انتظارا لمكافأة من السماء

صيادو الصقور في مصر يرابطون بالصحراء

وكالات (لندن)

في مثل هذا الوقت من كل عام، يشد محترفو وهواة صيد الصقور الرحال، إلى جنوب الصحراء الغربية المصرية، في مناطق شمال واحة سيوة وجنوب العلمين ووادي النطرون، حاملين معهم المؤن التي تكفيهم طوال موسم الصيد، إضافة إلى أدوات وعدّة الصيد.

وتعدّ صحراء مصر الغربية، مسرحا لأندر أنواع الطيور المهاجرة من دول آسيا وأوروبا إلى القارة الأفريقية، أما صيد الصقور فهو من أرقى أنواع الصيد، بسبب المكاسب المادية، واعتماده على المهارة والحس، اللذين يكتسبهما الصياد بالممارسة، كي يمتلك القدرة على تحديد خط سير الهدف.

تلك الرحلة الشاقة لأصحابها، ممتعة وشيقة لمتابعيها، أو من يتعرفون عليها من خلال القراءة، وقد عاشت “العرب” هذه المغامرة من داخل واحة سيوة،

ورافقت المرابطين على قمم الجبال، الذين جلسوا وكأنهم يتوسلون إلى السماء، لتنعم عليهم بما يعوضهم عناء ومشقة الرحلة، والفوز كل الفوز، لمن تلتقط شباكه الصقر “شاهين”.

أبوبكر هارون، أحد الصيادين، روى سيناريو الرحلة لـ”العرب”، لافتا إلى أن موسم الصيد شارف على النهاية التي تكون في أول شهر ديسمبر، علما وأنه يبدأ مع أول شهر أكتوبر، وفي ذلك الوقت يشدّ الصيادون الرحال ضمن مجموعات، قاصدين الصحراء بسياراتهم ذات الدفع الرباعي، حاملين معهم ما يكفيهم من الطعام والمياه، والكثير من الحمام وطيور السمان، وهي الطعم الشهيّ الذي يستهوي الصقور فتنقض عليه، عندئذ تعلق بشباك الصيادين.

التخييم

بعد الوصول، تتخذ كل مجموعة، (3 أو 4 أفراد)، مكانها المعروف مسبقا داخل الصحراء، ويبدو أن الصيادين يتعاملون وفق قانون باعة الأرصفة، حيث لا يجوز أن يتخذ أحدهم مكان الآخر، وما إن ينزلوا أمتعتهم من السيارات، حتى تبدأ عملية “التخييم”، وهي إقامة المخيمات التي يتخذونها مقرا لمراقبة الصقور، ويفضل البعض الصيد من فوق قمة الجبل، حيث تسكن الصقور، وهؤلاء يقصدون الصحراء قبل موسم الصيد بمدة تزيد على الشهر، بينما تخيم المجموعات الأخرى على السفوح.

رحلة مكلفة قد تنتهي بلا غنائم

وتتكلف هذه الرحلة بنحو ألفي دولار، إذ يصرف هذا المبلغ في توفير الطعام والشراب، ووقود السيارات، والعشرات من أزواج الطيور (الطعم) لاستخدامها في عملية الصيد، لذا ينتظر الصيادون أولى مكافآت السماء كي تعوضهم ما أنفقوه، ثم يبحثون بعدها عن حسابات الربح والمكسب، وهنا فإن صيد البر لا يختلف كثيرا عن صيد البحر، إذ قد يعود الصياد بنوع من الصقور غالية الثمن، وربما يعود بسيارته فارغة.

عقب الانتهاء من التخييم، تبدأ مراقبة الجو بواسطة المناظير، بينما يظل أحد أفراد المجموعة جالسا بجوار الخيمة، في انتظار تلقي الإشارة من زملائه باقتراب الهدف، ليضع “المصيدة” في المكان الملائم لاتجاه سير الصقر.

في هذه الأثناء يكون الصيادون قد أعدّوا “الكمين” مسبقا، باستخدام اليمام أو الحمام، حيث يلف جسم الطائر الضعيف بشبكة من الخيوط المتينة، عدا الأرجل والأجنحة، وتثبّت هذه الشبكة بحبل متين، موصول هو الآخر بوتد في الأرض، وعندما يقترب الصقر تحرّر الحمامة لترفرف في السماء، وما إن ينقض عليها الصقر، حتى تتشابك مخالبه بشبكة الخيوط الملتفة حول اليمامة، ثم تُجرّ اليمامة من قبل الصياد بواسطة الحبل، كي لا يتمكن الصقر من الفرار.

