تحرُّكات متقاطعة سياسياً..
تقرير: هل يستطيع غريفيث إنهاء الحرب في اليمن؟
مواقف تحرُّكات متقاطعة سياسياً باتجاه الحرب والسلام والأزمة الإنسانية في اليمن، تعاقبت خلال الأسبوع الماضي بما فيها؛ مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة وروسيا وباكستان والكويت وبروكسل وعمان والرياض بمعية الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص والبنك الدولي في واشنطن وصندوق النقد ومراكز أخرى.
وهو ما يبعث على الاعتقاد بتشكُّل أرضية قناعات مشتركة دولياً وتبلور عملي لتحركات قد تقرِّب من موعد التئام مشاورات فعلية يمنية - يمنية، بمقدمات عناصر ثقة يجري تدبيرها، وإن بصعوبة.. ويبقى التساؤل حول إمكانية المراهنة على التزام الانقلابيين الموالين لإيران؟
مسارات
بعث مارتن غريفيث، المبعوث الأممي الخاص، برسائل إيجابية حول معالجات مدبَّرة بصدد أزمة الاقتصاد اليمني وانهيار العملة، تُمهّد لقاطرة التسوية السياسية المتعثرة، كاشفاً عن طلب تقدم به إلى واشنطن للمساعدة في تحريك مداولات الحل السياسي.
وجددت كل من بروكسل وواشنطن التأكيد على أولوية الحل التفاوضي المشروط بمحددات تتوقف على التزام الحوثيين.
قابلتها، في الناحية الأخرى من العالم، مساعٍ روسية نشطت مع الإيرانيين وحلفائهم الحوثيين عبر لقاءات في موسكو رأسها بوغدانوف، مبعوث الرئيس بوتين إلى الشرق الأوسط.
وفي بروكسل استخدم الاتحاد الأوروبي تعبيراً لافتاً بدعوته أطراف الصراع في اليمن إلى الانخراط مع المبعوث غريفيث للبحث عن "حل سياسي عاجل".
معطيات من نيويورك
دوائر سياسية وإعلامية قريبة من الأمم المتحدة في نيويورك قالت "أن سكرتارية المبعوث الخاص للأمين العام مارتن غريفيث قادت تحركات حثيثة لدى الأمريكيين ومن خلالهم في البنك الدولي بهدف حشد تأييد ووعود بمساعدات تتبناها رؤيته الجديدة للتعامل مع الملف اليمني بمسارين اقتصادي وسياسي متزامنين".
وأشارت معلومات من نيويورك، إلى تنسيق بريطاني أمريكي لإنضاج رؤية مشتركة من شأنها أن تكون هي آلية عمل المبعوث غريفيث خلال الفترة المقبلة وصولاً إلى النصف الثاني من نوفمبر المقبل، حيث يعتزم المبعوث الأممي الدعوة إلى انعقاد جديد للمشاورات بين الأطراف اليمنية.
تحرُّكات أمريكية
وكانت جددت واشنطن دعم جهود المبعوث الأممي إلى اليمن للتوصل إلى حل سياسي للصراع خلال ثلاث مناسبات، على الأقل، الأسبوع الماضي، إحداها في لقاء جمع مارتن غريفيث مع نائب وزير الخارجية الأمريكية جون سوليفان.
غريفيث بلور، عملياً، خطته للاستعانة بالضغوط الأمريكية وراء مساعيه للدفع بملف المشاورات السياسية وحل الصراع في اليمن سياسياً.
وفي العاصمة السعودية الرياض كان السفير الأمريكي لدى اليمن يلتقي وزير الخارجية خالد اليماني، لبحث مسار المشاورات ودعم جهود المبعوث الأممي لاستئنافها.
وفي حين شدد اليماني على ضرورة التنسيق والإعداد المسبق لضمان نجاح الجولة القادمة وممارسة الضغط على الانقلابيين للالتزام وعدم التنصل، طبقاً لوكالة سبأ الحكومية، ما يوحي بموقف رسمي متحفظ نوعاً ما أمام ضغوط تمارسها الولايات المتحدة لمصلحة رؤية المبعوث الأممي، شدد ماثيو تولر على "أهمية الاستمرار في دعم المبعوث الأممي إلى اليمن للتوصل إلى حل سياسي سلمي مستدام للصراع"، وفقاً للوكالة.
... ومعالم "رؤية"
مطلع الأسبوع الجاري، السبت 27 أكتوبر 2018، أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، خلال مشاركته في منتدى حوار المنامة، بالتزامن مع تصريحات مشابهة لمارتن غريفث مع قناة العربية، عن موعد مرتقب في غضون نوفمبر المقبل، مشدداً: "حان الوقت الآن للتحرك قُدماً لوقف هذه الحرب".
وقال ماتيس: "يجب أن تكون التسوية بديلاً عن القتال. في نوفمبر يجب التطرق إلى القضايا الرئيسية". وحدد وزير الدفاع الأمريكي معالم وقف الحرب في اليمن من خلال "حدود منزوعة السلاح، ولا حاجة لليمن بالصواريخ بعيدة المدى.. إذا تحقق ذلك فيمكن السير قدماً.. لن يجد الحوثيون فرصة أفضل للتعاون مع المبعوث الخاص".
