عجز محرج..

من كوليرا 1904 إلى كورونا 2020.. هل يعيد التاريخ نفسه بإيران؟

محاربة الفيروس القاتل كورونا

وكالات

قبل وقت طويل من تفشي فيروس كورونا في عدد من مدنها، اجتاحت أوبئة أخرى إيران، ولكن يبدو أن طهران لم تستخلص العبر من تلك التجارب الصعبة.

انتشر وباء الكوليرا وتداعى الاقتصاد ما أجبر إيران على التخلي لروسيا وبريطانيا على محاجر عند حدودها الشرقية والجنوبية، فاستولت هاتان الدولتان على الحدود البرية، والبحرية الإيرانية

ولفت أمير أفخمي، أستاذ مساعد لعلم النفس والصحة العالمية والتاريخ بجامعة جورج تاون، إلى أن إيران قابلت تفشي الفيروس برد فعل مبهم، وقاصر بشكل ملحوظ، تميز بالتركيز على أولويات سياسية ودينية بدل سياسات الوقاية الواقعية.

وكتب على موقع "فورين أفيرز" إنه عندما بدأ الفيروس الانتشار في ووهان بالصين، اتخذت دول كثيرة استعدادات لمواجهة الوباء. ولكن إيران لم تستعد، بل واصلت تصدير أقنعة إلى الصين، ما أدى إلى نقص شديد في الكمامات التي احتاجتها مستشفياتها في فبراير(شباط) الماضي.

كما رفضت إيران تقييد الوافدين من الصين، أكبر شركائها التجاريين، في محاولة لتجنب أي تأثير ضار على اقتصادها الذي انتعش قليلاً بعد أن تعرض لضرر شديد من العقوبات الأمريكية.

عجز محرج

ويلفت الكاتب لإحراج كبير تعرضت له إيران قبل شهر فقط من ظهور أولى الاصابات بالفيروس، عندما أسقط جيشها بالخطأ طائرة ركاب أوكرانية.

فقد أظهر التعامل مع الأزمة التي نجمت عن الحادث العجز المحرج لقيادة البلاد. وفي مواجهة أزمة ثقة شعبية بعد ذلك الخطأ الفادح، فضلاً عن تردي الاقتصاد وعزلة سياسية، امتنع قادة إيران عن طلب مساعدة دولية. وعوض ذلك، تبنوا سياسة بعد تفشي فيروس كورونا، أعطت الأولوية لبقاء النظام وهيبته، على حساب صحة الشعب عموماً.

وفي رأي الكاتب، ورغم اختلاف الظروف، يبدو رد الفعل على كورونا مشابهاً إلى حد كبير مع موقف الحكومة الإيرانية في مواجهة موجات متكررة من وباء الكوليرا، في بداية القرن العشرين.

فقد أدى عجز إيران عن وقف تكرار تفشي الكوليرا فيها قبل أكثر من مائة عام، إلى دمار اقتصادها وتقويض سيادتها، وأثار احتجاجات شعبية أجبرت السلالة القاجارية الحاكمة وقتها، إلى غييرات كبرى.

وأدى تفشي فيروس كورونا إلى سلسلة من الأحداث المشابهة، توسيع حظر الرحلات الدولية إلى إيران، وانخفاض إضافي لقيمة العملة، وتنامي انعدام الثقة المحلية في الحكومة.

وعلى نفس المنوال، يرجح أن تفيد الإصلاحات الصحية التي قضت على وباء الكوليرا في إيران قبل مائة عام، في احتواء فيروس كورونا.

نفي وإنكار

في 19 فبراير( شباط) الماضي، أعلنت إيران وفيات مصابين بفيروس كورونا في مدينة قم. وبعدها بيومين، أثبتت فحوصات لمسافرين من إيران إلى كندا، ولبنان إصابتهم بالفيروس، ما أوحى بانتشار أكبر مما كانت طهران مستعدة للاعتراف به، ودفع دولاً مجاورة، مثل أفغانستان، وأرمينيا، وباكستان، وتركيا، لإغلاق حدودها مع إيران.

ورغم انتقاد الرئيس الإيراني حسن روحاني للاهتمام المحلي بالوباء الذي وصفه بـ"هيستيريا غير مبررة"، اتهم أحد النواب من قُم الحكومة بالتعتيم على الأزمة، مؤكداً مقتل 50 من أبناء مدينته بالفيروس.

وتلقت مصداقية إيران ضربة أشد في بداية الأسبوع الماضي عندما أُجبر نائب وزير صحتها ورئيس فريق العمل لمكافحة كورونا على الاعتراف بإصابته بالفيروس بعدما ظهر مريضاً في مؤتمر صحافي. كما ظهرت أعراض الوباء على عدد آخر من المسؤولين الإيرانيين.

امتناع

إلى ذلك، يرى كاتب المقال، أن رد فعل طهران على تفشي الفيروس كان مقلقاً. ومنذ اكتشاف الفيروس في قم، امتنعت وزارة الصحة عن إقامة مراكز حجر صحية في المدينة أو في محيطها، واصفة الإجراء بالقديم. وكانت النتيجة انتقال العدوى إلى مناطق أخرى في البلاد.

 وطلبت وزارة الصحة إغلاق المراقد الدينية، ومنها ضريح السيدة فاطمة، ولكن مسؤولين دينيين رفضوا ذلك. وقال مساعد للمرشد الأعلى علي خامنئي إن أي محاولة للحد من عدد زوار الضريح، ترويج لمؤامرة أمريكية تهدف لجعل المدينة المقدسة مكاناً غير آمن.

ويقصد يومياً مئات من الحجاج والزوار مواقع مقدسة في مدينة قم، ما يزيد فرص انتشار الفيروس.

الكوليرا

ويشبه كاتب المقال رد فعل الحكومة الإيرانية على فيروس كورونا بما حصل في 1904، عندما وصل وباء الكوليرا إلى إيران، مع عودة حجاج شيعة من العراق.

وفي البداية حاولت طهران الحد من عدد الحجاج للمراقد المقدسة، ولكن كبار رجال الدين رفضوا ذلك، واتهموا مسؤولين بتحقيق أهداف "الكفار الغربيين" بمنع الشيعة من واجباتهم الدينية، فانتشرت الكوليرا وتداعى الاقتصاد ما أجبر إيران على التخلي لروسيا، وبريطانيا، على محاجر عند حدودها الشرقية والجنوبية، واستولت هاتان الدولتان على الحدود البرية، والبحرية الإيرانية.

ويرى الكاتب أن الوضع نفسه يتكرر مع حكومة روحاني التي عجزت عن احتواء عدد زوار مدينة قم خشية إثارة الذعر العام. ويبدو أن القيادة الحالية في إيران نسيت تلك الدروس. وما لم تتبن نهجاً أكثر شفافية وقوة لوقف انتشار الفيروس، فإن التاريخ سيُكرر نفسه على الأرجح. 

_24