ملف العراق..

فيلق القدس الإيراني يلتقي الكاظمي وطهران تُلغم مسار مفاوضات فيينا

الأطراف السنية والكردية تطالب الأطراف الشيعية بتوحيد الموقف

طهران

تتبع إيران سياسة الكيل بمكيالين في علاقتها بالعراق، فهي من جهة تحرّض الميليشيات الموالية لها وتدفعها إلى إذكاء نيران الفوضى ومن جهة أخرى تدعو إلى التهدئة والحفاظ على الوحدة الداخلية، في تعليقها على التطورات الأخيرة عقب محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.

وبينما يموج الشارع العراقي على وقع هذه المحاولة الفاشلة التي اتهمت بارتكابها فصائل مسلحة موالية لإيران، ذكرت مصادر إيرانية أن قائد قوة القدس في حرس الثورة الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني وصل إلى بغداد والتقى الرئيس العراقي برهم صالح ووزراء ومسؤولين عراقيين، حيث شدد خلال لقاءاته على حاجة العراق "للاستقرار والحفاظ على الوحدة الداخلية".

ونقلت وكالة مهر الإيرانية عن مصادر أن الجنرال قاآني أكّد على ضرورة "الابتعاد عن أي عمل يهدد أمن العراق"، وتلبية "مطالب الشعب والمعترضين بشكل قانوني". وقال موع روسيا اليوم إن "قاآني وصل عصر أمس (الاثنين) إلى بغداد، وذهب مباشرة إلى مكتب رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والتقى به". وأضافت، أن "الاجتماع ركز على محاولة اغتيال الكاظمي، وأبلغه قاآني بأن "سياسة التهديد التي يتعرض لها لا تمثل طهران، ولن تتبنى إيران ذلك"".

ووفقا للمصادر، فإن "قاآني ذهب بعد الاجتماع مع الكاظمي والتقى مجموعة من قادة الفصائل المسلحة وزعماء سياسيين، وأبلغهم بضرورة التهدئة وعدم الذهاب باتجاه التصعيد". كما التقى قائد فيلق القدس، زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، وأوصاه بحسب المصادر، بضرورة بذل جهوده للتهدئة.

وانتقد متابعون هذه الزيارة لافتين إلى أنها تقرأ من جهتين، الأولى أنها جاءت لجس النبض و"إبراء الذمة" من باب الدعوة إلى التهدئة، وقد تكون أيضا تمت بمعزل عن الرجوع إلى طهران، ما يعني تمرد الميليشيات الشيعية العراقية خاصة وأن قاآني فشل في أن يغطي غياب قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.

في المقابل، يستبعد آخرون ذلك لافتين إلى أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين المنددة بالعملية وحديثهم عن "دعم الأمن والاستقرار في العراق" ليس سوى ذر للرماد على العيون، فالموالون لإيران يتصرفون بأوامر مباشرة من قائد الحرس الثوري والطائرتين المسيرتين التي استخدمت في العملية إيرانية الصنع.

وذكر لواء في الجيش العراقي أن التحقيق مستمر في الهجوم الذي استهدف رئيس الوزراء، إلا أن علامات تشير إلى مسؤولية فصائل على صلة بإيران. وأضاف أن الطائرتين المسيرتين المستخدمتين في الهجوم أقلعتا من مناطق شرق العاصمة، حيث تتمتع ميليشيات مدعومة من إيران بنفوذ واسع.

 وتأتي زيارة قاآني، المسؤول بشكل أساسي عن العمليات العسكرية والسرية خارج البلاد، في ظل التوترات التي تعيشها الساحة السياسية العراقية بسبب رفض بعض الكتل السياسية الاعتراف بنتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت، في 10 أكتوبر الماضي، وما تلاها من احتجاجات تسببت بسقوط قتلى وجرحى.

ودخلت اعتصامات واحتجاجات أنصار الأحزاب والكتل الشيعية  العراقية التي لم يحالفها الحظ في الانتخابات التشريعية بالبلاد أسبوعها الثالث قبالة مداخل المنطقة الخضراء في بغداد .

يطالب المحتجون، الذين يعتصمون بالقرب من الجسر المعلق،  بإلغاء النتائج  والكشف عن عمليات التزوير التي رافقت عملية التصويت خلال الانتخابات التي جرت في العاشر من الشهر الماضي. وقال متظاهرون إن حركة الاعتصامات ستتواصل لحين اتخاذ قرار من القضاء العراقي يحسم قضية التزوير واحتساب أصوات الناخبين يدويا لجميع المراكز الانتخابية.

وأعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق أنها أنهت عمليات التحقق من جميع الطعون والشكاوى التي تقدمت بها الكتل والأحزاب المعترضة على نتائج الانتخابات الأولية  بعد تدقيقها يدويا بإشراف مراقبين دوليين ومحليين وتم رفع هذا الإجراء إلى الهيئة القضائية في المفوضية لإصدار القرار بشأنها في غضون 10 أيام.

وأوضحت المفوضية أنها ستكون ملزمة  بتنفيذ أي قرار صادر من الهيئة القضائية  وبالتالي إعلان أسماء الفائزين بالانتخابات ومن ثم المصادقة عليها من قبل المحكمة الاتحادية العليا.

