بالاعتماد على المرتزقة..
قطر.. تحول اليمن إلى مستنقع لإغراق خصومها الخليجيين
تريد قطر تحويل اليمن إلى مستنقع لإغراق خصومها الخليجيين؛ ولم يكن ذلك ممكناً إلا بدعم مليشيا الحوثي. ويبدو واضحاً أن جماعة الإخوان المسلمين عملت وتعمل، بمثابرة وصَلَف، من أجل تحقيق هذه الرغبة القطرية؛ رغم أن ذلك كان وسيكون على حساب مصلحة وأمن واستقرار اليمن واليمنيين.
لا جديد في القول بأن الدوحة استخدمت وتستخدم “الإخوان” كأداة لتنفيذ أجنداتها في اليمن؛ ذلك أن عدداً غير قليل من هؤلاء يؤدون، بشكل مُعلن، دورهم كعملاء لقطر دونما خجل أو تَحَرُّج! واللافت في الأمر أنهم يفعلون ذلك باندفاع وحماس منقطعي النظير؛ كما لو أنهم ينفذون مهمة وطنية مقدسة!
لتنفيذ الأجندة القطرية، بدأ “الإخوان” في استخدام الأزمة الإنسانية للمطالبة بإيقاف الحرب في اليمن. كذلك، استخدموا الشعارات الوطنية، ودماء الضحايا المدنيين كمبرر لشَنّ حملات تحريضية ضد الحكومة الشرعية، و”التحالف العربي” الداعم لها! ثم انتهى بهم الأمر إلى المطالبة الصريحة بإخراج الإمارات، أو المطالبة بإخراجها والسعودية، من اليمن، بحُجَّة أنهما أساس المشكلة! قالوا بأن “اليمنيين أخوة سيتَّفِقون فيما بينهم”؛ إذا ما غادرت السعودية والإمارات اليمن! وهذه هي بالضبط تكتيكات ومطالب وأماني الحوثيين؛ تظهر بقوة وفاعلية أكبر في كتابات “الإخوان” العاملين في خدمة قطر.
هكذا، صار “الإخوان” يعملون، بوعي أو بدون وعي، في خدمة عبد الملك الحوثي الذي نَكَّلَ بهم وشرَّدهم من البلاد! وهذا لا يعود إلى “عبقرية” الاستخبارات القطرية، بل إلى ضحالة الانتهازية التاريخية لـ”الإخوان”.
الدعم السياسي والإعلامي القطري لمليشيا الحوثي واضح وملموس. تفعل الدوحة ذلك بشكل معلن ليس فيه مواربة أو لبس. وهذا يُرَجِّح تقديمها دعماً مالياً سخياً للحوثيين(1). وقد ساهم الدعم القطري السياسي والإعلامي للحوثيين في إطالة أمد الحرب، ورَفَعَ من سقف المطالب الدولية المطالبة بإيقافها؛ ما أدى ويؤدي إلى تخفيف الضغط العسكري على مليشيا الحوثي. والشاهد “اتفاق ستوكهولم”، الذي حال دون تحرير الحديدة. كذلك، شارك الدعم القطري للحوثيين في تصعيد الضغوط الدولية على السعودية؛ وهي ضغوط طالبت، ومازالت، بإيقاف الحرب في اليمن. والشاهد استغلال قطر لجريمة مقتل “خاشقجي”، التي فَرَضت علينا القبول بـ”اتفاق ستوكهولم”.
الدعم القطري لمليشيا الحوثي، يظهر واضحاً في أداء قناة الجزيرة، ومجمل الحملات الإعلامية الدولية والإقليمية والمحلية ضد الحكومة الشرعية، والسعودية والإمارات. وأقذر تلك الحملات التي تمت وتتم بأدوات يمنية ليس لديها أدنى شعور بالمسؤولية الوطنية أو بمصلحة اليمن.
