العقوبات الأمريكية..

صحيفة: إيران لم يعد أمامها خيار سوى التفاوض مع أمريكا

روحاني

واشنطن

مع بدء الانتخابات الرئاسية الأمريكية تتركز أنظار العالم على الإدارة الجديدة لما تعتبر أقوى دولة في العالم، ولكن مجلة ”فورين بوليسي “ تجادل بأنه بغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، سواء جو بايدن أو الرئيس دونالد ترامب، سيتعين على الإدارة المقبلة مواجهة وضع خطير مع إيران.

فعلى الرغم من أن حملة ”الضغط الأقصى“ التي يشنها ترامب قد دمرت الاقتصاد الإيراني، إلا أنها فشلت في تحقيق استسلام إيران أو انهيارها، وبدلا من ذلك، أكد المفتشون الدوليون هذا الشهر أن طهران باتت أقرب إلى امتلاك سلاح نووي اليوم مما كانت عليه عندما تولى ترامب منصبه، ولا يزال عدوان النظام الإقليمي كما هو.

ففي هذا الأسبوع، اتُهمت إيران بالتخطيط لاغتيال السفير الأمريكي لدى جنوب أفريقيا انتقاما لاغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير الماضي.

ووفقا للمجلة، ومن أجل التصدي لهذه التهديدات، سيكون من الضروري بذل الرئيس الأمريكي المقبل لبعض الجهد الدبلوماسي الصادق، والواقع هو أن كل من بايدن وترامب قد أعربا عن استعدادهما لمواصلة المفاوضات.

وفي مقال افتتاحي صدر يوم الأحد، كرر بايدن تعهده بعكس سياسة الإدارة الحالية وإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي لعام 2015، الذي انسحب منه ترامب في عام 2018.

ووفقا لاقتراح بايدن، إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم للاتفاق النووي، ستنضم الولايات المتحدة إلى الاتفاق مرة أخرى، الأمر الذي سيكون بمثابة نقطة انطلاق لمفاوضات تابعة.

ومن جانبه، ادعى ترامب في عدة مناسبات أنه إذا تم انتخابه لولاية ثانية، فإنه سيكون قادرا على التوصل إلى اتفاق مع إيران في غضون أسابيع من تنصيبه، وبذلك يظل السؤال الرئيس الذي يواجه الإدارة المقبلة هو كيف ومتى ستتخذ الخطوة الأولى نحو إعادة التواصل مع طهران؟.

وفي الولايات المتحدة وأوروبا، يجادل الخبراء والمراقبون بأن هناك فرصة سانحة للتوصل إلى اتفاق مع إيران بين تنصيب الرئيس الأمريكي في يناير والانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو.

ويرجع ذلك إلى أن الرئيس حسن روحاني غير مؤهل للترشح مرة أخرى، ومن المرجح أن يحل محله سياسي محافظ، ومعاد للولايات المتحدة أكثر، ولهذا يجادل البعض بأنه سيكون على بايدن أو ترامب إذا أعيد انتخابه، أن يتحرك بسرعة للتوصل لاتفاق مع إيران بينما لا يزال روحاني في السلطة.

إلا أن فورين بوليسي تجادل بأن هذا سيكون خطأ، فعلى الرغم من وجود أسباب مقنعة تدعو الإدارة الأمريكية الجديدة لإعادة الانخراط مع إيران في وقت مبكر للحد من المخاطر النووية والإقليمية، إلا أنه لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتسرع في التوصل إلى اتفاق على أمل تشكيل السياسة الداخلية الإيرانية، أو خوفا من أن تنغلق الفرصة المتاحة.

هذا ولا ينبغي للإدارة الجديدة أن تفترض أنه بدون روحاني، لن تكون هناك فرصة للدبلوماسية، فعلى الرغم من أن انتخابات روحاني في عام 2013 كانت تعتبر نجاحا دبلوماسيا رئيسا، حيث واجه الدبلوماسيون الأمريكيون في ظل حكم الرئيس الإيراني السابق المتشدد محمود أحمدي نجاد، نظراء أقل ميلا أو جاهزية للتفاوض على حلول دبلوماسية بحسن نية.

وكسر انتخاب روحاني هذا الجمود الدبلوماسي، كما قالت كبيرة المفاوضين الأمريكيين السفيرة ويندي شيرمان في مذكراتها، ومع ذلك، لا ينبغي على صانعي السياسة الأمريكيين المبالغة في تقدير دور روحاني الشخصي، أو افتراض أنه يستطيع لعب دور مماثل مرة أخرى.