وقريباً من هذا، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، إن إصلاح الاقتصاد اليمني يمثل أولوية في مواجهة خطر المجاعة التي يواجهها اليمنيون، معتبراً انخفاض قيمة العملة أحد أسباب المجاعة في اليمن.
وأفاد غريفيث، في مقابله مع قناة "العربية"، أنه طلب من الإدارة الأمريكية خلال زيارته لواشنطن، الأسبوع الماضي، دعم مساعيه لحل الأزمة اليمنية. كاشفاً عن محادثات قريبة بين الحكومة اليمنية والميليشيات الحوثية الانقلابية، ستتخذ من جنيف أو فيينا مكاناً لها بنهاية نوفمبر القادم.
وأعرب عن تفاؤله بتحقيق خرق في جدار الأزمة اليمنية، مشيراً إلى أنه سيطلع مجلس الأمن الدولي في 16 نوفمبر على مواعيد المحادثات اليمنية المرتقبة. وأعلن المبعوث الأممي أنه سيلتقي رئيس الوزراء اليمني الجديد في عدن قريباً ثم سيتوجه إلى محافظة تعز للاطلاع على الوضع فيها.
موسكو تنشط مع إيران وأدواتها
وكثفت روسيا من جهودها ومساعيها الدبلوماسية لتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع في اليمن، في سبيل إنجاح مشاورات السلام اليمنية القادمة.
وأسندت موسكو قيادة هذه المساعي إلى المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف.
وفي هذا الصدد أجرى بوغدانوف لقاءات متزامنة في موسكو مع مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري ووفد ميليشيا الانقلاب الحوثي المدعومة من إيران برئاسة محمد عبدالسلام.
وأبدى بوغدانوف استعداد روسيا بذل مزيد من الجهود لتقريب وجهات النظر بين القوى السياسية اليمنية.
وكانت وزارة الخارجية الروسية أعلنت، مساء الأربعاء، أن بوغدانوف، بحث في موسكو مع مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري تعاون البلدين في تسوية الأزمة اليمنية.
وقالت الخارجية الروسية، في بيان لها: "تم خلال المباحثات، إجراء تبادل شامل لوجهات النظر حول تطور الوضع في اليمن، مع التأكيد على الحاجة إلى تسوية سلمية مبكرة للأزمة العسكرية والسياسية والإنسانية، في ذلك البلد".
وجاء استقبال موسكو لوفدي إيران والحوثيين بعد يومين من لقاء جمع سفيرها لدى اليمن فلاديمير ديدوشكين بوكيل الخارجية اليمنية للشؤون السياسية منصور بجاش في الرياض، فضلاً عن لقاءات أجراها نائب وزير الخارجية الروسي، مع مسؤولي حكومة الشرعية ومع المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتين غريفيت في الرياض منتصف أكتوبر الجاري.
إسلام أباد على الخط
إلى ذلك انخرطت إسلام أباد على خط الأزمة اليمنية، وأبدی رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، استعداد بلاده للعمل كوسيط لتقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع في اليمن بغية إنهاء الحرب.
وقال خان، في خطاب وجهه إلی الشعب الباكستاني، الأربعاء: "نحن نبذل قصارى جهدنا للعمل كوسيط لحل الأزمة اليمنية".
ولم يوضح خان طبيعة التحركات وجهود حكومته في هذا الصدد.
وأبدت دولة الكويت استعدادها لدعم وتسهيل جميع الجهود الدولية الساعية لتغليب الحل السياسي المستند علی قرارات الشرعية الدولية وتيسير عمل المبعوث الخاص للأمين العام إلى اليمن مارتن غريفيث في جهوده الحالية لإعادة الأطراف اليمنية إلى طاولة الحوار رغم التحديات الأمنية المحدقة.
جاء ذلك في كلمة الكويت خلال جلسة مجلس الأمن الخاصة باليمن التي ألقاها القائم بأعمال مندوب الكويت الدائم لدى الأمم المتحدة بدر المنيخ.
اختراق غامض!
تحرُّكات متقاطعة على الصعيد الداخلي أثمرت، عبر وساطة روسية، باختراق رمزي عبر السماح لأسرة وزير الدفاع السابق اللواء الركن محمود الصبيحي بالتواصل معه للمرة الأولى منذ اعتقاله قبل نحو أربع سنوات بمعية ناصر منصور هادي شقيق الرئيس هادي وفيصل رجب.
تسريبات قليلة رسمت صورة محتملة لصفقة ربما تكون قيد الإنجاز تتكفل بنقل الصبيحي خارج العاصمة، ربما إلى موسكو عبر مسقط أو في مسقط. لكن معضلة الطائرة الناقلة التي يلح الحوثيون على طلبها، لأسباب غامضة، تبقى مشكلة محتملة في الطريق.
في البؤرة
محصلة التحرُّكات المكثفة، حسبما تفيد معطيات العرض السابق، ربما تؤشر، وبقوة، إلى تشكُّل قناعات وتوجهات ضاغطة تتبنى رؤية مارتن غريفيث غير الواضحة تماماً حتى الآن لاستئناف قريب لمشاورات يمنية - يمنية. ويُقال إن الدور الروسي مهم لضمان التزام الحوثيين ومن ورائهم طهران.
لكن من يدري ما هي أولويات طهران التي تستقبل حزمة جديدة من العقوبات الأمريكية الضاغطة على اقتصادها الذي يعاني أصلاً؟