عبر قادة في جماعة الإخوان، استغلت المخابرات القطرية بؤس الحاجة التي يعيشها عدد كبير من السياسيين والصحفيين والناشطين اليمنيين، واستخدمتهم كأدوات لمهاجمة الإمارات. وقد قام هؤلاء بالمهمة؛ متخفِّين خلف أقنعة الغيرة الكاذبة على “السيادة الوطنية”، والغضب المفتَعَل على الوطن، والخوف الزائف على الوحدة! كذلك، تَخّفّى هؤلاء خلف الدعوات الحقوقية المطالبة بإيقاف الأزمة الإنسانية، والغاضبة لسقوط ضحايا مدنيين في عمليات القصف الخاطئة. وبلغ الانكشاف بأحدهم حَدّ القول بأنهم سيتوقفون عن قتال “الحوثي”، وسيتحالفون معه، وسيجعلونه يجتاح الجنوب، مرة أخرى، كي “يفرض الوحدة (..) بالقوة كما حدث في 94”! وخطاب كهذا لا يُقَدِّم تبريراً “إخوانياً” مسبقاً لتحالفهم غير المعلن مع “الحوثي” فقط؛ بل يُصَعِّد، أيضاً، وبقصد مُدرك، التوتر مع الإخوة في الجنوب، ويدفعهم نحو التشدد أكثر في المطالبة بالانفصال، وممارسة مزيداً من الأفعال والتصرفات “العنصرية” ضد “الشماليين” في الجنوب.
تَخَفّى عملاء قطر خلف الدعوات الإنسانية المطالبة بإنهاء الحرب؛ بحُجَّة إن إحلال السلام أصبح ضرورة لإيقاف إراقة الدماء، والأزمة الإنسانية المتصاعدة. طالبوا بذلك مراراً وتكراراً. مازالوا يطالبون به. والسؤال هو: كيف يتم إيقاف الحرب وعلى أي أساس؟! وكيف يُمكن ذلك ومليشيا الحوثي مازالت تُنَكِّل باليمنيين، وتُسيطر على دولتهم وتمضي في نهب مواردها؟!
لا جواب منطقي مُقنع غير: يجب إيقاف الحرب، والوصول إلى تسوية سياسية! وهذا بالضبط هو ما يريده “الحوثي”، ويسعى إليه.
إن الدعوات المطالبة بإيقاف الحرب، وإحلال السلام عبر تسوية سياسية، تَصُبّ في خدمة “الحوثي”؛ إذ ستؤدي إلى تثبيت حضوره المليشاوي العارض كحقيقة واقعة مشرعنة بالمفاوضات واتفاقيات السلام. إن إحلال السلام وإنهاء الأزمة الإنسانية في اليمن لن يكون بإيقاف الحرب، أو بدفع السعودية والإمارات إلى الانسحاب منها، بل بإلحاق هزيمة كاملة ونهائية بمليشيا الحوثي؛ كما قال ثلاثة خبراء أمريكيون (مايكل نايتس وكينيث إم بولاك وباربرا إف وولتر) في مقال نشرته، مؤخراً، مجلة “فورين افيرز” الأمريكية. هؤلاء الخبراء، أكدوا إن انسحاب “التحالف العربي” “لن يؤدي إلى الوصول لتسوية تفاوضية في اليمن، بل سيقود حتماً إلى مزيد من الاقتتال، وسيستمر اليمنيون الأبرياء في الموت إلى أن ينتصر طرف واحد – وهم المتمردون الحوثيون على الأرجح”. أضافوا: “ونتيجة لذلك، فإن اليمن بعد انتهاء الصراع تحت حكم الحوثيين قد يشهد على الأرجح ممارستهم قمعاً كبيراً لإبقاء حكمهم مستمراً”.
في مقالهم بالغ الأهمية، تساءل الخبراء الأمريكيون الثلاثة عن ما الذي يمكن أن تفعله بلادهم لإيقاف الاقتتال في اليمن، ثم قالوا: “الحل الوحيد على المدى القريب، الذي يمكن أن ينهي الحرب”، يتمثَّل في دعم قوات الحكومة الشرعية و”التحالف العربي”، واعتبروا أن ذلك هو “أقل الخيارات سوءاً”.
