بمساندة حزب الإصلاح..
تقريرعربي: ما هدف تركيا من تعميق الأزمة اليمنيّة؟
رغم فشل التأجيج التركي بأيدي حلفاء رجب طيب أردوغان في تحقيق أي هدف يذكر، من طموحاته وأجندته المعروفة بالمنطقة العربية، إلا أنّ المحاولات ماتزال مستمرة، بحثاً عن موطئ قدم للخروج من الأزمات التي أوقع بلاده فيها، وأملاً في إيجاد أرض خصبة لمشروعه، من سوريا إلى ليبيا..، وأخيراً اليمن.
رغم فشل التأجيج التركي بتحقيق طموحات أردوغان وأجندته المعروفة بالمنطقة العربية إلا أنّ المحاولات ماتزال مستمرة
في اليمن، التي تعاني أزمات متلاحقة وتعقيدات غير مسبوقة منذ منتصف العام 2011، يلعب حزب الإصلاح الإخواني، دوراً بارزاً في تمديد عمر الأزمة لصالح أجندة النظام التركي الهادفة للسيطرة على البلاد لأسباب سياسية واقتصادية، يعززها الفشل الذريع لمشروع أردوغان بالداخل ودخول بلاده في مرحلة ما قبل الانهيار الاقتصادي، حسبما تؤكد تقارير دولية.
الحزب الإخواني الذي يُدار فعلياً من تركيا، رغم شعارات الوطنية والولاء للدولة التي يرفعها، لعب منذ تأسيسه على جميع الأوتار المتناقضة، يحاول استغلال الأزمة، بل إشعال مزيد من الصراعات، لتحقيق أجندة رسمت بدقة وكُلفت جماعة الإخوان وأذرعها بتنفيذها في المنطقة.
تاريخ من الانتهازية
في العام 1990 أعلن عبد الله حسين الأحمر عن تأسيس حزب "التجمع للإصلاح"، ليدل اسمه ظاهرياً على دعم الوحدة، لكنه في واقع الأمر كان إحدى أدوات التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وارتبط به فكرياً وعقائدياً وكان ولاؤه الأول للتنظيم الأم في مصر، وهو ما ذكره مؤسسوه في مذكراتهم التي نُشرت لاحقاً، وبات أحد أهم الأدوات التي استخدمت لتقويض وحدة اليمن وضرب استقراره لصالح أجندة التنظيم الأم.
بيد أنّ التواجد الإخواني باليمن سبق ذلك بعقود؛ حيث بدأت الجماعة بالظهور مطلع الستينيات على يد عبد المجيد الزنداني، الذي أدرج على قوائم الإرهاب الأمريكية في العام 2004، ووفق تقرير الخزانة الأمريكي فإن الزنداني دشن عدداً من معسكرات التدريب المسلحة للشباب في اليمن والتي لعبت بارزاً في إمداد تنظيم القاعدة بالمقاتلين.
يلعب حزب الإصلاح الإخواني دوراً بارزاً في تمديد عمر الأزمة اليمنية
ومنذ تأسيسه ارتبط الحزب بنشاطات وأعمال براغماتية تتناقض مع وحدة البلاد ومصلحتها؛ إذ لعبت جماعة الإخوان دور الحليف مع جميع الأنظمة المتعاقبة في اليمن؛ ففي العام 1962، وبالتزامن مع الثورة اليمنية، وزعت نفسها على المعسكرين؛ الملكي والجمهوري، ثم عقدت صفقتها التاريخية مع الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح التي وضعت شرعية سياسية للتنظيم وسمحت بتأسيس الحزب مطلع التسعينيات.
ولم يكد حبر الصفقة بين الرئيس اليمني الراحل على عبد الله صالح والأحمر يجف حتى اشتعلت حرب السبعين يوماً بين الشمال والجنوب في صيف العام 1994، لتكشف عن وجه الإخوان سريعاً، وهم يطلقون فتاوى التكفير واستباحة الدماء، التي حوّلت اليمن لساحة صراع أهلي كبرى انتهت بانتصار الجمهوريين وبالطبع ظلت الجماعة مع التيار المنتصر.
