تقديم ميزانية ضخمة دعم تنظيم "الإصلاح"..
تقرير: الأسباب التي جعلت الاستخبارات التركية تزداد نفوذًا باليمن؟
عندما أطلق التحالف العربي بقيادة السعودية، عملية عاصفة الحزم في اليمن في مارس 2015، تعهَّدت تركيا، وَفقًا لمؤسسة الإذاعة والتليفزيون التركية “تي آر تي”، بتزويد السعوديين بالدعم الاستخباراتي واللوجستي في اليمن؛ إذ تعتبر القدرات الاستخباراتية التركية في اليمن إحدى المزايا التي اكتسبتها أنقرة استنادًا إلى مصالحها الجيوستراتيجية في البحر الأحمر وباب المندب، إلى جانب الروابط التاريخية المتأصلة التي تربط الأتراك واليمنيين منذ العهد العثماني.
وعلى الرغم من المساعدة التركية المُقترحة؛ فإنه لم يكن هناك ما يكفي من التقارب بين الرياض وأنقرة للمضي قُدمًا.
وبدلًا من ذلك، قدَّمت الولايات المتحدة الدعم اللوجستي والاستخباراتي للتحالف العربي، بينما مضت تركيا في تعزيز قدراتها الاستخباراتية خلال السنوات اللاحقة؛ لدعم الميليشيات المتحالفة معها في اليمن.
يتطلب التوغُّل الاستخباراتي التركي المتزايد في اليمن وغيره من بلدان الشرق الأوسط، كسوريا وليبيا، نموًّا مضطردًا في الموارد والأصول، وهو ما لم تفوِّته تركيا لتحقيق أهدافها في ظل تنافس محموم في المنطقة؛ حيث ارتفعت أصول جهاز الاستخبارات الوطنية التركية بنسبة 248% في عام 2017 مقارنةً بعام 2016، كما ارتفعت الميزانية من 410 ملايين ليرة تركية في عام 2010 إلى مليارَي ليرة (نحو 310 ملايين دولار أمريكي) في عام 2017.
وحتى مع تلك الزيادة، كان جهاز الاستخبارات يستهلك كثيرًا من المال حتى تعدَّى الإنفاقُ ميزانيةَ 2017 بنسبة 13%؛ مما اضطر الحكومة إلى رفع ميزانية 2018 إلى 2.34 مليار ليرة، وهو ما يعادل أكثر من 362 مليون دولار أمريكي، وذلك وفقًا للتقرير السنوي لجهاز الاستخبارات الوطنية التركية (MİT).
وعن أسباب تخطِّي الميزانية في 2017م، قال هاكان فيدان، رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركية: “سبب تجاوز الميزانية هو ضرورة رفع جودة المعدات والموظفين إلى أعلى مستوى”.
ويقول أيضًا: “في هذا الظرف، عندما تواجه بلادنا تحديات شديدة، فإن منظومتنا ملزمة ليس فقط بالقضاء على التهديدات؛ ولكن أيضًا بالعمل في اتجاه زيادة الكفاءة والسيطرة في المجالات ذات الاهتمام”.
وفي مطلع العام الجاري، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “إن جهاز المخابرات الوطني التركي سيزيد تدريجيًّا من قدرته على القيام بعمليات استخبارية سرّية حول العالم”.
وأضاف أردوغان، خلال خطاب ألقاه بمناسبة افتتاح مقر جديد للمخابرات: “سنقوم في المستقبل القريب بتقليص الواجبات الداخلية للمخابرات التركية؛ من أجل توسيع قدرتها على القيام بعمليات استخبارية سرية حول العالم”.
يستخدم الرئيس التركي جهاز المخابرات الوطنية كعصا لدعم نظامه الإسلامي القومي الجديد من خلال التجسس وتنفيذ العمليات ضد منتقدي تركيا وخصومها في الداخل والخارج.
