"الرياض ومحاولة احتواء أذرع طهران في صنعاء"..

تقرير: هل تتنازل السعودية عن مأرب لـ"إيران" مقابل حقل الدرة النفطي

إيران تلوح بخوض أول معركة بأذرعها في العراق للسيطرة على حقل نفطي مشترك بين الكويت والسعودية

نصر محسن
كاتب صحافي متعاون مع صحيفة اليوم الثامن

قدم الرئيس اليمني المؤقت عبدربه منصور هادي، خطابا تصالحيا للحوثيين الموالين لإيران، حين وصفهم بالأخوة، معبرا عن اسفه حيال رفضهم المشاركة في مشاورات الرياض التي ترعاها الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، في حين يجدد مسؤولون سعوديون الدعوة للأذرع الإيرانية للمشاركة في المشاورات، وسط انباء تتحدث عن تقديم الرياض تنازلات في اليمن للأذرع الإيرانية التي باتت تسيطر على جغرافيا اليمن الشمالي، باستثناء مركز محافظ مأرب الغنية بالثروات النفطية والغازية.

ووصف الوزير السابق في حكومة هادي محمد عبدالمحيد قباطي دعوة هادي للحوثيين بأنها تسامت مع المعاني العميقة لمعنى الأخوة.

وقال قباطي -في تصريح بعث به لصحيفة اليوم الثامن "حقًا إنها دعوة صادقة للسلام والمحبة والوئام تلك التي وجهها هذا المساء فخامة الرئيس هادي لإخوتنا "أنصار الله"، فحواها أن سبع سنوات من الحرب قد أكلت الأخضر واليابس وإطالتها ليس فيها إلّا المزيد من الدمار والمعاناة والمهانة لشعبنا اليمني الأبي الذي أصبح ذكره حاليًا يتماهى فعلًا مع بلد حلت به أعظم محنة وكارثة في التاريخ الإنساني المعاصر".

ولفت إلى أن "مناشدة الرئيس هادي لإخوتنا في صنعاء تسامت مع المعاني العميقة لروحانية وبركة هذا الشهر الفضيل".

وجاءت الدعوات التصالحية تجاه الحوثيين من قبل السعودية وحليفها المقيم في الرياض عبدربه هادي، بالتزامن مع تصاعد أزمة جديدة مع الخصم إيران، ولكن هذه المرة على حقل الدرة النفطي الذي تدعي طهران انها تمتلك جزء منه.

ولاحت في الأفق بوادر أزمة جديدة بين إيران وبلدان الخليج، بعد توصل السعودية والكويت يوم 21 مارس/آذار الجاري، إلى اتفاق حول تطوير حقل الدرة للغاز الطبيعي. ووصفت طهران الخطوة بغير القانونية، واستثناء لها وتعدٍ على حقها في هذا الحقل.

وإن كان الخلاف حول هذا الحقل ليس بالأمر الجديد، إذ إن البلدان الثلاثة لم تتوصل إلى الآن إلى اتفاق رسمي بشأن ترسيم الحدود في هذه المنطقة، إلا أن الأزمة تتزامن هذه المرة مع تصاعد حدة التوتر بين طهران وأغلب بلدان مجلس التعاون الخليجي، على خلفية عدة ملفات، إضافة إلى اندلاع أزمة الطاقة العالمية، نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية.

ويرجح بالتالي، موقع  trtعربي أن إثارة الملف في هذه المرحلة، قد يكون لتوظيفه "سياسياً" أو استخدامه كورقة ضغط.

وقالت إيران السبت إن حقل الدرة للغاز مشترك بين إيران والكويت والسعودية وإن طهران تحتفظ بحقها في استغلاله، منتقدة وثيقة موقعة قبل ايام بين جارتيها في الخليج.

ووقعت الكويت وثيقة مع السعودية لتطوير حقل الدرة، الذي من المتوقع أن ينتج مليار قدم مكعبة قياسية من الغاز يوميا و84 ألف برميل يوميا من المكثفات، وفقا لبيان صدر عن مؤسسة البترول الكويتية.

ويأتي الاتفاق السعودي الكويتي في وقت تشهد أسعار موارد الطاقة مثل النفط والغاز، ارتفاعا كبيرا على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا والمخاوف من تأثير ذلك على الكميات المعروضة.

وقالت وزارة الخارجية الإيرانية على تويتر ان "حقل آرش/الدرة للغاز هو حقل مشترك بين دول إيران والكويت والسعودية".

وأضافت ان "هناك أجزاء منه في نطاق المياه غير المحددة بين إيران والكويت. تحتفظ الجمهورية الإسلامية لنفسها كذلك بالحق في استغلال حقل الغاز".

ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن المتحدث باسم وزارة الخارجية سعيد خطيب زاده قوله "وفقا للضوابط والأعراف الدولية، فإن أي خطوة للاستثمار والتطوير في هذا الحقل يجب أن تتم بالتنسيق والتعاون بين الدول الثلاث".

