطراف لتقديم تنازلات أو الانخراط بجدية في عملية سلام شاملة. كما أن انهيار مؤسسات الدولة وانقسام السلطات بين صنعاء وعدن جعل من الصعب تحقيق أي اختراق سياسي. والنتيجة أن خطوط التماس الجامدة أصبحت واقعًا مقبولًا ضمنيًا لدى الأطراف المتحاربة، التي يبدو أنها تُفضّل الإبقاء على الوضع الراهن بدلاً من المخاطرة بمبادرات غير مضمونة العواقب.

يعيش اليمن اليوم واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث، يدفع ثمنها المدنيون في كافة المناطق. فمع دخول الحرب عامها العاشر، تفاقمت الأزمات المعيشية إلى مستويات غير مسبوقة: انتشار واسع للجوع وسوء التغذية، وانهيار للخدمات الصحية، وتشريد الملايين من ديارهم. تشير تقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة إلى أن نصف السكان على الأقل يعانون من الجوع المزمن ويحتاجون مساعدات غذائية عاجلة، وأن ما يفوق 18 مليون شخص لا يحصلون على مياه نظيفة أو رعاية صحية ملائمة. كما أصبح أكثر من 4 ملايين يمني نازحين داخل بلدهم بسبب العمليات القتالية وانعدام الأمان في مناطقهم.

في ظل هذه الأرقام المفزعة، انهارت مؤسسات الدولة وعجزت عن تقديم أي حلول. الحكومة المعترف بها دوليًا مثقلة بالفساد وضعف الكفاءة، ومؤسساتها إما معطلة أو تعمل بالحد الأدنى في نطاق محدود. أما سلطات الأمر الواقع الحوثية فقد أولت المجهود الحربي أولوية قصوى على حساب توفير الخدمات الأساسية للسكان. وأدى غياب سلطة مركزية فعالة إلى انتشار اقتصاد حرب يستفيد منه أمراء الحرب وتجار الأزمات على حساب المواطن اليمني. وفي الوقت نفسه، تخضع قوافل الإغاثة والمساعدات الدولية لمساومات ومضايقات من الأطراف المسيطرة؛ حيث يُتهم الحوثيون خصوصًا باعتراض شحنات الإغاثة وإعادة توجيهها أو فرض إتاوات عليها، كما يُتهم مسؤولون في الجانب الحكومي بهدر الأموال المخصصة للإغاثة أو سوء إدارتها. وهكذا باتت شحنات الغذاء والدواء نفسها ساحة أخرى للصراع والنفوذ. والنتيجة أن الكارثة الإنسانية في اليمن ليست مجرد نتاج للحرب فحسب، بل أيضًا لفساد وسوء إدارة يفاقمان معاناة الناس يومًا بعد يوم.

لم تعد حرب اليمن شأنًا داخليًا فحسب، بل أضحت أيضًا ساحة مفتوحة لصراعات القوى الإقليمية والدولية. فقد استدرجت سنوات الصراع تدخلات مباشرة وغير مباشرة من عدة أطراف خارجية ساعية لتعزيز نفوذها أو حماية مصالحها. وأصبح اليمن مسرحًا تتقاطع فيه حسابات إقليمية معقدة: فالسعودية والإمارات تدعمان فصائل متباينة في معسكر الشرعية وتتنافسان ضمنيًا على النفوذ في جنوب اليمن وشرقه، في حين تتلقى جماعة الحوثي دعمًا سياسيًا وعسكريًا من إيران التي ترى في الحوثيين ورقة ضغط في مواجهة خصومها الإقليميين.