الدعوات المطالبة بضرورة إيقاف الحرب، وإقامة مفاوضات بهدف إحلال السلام، شَجَّعت وتُشَجِّع الحوثيين على مواصلة الحرب؛ كما حصل في اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة، الذي أوجد “حالة أشبه بمسرح تمثيلي للسلام- وَهْم بحصول تقدم يوفر تبعات حرب شاملة في الحديدة مع ترك الأزمة الأساسية تراوح مكانها”، كما قال الخبراء الأمريكيون الثلاثة. وإذ دعا هؤلاء الخبراء بلادهم إلى دعم قوات الحكومة الشرعية وتمكينها من السيطرة على الحديدة؛ باعتبار ذلك هو ما سيضع حداً للحرب والأزمة الإنسانية في اليمن؛ أكدوا: “إيران هو من يستفيد من إطالة أمد هذه الحرب القذرة”.
والحقيقة أن الضغوط الخارجية على السعودية، والحملات “الإخوانية”/ “الحوثية” على الإمارات “شجعت الحوثيين على مواصلة القتال والتخلي عن العنف”. ووفقاً للخبراء الثلاثة، فـ”تجدد الهجوم على الحديدة سيمهد الطريق للوصول” إلى تسوية لإيقاف الحرب.
…
كرَّست قطر كل جهودها لدعم مليشيا الحوثي؛ لأن ذلك وسيلة ناجعة للانتقام من السعودية والإمارات، عبر إغراقهما في المستنقع اليمني. يبدو هذا واضحاً في السياسات القطرية المكرَّسة، منذ البداية، لدعم مليشيا الحوثي؛ عبر إطالة أمد الحرب، أو إيقافها بما يضمن بقاء هذه المليشيا كخنجر مسموم في الخاصرة السعودية. لكن تداعيات بقاء هذا الخنجر المسموم ستكون، أولاً وقبل كل شيء، أكثر من كارثية على اليمن واليمنيين. قطر لا تهتم بذلك، لأن ما تريده هو إلحاق الأذى بالسعودية والإمارات. ولئن كانت هذه المقامرة باليمن ليست غريبة على حُكَّام الدوحة الذين قدّموا أنفسهم كمعاول تخريب؛ فهي وصمة عار على المرتزقة والعملاء اليمنيين التابعين لهم، والعاملين في خدمتهم.
مؤخراً، تصاعدت الحملة “الإخوانية “الحوثية” على الإمارات، وزادت حِدَّة الدعوات المطالبة بإخراجها من “التحالف العربي” واليمن! والسؤال هو: لمصلحة مَنْ سيكون ذلك؛ إن حدث؟
لا يخفى على أحد أن ذلك سيصُبّ في مصلحة مليشيا الحوثي. كذلك، لا يخفى على أحد أن الحملة المسعورة على الإمارات هي تتويج لحملات التحريض والإساءة لـ”التحالف العربي”، التي صَبَّت، منذ بداية الحرب، في صالح “الحوثي”، ومن خلفه إيران. أما قطر فهي مجرد أداة هامشية للإيذاء؛ لا تستطيع تحقيق مصالحها إلا عبر تجنيد نفسها كأداة لخدمة آخرين، وتحقيق مصالحهم وأهدافهم أولاً وأخيراً.
ورغم التذاكي المكشوف الذي أبداه عملاء قطر في تحييد السعودية، إلا أن أصواتهم تصاعدت اليوم للمطالبة بإخراجها أيضاً من اليمن. وهذا هو بالضبط ما تريده مليشيا الحوثي وتُطالب به. إن لم تكن هذه هي مطالب جماعة الحوثي فمطالب مَنْ إذاً؟!
المضحك أن مرتزقة قطر، أو بعضهم، تفاخروا بأن حملة الإساءة والتحريض التي شَنّوها على الإمارات أجبرت الأخيرة على سحب قواتها من اليمن!
