انقلاب إخواني جديد في تونس..
الغنوشي كبش فداء مثالي وقيادي يؤكد "نحن حلفاء الرئيس"

انقلاب إخواني جديد في تونس
فشلت حركة النهضة التونسية بعد قرارات الرئيس قيس سعيّد تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب، في الحشد والتجييش داخلياً، لإجباره على التراجع عن قراراته، وفشلت خارجياً في إثارة أي تعاطف دولي أو إقليمي مؤثر، معها.
اضطرت الحركة التي تردت في أزمة خطيرة، إلى الانكفاء ومحاولة التهدئة والانحناء للعاصفة، في انتظار تحين الفرصة المناسبة للعودة بقوة إلى الواجهة من جديد، ولكن الضغط الشعبي من جهة، وإصرار قيس سعيّد على قراراته، والتأييد الواسع الذي حصل عليه الرئيس وفي أسوأ الحالات الحياد الخارجي، وغياب أي دعم لها مع استثناءات قليلة.
وتسبب الوضع الجديد في تفجر أزمة عاصفة داخل النهضة، مع ظهور بوادر انشقاقات وتمرد على قيادة الغنوشي، ومحاولة بعض القيادات داخل الحركة استغلال فرصة لعب دور المنقذ للحركة من مصيرها من جهة ودفن زعيم الحركة راشد الغنوشي سياسياً.
وبعد استقالة عدد من أعضاء الحركة في الفترة الماضية، تتوقع تقارير محلية تصاعد عدد المنشقين والمستقيلين في الفترة المقبلة، وتنامي عدد الخرفان التي ستقدم إلى المحرقة، لمحاولة تهدئة الرأي العام من جهة، وتخفيف حدة المطالبات برحيل الغنوشي.
وفي هذا الإطار، قالت صحف ومواقع تونسية في الأسبوع الماضي، إن رئيس مجلس الشورى في الحركة، عبد الكريم الهاروني، رفض مطالبته بالاستقالة من قبل أعضاء المجلس، بسبب تصريحاته التي اعتبرت النهضة أن أشعلت السخط الشعبي عليها، بعد مطالبته بدفع تعويضات مالية هائلة جديدة للنهضة، وتهديده بعصيان مدني إذا لم تصادق الحكومة التي كان يقودها هشام المشيشي المقال في 25 يوليو (تموز) على مشروع قانون يسمح بإحداث صندوق لتمويل النهضة وأنصارها.
وفي هذا السياق، وبعد فتح النيابة العامة في تونس، تحقيقاً في تمويلات النهضة الخارجية، خاصة بعد كشف عقدها الأخير لتمويل حملة إعلامية وعلاقات عامة في واشنطن، ضد قرارات الرئيس قيس سعيّد، الذي كشفته وزارة الخزانة الأمريكية.
وبعد نفي النهضة أي صلة لها بالعقد أي عقد مشابه، أعلن القيادي في النهضة وعضو الشورى، رضوان المصمودي، التونسي الأمريكي، ورئيس مركز ضغط في واشنطن، مركز دراسات الإسلام والديمقراطية الذي يديره منذ 1999، لصالح الحركة وأهدافها في العاصمة الأمريكية، عبر علاقات وصلات مع أعضاء الكونغرس خاصةً، استقالته من الحركة، وتفرغه للعمل خارج الأطر الحزبية.
وربطت أوساط تونسية كثيرة بين استقالة المصمودي، والتحقيق في عقد "اللوبينغ" ومحاولة النهضة التنصل من أي مسؤولية، واتهام الرجل لاحقاً بالتصرف دون قرار من النهضة، إذا ساءت الأمور بسبب التحقيق المشار إليه.
وشعوراً منها بالخطر، أصدرت النهضة اليوم الخميس، بياناً جديداً كشف حجم التخبط، والتضارب الذي يعصف بالحركة وخطابها، قالت فيه، إنها شكلت "لجنة مؤقتة لإدارة الأزمة السياسية برئاسة محمد القوماني، للبحث عن حلول وتفاهمات تُجنب البلاد الأسوأ وتعيدها إلى الوضع المؤسساتي الطبيعي" ولم يُشر البيان، إلى الأزمة التي ستعالجها هذه اللجنة، رغم أن الواضح أنها ستعالج الأزمة الداخلية في الحركة، التي تفجرت فور إعلان سعيّد قراراته، ذلك أن النهضة غير معنية بما سيقرره الرئيس التونسي، الوحيد القادر على ذلك، إما بتمديد تجميد البرلمان، أو حله، أو التراجع عن ذلك.
