سرقة المساعدات والإعانات الإنسانية..
تقرير: تبييض أممي للملف الأسود في حرب اليمن
نهب وسرقة المساعدات والإعانات الإنسانية والإغاثية من قبل الحوثيين تفاقم، وصولاً إلى مستويات دنيا، في القرى والمحليات والنقاط الأمنية بين المديريات، وبينما ترتفع تحذيرات أممية من مجاعة وسوء تغذية في مناطق هي أكثر عرضة للخطر من غيرها بسبب ظرف الفقر وانعدام الدخل والغذاء، فإن الحوثيين ينهبون المساعدات على المواطنين في تلك المناطق بصفة خاصة.
أساليب قذرة وصمت مريب
ملف الانتهاكات والنهب والإعاقات الحوثية تجاه المساعدات والإغاثات الإنسانية كبير وطافح، وبشهادات نوثقها هنا من مسئولين أمميين ومنظمات وهيئات دولية. رغم القرارات الدولية التي تشدّد على معاقبة المسئولين عن هكذا مخالفات، فإن تقارير وتوصيات المنظمة الدولية ووكالاتها العاملة في اليمن تتحاشى تماماً تفعيل مبدأ العقاب والردع. وعلى العكس من ذلك، تمتع الانقلابيون، وبطريقة ما، بحشر الأمم المتحدة (التي لطالما لايَنَتهُم وتعاطت بطريقة غريبة تبعث على الريب) في زاوية التجاوب مع الابتزاز في الملف الإنساني والإغاثي لأهداف عسكرية بحتة. كما في حالة الحديدة مؤخراً.
تكرر هذا الأمر كثيراً، ينهب الحوثيون المساعدات، تحت طائلة تهديد وترهيب النازحين والفقراء والمحتاجين، واتهامهم بالعمالة والعمل مع العدو أو مع الأجانب ضد الجماعة وسلطاتها. وبينما يتعامل الحوثيون مع الأجانب ويستدعون مزيداً من الدعم والمساعدات، ويطالب رئيس لجنتهم الثورية مؤخراً بتحويل السلع العينية إلى مبالغ نقدية تسلم عبرهم (..) يمارسون أساليب قذرة مع المواطنين والمحتاجين ويتهمونهم بالعمالة للأجانب لمجرد حصولهم على كيس قمح وجالون زيت.
سرقة قمح "الفقراء العملاء" !
واقعة حديثة على صلة بهذا، مفيدة في الاستدلال خلال الغرض من هذا العرض المركز، حدثث في جبل راس، موصولة بتهامة، حيث صادر مسلحو الحوثي، عصر السبت 1 ديسمبر 2018، على مواطنين في مديرية جبل راس، قمحاً ومواد غذائية حصلوا عليها من البرنامج النرويجي لإغاثة النازحين.
وكما تذكر مصادر محلية في منطقة المرير، لنيوزيمن، أن أهاليَ حاولوا إقناع المشرف الحوثي في النقطة، المكنى "أبو حمزة الضاوي"، بإعادة حمولة سيارة هايلوكس تحوي 12 كيس قمح وزيتاً وبقوليات وأرز وحليب أطفال، إلا أنه رفض وأفرغ المواد الغذائية في مخزن تابع للمليشيا قرب النقطة.
وأضافت مصادر نيوزيمن، إن القيادي الحوثي "أبو حمزة" اتهم المستفيدين من إغاثة البرنامج النرويجي، بأنهم دواعش وأنهم حصلوا على تلك المعونات نظير ما يقدمونه من خدمة لأعداء الإسلام (..) وأنه سيبلغ مشرف الجراحي باعتقال العاملين في البرنامج ويضع حداً لهذا التفريط، حد وصفه.
يذكر أن القيادي الحوثي والمشرف وجماعتهم يتنمَّرون على الأهالي والبسطاء من السكان، وفقاً لوسطاء فشلوا في إقناعهم بإعادة المساعدات للمواطنين. ويقوم القيادي الحوثي بانتهاكات يومية ومصادرة البضائع القادمة من مديرية الجراحي والقرى الممتدة بين مديريتي حيس وجبل رأس.
جرائم مرضي عنها دولياً !
القرار الدولي رقم 2216، الذي اعتمد في بداية تدخل التحالف في اليمن، والقرار 2417، يؤكدان أنه يمكن تطبيق الجزاءات على الأفراد أو الكيانات التي تعرقل إيصال المساعدة الإنسانية أو الوصول إليها أو توزيعها.
لكن، ورغم جميع الحالات الموثقة واليومية والشكاوى والشواهد، إلا أن المنظمة الدولية نفسها تتهرب من أخذ موقف وتسجيل إدانة على خلفية جميع الانتهاكات والإعاقات والنهب والابتزاز وترهيب المواطنين من أخذ المساعدات أو سلبهم إياها.
في اتجاه يتعمد الإعاقة ويستخدم المساعدات والإغاثة الإنسانية في الصراع وجزءاً من أسلحة التأثير في مجريات القتال والضغط على الجانب الإنساني باتجاه الأمم المتحدة التي تتجاوب مع هكذا ابتزاز، وترفع الصوات بالتحذيرات تجاه أي عملية تحرير تقترب من الحديدة، أكد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، استخدام الحوثيين مخازن الأمم المتحدة والمساعدات الإنسانية، في محاولتهم إعاقة تقدم القوات المشتركة في الحديدة.
المدير التنفيذي للبرنامج، ديفيد بيسلي، الذي زار عدن مؤخراً على رأس فريق من البرنامج، وخلال لقاء مع رئيس الوزراء معين عبد الملك، قال إن الحوثيين دخلوا مخازن المنظمة في الحديدة وعطّلوا وصول المساعدات لكثير من المناطق اليمنية المحتاجة.
