الظهور بمظهر الكيان الموحد..
ضغوط ترامب تعبّد طريق الحرير الصيني صوب أوروبا

التنين الذي يلتهم الجميع وهم مبتسمون
التقى ثلاثة من كبار قادة الاتحاد الأوروبي هم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، الثلاثاء في باريس، مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في محاولة لإظهار جبهة أوروبية موحدة في الملفات العالمية الكبرى.
ويعوّل الأوروبيون على عقد تفاهمات مع الصين تقنع بكين بالتعامل مع أوروبا بالجملة كوحدة واحدة بدل اعتماد الاختراق الخلفي من خلال اتفاقات ثنائية بين الصين وبعض دول الاتحاد. ويتحدث الأوروبيون عن خطط للشراكة بدل الانخراط في حروب المنافسة الضارة لكافة الأطراف.
وقال المفوض الأوروبي غونتر أوتينغر الأحد إنّ “أوروبا بحاجة ماسة إلى استراتيجية حيال الصين.. استراتيجية جديرة بهذا الاسم”، لافتا بقلق “إلى أن بنى تحتية استراتيجية هامة مثل شبكات الكهرباء أو خطوط القطارات فائقة السرعة أو المرافئ، لم تعد بأيد أوروبية بل صينية”.
وقال ماكرون الإثنين في ختام محادثات مع نظيره الصيني في قصر الإليزيه إن “الخيار البديهي والمنطقي في القرن الحادي والعشرين كامن هنا، في شراكة أوروبية صينية قوية تحدد بناء على قواعد واضحة ومطالب طموحة”، داعيا إلى أوروبا “موحدة” حول “استراتيجية متماسكة في الحوار مع الصين”.
وكان الرئيس الفرنسي قد أعلن الجمعة أثناء القمة الأوروبية في بروكسل أن “زمن السذاجة الأوروبية في العلاقات مع الصين قد انتهى” في إشارة مسبقة موجهة للرئيس الصيني تدعوه للتنبه للمزاج الأوروبي الجديد الباحث عن عدالة ومساواة في التعاملات التجارية والاقتصادية بين العملاقين الصيني والأوروبي.
بالمقابل قالت ميركل في القمة الأوروبية الأخيرة في بروكسل إن الاتحاد الأوروبي يسعى لعلاقات تجارية مكثفة مع الصين، ولكنها شددت على ضرورة أن يعتمد ذلك على إتاحة حرية الوصول المتبادل إلى السوق بين كلا الطرفين.
غير أن ميركل وبعد اجتماع الثلاثاء وصفت خطة البنية التحتية الصينية “الحزام والطريق” بالمشروع المهم الذي يريد الأوروبيون المشاركة فيه لكنها أضافت أن ذلك يتطلب معاملة بالمثل من جانب بكين.وسعى اجتماع الثلاثاء إلى أن تقدم أوروبا نفسها محاورا ودودا يختلف نهجها عن ذلك الأميركي الذي تتبعه إدارة الرئيس دونالد ترامب مع بكين. وعمل الفريق الأوروبي على محاولة إقناع بكين بتكييف طموحاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع قواعد النهج التعددي.
ولاحت صورة ترامب المتجاوز على القانون الدولي و”المعجرف” إزاء الشركاء الأوروبيين واضحة في خلفية الإعلان الفرنسي الصيني المشترك حين ركّز الإعلان على مواضيع مثل الدفاع عن مبدأ التعددية وحماية المناخ وحرية التجارة.
وتضمّن الإعلان الذي جاء تلخيصا لمحتوى محادثات الرئيس ماكرون مع ضيفه شي جينبينغ إشارات واضحة إلى الحفاظ على التعددية وتحسين الحكومة العالمية والتمسّك باحترام القانون الدولي والمعايير الأساسية التي تنظم العلاقات الدولية.
كما شدّد على “الإرادة المشتركة في رفع التحديات معا بشأن التقلبات المناخية وتراجع التنوع البيئي وحماية البيئة”.
وتحاول الصين التقليل من شأن الهواجس الأوروبية معتبرة أن للعصر الراهن قواعد أخرى وجب أخذها بعين الاعتبار والاتساق مع حقيقتها.