واعتبر خطيب زاده  ان اتفاق الرياض والكويت هذا الأسبوع هو "خطوة غير قانونية ومناقضة للاعراف الجارية والمحادثات المنجزة سابقا ولا تأثير لها على الوضع القانوني للحقل ولا تحظى بموافقة الجمهورية الاسلامية الإيرانية".

وجدد خطيب زاده استعداد بلاده "للدخول في مفاوضات مع الكويت والسعودية حول كيفية الاستثمار من هذا الحقل المشترك وبالتزامن مع ذلك مواصلة المفاوضات الثنائية مع الكويت في إطار نتائج المفاوضات السابقة معها حول تحديد حدود الجرف القاري".

وكان وزير النفط والطاقة الكويتي عبداللطيف الفارس وقع مع نظيره السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان بن عبد العزيز في الكويت الإثنين اتفاقا "لتطوير حقل الدرة" البحري المشترك بين الدول الثلاث، والمعروف باسم "آرش" من قبل إيران.

ويعود النزاع بين إيران والكويت الى الستينات، حينما منح كل طرف حق التنقيب في حقول بحرية لشركتين مختلفتين، وهي الحقوق التي تتقاطع في الجزء الشمالي من حقل الدرة.

ويقدر احتياطي الغاز القابل للاستخراج من الدرة بنحو 200 مليار متر مكعب.

وكان بدء إيران التنقيب في الدرة في 2001 دفع الكويت والسعودية الى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية والتخطيط لتطوير المكامن النفطية المشتركة.

يعد حقل الدرة مخزناً منتظراً لإنتاج الغاز. واكتُشف في مياه الخليج عام 1967، يقع جزء من الحقل في المنطقة الحدودية بين إيران والكويت، والجزء الثاني منه في المنطقة الحدودية بين الكويت والسعودية. وأطلق على جزء الحقل الغربي الواقع في الكويت "الدرة"، والجزء الشرقي الواقع في الجانب الإيراني "آرش"، وظل موضع خلاف بين البلدين إلى اليوم.

وحسب خبراء ومختصين، فإن مخزونات الغاز تقع في الجزء الغربي للحقل أي في الجزء الموازي للحدود السعودية الكويتية.

وفي عام 2001، بدأت إيران عمليات التنقيب في الحقل، الأمر الذي دفع بالسعودية والكويت إلى الاتفاق حول ترسيم حدودهما البحرية والتخطيط لتطوير المكامن النفطية المشتركة.

ومع بدء الكويت عام 2012 تطوير الحقل عن طريق شركة الخفجي، قررت إيران أيضاً تطوير الحقل حينها والبدء في استخراج الغاز لصالحها. وانفجرت بذلك أزمة بين البلدين، لم تتوج بعدها جميع المفاوضات حول منطقة الجرف القاري على الحدود البحرية بين البلدين، بأي اتفاق رسمي يذكر.

ويعود الخلاف ليثار اليوم مجدداً، مع انطلاق الكويت والرياض في خطوات عملية لتطوير الحقل، تزامناً مع اندلاع أزمة الطاقة العالمية، وتمسك إيران في المقابل بما تعتبره "حقها الاستثماري" في الحقل.

وتلوح إيران بخوض أول معركة بأذرعها في العراق للسيطرة على الحقل النفطي مشترك بين الكويت، حيث تمتلك طهران ميليشيات الحشد الشعبي التي يمكن لطهران ان تدفع بها لأثارة الفوضى في محيط حقل الدرة.

 والسعودية، في حال ان لم يتم التفاوض على ملفات أخرى، فيما يبدو ان السيطرة على مأرب هو الخيار الذي تبحث عنه طهران مقابل التخلي عن حقل الدرة النفطي، فاليمن الشمالي بالنسبة لإيران يمثل مكسبا كبيراً، وهو ما قد يعزز إمكانية فرض طهران لشروط إضافية على السعودية بما في ذلك الاستحواذ على مدن جنوب السعودية التي يعتقد الحوثيون انها أراض يمنية، بالنسبة لنجران وجيزان وعسير.

ومنذ العام 2004م، حين بدأ الحوثيون تمردهم على سلطات الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، كانت مدن جنوب السعودية في مرمى نيران الاذرع الإيرانية قبل ان يصعدوا مؤخرا من هجومهم على السعودية بقصف المنشآت النفطية.

وعلى الرغم من ان السعودية تمتلك اذرعا عسكرية في مأرب قادرة على التوغل صوب صنعاء وإخراج الحوثيين منها، غير انه لم يحصل ذلك بفعل تقاطع مصالح إخوان اليمن مع الأذرع الإيرانية.