أبرز أوجه التناقض في الحزب الإخواني تبدأ من الاسم الذي لا تربطه أي صلة بالواقع والممارسات الدموية التي ارتكبها على مدار تاريخه، غير أنه استغل التدين الطبيعي للشعب اليمني لغرس أفكار التطرف والعمل على تنفيذ الأجندات التركية بصناعة المقاتلين.
يقول الكاتب السياسي هاني سالم مسهور في مقال له، إنّ "إخوان" اليمن "لعبوا أدواراً مهمة منذ أن انطلقت عاصفة الحزم في آذار (مارس) 2015، بإسقاط محافظة حضرموت "المُكلا" بيد تنظيم القاعدة، ثم تجميد جبهات الجوف ومأرب وغيرهما، غير الدور الأهم وهو استنزاف التحالف العربي في محافظة تعز عسكرياً وإغاثياً وإعلامياً في منهجية طويلة المدى تهدف لتحقيق استراتيجية التنظيم الدولي للجماعة، في تسليم تعز والحديدة للرئيس التركي بعد أن فشل مخطط الإخوان في الانقلاب على السلطة في العام 2011".
ذراع تركيا
تعاني الأزمة اليمنية من تعقيدات وتشابكات وفرت بيئة خصبة للمنتفعين لاستغلالها، ومع استمرار ها لأعوام وامتداد أجل المعارك وتوسيع رقعتها شمال البلاد وجنوبها تكشفت العديد من الأمور التي ظلت خفية لأعوام، أبرزها التحالف بين إخوان اليمن وأردوغان من جهة وإيران وذراعها المسلح في اليمن "جماعة الحوثي" من جهة أخرى.
التواجد الإخواني باليمن يعود إلى عقود حيث بدأت الجماعة بالظهور مطلع الستينيات
أهمها ما أعلن عنه مصدر عسكري لموقع "اليمن العربي" عن وجود اتفاق سري بين الميليشيات الحوثية وحزب "الإصلاح" يقضي بتجميد الجبهات في نهم وصرواح وغيرهم، مقابل حماية استثمارات قيادات الحزب.
وقال المصدر إنّ تركيا طلبت من إيران التدخل لمنع تحركات الحوثيين التي تستهدف تأميم استثمارات القيادي الإخواني المقيم بإسطنبول حميد الأحمر.
ويرى الباحث السياسي اليمني سياف الغرباني أنّ تركيا تحاول البحث عن موطئ قدم لها باليمن بالتعاون مع حزب الإصلاح الإخواني، مشيراً إلى أنّ الأحداث التي شهدتها البلاد مؤخراً فضحت العلاقة الوثيقة بين حزب الإصلاح وتركيا.
وأوضح الغرباني، في تصريح لجريدة العرب اللندنية، أنّ حزب الإصلاح ظل يناور خلال الأعوام الماضية لإخفاء تحركات الأزقة الخلفية، على جبهة المشروع التركي، مضيفاً "لكن أنقرة تبدو الآن أكثر من أي وقت مضى تتدحرج في اليمن على حبل الإخوان."
وأشار إلى أنه بجانب اعتماد تركيا على حزب الإصلاح فإنّها تحاول أيضاً استقطاب شخصيات من ذوي النفوذ في الحكومة الشرعية لخدمة مشروعها.
ومن أبرز الشواهد الكاشفة لعلاقة حزب الإصلاح بالرئيس التركي وجماعة الإخوان، حرصه على التخلي عن الطبيعة السياسية التي تلزم الأحزاب بالعمل المدني وكان الحزب اليمني الوحيد الذي انخرط في الحرب القائمة في البلاد منذ أعوام، بل أعاد تشكيل نفسه داخل وحدات وألوية عسكرية تتطابق مع الحركات المسلحة التي تمثل النظام الخاص لجماعة الإخوان، في سوريا، وليبيا والسودان والعراق وغيرها.
التغذي على الخراب
يقول الكاتب المصري المتخصص بالحركات الإرهابية، ثروت الخرباوي، إنّ "حزب الإصلاح هو الذراع السياسية لجماعة الإخوان في اليمن، ولعب دوراً مشبوهاً في تصعيد الأزمات لصالح أجندة التنظيم الدولي، خاصة بعد السقوط المدوي للتنظيم في مصر وما أحدثه من ارتباك لحسابات الجماعة وخططها على المستوى الدولي".