مع اتساع نطاق الحرب خارج حدود اليمن، برز بُعد جديد تمثّل في انخراط الحوثيين في صراعات المنطقة تحت شعارات ideologicية. فبعد اندلاع حرب غزة 2023، أعلن الحوثيون بوضوح وقوفهم في "محور المقاومة" واستهدفوا بصواريخ وطائرات مسيّرة سفنًا في البحر الأحمر وأهدافًا في إسرائيل تضامنًا مع الفلسطينيين. وقد دفعت هذه العمليات غير المسبوقة كلًا من إسرائيل والولايات المتحدة للانخراط عسكريًا في المشهد اليمني بشكل مباشر: حيث شنّت إسرائيل سلسلة غارات جوية على أهداف حوثية في صنعاء والحديدة وصعدة، مستهدفةً مخازن أسلحة ومواقع إطلاق صواريخ وحتى قيادات حوثية بارزة. كما نفّذت الولايات المتحدة بدورها ضربات جوية على منصات صواريخ ومواقع رادار حوثية، وأعلنت عن عمليات بحرية لحماية الملاحة في البحر الأحمر. ورغم هذه الضربات المتكررة، لم يتغير شيء جذري في ميزان القوى داخل اليمن؛ فالحوثيون لم يتراجعوا عن مواقعهم الأساسية، وظلوا محتفظين بقدراتهم العسكرية إلى حد كبير. وقد أعرب مسؤولون في معسكر الحكومة الشرعية عن خيبة أملهم من محدودية تأثير الضربات الإسرائيلية والأمريكية، التي لم تنجح في تغيير خطوط التماس أو إضعاف الحوثيين بشكل حاسم. وهكذا، لم تؤدِ جولة التصعيد الإقليمية هذه إلا إلى تأكيد حقيقة مُرّة مفادها أن أحدًا لا يملك إستراتيجية فعّالة لإنهاء الحرب في اليمن: فالهجمات الجوية من الخارج كانت أشبه باستعراض للقوة ورد فعل موضعي، دون أن ترافقها رؤية شاملة للحل، فيما لم يستطع المجلس الرئاسي تحقيق أي اختراق يُذكر على الأرض أو توحيد الصف الداخلي في وجه الحوثيين.

لقد تحولت الحرب الجوية – شأنها شأن المعارك البرية – إلى حرب استنزاف واستعراض متبادل للقوة في فراغ سياسي متزايد. فإسرائيل وأمريكا تسعيان لردع الحوثيين وحماية مصالحهما (أمن الملاحة وحلفائهما الإقليميين)، والحوثيون بدورهم يستغلون التصعيد الخارجي لتعزيز سرديتهم كـ"مقاومة وطنية" ضد قوى أجنبية. أما النتيجة على الأرض اليمنية فتبقى المزيد من التصعيد بلا حسم، ومزيدًا من المعاناة للمدنيين، واستمرار حالة الجمود الخطرة.

في ظل هذا التعقيد الميداني والإقليمي، تبدو الجهود الدبلوماسية متعثرة وعاجزة عن تحقيق اختراق حقيقي. فالمبادرات التي تقودها الأمم المتحدة لم تفلح حتى الآن في جمع الأطراف على طاولة حوار مثمرة. وعلى الرغم من تمكن المبعوث الأممي هانس غروندبرغ من إرساء هدنة مؤقتة في عام 2022 وتقديم "خارطة طريق" للسلام بدعم سعودي–عُماني في 2023، إلا أن تلك الجهود لم تحقق تقدّمًا ملموسًا. خارطة الطريق المقترحة تضمنت بنودًا لبناء الثقة، مثل وقف إطلاق نار شامل، وتقاسم عائدات النفط والغاز لدفع رواتب الموظفين، والشروع في مفاوضات سياسية شاملة بين الأطراف اليمنية. ورغم إعلان الحوثيين والحكومة مبدئيًا قبولهم بتلك الخارطة، إلا أن التفاصيل سرعان ما اصطدمت بتباينات عميقة في الحسابات والطموحات. فكل طرف وضع شروطًا مسبقة ورؤى متعارضة لكيفية تنفيذ الاستحقاقات، كما انعكست الخلافات الإقليمية (بين إيران والسعودية وأطراف أخرى) في عرقلة إحراز أي تقدم فعلي.