كما تتمّ مراقبة الصقر أيضا، من خلال مراقبة حركة الطيور التي تستخدم كفريسة، فإذا تحركت الطيور بطريقه سريعة رافعة رأسها إلى الأعلى، يتأكد الصياد من وجود طائر في السماء، وبالتالي فالفريسة تمثل “الرادار”، الذي يعطي الصياد إشارة الاستعداد للإمساك بالصقر.

ليس مجرد طائر

للصقر مكانة ثمينة لدى الصيادين، فهو ليس مجرد طائر يقع في شباكهم، يباع من أجل التربح، لكن هناك ضروريات يجب اتباعها خلال الإمساك به، حتى لا يصاب بأيّ أذى قد يبخس ثمنه.

أوضح هارون ضرورة ربط عيني الصقر بعصابة، حتى لا يرى نفسه وقد تم الإيقاع به، وأن يتم التعامل معه بحذر ووعي شديدين، حتى لا تتساقط من جسده أيّ ريشة، أو يتعرض لجروح، ويعدّ مواطنو دول الخليج من أكثر المهتمين بشراء الصقور، وينفقون من أجلها الآلاف من الدولارات.

وتخضع الصقور لفحص شامل، يقوم به التاجر قبل شرائها، لأن هناك مواصفات خاصة لا بدّ أن تكون متوفرة في الصقر، ويتمّ على أساسها تحديد الثمن، وقد يصل سعر الصقر الواحد إلى 200 ألف جنيه مصري (ما يعادل 17 ألف دولار تقريبا)، وهو المبلغ الذي تباع به صقور الشاهين الأغلى ثمنا، ولذلك فإن الصياد الذي يفوز بصقر من نوع الشاهين، يكون قد حقق هدفه المنشود من الرحلة.

حصيلة الموسم تختلف من عام إلى آخر، حيث من الممكن أن ينتهي الموسم دون الظفر بأيّ صيد.

الشاهين أغلى الصقور ثمنا

مصطفى كناريا (صياد حر)، أكد أن أسعار الصقور، تتفاوت حسب أنواعها، أغلاها هو الصقر “شاهين”، ويليه “الحر”، وتباع صغار الصقور “الفراخ” بأسعار أعلى، ويختلف سعر الواحد منها حسب حجمه ولونه.

وأشار لـ”العرب”، إلى أن الصقور تقاس بالسنتيمتر، ومنها (14.5 سم) و(15 سم) و(16 سم)، والأخير هو الأكبر والأفضل في البيع.

المهنة التي يتوارثها أغلب الصيادين الشباب عن الآباء والأجداد، غير مضمونة الربح، والصيادون قد يقترضون الأموال للإنفاق على رحلة الصيد، أملا في حصد ما يسددون به ديونهم، ويعينهم على الإنفاق خلال بقية شهور العام، وقد اكتسب أغلبهم معلوماته عن الصقور بالخبرة والممارسة، بعيدا عن علوم الطيور الجارحة.

ولفت كناريا إلى ضرورة الحصول على دورات تثقيفية حول أنواع الصقور، وكيفية التعامل معها، إضافة إلى كيفية معرفة إذا ما كان الطير سليما أو مريضا.

وصيادو الصقور يواجهون مخاطر عدة داخل الصحراء، فربما لا يسلمون من أذى الأفاعي والثعابين والزواحف الخطيرة، التي تتخفى في رمال الصحراء، ولا يكون تجوالهم داخل الصحارى بشكل عشوائي، بل يحتاج إلى تصريح خاص من الجيش المصري، كما أن الصيادين مقيدون بتعليمات وزارة البيئة، التي تُجرّم صيد بعض أنواع الصقور، مثل “الجرناص”، فهذا النوع قادر على التزاوج وإنجاب الفراخ.

وللخروج من هذه القيود، يطالب الصيادون بتقنين أوضاعهم، أسوة ببعض الدول العربية، وبالأخص دول الخليج مثل الإمارات والسعودية والبحرين، حيث تنتشر هناك تربية الصقور وتدريبها على الطاعة واستخدامها في الصيد، خاصة أن الصقر من أسرع الكائنات الحية، وتقدر سرعته بنحو 400 كيلو متر في الساعة.

وربما تدرّ تربية وتدريب الصقور أموالا طائلة، من وجهة نظر الصيادين، إذا ما تمّ إنشاء مدارس خاصة للتدريب، مثل مدارس تدريب الخيول والكلاب.

وقد يتساءل البعض عن الفصيلة التي تنتمي إليها الصقور، والطريف أن هذه الطيور الجارحة، أقرب “جينيا” إلى الببغاوات منها إلى النسور، وفقا لبحث نشرته مجلة “ساينس” الأميركية، بعد تحليل علمي أجراه العلماء على مدى أربعة أعوام.