هذه الروايات والمعطيات لم تقابلها أي إجراءات في المنظمة الدولية ومجلس الأمن، كما تشدد القرارات المتعلقة بشأن اليمن.
شهادات وإدانات في تحقيق نشرته صحيفة "غلوبال بوست" الأمريكية، تشكو مجموعات الإغاثة العاملة في اليمن، أنها تعاني من أجل إيصال المساعدات للمدنيين؛ بسبب القيود المفروضة عليهم في الأراضي الخاضعة للسيطرة الحوثية "ترتقي إلى مستوى التدخل، والعرقلة، وتحويل المساعدات"، وأكدت أن موظفي مؤسسات الإغاثة، لاسيما اليمنيين، تعرضوا للمضايقة، والاعتقال، والاحتجاز، والاستجواب، وبعضهم فوجئ بتهمة التجسس.
كما صرح مسؤولو مؤسسات إغاثية أخرى للصحيفة أن الحوثيين أوقفوا تصاريح التنقل والسفر في العديد من الحالات، وعلقوا برامج المعونة في مناسبات أخرى. لكن المثير للأمر، حسب قولهم، هو أن جماعة الحوثي طالبت منظمات الإغاثة بدفع ضرائب عن المساعدات. واستنتج محققو الصحيفة، من شهادات المدنيين، أن الشك الدائم الذي يراود الحوثيين حول تسلل قوى خارجية جعل المجموعة أكثر عدائية تجاه المدنيين، لاسيما أن الشهود أفادوا أن القيادة الحوثية أبدت تخوفات من حدوث ثورة داخلية ضدها.
ومطلع نوفمبر الماضي قال مسؤول كبير في الأمم المتحدة، إن أطفال اليمن يموتون من الجوع والمرض بسبب منع الشاحنات المحملة بالإمدادات المنقذة للحياة في أحد الموانئ، مما يدفع الفرق الطبية والأمهات اليائسات لمناشدة مسؤولي الإغاثة للقيام بالمزيد. وكشف مركز إسناد العمليات الإنسانية الشاملة في اليمن، عن احتجاز مليشيا الحوثي 16 سفينة في مينائي الحديدة والصليف، محملة بالمواد الغذائية والمشتقات النفطية والأدوية. وقال جيرت كابيلير المدير الإقليمي للشرق الأوسط بمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، إن 7 شاحنات تحمل معدات طبية وأدوية منقذة للحياة عالقة فى ميناء الحديدة منذ أسبوعين بانتظار التصريح بعد تفريغها.
مصادرة وبيع إغاثات
في واقعة شهيرة ومتداولة إعلامياً، وأوردها نيوزيمن منذ بضعة اسابيع، أقدمت المليشيا على نهب ومصادرة كميات كبيرة من المساعدات الإغاثية المقدمة من المنظمات العالمية مخصصة للنازحين في العاصمة صنعاء، مدت إلى تخزين المساعدات المنهوبة من بينها كميات كبيرة من دقيق القمح في مسجد الحسنات ومدرسة تقع بالقرب منه. وبدلاً من توزيعها على المستهدفين المستحقين تقوم بتوزيعها ليلاً إلى أماكن غير معروفة. وصلت الشكاوى إلى البعثة الأممية ولم تحرك ساكناً.
علاوة على نهب وابتزاز وبيع المساعدات وحرمان المستحقين من الوصول إليها، فإنها تصل إلى الأسواق وتباع حتى في قلب العاصمة صنعاء والمولات الكبيرة، كما تذكر وتوثق بالصور رئيسة منظمة "مبادرة مسار السلام" رشا جرهوم، متهمة منظمات أممية بتحويل مسار المساعدات الإغاثية، إزاء عمليات بيع مساعدات إغاثية إنسانية في الأسواق اليمنية.
ونشرت جرهوم، على حسابها في تويتر، صورة لقنينة زيت طبخ منزلي عليها شعار برنامج الأغذية العالمي قالت إن امرأة اشترتها من سوبر ماركت بالعاصمة صنعاء. وأضافت "إنه من المعيب أن منظمة دولية -برنامج الأغذية العالمي- تنشط في مجال الإغاثة منذ عشرات السنين، أن تستمر في ارتكاب الأخطاء"، داعية إلى ضرورة إجراء تقييم لأداء المنظمات الدولية العاملة في بلادنا.
ملف أسود
وفقاً لمنظمة سياج، فإن "متوسط من يحصلون على مساعدات إنسانية حقيقية لا يتعدى 10% تقريباً من إجمالي المستحقين الفعليين"، رافعة الصوت أن "المساعدات الإنسانية الدولية تتعرض لعمليات نهب منظم" وما يعلن عنه منها في الإعلام تذهب غالبيته إلى غير مستحقيه الفعليين.
وهي ومنظمات وجهات وناشطون كثر كرروا التحذيرات من التخاذل حيال النهب المنظم للمساعدات والاختراقات الخطيرة في عمل برامج الإغاثات والدعم الإنساني السلعي "يجب إعادة النظر في السياسات التي يتم بموجبها إنفاق أموال المساعدات الإنسانية بعد أن أثبتت السياسات الحالية عدم نجاعتها برغم الإمكانات المهولة المعلن عنها".
وقال بيان، في وقت سابق، للمنظمة، إنه يتم نهب المساعدات الإنسانية من خلال تبييض أموالها من قبل شبكة منظمات محلية ودولية وبمساعدة وتواطؤ مسؤولين وسلطات محلية، وهذه سياسة ممنهجة ومدروسة قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يوجب فتح تحقيقات شفافة عن مصير مليارات الدولارات من المساعدات المعلن عنها والتي كانت كافية لانتزاع اليمن بشكل كامل من وضعه الكارثي".