وتمول السعودية جماعة الاخوان التي تخضع لها قوات الجيش الوطني اليمني في مأرب، لكن اغلب الأسلحة التي قدمتها  السعودية لجيش مأرب وقعت في قبضة الحوثيين من بينها أسلحة سبعة الوية كبيرة معززة بأسلحة ثقيلة استولى عليها الحوثيون في مطلع العام 2020م، تلى ذلك السيطرة على أسلحة ثلاثة الوية في الجوف ومثلها في صرواح وأخرى في البيضاء وصولا الى السيطرة على أسلحة محور بيحان العسكري بشبوة والتابع للجنرال الاخواني علي محسن الأحمر الذي يعد من ابرز القيادات الإخوانية الزيدية التي لا ترغب في هزيمة الحوثيين لدواع طائفية وجهوية.

وفهم من خلال دعوة السعودية للحوثيين للمشاركة في مشاورات الرياض، بانه إقرار بالهزيمة، غير ان الحوثيين رفضوا المشاركة واشترطوا ان تكون المفاوضات في مسقط او الدوحة، وهي عواصم إقليمية حليفة لأذرع طهران.

وتريد الرياض احتواء الميليشيات الحوثية في اليمن، والدخول في تسوية سياسية معهم تضمن عدم القيام باي هجمات عدائية ضد أراضي المملكة المجاورة، غير ان مصادر سياسية يمنية حذرت من مغبة الاقدام على خلق أي تحالف مع الحوثيين الذين يدينون بالولاء لإيران الداعم الأبرز لهم ولمشروعهم.

وحذر مصدر سياسي يمني مقيم في الرياض، من مغبة الدخول في تسوية سياسية مع الحوثيين، معتبرا ان أي تسوية سياسية تبقي الحوثيين في السيطرة على اليمن الشمالي، يمثل خطرا حقيقيا على مستقبل بلدان الخليج المجاورة، خاصة في ظل وجود رغبة إيرانية في التوسع للسيطرة على الخليجي العربي.

وقال الخبير العسكري العميد خالد النسي "كان هدف مشاورات الرياض هو الوصول إلى إتفاق سلام ولكن الطرف المعني لم يحضر وهم الحوثيون وبالتالي يجب ان يكون هدف المشاورات اليوم هو مواجهة الحوثي ولكن لن يكون ذلك ممكن بالأدوات الفاشلة والفاسدة والخائنة التي تسيطر على رئاسة الشرعية وحكومتها ومؤسستها العسكرية".

وقال رئيس مجلس الشورى اليمني احمد عبيد بن دغر إن "مشاورات الرياض محاولة أخوية خليجية رفضها الحوثيون، فأظهروا عداوة للسلام، وكرهًا لليمن واليمنيين والمنطقة".

واعتبر بن دغر ان "المشاورات إن لم تنجح في تحقيق السلام الدائم والشامل، فإنها ستنجح حتمًا في توحيد صفوف المقاومة، والمواجهة مع الحوثيين وإيران"؛ وهو يبدو ان توحيد صفوف المقاومة لمواجهة الحوثيين تعرقله تقاطع المصالح الاخوانية مع صنعاء.

ولا تمتلك السعودية أي مكاسب عسكرية ميدانية فالأذرع اليمنية بحاجة لمن يدافع عن مأرب لكي لا تسقط في قبضة الحوثيين.

وخلال العامين الماضيين، أكدت مصادر عسكرية انه لولا طيران التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، لسيطر الحوثيون على مركز محافظة مأرب المعقل الأخير.

وعلى الرغم من ان السعودية رعت اتفاقية توحيد الجهود ضد الحوثيين، في العام 2019م، الا ان الاخوان رفضوا تنفيذ بنود تلك الاتفاقية بعد ان رفضوا نقل قوات المنطقة العسكرية الأولى في سيئون الى مأرب، بدعوى ان نقلها قد يساهم في سقوط الجنوب بقبضة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي.

وتحاول السعودية البحث عن مكاسب عسكرية، لكن الممارسات على الأرض تبدو بعيدة عن هذا المطلب، ففي الرياض قيادات تعمل لمصلحة الاجندة الإخوانية من خلال دعم السيطرة على مدن الجنوب المحررة من قبل الاخوان لضرب المجلس الانتقالي الجنوبي.

ولا يبدو ان الرياض تريد مقايضة ايران بمأرب مقابل حقل الدرة، وتتنازل السعودية عن مأرب لإيران مقابل حقل الدرة، قد لا يعني نهاية الازمة، ففي حال بقت ازمة حقل الدرة، فان الحوثيين قد يسقطوا مأرب خاصة في ظل وجود هدنة معلنة تراعاها الأمم المتحدة، والتي بموجبها لا ينفذ طيران التحالف العربي أي غارات جوية ضد الحوثيين.

لكن في حال اسقط الحوثيون مأرب – وهذا متوقع – فأن طهران قد تضغط بقوة على السعودية للدخول كشريك ثالث في حقل درة وهو ما يعني انتكاسة جديدة للسعودية التي تسعى لتجاوز الصراع مع إيران ولو بالتفاوض السياسي، غير ان الوقائع على الأرض تثبت ان ايران لم تعد تفكر في التفاوض مع السعودية، لكن تظل مأرب الفرصة الأخيرة لمن يريد يكسب المعركة في اليمن.