بعد إن كانت معضلة

تحويل اليمن إلى فرصة للعلاقات بين الخليج وواشنطن

واشنطن تعطي أولوية لمعركة موازية ضد تنظيم القاعدة

العرب (لندن)

حين استقبل وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في وزارة الدفاع (البنتاغون) بادره بالمزاح عن تلك المرة التي حاول الإيرانيون قتله فيها؛ في إشارة إلى محاولة اغتيال الجبير في الولايات المتحدة في عام 2011، وكان يشغل منصب السفير السعودي آنذاك، واتهمت إيران بالتخطيط للعملية.

حملت إشارة ماتيس إلى محاولة اغتيال الجبير دلالة تنبئ بالكثير عن مدى التوافق في وجهات النظر بين إدارة الرئيس دونالد ترامب ودول الخليج العربي بشأن ما يرون أنه التهديد الإيراني.

ويمهد هذا التحول الطريق على ما يبدو للمزيد من المشاركة الأميركية في اليمن على وجه الخصوص.

وفي موقف ثان، يدعم توجه الإدارة الأميركية، قارن جيمس ماتيس، خلال زيارته إلى السعودية مؤخرا، بين دعم طهران للحوثيين ودعمها لحزب الله اللبناني الشيعي وهو موقف تتبناه السعودية ودول الخليج التي ترى صلات بين الجماعتين. وقال ماتيس للصحافيين في الرياض “أينما تنظر إذا كانت هناك اضطرابات بالمنطقة تجد إيران”.

ويشكل اليمن نقطة التقاء رئيسية للمصالح الأميركية الخليجية، فالحرب مزدوجة في هذا البلد الاستراتيجي، حرب ضدّ الحوثيين، ومن ورائهم إيران، وحرب ضد تنظيم القاعدة والجماعات المتشددة التي تشكل وعود محاربتها نقطة قوة الرئيس ترامب.

وتجري مناقشات مفصّلة داخل إدارة ترامب ستتيح المزيد من المساعدة لدول الخليج العربي التي تقاتل جماعة أنصار الله (الحوثيين).

ويقول مسؤولون إن هذا يمكن أن يشمل توسعة نطاق معلومات المخابرات التي تقدمها واشنطن لدعم القوات الحكومية اليمنية والتحالف العربي لتحقيق اختراقات كبيرة.

جيمس ماتيس: أينما كانت هناك اضطرابات في منطقة الشرق الأوسط ستجد إيران


وتقوم الولايات المتحدة بنقل معلومات استخباراتية إلى التحالف العربي بقيادة السعودية الذي ينفذ ضربات ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، وتزوده بالوقود والأسلحة.

وبالإضافة إلى زيادة تبادل المعلومات يقترب المسؤولون الأميركيون من تفعيل الصفقات العسكرية المبرمة مع السعودية من ذلك الموافقة على بيع ذخيرة دقيقة التوجيه للسعودية في صفقة أوقفت في عهد أوباما.

منذ تسلم ترامب منصبه في يناير 2017، صعدت الولايات المتحدة ضرباتها ضد تنظيم القاعدة في اليمن.

وصادق ترامب، ولم يكد يمر أسبوع على تنصيبه رسميا رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، على قرار مضاعفة عدد القوات الأميركية والضربات العسكرية في اليمن.

أدلة تدين إيران

يرى مسؤولون أميركيون أن الحرب الأهلية في اليمن عقبة في طريق شن حملة عسكرية مستمرة على المتشددين، وأنها تمثل تهديدا لمضيق باب المندب شريان التجارة العالمية.

وترفض إيران اتهامات السعودية بأنها تقدم دعما ماليا وعسكريا للحوثيين في الصراع باليمن، لكن تقرير اللجنة التابعة لمجلس الأمن الدولية المعنية باليمن كشف أنه تم ضبط عدة شاحنات تحمل أسلحة إيرانية المنشأ متوجهة لليمن.

كما كشف مركز أبحاث تسلح النزاعات (كار)، وهو مرجع مرموق في متابعة شؤون الأسلحة والتسلح، عن وجود أدلة واضحة على قيام إيران بتهريب أسلحة للحوثيين في اليمن.

وقام محققو كار بمقارنة الأرقام التسلسلية لطائرات دون طيار استخدمت في “هجمات كاميكاز” ضد منظومات صواريخ دفاعية قام بها الحوثيون وظهر أنها مصنّعة بنسخة إيرانية معروفة.

وقامت هذه الطائرات بهجمات مباشرة ضد المنظومات الصاروخية التابعة للتحالف العربي الذي تتصدره السعودية والإمارات.

وقارن مسؤول إماراتي كبير بين الحوثيين وحزب الله وقال إن تزايد النفوذ الإيراني ساعد في حمايتهم من الضغوط للدخول في محادثات سياسية.

وأضاف المسؤول لرويترز “نرى مركبات جوية غير مأهولة وصواريخ مضادة للدبابات ومضادة للسفن بالإضافة إلى ألغام أرضية وبحرية”.