ولكن البيان، كشف رغم ذلك جانباً من الأزمة العنيفة التي تهدد الغنوشي شخصياً، والحركة نفسها، إذ أشار إلى أن "رئيس الحركة سيُدخل في الأثناء تحويرات على الهياكل القيادية بما يناسب ما استخلصناه من رسائل الغاضبين ومقتضيات المرحلة الجديدة. ويجدّد التزامه باحترام النظام الأساسي للحزب الذي حدد الرئاسة بدورتين" وهو ما رأت فيه بعض الأطراف تعهداً من الغنوشي بالانسحاب، في نهاية الدورة التي تستمر إلى 2024، بعد إلغاء المؤتمر الذي كان مقرراً في 2020، رسمياً بسبب رفض عدد كبير من القياديين في الحركة، التمديد للغنوشي، الذي ترأس الحركة بعد مؤتمر 2016.
وبعد الصدمة، ثم محاولة اللجوء إلى الشارع، وأخيراً الدعوة إلى التدخل الخارجي، اضطرت النهضة مكرهة على التراجع التكتيكي، والسعي إلى التواصل والحوار مع الرئيس قيس سعيّد على شروط جديدة، لعودة البرلمان، ما يعني بقاء الغنوشي ولو صورياً رئيساً للبرلمان، والاستعداد في تعديل مكتب المجلس وتحوير تكوينه، بما يظهر الغنوشي في موقع أفضل، في انتظار ظروف أفضل، تجعله بطلاً في نظر أنصاره، ومؤيدي التيار الإخواني في تونس، بمحاولة استمالة الرأي العام من جديد، فظهر البيان أقرب محاولة يائسة إلى سحب البساط من تحت أقدام، الذي وضع قراراته وإجراءات في إطار محاربة الفساد، الذي نخر البرلمان ومن ورائه البلاد، بتأكيد أن الحركة، التي تحكمت في البلاد أكثر من عقدين "لن تتأخر في دعم أي توجهات تحترم الدستور، وفيها مصلحة عامة وستعمل على إنجاحها، وفي مقدمة ذلك الحرص على إنفاذ القانون على الجميع دون استثناء، وملاحقة الفاسدين، مهما كانت مواقعهم، وإنجاز الإصلاحات الاقتصادية والسياسية التي تحتاجها البلاد".
ومن جهته تقدم عبد اللطيف المكي، للاستفاضة في "شرح" ما تضمنه البيان الجديد، قائلاً اليوم الخميس، في حوار مع إذاعة شمس إف إم، إن النهضة ترى أن البرلمان يمكنه العودة إلى نشاطه، لوضع حد للأزمة، مضيفاً "وقبل اسبوع من عودته يعقد اجتماعاً لتغيير نظامه الداخلي" موضحاً أن البرلمان "كانت فيه مشكلة سياسية وقانونية وذوقية لا تليق بالذوق السليم،
والمطلوب حالياً هو الحوار لتجاوز التصدع بين رئيس الجمهورية والبرلمان".
وأكد المكي في تصريحه، ما أصبح معروفاً في تونس، عن مطالبة قطاع واسع داخل النهضة برحيل الغنوشي، قائلاً: "يمكن الاستغناء عن راشد الغنوشي من رئاسة المجلس إذا كان ذلك جزءاً من الحل".
ولم يكتف المكي بهذا الموقف الصريح، بكشف الانقلاب الحقيقي الذي تشهده كواليس النهضة، مؤكداً "نحن الحلفاء الحقيقيين لرئيس الجمهورية فيما يرفعه من شعارات" في تصريح يوحي بأن الانفجار العظيم داخل النهضة لن يتأخر طويلاً.
وفي هذا السياق قال الوزير السابق والقيادي البارز، وقائد أحد الأجنحة الكثيرة التي تتشكل منها النهضة اليوم، عبد اللطيف المكي اليوم الخميس، في تصريحات إذاعية، إن "النهضة أفضل حليف للرئيس قيس سعيد".