من جانب آخر، يُستخدم جهاز المخابرات في دعم مناصري تركيا وحلفائها؛ كحزب الإصلاح في اليمن. ويمكن لذلك الدعم أن يأخذ أشكالًا متعددة؛ بدايةً من الدعم المالي، ومرورًا بتوفير الملاذ الآمن والتدريب، ووصولًا إلى تهريب الأسلحة؛ ففي عام 2011 -مثلًا- اتهم سياسيون يمنيون أنقرة بتهريب كميات كبيرة من السلاح إلى جماعة الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح)، وفي مارس 2018 قالت الشرطة الإماراتية إنها صادرت 16 ألف بندقية تركية الصنع متجهة إلى اليمن، وفي أواخر العام ذاته وصلت شحنة من الأسلحة إلى اليمن كانت مخبَّأة داخل حاويات شحن، وقد أبحرت السفينة المُحمَّلة من ميناء تركي.
وفي عام 2013م قالت الشرطة العُمانية إنها ضبطت أكثر من 30 ألف مسدس على متن ناقلة في ميناء صحار العماني.
وعلى الرغم من أن وكالة الأنباء العُمانية لم تذكر المزيد من التفاصيل؛ فإن صحيفة “جلف نيوز” قالت: “إن السفينة جاءت من تركيا، وكانت متجهة إلى اليمن”.
ليس إرسال السلاح إلى حلفاء وأذرع تركيا في اليمن هو ما يثير المخاوف من مخاطر تزايد التدخلات التركية فحسب؛ بل وصل الأمر إلى إرسال تركيا على مدى السنوات الماضية ضباطًا أتراكًا بشكل سري إلى اليمن؛ لمساعدة حزب الإصلاح ضد خصومه، حسب ما تناقلته وسائل إعلام وتقارير.
وغالبًا ما يكون إرسال الضباط والعملاء الأتراك تحت الغطاء الإنساني ضمن موظفي الهلال الأحمر التركي، وهم ينشطون مع قادة عسكريين يتبعون حزب الإصلاح في كلٍّ من محافظات مأرب وتعز وشبوة وأجزاء من أبين تحت حماية أمنية مشددة.
ويبدو أن إرسال تركيا ضباطها وموظفي استخباراتها وحتى أسلحتها إلى اليمن تحت الغطاء الإنساني هو من الممارسات الشائعة لجهاز الاستخبارات التركي في المنطقة؛ ففي يناير من عام 2014م أوقفت شرطة بلدة كيريخان التركية شاحنة تحمل شُحنة وُصفت بأنها (إغاثة)؛ وذلك بناءً على معلومات بأن الشاحنة كانت تحمل الأسلحة ومتجهة إلى سوريا.
وبعد توقيف السيارة تبيَّن للشرطة وجود أفراد من جهاز الاستخبارات الوطنية التركية؛ وبالتالي لم تتمكن الشرطة ولا المدعي العام من تفتيش السيارة أو التحقيق مع أفراد جهاز الاستخبارات أو توقيفهم؛ بسبب الأحكام القانونية التركية الخاصة بجهاز الاستخبارات، والتي تنص على عدم تفتيش أو التحقيق مع أعضاء الاستخبارات إلا بإذن من رئيس الوزراء.
وقد دفع ذلك الحادث بكثير من المراقبين في الشأن التركي إلى إعادة التفكير مليًّا في الدور الذي تلعبه منظمات الإغاثة التركية وجهاز الاستخبارات لتحقيق أجندة تركيا المشبوهة.
يعتبر اليمن ثاني أكثر دولة مدججة بالسلاح في العالم بعد الولايات المتحدة، وما تم الكشف عنه من شحنات أسلحة تركية مهربة إلى اليمن ليس سوى قمة الجليد في سوق تجارة أسلحة مزدهرة تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن والمنطقة؛ حيث تصل تلك الأسلحة إلى جماعات مُسلحة خاضعة لسيطرة أفراد مُدرجين في قائمة حظر الأسلحة، وكذلك الجماعات الإرهابية والمتطرفة؛ مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وميليشيات الإخوان المسلمين، والذين يستخدمون تلك الأسلحة في نهاية المطاف في عمليات قتل واغتيالات وتفجيرات تحت إشراف مباشر وغير مباشر من أجهزة المخابرات والضباط الأتراك والإيرانيين وغيرهما من المُفسدين في حرب اليمن.