حسناً؛ من المستفيد من انسحاب الإمارات، وايقاف دعمها المهم والكبير لليمن؛ وهو دعم محوري ورئيسي وحاسم، كما أثبتت الوقائع على الأرض في تحرير عدن والساحل الغربي، والضالع حالياً؟.. لا شك بأن “الحوثي” هو المستفيد الأول، واليمن هي الخاسر الأكبر.
مليشيا الحوثي هي الخطر الحقيقي والرئيسي الذي يُهدد اليمن واليمنيين، في هذه المرحلة التاريخية. ومهمة عملاء ومرتزقة قطر تتمثّل في التشويش على حقيقة الصراع وطبيعته، وتشتيت قوى وطاقات اليمنيين؛ عبر إدخالهم في معارك مختَلَقَة مع “التحالف العربي” الداعم لهم! لهذا، فالحملة المسعورة ضد الإمارات تخدم “الحوثي” بشكل وقح ومباشر؛ لأنها حالت وتحول دون تشكيل جبهة وطنية صلبة لمواجهته، وستفضي إلى تخفيف الضغط العسكري على مقاتليه، وستترك اليمنيين لقمة سهلة له دونما إمكانيات فعلية للمقاومة، أو سند عربي داعم. مازالت مليشيات الحوثي جاثمة على حياة اليمنيين؛ مع ذلك هناك من يريد تجريدهم من مصدر قوتهم: دعم الأشقاء! ونتيجة ذلك ستكون، بكل تأكيد، في صالح “الحوثي” وإيران.
كُنا نظن أن بإمكان الشعب اليمني مواجهة الطغيان الحوثي والانتصار عليه اعتماداً على العمل السلمي. لكن “الحوثي” لم يترك أمام اليمنيين من خيار غير خيار الحرب؛ لم يترك لهم غير خيار الموت المجاني، أو خيار الموت من أجل الدفاع عن اليمن. وأثبتت الوقائع وتطورات الأحداث أن الحوثية هي الحرب (هوبسباوم قال إن الفاشية هي الحرب).
مليشيا الحوثي قاتلت وتُقاتل اليمنيين مستقوية بأسلحة وإمكانيات الدولة التي سَطَت عليها، ومسنودة بدعم مباشر من إيران، والمليشيات الشيعية في العراق ولبنان. ولم يكن بإمكان اليمنيين العُزَّل مواجهة هذا التحالف الطائفي الكهنوتي الفاشي العابر للبلدان، إلا بدعم عسكري عربي حقيقي ومباشر. وكما لاحظ أحد الأصدقاء، فطوال التاريخ لم يتم القضاء على الحركات والأنظمة الفاشية إلا بتدخلات عسكرية خارجية (النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، مثلاً).
السعودية والإمارات، قدمتا الدعم لليمنيين من أجل مواجهة الفاشية الحوثية، ومن أجل منع إيران من السيطرة على اليمن، باعتبار ذلك خطراً على الخليج. ورغم أن الإرهاب الحوثي مازال مسلّطاً على اليمن واليمنيين، إلا أن مرتزقة قطر وعملاءها يقودون حملات مستمرة؛ الهدف منها إخراج الإمارات، ثم السعودية، من البلاد؛ بما يؤدي، مرة أخرى، إلى جعل اليمن فريسة سهلة لمليشيا الحوثي.
غالباً ما تحدث أخطاء وتجاوزات في التدخلات العسكرية الداعمة للشعوب التي تقع في امتحان الأقدار، ومِحَن تقلبات التاريخ. نحن مع انتقاد تلك الأخطاء والتجاوزات، لكنا ضد حملات التشنيع التي تنطلق بهدف خدمة أجندة خارجية قذرة، نتائجها وخيمة على بلادنا. هناك من ينتقد السعودية والإمارات بدوافع وطنية صادقة هدفها إصلاح الأخطاء وإيقاف التجاوزات، وهناك من يفعل ذلك بدوافع مشبوهة هدفها خدمة أجندة خارجية وداخلية معادية لليمن. أنا مع انتقاد أي أخطاء أو تجاوزات تقوم بها السعودية والإمارات. لكني ضد الحملات المأجورة التي سترتد بأضرار كارثية على اليمن واليمنيين. دعونا نتخلص من الحوثي أولاً، وبعدها ممكن أن نختلف ونتصارع فيما بيننا. الأولوية اليوم لاستعادة الدولة، وتخليص اليمن من مليشيا الحوثي، وما دون ذلك مجرد معارك وهمية هدفها التشويش على الصراع الحقيقي.