ففي عام 2013، ترشح روحاني على أساس رسالة حملة وضع الدبلوماسية أولا، لأن النظام السياسي، بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، كان قد قرر بالفعل أن يتجه نحو الدبلوماسية، وذلك في مواجهة تصعيد كبير في العقوبات الأمريكية والضغوط الداخلية.

هذا وتغير موقف روحاني السياسي للغاية اليوم، ففي عام 2013، كان لدى روحاني قاعدة سياسية كبيرة وكان منافسا لخلافة خامنئي، ولكن اليوم، انهارت مكانته مع الاتفاق النووي الذي دافع عنه والاقتصاد الذي وعد بإنعاشه.

وربما كان روحاني متحمسا لإعادة فتح محادثات مع واشنطن في الأشهر الأخيرة لإعادة إنعاش إرثه السياسي وإظهار أن الاتفاق لم يذهب سدى، ولكن على نفس المنوال، يأمل منافسو روحاني في استمرار فشل روحاني خلال الفترة المتبقية من ولايته، ولذلك، لا ينبغي على واشنطن أن تفترض أن روحاني لديه القدرة على إنجاز الصفقة، حتى لو كان ذلك في مصلحته السياسية.

خليفة أكثر تشددا

وفي الوقت نفسه، يقيم أنصار الدبلوماسية أن خليفة روحاني سيكون بالتأكيد أكثر تحفظا، ولكن هذا لا يعني بالضرورة موت الدبلوماسية، فمن المرجح ألا يُسمح لأحمدي نجاد بالترشح مرة أخرى، كما أن أمثاله ليسوا في وضع جيد بين قادة إيران. فحتى من منظور المتشددين الرئيسيين، بمن فيهم خامنئي، كانت تجربة أحمدي نجاد في الشعبوية المتشددة فاشلة، وقد أدى سوء إدارته للشؤون الداخلية واقتتاله في الخارج إلى اضطرابات داخلية وعجّل من عزل البلاد من المجتمع الدولي.

وربما تكون النخب الإيرانية أكثر اهتماما بالاستقرار من المقامرة مع مرشح متقلب، وخاصة مع اقتراب وفاة خامنئي وزيادة الاستياء الداخلي، وهو ما أوضحته احتجاجات نوفمبر 2019 ورد النظام العنيف.

وفي حين من السابق لأوانه تحديد المرشح الأوفر حظا للرئاسة، يبدو أن هناك مجموعة من السياسيين المحافظين المعروفين الذين لديهم فرصة قوية، بما في ذلك محمد جواد آذري جهرمي، وعزت الله ضرغامي، وحسين دهقان، وبرویز فتاح، والذين يأتون جميعا من خلفيات عسكرية من الحرس الثوري أو الاستخبارات، على الرغم من أن ذلك يظهر القوة السياسية المتصاعدة للجهاز الأمني أكثر مما يكشف عن احتمالية تفاوض كل رجل مع واشنطن.

وفي نهاية المطاف، لن يكون قرار التفاوض مع واشنطن قرار الرئيس الجديد، فعندما يتعلق الأمر باستراتيجية الأمن القومي، فإن إيران تعمل كدولة مركزية، وهذا لا يعني أن السياسة الداخلية للبلاد غير مهمة، ولكن سيكون من الخطأ الاعتقاد أن قرارات النظام على المستوى الاستراتيجي تتغير جذريا مع تغيرات الحكومة، حيث يتم اتخاذ القرارات الرئيسة من قِبل النظام بأكمله.

وعلى الرغم من وجود خلافات بين روحاني وخليفته، إذا قررت إيران العودة إلى طاولة المفاوضات، فإنها ستفعل ذلك بغض النظر عمن يمسك بزمام السلطة التنفيذية.

لا خيار سوى التفاوض

وفي النهاية، لن يكون أمام إيران خيار سوى التفاوض مع الرئيس الأمريكي، وعلى الرغم من الخطوات الاستثنائية لتحقيق الاستقرار في البورصة وتغطية العجز في الميزانية، فإن الوضع الاقتصادي في إيران ليس مستداما.

فمن شبه المؤكد أن النظام لا يستطيع المخاطرة بعودة الاحتجاجات الواسعة النطاق مع تعثره أكثر، لكن القادة الإيرانيين سوف يتعاملون مع المفاوضات بحذر، فقد سارع خامنئي وآخرون إلى الإشارة إلى أن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الأخير أظهر أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة، وأنهم سيتعاملون مع واشنطن وفقا لذلك.

ومن المرجح أن يتم تحديد توقيت ونطاق المفاوضات بمجرد معرفة نتائج الانتخابات الأمريكية وإلمام إيران بشكل أفضل بتكوين الإدارة الجديدة وأهدافها وسياساتها، وقبل كل شيء، ستحرص إيران على عدم الظهور في موقف يائس