ويضيف الخرباوي، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ "تنظيم الإخوان مثل كافة الكيانات الشبيهة في العالم ينشط ويجد مساحة لتحقيق مصالحه في ظل بيئة الصراعات والانقسامات، خاصة أنّ الرئيس التركي الذي يتصدر مشهد الزعامة الزائفة داخل التنظيم في الوقت الحالي، باعتباره الرئيس الإخواني الوحيد الذي لايزال في منصبه، لكنه فشل في إدارة شؤون بلاده داخلياً ويواجه نظامه أزمات اقتصادية واجتماعية وتقييد غير مسبوق للحريات وهو ما يؤكد أنّ نهايته باتت أمراً حتمياً، لذلك من الطبيعي أن يبحث أردوغان عن أي نجاح خارجي لإنقاذ نفسه".
وتتعدد الألوية العسكرية التابعة لحزب الإصلاح الإخواني أبرزها، في مدينة تعز، ومنها على سبيل المثال، لواء "22 ميكا" الذي يقوده العميد صادق سرحان، "145 مشاة" ويقوده خالد فاضل، "170 دفاع جوي" بقيادة العميد عبد العزيز المجيدي، ولواء "سالم" الذي يقوده عبده فرحان المخلافي.
لماذا تحارب تركيا باليمن؟
يقع ميناء الحديدة في منطقة استراتيجية على البحر الأحمر بين السودان واليمن، بالقرب من مضيق باب المندب على بحر العرب، وهي النقطة التي تمثل مرتكز اً مهماً للأمن العربي، وهو ما يضع تفسيراً منطقياً لاستماتة الرئيس التركي في السيطرة عليه.
يسيطر التنظيم الإخواني تاريخياً على مدينتي عدن والمكلا؛ لأنهما المدخل الرئيسي لمضيق باب المندب وبحر العرب، ذي الأهمية التجارية القصوى، فضلاً عن كونهما نقطتين مهمتين للتهريب خاصة عمليات تهريب السلاح والمخدرات والمقاتلين إلى المنطقة العربية.
ويقول الخرباوي إنّ "أردوغان رغم فشله داخلياً إلا أنّه لأسباب نفسية ما يزال وهم "الخلافة" يسيطر عليه بشكل كبير، فهو يبحث عن موضع للنفوذ، فشل في ذلك في ليبيا وفشل في السيطرة على الغاز المصري في شرق البحر المتوسط، كما تلقى ضربة قاسمة في شمال شرق سوريا، وارتكب جرائم حرب بحق الأكراد، وتدخلاته في اليمن ليست جديدة ولكنها زادت الفترة الماضية لتحقيق أي نجاح في ظل فشل متواصل داخلياً وخارجياً".
تكتل سياسي من اسطنبول
"الدعم العسكري التركي للإرهاب في اليمن يتزامن مع حراك سياسي تشهده مدينة إسطنبول خلال الفترة الأخيرة، لمحاولة تشكيل تكتل سياسي جديد مناهض للتحالف العربي"، وفق ما نشرته صحيفة العرب اللندنية.
الصحيفة حذرت أيضاً، من أنّ إخوان اليمن وذراعهم السياسية "حزب الإصلاح" هم من يقفون خلف هذا التكتل وفي مقدمتهم الإخوانية المقيمة بتركيا توكل كرمان، في محاولة منهم للاستقواء بتركيا لاستنساخ سيناريو التدخل العسكري في ليبيا وسوريا.
ونقلت الصحيفة عن مصادرها أنّ الحراك بلغ ذروته خلال الأيام الماضية مع توافد المزيد من القيادات الإخوانية المقيمة في قطر والتي تحظى بدعم الرئيس التركي وتسعى لتدشين مزيد من القنوات، مدعومة من الدوحة لتعميق دور أنقرة في اليمن.
في هذا السياق، أشار المحلل السعودي خالد الزعتر، في مقال له، إلى وجود "مؤامرة (قطرية-تركية) لإفشال اتفاق الرياض"، الهادف للتهدئة والاستقرار بالبلاد، وقال "إنهما يستخدمان حزب الإصلاح المندرج تحت لواء الشرعية، كحصان طروادة لإجهاض اتفاق الرياض وتشكيل تكتل مناهض للتحالف العربي"