وطالب الإطار التنسيقي الشيعي، الذي يضم الأحزاب والكتل الشيعية الخاسرة في الانتخابات خلال اجتماع عقد الليلة الماضية بحضور الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ورئيس مجلس القضاء  فائق زيدان بالبحث عن معالجات قانونية لأزمة نتائج الانتخابات تعيد لجميع الأطراف الثقة بالعملية الانتخابية التي اهتزت بدرجة كبيرة.

ودعا المشاركون إلى عقد اجتماع وطني لبحث إمكانية إيجاد حلول  لأزمة الانتخابات البرلمانية المستعصية، وطالبوا بخفض التوتر وإيقاف التصعيد الإعلامي من جميع الأطراف وإزالة جميع مظاهر الاستفزاز في الشارع والذهاب نحو تهدئة المخاوف لدى الناس وبعث رسائل اطمئنان للعراقيين.

وتلوّح كتل في الإطار التنسيقي الشيعي بعدم الدخول في العملية السياسية على وفق نتائج الانتخابات الحالية، وهو الأمر الذي لا تؤيده الأطراف السنية والكردية التي تطالب الأطراف الشيعية بتوحيد الموقف للدخول في مفاوضات تشكيل العملية السياسية الجديدة تقوم على مبدأ التوافق وفتح الأبواب أمام الجميع للمشاركة في المرحلة السياسية المقبلة كما اعتادت عليه جميع الحكومات العراقية بعد عام 2003 وهذا الأمر يتناقض مع تطلعات الكتلة الصدرية الفائزة بأغلبية أصوات الشيعة التي تطالب بتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية.

طهران تُلغم مسار مفاوضات فيينا باشتراطات مسبقة

شددت إيران الاثنين عبر المتحدث باسم وزارة خارجيتها، على ضرورة أن تضمن الولايات المتحدة عدم انسحاب "أي إدارة أميركية أخرى" من الاتفاق بشأن برنامجها النووي، وذلك قبل أسابيع من استئناف المفاوضات النووية غير المباشرة في فيينا والرامية لإعادة إحياء اتفاق العام 2015 الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018 وردت الجانب الإيراني بانتهاك بنوده.

وتستعد طهران وأطراف اتفاق العام 2015، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، إلى استئناف مباحثات فيينا في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، فيما شكلت الاشتراطات من الجانبين أحد أهم المعضلات التي حالت دون التوصل إلى صيغة توافقية تعيدهما للاتفاق السابق.

ومن المتوقع أن يعقد الشرط الإيراني مسار المفاوضات المتعثرة أصلا أو يدفع الجانب الأميركي بدوره لاشتراطات جديدة وقيود أشد على برنامج إيران النووي بما يضمن في المقابل عدم انتهاكه مجددا أو بما يشمل قيودا على البرنامج الصاروخي.

وقال المتحدث باسم الخارجية سعيد خطيب زاده إن "مسار عودتهم إلى الاتفاق النووي واضح وعليهم أن يقبلوا أنهم مسؤولون عن الوضع الراهن وعليهم أن يظهروا أنهم يعودون عن المسار الذي يتبعونه".

وأضاف في مؤتمر صحافي "عليهم أن يرفعوا بشكل نهائي الحظر (العقوبات) الظالم وغير القانوني الذي فرضوه منذ انسحابهم والأهم أن يضمنوا أن أي إدارة أميركية أخرى ستقوم مرة أخرى بالاستهزاء بالعالم"، في إشارة إلى الانسحاب أحاديا من الاتفاق.

وأبرمت إيران وستّ قوى دولية في 2015، اتفاقا بشأن برنامجها النووي أتاح رفع العديد من العقوبات التي كانت مفروضة عليها، مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.

لكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق عام 2018 في عهد رئيسها السابق دونالد ترامب الذي أعاد فرض عقوبات اقتصادية على طهران. وبعد عام، بدأت إيران بالتراجع تدريجا عن التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق.

وأبدى جو بايدن الذي خلف ترامب كرئيس للولايات المتحدة في مطلع 2021، استعداده لإعادة بلاده إلى الاتفاق بشرط عودة إيران لالتزاماتها. وخاضت الأطراف المعنية، وبمشاركة غير مباشرة من واشنطن، مباحثات في فيينا إحياء الاتفاق اعتبارا من أبريل/نيسان.

وبعد تعليقها منذ يونيو/حزيران من المقرر استئناف المفاوضات في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، وفق ما أعلنت طهران والاتحاد الأوروبي هذا الشهر.

وشدد خطيب زاده على أن "مبدأنا الأساسي في الاتفاقات والمحادثات في فيينا (هو) إما أن يتم الاتفاق على كل شيء أو لا يتم الاتفاق على شيء".

وأكد أنه "طالما أن الجمهورية الإسلامية لا يمكنها أن تضمن أن الحظر غير القانوني تم رفعه بطريقة فعالة وكاملة، مع التحقق والضمانات المطلوبة والضمانات الموضوعية، لن توقف إيران إجراءاتها التعويضية"، في إشارة إلى الخطوات التي اتخذتها الجمهورية الإسلامية ضمن برنامجها النووي بعد الانسحاب الأميركي.

وأشار المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إلى أن كبير المفاوضين الإيرانيين، مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية علي باقري، سيقوم "هذا الأسبوع" بجولة أوروبية تشمل لندن وباريس وبرلين.