اتفاق شامل ينهي الحرب..
تقرير: كيف ستعمر اليمن دون سلام حقيقي ؟
فتح التقدّم الجزئي المتحقّق في عملية إطلاق مسار للسلام في اليمن من خلال المشاروات التي احتضنتها السويد مؤخرا، وما أسفرت عنه من اتفاقات بين الحكومة المعترف بها دوليا والمتمرّدين الحوثيين، مجال الحديث عن مرحلة ما بعد الحرب، وما سيتعيّن على المجتمع الدولي القيام به من جهد لتثبيت السلام في حال التوصّل إليه وتحصينه بإعادة الاستقرار إلى البلد وتطبيع حياة مواطنيه.
وعاد مصطلح إعادة الإعمار ليُتداول على ألسنة المسؤولين بالبلدان المعنية بالملف اليمني وفي مقدّمتها كلّ من السعودية والإمارات اللّتين قادتا تحالفا عسكريا داعما للسلطات الشرعية ضدّ المتمرّدين الحوثيين، وكان له دور فاعل في منع سقوط اليمن بيد إيران الداعمة للمتمرّدين، كما أن ضغوطه الميدانية الشديدة على ميليشيا الحوثي وخصوصا في الحديدة أهم منطقة تحتلّها تلك الميليشيا على الساحل الغربي اليمني، كانت من أكبر الدوافع لتحقيق ما تمّ من تقدّم خلال مشاورات السويد.
وقال الأمير خالد بن سلمان، سفير السعودية لدى الولايات المتحدة، إنّ تحالف دعم الشرعية “تشكّل لحماية الشعب اليمني ودعم حكومته الشرعية ولإنهاء الحرب والانقلاب والأزمة الإنسانية التي بدأتها ميليشيا الحوثي بدعم وتوجيه من إيران”.
وأشار في تغريدة على حسابه في تويتر إلى إهمية إعادة إعمار اليمن، مؤكّدا استمرار بلاده في “الالتزام بدعم اليمنيين”.
ويبدو التلازم وثيقا بين تحقيق السلام وتطبيع الأوضاع في اليمن. وعبّر وزير الشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش عن ذلك بالقول تعليقا على اتفاقات السويد “تحققت الخطوة الأولى والمهمة بنتيجة سياسية مستدامة. سنواصل دعم العملية السياسية والإنسانية وكذلك خطط إعادة الإعمار”.
وألحقت الحرب المستمّرة في اليمن منذ خريف سنة 2014 تاريخ انقلاب جماعة الحوثي على السلطات الشرعية اليمنية وانطلاقها في غزو مناطق البلاد، أضرارا كبيرة طالت البنى التحتية، وأخلّت بالتوازنات الاقتصادية وكانت لها تبعات إنسانية ثقيلة.
وبحسب الملاحظين فإنّ المضي في المسار السلمي وصولا إلى اتفاق شامل ينهي الحرب في اليمن سيكون جزءا من المهمّة التي لن تكتمل سوى عبر تثبيت الاستقرار ومساعدة اليمنيين على الاستئناف التدريجي لحياتهم الطبيعية، وصولا إلى ترميم الاقتصاد شبه المنهار وإعادة تحريك عجلة التنمية المتوقّفة منذ سنوات.
وغير بعيد عن هذا الجهد، أعلنت كل من السعودية والإمارات الشريكتين الرئيسيتين في تحالف دعم الشرعية اليمنية في نوفمبر الماضي عن إطلاق مبادرة جديدة في اليمن لمواجهة أزمة الغذاء تستهدف ما يصل إلى نحو 12 مليون فرد في مختلف مناطق اليمن دون استثناء، وبموازنة تبلغ نصف مليار دولار، تعهّد البلدان بتوفيرها.
وجاء الإعلان عن المبادرة التي تحمل اسم “إمداد” مع تسارع جهود إنهاء الحرب في اليمن بدفع أممي ودولي، وبمساندة من الإمارات والسعودية اللتين تشدّدان على أنّ الغاية النهائية من تدخلّهما في اليمن هي “الوقوف إلى جانب مواطنيه بغض النظر عن انتماءاتهم وضمان أمنه واستقراره الذي تعرّض إلى هزة كبيرة بدافع من إيران الداعمة للمتمرّدين الحوثيين”.
كما أعلن بالتوازي مع ذلك عن قرار بتأسيس لجنة استشارية فنية تجتمع شهريا بهدف اتخاذ تدابير إضافية لتحقيق استقرار العملة اليمنية وتعزيز إدارة تدفقات العملات الأجنبية ودعم جهود الحكومة اليمنية لتحسين إدارتها الاقتصادية. وشاركت في هذه المبادرة كلّ من السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة.
وأسفرت مشاورات رعتها الأمم المتحدة في السويد بين الفرقاء اليمنيين عن خطوات لبناء الثّقة تمهيدا للدخول في جولات جديدة من محادثات السلام.
وشملت الخطوات على وجه الخصوص الاتفاق على عملية واسعة لتبادل الأسرى ووقف لإطلاق النار في الحديدة تشرف على تنفيذه الأمم المتحدة.
ورغم الصعوبات الإجرائية التي بدأت تلوح في تطبيق ما تمّ الاتفاق عليه مع عودة الاشتباكات المسلّحة إلى الحديدة، إلا أنّ مراقبين اعتبروا أن مسار السويد يمتلك مقوّمات النجاح بالنظر إلى جملة من الاعتبارات، أبرزها عجز جماعة الحوثي الطرف الرئيسي في الانقلاب، عن مواصلة الحرب ورغبة قادتها في إيجاد مخرج من الأزمة بأقل ما يمكن من الأضرار والخسائر.
ومن المنتظر أن تكون كلّ من السعودية والإمارات اللتين اضطلعتا بدور رئيسي في دعم الشرعية باليمن وحمايته من الانزلاق إلى الفلك الإيراني، صاحبتي الجهد الأكبر في إعادة إعمار البلد خصوصا وأنهما تمتلكان من الوسائل والمقدرات المادية والخبرات ما يساعدهما على ذلك.
وتؤكد مصادر سياسية وجود قناعة لدى كبار القادة الخليجيين بأنّ فقر اليمن والأوضاع المعيشية الصعبة لمواطنيه سهّلت اختراقه من قبل إيران، كما جعلت قسما من أبنائه مهيّأ لاحتضان الحركات الدينية المتشدّدة، مشيرة إلى وجود استعداد للذهاب بعيدا في مساعدة اليمن على إعادة بناء اقتصاده ومؤسسات دولته بما في ذلك المؤسسة الأمنية والعسكرية على أسس جديدة بعيدا عن الولاءات الطائفية والحزبية والمناطقية.