وقال شي جينبينغ الإثنين في اليوم الأول من زيارته الرسمية إلى فرنسا التي وصلها قادما من إيطاليا وموناكو “العالم يشهد تحولات غير مسبوقة: الصين وفرنسا وأوروبا، جميعها أمام لحظة حاسمة من تطورها”.
ومنذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يطرح شي جينبينغ نفسه على أنه لاعب تقليدي في صلب الأسرة الدولية. وتمكن حتى من الفوز بتصفيق نخبة الليبرالية الاقتصادية العالمية في منتدى دافوس عام 2016.
غير أن مراقبين تساءلوا حول قدرة أوروبا نفسها على المحافظة على موقف واحد وتخطي انقسامات دول الاتحاد إزاء طموحات بكين التي تعتبرها المفوضية الأوروبية “خصما على جميع الأصعدة”.
وتعتبر باريس أن وحدة الموقف الداخلي الأوروبي التي عززت موقف أوروبا حيال بريطانيا في مسألة البريكست يجب أن تكون قاعدة للتعامل مع واشنطن كما بكين.
وتمكنت الصين مؤخرا من ضم إيطاليا، إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، إلى مبادرتها.
وحذّر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس “أنّ بعض الدول التي قد تعتقد أن بوسعها عقد صفقات مربحة مع الصينيين، سوف تُفاجأ عندما تدرك أنها أصبحت دولا تابعة”.
ويتخوف الأوروبيون من المآلات السياسية للاستثمارات الصينية داخل الاتحاد. ويثير الأمر قلقا وانقسامات حيث استثمرت الصين ما لا يقل عن 145 مليار يورو منذ 2010، وترد مخاوف حيال مشروعها الضخم للبنى التحتية، ونهجها الثنائي القائم على التفاوض مع كل دولة على حدة، واستثماراتها في أصول استراتيجية.
ويخشى الأوروبيون من أن تتسلل الصين من خلال بلدان تعاني ضائقة اقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي على نحو تطيح فيه الأدوات الاقتصادية بالقرار السياسي للدول الأعضاء.
ولخصت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية الصادرة بالإنكليزية الموقف بالقول “إن الدول التي تحتاج إلى دفع اقتصادي مثل البرتغال وإيطاليا واليونان، مهمشة من الاندماج الاقتصادي الإقليمي، والتعاون مع الصين سيساعدها في استعادة حيوية اقتصادية وإسماع صوتها في مسائل المنطقة”.
وقال مصدر في قصر الرئاسة الفرنسية “يجب تعزيز وحدة الأوروبيين بمواجهة القوى الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة. وينبغي من أجل ذلك العمل في إطار العلاقة الثنائية الفرنسية الألمانية والاتحاد الأوروبي”، مضيفا أنه لا بد من “بناء جدول أعمال إيجابي مع الصين، ولاسيما في مجال المناخ، في إطار تعددية تواجه أزمة”.
وتواجه أوروبا عملية اختراق متعددة الأذرع تسعى لتفتيت الاتحاد الأوروبي وتفكيك وحدته من قبل روسيا والولايات المتحدة والصين مستفيدة من الزلزال الذي أصاب الاتحاد منذ الاستفتاء البريطاني عام 2016 لمغادرة الاتحاد.
وتواجه أوروبا نهج الرئيس الأميركي دونالد ترامب القائم على المفاوضات الثنائية المباشرة بين الدول بدل التفاوض مع أوروبا مجتمعة، كما تسعى لمواجهة الحملة التوسعية الصينية التي تعمل عليها بكين تحت مسمى “طرق الحرير الجديدة”، وهي خطة ضخمة طموحة لنشر بنى تحتية بحرية وبرية تربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا.
ومع ذلك يجد الأوروبيون أن السلوك السياسي الصيني مازال أقل خطرا من السلوك الأميركي للرئيس ترامب المهدد لوحدة الاتحاد الأوروبي وديمومته.
وتؤكد الصين أن استثماراتها في الدول الأوروبية تدعم وحدة التكتل. وقال الرئيس الصيني إنّ بلاده “ستساند على الدوام اندماج أوروبا ونموها”.
وتجدر الإشارة إلى أنه من المقرر عقد قمة كاملة بين الصين والاتحاد الأوروبي في بروكسل في 9 أبريل المقبل.