الإتفاقات السياسية..
إعلان الرياض.. هل يوقف الصراعات المحلية ويخرج اليمن لبر الأمان؟
بعد إعلان العزم على توقيع اتفاق الرياض بين حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي والمجلس الانتقالي الجنوبي في يوم الخميس الموافق 31 أكتوبر، وهما الطرفان اللذان خاضا جولة صراع عنيفة في محافظات عدن وأبين وشبوة خلال الأشهر الماضية تم الإعلان في نفس اليوم عن تأجيل التوقيع على هذا الاتفاق بعد أن كان أعلن عن أنه تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى قبل أيام.
فسر وزير الاعلام في حكومة الشرعية معمر الأرياني هذا التأخير لأسباب تتعلق بـ"ترتيبات بروتوكولية" وكذلك إلى رغبة السعوديين عقد مزيد من الاجتماعات واللقاءات مع عدد أوسع من الشخصيات والمكونات "الجنوبية" التي يبدو أنه صعب الوصول معها إلى توافق حقيقي حول عدد من التفاصيل المفترضة في هذا الاتفاق وكذلك على موضوع تمثيل الجنوبيين في هذا الاتفاق والعملية السياسية.
تجارب اليمنيين في الحوارات ليست جيدة وغالباً ما تقوم الصراعات بين الأطراف المحلية اليمنية ثم تأتي وراءها الاتفاقات التي تذهب أطراف النزاع للتوقيع عليها مسرعة ثم تقوم بنقضها والانقلاب عليها بنفس السرعة ونفس الحماس.!
هذا الأمر ليس جديداً على اليمن أو اليمنيين ويمكن مراقبته وتتبعه منذ ستينات القرن المنصرم سواء في الشمال أو الجنوب خلال الاتفاقات ومؤتمرات الحوار التي عقدت قبل اتفاقية الوحدة اليمنية في عام 90م أو خلال اتفاق الوحدة نفسه الذي سرعان ما انهار بعد مضي أقل من أربع سنوات وهو الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب عنيفة بين الأطراف الموقعة على اتفاق الوحدة، وقامت هذه الحرب بعد توقيع وثيقة أخرى أتت كما تم الإعلان عنها لترميم وتصحيح الأخطاء التي نتجت عن وثيقة الوحدة هي "وثيقة العهد والاتفاق" وبعد أقل من عام واحد على توقيع هذا العهد والاتفاق!
يمكننا أن نرى أيضاً تجارب الحوارات والاتفاقات السياسية ونتائجها بشكل واضح خلال المرحلة الحالية التي راكمت كمية كبيرة من الاتفاقات والتي تعتبر أعدادها قياسية وغير مسبوقة من حيث عدد الاتفاقات التي تم توقيعها بين الأطراف والقوى السياسية المتنازعة مقارنة بالفترة الزمنية القصيرة التي تمت خلالها هذه الاتفاقات الحوارات والتوجهات الدبلوماسية والسياسية التي راكمت عدداً كبيراً من المرجعيات التي يشير الواقع بشكل واضح أنه "لا يرجع إليها أحد"!
- المبادرة الخليجية
- الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية
- وثيقة مخرجات الحوار الوطني
- اتفاق السلم والشراكة
- نتائج حوارات الكويت
- قرارات مجلس الأمن
- اتفاق استوكهولم
- اتفاق جدة ثم اتفاق الرياض
من الواضح أيضاً من خلال هذه التجربة الغنية بالاتفاقات أن زيادة عدد المرجعيات يساهم فقط في زيادة تعقيد المشهد السياسي والميداني للأزمة اليمنية ويجعل الوصول إلى السلام الحقيقي الملموس على الأرض أكثر بعداً وأكثر صعوبة.
منذ البداية كان أمام اتفاق الرياض من حيث صياغته العامة التي تم الاجتهاد في اختيار "مفرداتها اللغوية" العديد من العقبات وتضمنت بنوده عددا من الجوانب التفصيلية التي يصعب الوصول إلى توافقات مرضية عليها وخصوصاً بين الأطراف المفترض بها توقيعه والاتفاق عليه وبرغم الجهد الكبير المرافق في تسويقه إعلامياً كحل جيد ومرضٍ لجميع الأطراف إلا أن الواقع لا يقول أبداً إنه كذلك.
وبعيداً عن حالة عدم الاتفاق الظاهرة بين مكونات حكومة الرئيس هادي المختلفة حول هذا الاتفاق وكذلك بين المكونات الجنوبية التي ما تزال كذلك مختلفة على التوجه العام لهذا الاتفاق وكذلك على التمثيل نجد أن هناك عددا واسعا من الجوانب والخطوات التفصيلية الملغومة وغير الواضحة في هذا الاتفاق هي الأهم بكل تأكيد من الصياغة العامة التي تم الإعلان عنها في مسودة الاتفاق.
فعلياً نجد أن هناك العديد من المطبات التفصيلية الموجودة في بنود الاتفاق فكيف مثلاً سيتم "إعادة تنظيم القوات العسكرية والأمنية تحت قيادة وزارة الدفاع ووزارة الداخلية" بالنظر إلى الولاءات والتبعيات الشخصية والأيديولوجية المختلفة المنتشرة في هذه القوات.