وأطلقت الولايات المتحدة صواريخ كروز على أهداف للحوثيين العام الماضي، بعد أن تعرضت سفينة حربية أميركية لإطلاق نار قبالة ساحل اليمن واصطدم قارب يعمل بجهاز للتحكم عن بعد محمل بالمتفجرات بفرقاطة سعودية في 30 يناير في أول هجوم معروف بقارب غير مأهول.

وقال الأميرال كيفن دونجان قائد القوات البحرية التابعة للقيادة المركزية الأميركية في مقابلة مع وكالة رويترز “لم يكن لهذه الأسلحة وجود قبل الحرب. لم يكن هناك قارب ملغوم في قائمة الجرد اليمنية”.

وأضاف أن الصواريخ الباليستية التي أطلقت على السعودية مداها هو عدة أضعاف مدى الصواريخ التي كان يملكها اليمنيون قبل تفجر الصراع.

وقال إنه حين تكون هناك جماعة “تملك أسلحة دولة قومية يمكنها الوصول إلى المنطقة الملاحية فإن هذا يثير اهتمامي”.

مكافحة القاعدة

يقول بين فيشمان المدير السابق لمكتب شمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس باراك أوباما للفترة ما بين (2009-2013)، إن القادة الأجانب يضطلعون بدور مهم في تعليم الرئيس دونالد ترامب السياسة الخارجية.

ويسشتهد هنا بموقف الرئيس الأميركي من النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وسوريا وكوريا الشمالية وحلف الناتو، مشيرا إلى أنه من الواضح أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الصيني شي جين بينغ والأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ قد أثروا على مواقف ترامب.

وقد حذروه جميعهم من التحولات الجذرية في السياسة ومن الواضح أنه أصغى مليا إليهم.

ومن الواضح أيضا أن جهود التحالف العربي في اليمن والدور الهام الذي لعبته الإمارات العربية المتحدة في الحرب ضدّ تنظيم القاعدة في اليمن، بالإضافة إلى مخرجات اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، كشفت لترامب إلى أي مدى كانت سياسة سلفه أوباما خاطئة في إدارة الظهر للحلفاء وأن لا مجال لتحقيق تقدم في الحرب ضدّ الإرهاب بمعزل عنهم.

ووصف الاجتماع بين دونالد ترامب والأمير محمد بن سلمان بأنه نقطة تحول في العلاقات التي فترت في عهد أوباما.

ونفذت الولايات المتحدة عددا من الضربات الجوية في اليمن هذا العام أكبر من مجمل ما نفذته من ضربات في 2016. وساعدت الشراكة مع الإمارات العربية المتحدة، والتي لا تظهر بوضوح على السطح، في توجيه هذه الزيادة في النشاط.

وقال قائد عسكري كبير بالتحالف لرويترز إن قوات مدعومة من الإمارات ألقت القبض على عناصر من تنظيم القاعدة في اليمن، وفي حين أن الغارة التي نفذت في يناير الماضي كانت الأولى في عهد ترامب والوحيدة منذ توليه منصبه، فإن قوات يمنية محلية دربتها الإمارات شنت أكثر من 250 هجوما داخل عدن وحولها. واستعادت قوات معظمها يمنية دربها التحالف قوامها عشرة آلاف فرد ميناء المكلا العام الماضي.

وقال مسؤول إماراتي كبير “يشجعنا الدعم الأميركي والتحول من سياسة استخدام الطائرات دون طيار إلى المزيد من الانخراط. لا يمكننا هزيمة تنظيم القاعدة والإطاحة به بسياسة الطائرات دون طيار”.

ونقلت المعلومات التي تم جمعها خلال عمليات مدعومة من الإمارات إلى الولايات المتحدة التي تعيد بناء معلوماتها عن الجماعة منذ اضطرتها الحرب لسحب أفراد قواتها في 2015.

وقال القائد العسكري الكبير في التحالف “في ما يتعلق بدعم الولايات المتحدة لنا أو دعم التحالف للولايات المتحدة فالمسألة متبادلة فعلا”، مضيفا أن التحالف لديه مصادر بشرية قوية لجمع المعلومات تكملها قدرات واشنطن عالية المستوى من ناحية المخابرات والمراقبة والاستطلاع.

ولم يستبعد مسؤولو الإدارة الأميركية أن تقدّم الولايات المتحدة مساعدة إذا مضى التحالف العربي والحكومة اليمنية في خطة الهجوم على ميناء الحديدة الذي يدخل منه نحو 80 في المئة من واردات الغذاء لليمن، وكشفت تقارير أن الحوثيين يستخدمونه لتهريب الأسلحة والذخيرة.

ودفعت الأدلة على ضلوع إيران في تدريب وتجهيز المتمردين الحوثيين البنتاغون إلى طلب تقديم المزيد من الدعم للتحالف العربي في محاولة للحد من نفوذ إيران في اليمن الذي مزقته الحرب، ومحاولة جلب الاستقرار لمضيق باب المندب الاستراتيجي.

وفي الوقت نفسه، عبّر وزير الدفاع جيمس ماتيس عن تأييده لحل سياسي للصراع. وأكّد مسؤولون أميركيون أيضا أن الضغط العسكري الذي يمارسه التحالف بقيادة السعودية يمكن أن يساعد في تهيئة الظروف للتوصل إلى حل عن طريق التفاوض.