ما يحدث اليوم، يُذكِّرنا بالتدخل المصري، الذي بدأ، عام 1962، لدعم ثورة 26 سبتمبر في اليمن. خلال ذلك التدخل، حدثت أخطاء وتجاوزات من قِبَل بعض الضباط والجنود المصريين، الذين جاؤوا إلى بلادنا للدفاع عن الثورة الوليدة ونظامها الجمهوري. حينها، استغل أعداء الثورة والجمهورية ذلك، وأوكلوا لعملائهم داخل الصف الجمهوري مهمة شَنّ الحملات على مصر وعبد الناصر. ومن داخل الصف الجمهوري، تعالت الأصوات متحدثة عن “احتلال مصري لليمن”، ومطالبة بتحرير البلاد من ذلك “الاحتلال” المزعوم! وشأن مرتزقة اليوم، قام مرتزقة الأمس بحملاتهم تلك متخفِّين خلف الشعارات “الوطنية” الكاذبة: “السيادة”، استقلال القرار اليمني، تصاعد الأزمة الإنسانية، سقوط ضحايا مدنيين في عمليات قصف غير دقيقة، وغير ذلك من الشعارات والمبررات. وكما طالب مرتزقة الأمس بإخراج مصر من اليمن، يُطالب مرتزقة اليوم بإخراج الإمارات والسعودية من اليمن. ومثلما انكشف مرتزقة الأمس وبقي التدخل المصري في اليمن علامة مضيئة في التاريخ العربي، سينكشف مرتزقة اليوم وسيبقى التدخل السعودي الإماراتي علامة مضيئة أخرى في تاريخنا العربي.
التشابه بين مرتزقة الأمس ومرتزقة اليوم يتجاوز التطابق في الشعارات والمطالب والمبررات، إلى تبنِّي الأفكار والكلمات ذاتها. أولئك قالوا إن التدخل المصري هو سبب المشكلة، وهؤلاء يقولون إن التدخل السعودي الإماراتي هو سبب المشكلة! أولئك قالوا: “يجب إخراج المصريين من اليمن، ونحن والملكيون يمنيون سنتفق فيما بيننا”، وهؤلاء يقولون: “يجب إخراج الإمارات من اليمن، ونحن والحوثيون يمنيون سنتفق فيما بيننا”! أولئك تحدثوا عن “احتلال مصري”، وهؤلاء يتحدثون عن “احتلال إماراتي سعودي” لليمن! وإلى هذا، فآلية عمل الطرفين واحدة. أراد أولئك التشويش على حقيقة الصراع الاجتماعي وطبيعته، وتشتيت قوى وطاقات اليمنيين، عبر ادخالهم في معارك مختَلَقَة مع مصر الداعمة لهم، فيما يحاول هؤلاء التشويش على حقيقة الصراع، وتشتيت اليمنيين، عبر ادخالهم في معارك مختَلَقَة مع الإمارات والسعودية الداعمتين لهم!
والمعروف أن خروج الجيش المصري من اليمن، عام 67، كان لصالح الملكيين، ووبالاً على الجمهوريين. والشاهد أن ذلك دَفَعَ قادة الطرف الأول إلى حشد كل قواتهم ومرتزقتهم، وحاصروا صنعاء. وكاد “حصار السبعين” أن يؤدي إلى انتهاء ثورة 26 سبتمبر، وعودة “الإِمَامة”، ممثلة في “محمد البدر”، إلى الحكم. وما أدى، حينها، إلى انتصار الثورة وجمهوريتها الوليدة هو شجاعة المدافعين عنها، وإيمانهم بعدالة قضيتهم؛ وهو ما يفتقده اليمنيين في حربهم الحالية ضد “الحوثي”، الذي يريد إعادة “الإِمَامة” إلى حكم البلاد. ولا حاجة إلى الإشارة لتَغَيُّر الموقف السعودي اليوم عنه خلال حرب الدفاع عن ثورة سبتمبر. هناك، كانت تدعم الملكيين؛ وهنا أصبحت تدعم الشعب اليمني.
