محاولة إقناع..
تقرير: هل تنجح الجهود الأمريكية بإخراج إيران من سوريا؟

جندي سوري من الفرقة الرابعة قرب مبنى مدمر في حلب
ويلفت في مقال بمجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، إلى لقاء مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بنظيره الروسي، نيكولاي باتروشيف خلال الأسبوع الماضي في جنيف، حيث طلبت الولايات المتحدة من روسيا إقناع إيران (التي تعاونت معها في سوريا لإنقاذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد) بسحب قواتها العسكرية من سوريا. ولكن على الرغم من اتفاق باتروشيف مع بولتون على أهمية ذلك، فإنه أوضح أن روسيا ليست لديها القدرة على إجبار إيران على مغادرة سوريا.
سلوك إيران الخبيث
ويشير المقال إلى أن مطالبة الرئيس ترامب إيران بإخراج قواتها من سوريا ليست جديدة؛ إذ إنه قال في الخطاب الذي ألقاه في الثامن من مايو(آيار) الماضي، وأعلن فيه انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، إن اتفاق إعادة التفاوض على قبول إيران يجب أن يشمل فرض قيود دائمة على برنامجها لتخصيب اليورانيوم وكذلك الموافقة على وقف برنامج تطوير الصواريخ البالستية. ولكن ترامب لم يتوقف عند هذا الحد، وشدد على أنه يتعين على إيران أيضاً التوقف عن "سلوكها الخبيث في المنطقة"، وهو ما يعني الانسحاب من سوريا والتخلي عن جهودها لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من الانسحاب الأمريكي الأحادي من صفقة النووي وإعادة فرض عقوبات صارمة ضد إيران تعيق بشكل كبير قدرتها على المشاركة في السوق الدولية وتقلل قدرتها على بيع النفط، فضلاً عن خنق الاستثمارات الأجنبية الحالية والمحتملة، فإن التأثير المنشود على طهران لم يتحقق حتى الآن، إذ استبعد النظام الإيراني بحزم خيار إعادة التفاوض حتى قبل انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة، ورغم التداعيات القاسية للعقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني وخاصة على قيمة العملة الإيرانية، فإن نظام الملالي لم يستسلم حتى الآن لقبول صفقة واشنطن الجديدة.
طموحات إيران الإقليمية
وينوه الباحث إلى أن إيران أيضاً تجاهلت مطالبة ترامب لها بالتخلي عن طموحاتها الإقليمية في الشرق الأوسط، وجرى اختبار هذا الأمر من خلال قضية الوجود العسكري الإيراني في سوريا؛ إذ ساعدت إيران وروسيا الرئيس الأسد على استعادة سيطرته على معظم البلاد، ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها قد ساهموا أيضاً عن دون قصد في ذلك من خلال القضاء على داعش. وركزت إيران وروسيا جهودهما لدعم الأسد في هزيمة قوات المعارضة المتنافسة على السلطة.
ويؤكد الباحث على أن المصالح الإيرانية والروسية في سوريا ليست متطابقة، وأن طهران وموسكو تشككان في نوايا كل منهما، ولكن هذه المصالح لا تزال متوازية مع بعضها البعض نحو هدف مشترك وهو الالتزام ببقاء نظام الأسد. وعلى الرغم من ذلك يختلف التزام إيران ببقاء الأسد عن نظيره الروسي. فمنذ عامين قبل أن يتحول المد العسكري بشكل حاسم لصالح نظام الأسد بدت روسيا مستعدة لقبول تنحية الأسد عن السلطة في مقابل التوصل إلى تسوية بين النظام وقوات المعارضة طالما يتم السماح لروسيا بالحفاظ على نفوذها في البلاد واستمرار استخدامها لقاعدتها البحرية في طرطوس.
التحالف الإيراني مع عائلة الأسد
أما تحالف إيران مع عائلة الأسد فيعود إلى عام 1980 حيث كانت سوريا، تحت حكم حافظ الأسد، الدولة العربية الوحيدة التي ساندت إيران في الحرب العراقية الإيرانية الدامية التي استمرت ثماني سنوات وقتلت مليون إيراني.
ومع استعادة نظام الأسد لسيطرته على جزء كبير من سوريا، تتطلع إيران إلى جني ثمار مساعدتها للنظام وهي في أسوأ أوقاتها بسبب الأزمة الاقتصادية. وفي الواقع، يرجع الفضل في الكثير من نجاح نظام الأسد إلى التدريب العسكري الذي يقدمه الحرس الثوري الإيراني إلى الجيش السوري فضلاً عن دعم ميليشيات حزب الله المدعومة من إيران. ومنذ عام 2012 فقدت إيران أكثر من ألف إيراني بما في ذلك أعضاء كبار في الحرس الثوري تم قتلهم وهم يحاربون بالوكالة عن نظام الأسد. وكل هذه الأمور تعكس حرص إيران على تحقيق استفادة مالية من إعادة إعمار سوريا، والأهم من ذلك أن إيران لا ترغب في التخلي عن موطئ قدمها الإستراتيجي في سوريا الذي يدعم وجودها السياسي في العراق من خلال حزب الله (وكيلها في لبنان).
أوهام تخلى إيران عن سوريا
ويصف الباحث التوقعات بأن تقوم إيران بالتخلي عن وجودها في سوريا أو حتى تقويضه بأنها مجرد "أوهام" أو "أحلام مزعجة". ورغم التكهنات التي تشير إلى عكس ذلك، فإن الأسد يشعر بالارتياح للوجود العسكري الإيراني في سوريا لأنه يخدم هدفه في الحفاظ على النظام، كما أنه لا يرغب في الاعتماد على روسيا بشكل مفرط. ويفترض الأسد أن موسكو ربما تقرر سحب دعمها لنظامه، لاسيما أنها بدت مستعدة للقيام بذلك في عام 2016 لخدمة مصالحها الأخرى.
ويلفت مقال المجلة الأمريكية إلى الاتفاق الجديد الذي وقعته إيران وسوريا للتعاون العسكري في اجتماع جرى عقده يوم الاثنين الماضي 27 أغسطس(آب) بين وزيري للدفاع للبلدين في دمشق، الأمر الذي يعزز بالفعل الروابط العسكرية بين البلدين. وقال الملحق العسكري الإيراني في دمشق أبو القاسم على نجاد إن "استمرار وجود المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا كان جزءاً من اتفاقية التعاون العسكري بين طهران ودمشق".
ويخلص الباحث إلى أنه في ظل تلك الظروف تبدو الجهود الأمريكية لإقناع روسيا بالضغط على إيران غير مجدية، وقد أكدت روسيا لإسرائيل أنها ستحافظ على بقاء القوات الإيرانية على مسافة خمسة وثمانين كيلومتراً من الحدود الإسرائيلية لأنها لا تريد التورط في حريق آخر بالشرق الأوسط، وليس لديها نفوذ لإجبار إيران على مغادرة سوريا أو حتى الحد من وجودها العسكري والسياسي.
ويختتم المقال أنه ينبغي على واشنطن إدراك هذا الأمر ووضع إستراتيجية مستقبلية إزاء إيران تأخذ في الاعتبار الحقائق الراهنة، وبخاصة لأن مطاردة السراب أو الأوهام لن تقود إلى سياسة خارجية ناجحة.