ازداد موقف الأمم المتحدة ضعفًا مع توتر علاقتها مع سلطات الأمر الواقع في صنعاء. فقد قام الحوثيون في 2025 باحتجاز العشرات من موظفي الأمم المتحدة والعاملين الإغاثيين في مناطق سيطرتهم بتهم التجسس والتعاون مع جهات معادية. وفي إحدى المداهمات بصنعاء في أكتوبر 2025، اعتُقل نحو 20 موظفًا تابعين للأمم المتحدة وصودرت معدات اتصال من مكاتبهم. وبلغ العدد الإجمالي لموظفي الأمم المتحدة المحتجزين لدى الحوثيين أكثر من 50 شخصًا بحسب بيانات الأمم المتحدة، مما اضطر المنظمة الدولية إلى تعليق بعض عملياتها الإنسانية ونقل عدد من كبار موظفيها من صنعاء إلى عدن. كشفت هذه الحوادث عن هشاشة قدرة الأمم المتحدة على ممارسة نفوذها حتى في الجوانب الإنسانية، فضلًا عن تضاؤل مساحة الحركة أمامها في المسار السياسي. وأدى ذلك إلى تعثّر مساعي استئناف الحوار اليمني–اليمني برعاية أممية، إذ بات انعدام الثقة سيد الموقف: الحوثيون يشككون في حيادية الأمم المتحدة ويتهمون بعض موظفيها بالعمل لصالح خصومهم، والحكومة المعترف بها تشكك بدورها في جدوى أي تفاوض بدون ضغط دولي حقيقي على الحوثيين. وهكذا أضحت جهود السلام الأممية تدور في حلقة مفرغة، فيما يتواصل النزاع على الأرض دون بوادر انتهاء.

بعد عقد من الحرب، تحوّل الصراع في اليمن من معركة لكسب السلطة إلى صراع من أجل البقاء. كل طرف من الأطراف اليمنية بات متمسكًا بمواقعه ومكاسبه المناطقية الضيقة، في حين يغرق البلد بأكمله في أزمات متراكمة من الفقر والجوع والفساد والتهجير. وأصبح الإنهاك الجماعي القاسم المشترك الوحيد بين جميع اليمنيين بغض النظر عن انتماءاتهم؛ إنهاك من الحرب والحرمان وانسداد الأفق. وربما يبدو المشهد هادئًا نسبيًا على بعض الجبهات حاليًا، حتى أن فترة الهدوء غير المعلَن في القتال توحي للبعض بإمكانية بناء سلام مستقبلي. لكن هذا الهدوء المخادع ليس إلا انعكاسًا لحالة الإنهاك العام واستنزاف قدرات الأطراف المتحاربة، أكثر منه خطوة واعية نحو إنهاء الحرب. فكل طرف ليس لديه رغبة حقيقية في استئناف القتال واسع النطاق، وفي الوقت نفسه لا يملك الجرأة لتقديم تنازلات تؤسس لسلام شامل.

في المحصلة، يُرتهَن مصير اليمن اليوم بجمود سياسي وعسكري هو الأخطر في تاريخه الحديث. فبدون مشروع وطني جامع يلتف حوله اليمنيون، وبدون وجود وسيط دولي ذو ثقل قادر على كسر حالة الركود الحالية، ستبقى اليمن أسيرة خطوط تماس لا تتحرك وشعب منهك يرزح تحت وطأة حرب بلا نهاية. إنها حرب أخذت كل شيء ولم تُبقِ لليمنيين أي خيار سوى التمسك بخيط أمل رفيع في أن يحين وقت تستعيد فيه اليمن عافيتها ووحدتها، وينكسر أخيرًا هذا الجمود القاتل الذي طال أمده.

الشيخ سلطان القاسمي يوثّق ذاكرة الخليج بصرياً في معرضٍ دائم بالشارقة


الانقسام الفلسطيني يتشظى.. ميليشيات محلية تنازع حماس على السلطة


الشرعية الإقليمية في مقابل الضمانات الغربية: هل تنجح الرياض في فرض شروطها؟


قراءة تحليلية في خطاب الثالث من نوفمبر: الأيديولوجيا كسلاح للهروب من الهزيمة