مازال هناك ما يجب قوله. ليس كل من ينتقد الإمارات مرتزقاً؛ ذلك أن عدداً كبيراً من الصحفيين والنشطاء، وبسطاء الناس، اشتركوا في “الحملة الإخوانية” المسعورة ضد الإمارات وقادتها، دونما إدراك لدواعي تلك الحملة، أو للأثار السلبية الخطيرة التي قد تلحق اليمن بسببها. وكذلك كان الحال في الحملة التي استهدفت مصر وعبد الناصر من قبل.
ويكفي أن نشير هنا إلى سهولة التفريق بين موقف رئيس الجمهورية الأسبق، القاضي عبد الرحمن الإرياني، وموقف بقية رفاقه، قادة التيار التقليدي داخل الصف الجمهوري، من التدخل المصري في اليمن.
كان الإرياني ضد أخطاء وتجاوزات التدخل المصري؛ فيما كان أغلب رفاقه، الذين تبنوا تلك الحملة، ضد ذلك التدخل من الأساس. لم يتخذ الإرياني موقفه ذاك طلباً للارتزاق، ولم يُجاهر به، بهدف إرضاء طرف بعينه، أو دولة بعينها؛ كما فعل بقية “أبطال” تلك الحملة. في مذكراته، تحدث الإرياني عن أخطاء التدخل المصري تلك؛ لكنه حَرِصَ أن يقول، بعد كل إشارة إلى تلك الأخطاء: لولا مصر وعبد الناصر لكنا تحت الأرض.. لولا مصر وعبد الناصر لكنا تحت الثرى.
على ذلك النحو، أكد الإرياني أهمية وعظمة التدخل المصري في اليمن. وإلى هذا، فقد ظَلَّ موقفه وطنياً واضحاً من ثورة سبتمبر، وبقي مؤمناً بها حتى وفاته؛ فيما بلغ الأمر بأحد “أبطال” (لا داعي لذكر اسمه) تلك الحملة، التي استهدفت مصر، حَدّ القول بأن ثورة 26 سبتمبر كانت “عملية قذرة”، و”مؤامرة قذرة” حاكها جمال عبد الناصر ضد اليمن! وللأسف، فهذا “البطل”، الذي تهجَّم على ثورة سبتمبر، كان من مؤسسي “الأحرار”، ومن أبرز قادة الصف الجمهوري. وقد قال ذلك عام 1969، بعد أن تمت إقالته من آخر مناصبه القيادية في جمهورية سبتمبر، وإخراجه من اليمن؛ بينما ظَلَّ الإرياني وفياً لثورة سبتمبر طوال فترة بقائه لاجئاً خارج البلاد. وكما ذهب ذلك “البطل” إلى محمد البدر لمواساته وطلب الصفح منه؛ لا نستبعد أن يذهب “أبطال” الحملة الحالية ضد الإمارات إلى “الحوثي” لفعل الأمر ذاته. لكن المؤكد أن اليمن ستنتصر، في النهاية، على “الحوثي” ومرتزقة قطر، كما انتصرت على “البدر” ومرتزقة “الإِمَامة” من قبل.
_____________
(1) لعل هذا الدعم بدأ منذ تدخَّلت قطر، عام 2007، للقيام بوساطة لإيقاف الحرب بين نظام الرئيس السابق ومسلَّحي الحوثي. حينها، تحدَّثت الأخبار عن تقديمها 500 مليون دولار لـ”الحوثي” تحت مُبَرِّر إعادة إعمار ما دَمَّرته الحروب في صعدة.
-المدونة اليمنية