يمكن أيضاً السؤال هل من المجدي فعلياً "تفعيل كافة سلطات ومؤسسات الدولة اليمنية" مع العلم بأن غالبية هذه المؤسسات تعاني من مشاكل مزمنة كانت سبباً في إنتاج العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية طوال السنوات السابقة، كيف ستتشكل الحكومة وكيف سيتم الاتفاق على تسمية أعضائها والاتفاق عليهم وما هي "معايير النزاهة والكفاءة والخبرة المناسبة" التي نصت الوثيقة عليها.
أيضاً لماذا تم حصر عنصر عدم اختيار الأعضاء المنخرطين في أي أعمال قتالية أو تحريضية في جغرافية صراع (عدن وأبين وشبوة) فقط، وهل من الطبيعي مشاركة أعضاء منخرطين في أعمال قتالية وتحريضية فعلياً في مناطق وجغرافيات يمنية أخرى خارج هذه المحافظات الثلاث؟!
الأمثلة من هذه النوعية كثيرة جداً وقد لا يكاد يخلو بند واحد من بنود الاتفاق المزمع توقيعه بين الأطراف من مثل هذه الملاحظات والمآخذ ويمكن لأي متابع أو مهتم استخراجها بنفس الطريقة السابقة وتؤكد فعلياً أن البنود التي تضمنتها وثيقة المسودة التي تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى تنتج عدداً كبيراً من علامات الاستفهام والتعجب أكثر من إنتاجها للتفاهمات والتوافقات المبنية بشكل منهجي ومدروس..!
رغم كل هذه التعقيدات والألغام المخفية في الصياغة والبنود إلا أن اتفاق الرياض يمتلك نقطة قوة وحيدة وجيدة يمكن تلخيصها في كلمة واحدة وهي (الاحتياج).
حكومة وشرعية الرئيس هادي التي يتم الإعلان دوماً أنها تسيطر على 85% من الأراضي اليمنية تحتاج لإثبات سيطرة حتى ولو كانت شكلية على الأرض.
والمجلس الانتقالي الذي قاد عملية عسكرية أخرج من خلالها حكومة هادي من عاصمتها "المؤقتة" عدن يحتاج لغطاء شرعي لتسيير أمور الخدمات ونواحي الحياة المختلفة في مناطق سيطرته العسكرية والأمنية والتي لا يستطيع تحملها بشكل منفرد.
كذلك تحتاج المملكة العربية السعودية والتحالف الذي تقوده للخروج من حالة الإحراج الذي وضعتها أمامه الأحداث الأخيرة في مناطق سيطرة الشرعية المعلنة التي تدعمها وتتدخل في اليمن من أجلها.
أيضاً يحتاج المجتمع الدولي والأمم المتحدة طرفاً موازياً للحوثيين في صنعاء حتى يستمر في جهوده السياسية والدبلوماسية لحل المشكلة والأزمة الأساسية القائمة في البلد والذي قدم من أجلها منذ بدايتها الكثير من الوقت والجهد وكذلك المال.
سيتم التوقيع على اتفاق الرياض بين الأطراف اليمنية بدعم و"ضغط" سعودي بدرجة أساسية ولكنه سيكون عرضة للانهيار في أي لحظة بمجرد حدوث أي تغيير حتى ولو كان بسيطاً في المعادلة السياسية والميدانية القائمة في اليمن ولا يمكن حتى الآن توقع أن يكون مستقبله أفضل من مستقبل الاتفاقات والمرجعيات التي سبقته.
قد لا نتمنى استمرار الخلافات والنزاعات المحلية اليمنية ولكنها للأسف غالباً تحدث، وحتى لا يكون "اتفاق الرياض" بداية لفصل آخر من فصول الصراعات والنزاعات اليمنية المتعددة يكون عنوانه مستقبلاً "اختلاف الرياض" يجب أن يتم الانتباه لعدد من الأمور الأساسية والهامة.
يجب أن يتم التركيز على عنصر القوة الوحيد الذي يستند عليه اتفاق الرياض والمتمثل في حاجة الأطراف الحقيقية له والاعتماد عليه أكثر من أي شيء آخر.
يحتاج الاتفاق كذلك لاقتناع الأطراف اليمنية بعدم الجدوى الفعلية من استمرار الصراعات وإلى التخلص من إغراء الرغبة في الحصول على المصالح الخاصة بعيداً عن المصلحة الوطنية العامة التي تبدو كمرض مزمن تعاني منه السياسة والدبلوماسية اليمنية منذ سنوات.
قد يعتقد بعض السياسيين والزعماء القبليين والعسكريين أنهم يحققون مكاسب فعلية من هذه الحرب ولكن هذا غير صحيح بالمطلق.
يجب على جميع اليمنيين أن يبدأوا بالتفكير الفعلي أنهم من خلال بلد كاليمن بموقعه وثرواته المتعددة يمكنهم بالقليل من الديبلوماسية الجيدة ومجموعة من المعالجات السياسية والاقتصادية الجيدة أن يكسبوا من خلال السلام الكثير من المصالح ويحققوا العديد من الرغبات أكثر بكثير مما قد يعتقد بعضهم بأنهم قادرون على تحقيقها من خلال الحرب.
* رئيس المركز اليمني لدراسة وتحليل الأزمات، مدير عام قطاع الرقابة والتفتيش الفني في الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، كاتب وباحث في شئون النزاعات والمشاكل اليمنية