تصوير الخصوم كمعرقلين له ومتهرّبين من استحقاقاته..

صحيفة دولية: حملة حوثية إيرانية منسّقة للإيهام بالرغبة السلام باليمن

استثمار سياسي لورقة الأسرى

لندن

التزامن بين “مبادرات” الحوثي “السخية” ودعوات إيران المكثّفة للحوار مع جيرانها المستائين من سياساتها المزعزعة للاستقرار ليس محض صدفة بقدر ما هو نتاج تنسيق تامّ بين طهران ووكلائها في اليمن غايته الإيهام بالرغبة في السلام والعمل على تحقيقه في مقابل تصوير الخصوم كمعرقلين له ومتهرّبين من استحقاقاته.

أفرجت جماعة الحوثي المتمرّدة في اليمن، الإثنين، من جانب واحد عن العشرات من الأسرى المحسوبين على الجانب الحكومي في مبادرة لقيت ترحيبا أمميّا، لكنّ أطرافا سياسية يمنية اعتبرت الخطوة استكمالا لحملة كثيفة تخوضها الجماعة منذ مدة بالتنسيق مع إيران وتقوم على الإيهام بالرغبة في السلام والعمل على تحقيقه، في محاولة لإحراج خصومها وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي تقود تحالفا عسكريا يدعم الحكومة المعترف بها دوليا في مواجهة المتمرّدين الحوثيين الموالين لإيران.

وبحسب خصوم الجماعة ومنتقديها، فإن “إشارات السلام” التي تصدرها، تتناقض جوهريا مع تحرّكاتها على الأرض، حيث لا تنقطع عن محاولة تحقيق مكاسب ميدانية في عدّة مناطق من بينها محافظة الحديدة المشمولة باتفاق رعته الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار.

وبينما كثّفت إيران من عرضها الحوار على جيرانها الغاضبين من سياساتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة، كثّف الحوثيون بدورهم من عروض التهدئة مع السعودية، حيث أعلنوا مؤخّرا عن وقفهم استهداف أراضي المملكة بالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، ثم عادوا مجدّدا ليؤكّدوا التزامهم بتلك المبادرة حتى مع عدم وقف التحالف العربي لقصف أهداف تابعة لهم داخل الأراضي اليمنية.

وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي ساعدت في عملية الإفراج عن السجناء إنه تم نقل 290 يمنيا من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون إلى بيوتهم.

وكان تبادل الأسرى بين الحوثيين وحكومة اليمن المعترف بها دوليا والمدعومة من السعودية أحد الأركان الثلاثة لاتفاق تم التوصل إليه في ديسمبر الماضي بالسويد، في مسعى لإنهاء الصراع المستمر منذ أكثر من أربع سنوات.

وتعثر اتفاق تبادل الأسري الذي توسطت فيه الأمم المتحدة والذي يشمل حوالي 7000 سجين لدى كل طرف، بسبب عدم تمكّن الطرفين من الاتفاق خلال محادثات جرت لمناقشة التفاصيل التنفيذية لعملية التبادل.

وكان الحوثيون قد قالوا في وقت سابق، الإثنين، إنهم سيفرجون تحت إشراف الأمم المتحدة عن 350 أسيرا ممن شملتهم قوائم الأسرى في اتفاق السويد، بينهم ثلاثة سعوديين.

وقال عبدالقادر المرتضى رئيس لجنة شؤون الأسرى في حكومة الحوثيين الموازية “مبادرتنا تثبت مصداقيتنا لتنفيذ اتفاق السويد وندعو الطرف الآخر لاتخاذ خطوة مماثلة”.

ورحّب المبعوث الأممي الخاص لليمن مارتن غريفيث بالخطوة معبّرا عن أمله في أن تؤدي إلى مزيد من المبادرات التي تسهل تبادل كل المعتقلين. وقال في بيان “آمل أن يتبع هذه الخطوة مزيد من المبادرات التي من شأنها أن تسهل عملية تبادل جميع الذين تم احتجازهم على خلفية الصراع، وفقا لاتفاقية ستوكهولم”.

وأضاف “أرحب أيضا بالخطوات السابقة التي اتخذتها الحكومة اليمنية والتحالف العربي، وأدّت إلى إطلاق سراح أطفال يمنيين ودعمت إعادة دمجهم بعائلاتهم”. ودعا جميع الأطراف إلى العمل معا للدفع قدما بعملية إطلاق سراح كافة المحتجزين على خلفية الصراع وإعادتهم إلى ديارهم.

ويشكّك كثيرون في نوايا الحوثيين بشأن استعدادهم للانخراط في عملية سلام حقيقية أشمل وأوسع نطاقا، ويقولون إنّ أهداف الجماعة المتمرّدة تكتيكية وتهدف لربح الوقت ومحاولة تحقيق مكتسبات على الأرض، بدليل مواصلتهم الأعمال الحربية حتى في الحديدة المشمولة باتفاق لوقف إطلاق النار.

واتهم مأمون المهجمي، الناطق باسم ألوية العمالقة التابعة للجيش اليمني الحكومي، الإثنين، جماعة الحوثي بممارسة “أبشع الجرائم والانتهاكات بحق أبناء الحديدة في ظل الهدنة القائمة من طرف واحد”.

وقال المهجمي، في بيان صحافي، إن الميلشيات الحوثية شنت خلال الـ24 ساعة الماضية عمليات عسكرية في عدة محاور بالحديدة، الواقعة على الساحل الغربي اليمني.

وأشار إلى أن “الميليشيا شنت هجوما على محور الجبلية من الجهة الشرقية واستخدمت جميع أنواع الأسلحة، محاولة التقدم إلا أن قوات اللواء التاسع عمالقة ضمن القوات المشتركة قامت بالتصدي، وأجبرتها على الفرار بعد مقتل العشرات من عناصرها”.

وأضاف “كما شنت الميليشيا هجوما عنيفا على محور الدريهمي استخدمت فيه الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وحاولت التقدم باستماتة إلاّ أن قوات الزرانيق ضمن القوات المشتركة قامت بالتصدي لها وأجبرتها على التراجع بعد مقتل العديد منها وإحراق دوريتين عسكريتين تابعتين لها”.

وأوضح المهجمي أن الميلشيا الحوثية “تستمر بالخروقات والعمليات العسكرية في محور حيس والتحيتا، وبعض المحاور الأخرى في ظل الهدنة القائمة من طرف واحد”.

وعمليا تعتبر جهود السلام التي يقودها المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، في حالة توقّف، وذلك تأثرا بحالة التوتّر والتصعيد الجارية في المنطقة بين الولايات المتّحدة وعدد من حلفائها الإقليميين والدوليين من جهة، وإيران من جهة مقابلة، خصوصا وأنّ طهران تدير جانبا من صراعاتها على الأرض اليمنية عبر وكلائها الحوثيين هناك.

وعلى هذه الخلفية يقول متابعون للشأن اليمني إنّ قرار الحرب والسلام ليس بيد الجماعة المتمرّدة، وأنّ أي خطوات تتّخذها في هذا الاتجاه أو ذاك تظل رهن تكتيكات إيران وحساباتها العابرة لحدود بلدان المنطقة.