"اليوم الثامن" تبحث في الابعاد التأريخية للنزوح..
ملف النازحين اليمنيين في عدن.. أجندة سياسية وفساد حكومة جهوية
على طول الطريق الرابط بين المنصورة والشيخ عثمان، بدأت الشوارع شبه خالية من المارة والمتسولين الذين كانوا يتمركزون في التقاطعات والخطوط الأكثر ازدحاماً، في مشهد قد يكون مألوفا، "النازحون اليمنيون الفارون من الحرب في اليمن الشمالي، ذهبوا لقضاء إجازة العيد"، هكذا تحدث شاب في الثلاثينات من عمره في دوار مؤسسة الغزل والنسيج الوطنية.
تسببت الحرب التي افتعلها الحوثيون في تدفق اليمنيين إلى الجنوب في موجة تزوح هي الأكبر منذ عقود، حيث لا يمكن مقارنتها بموجة النزوح التي حدثت ابان ما عرف بحروب المناطق الوسطة في اليمن، وقبلها حرب الامامة والجمهوريين.
النزوح اليمني إلى الجنوب.. متى بدأ؟
شكلت عدن ولحج وأبين، موطنا رئيسيا للنازحين اليمنيين منذ عهد حكمة المملكة المتوكلية اليمنية في صنعاء، والتي أقيمت على انقاض الوجود العثماني في اليمن في بداية القرن العشرين، وظلت تحكم حتى ستينيات القرن الماضي، حين تمت الإطاحة بها بدعم من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وقد برز العديد من السياسيين اليمنيين الذين تمكنوا من الاستحواذ على الحكم في الجنوب، بالانقلاب على الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي (سالمين).
يذكر السياسي اليمني الراحل سلطان عبدالعزيز المعمري في مقابلة مع قناة بلقيس التابعة لإخوان اليمن، واحدة من تفاصيل انقلاب قاده عبدالفتاح إسماعيل ورفاقه اليمنيين الشماليين للإطاحة بالرئيس الجنوبي سالمين الذي كان معارضا لفكرة توحيد "الحزب الاشتراكي اليمني في بلاده".
وبعد الإطاحة بسالمين فرض فتاح الذي حكم الجنوب -بعد اعدام سالمين، دون محاكمة-، قانون "التأميم"، والذي نجح من خلاله على توطين اليمنيين الشماليين في الجنوب وخاصة في عدن، ونجح فتاح من خلال تصفية الكثير من السياسيين المعارضين لقانون التأميم، في الاستحواذ على عمائر سكنية لتجار جنوبيين اغلبهم من حضرموت ويافع وبعضهم من مواطني العاصمة عدن، ومن الجاليات الهندية، ليصبح العمال اليمنيين مواطنيين اصليين في عدن، بفعل امتلاكهم منازل هي في الأساس منهوبة بالقانون الذي لا يزال يلقي بظلاله على سكان عدن الأصليين الى اليوم.
وشكلت حرب العام 1986م، التي حاول فيها فتاح استعادة سلطته (التي جاءت من بوابة تصفية الرئيس سالمين)، فخطط لاغتيال الرئيس علي ناصر محمد، لكن فتاح لقي حتفه خلال اشرافه على تصفيات مناطقية بحق الجنوبيين، بعد ان تم استهداف دبابة كان يقودها بواسطة قذيفة مضادة للدروع.
لتأتي بعد ذلك توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية التي وقعها الحزب الاشتراكي اليمني، نيابة عن الجنوبيين الذين كانوا يعانوا من الانقسام نتيجة الحرب التي افتعلها "أصحاب الجبهة"، كما هو متعارف عليه.
وجاء توقيع اتفاقية الوحدة دون أي استفتاء شعبي ناهيك عن معارضة إقليمية لقرار الوحدة الهش، لتأتي حرب صيف العام 1994م، والتي دمرت عدن كليا واستحوذ اليمنيون "الغزاة الجدد"، على كل الممتلكات الخاصة والعامة.
وما يمكن الإشارة اليه هنا، في تقاطع دوار الغزل والنسيج، المؤسسة الإرادية التي تم تدميرها مثل باقي المؤسسات الجنوبية العمالقة التي كانت تعد من أبرز الشركات الوطنية في التصنيع.
ويعد "متجر ظمران" واحد من المؤسسات الحكومية التي كانت تابعة للجيش الجنوبي، واستحوذ عليها نافذون يمنيون وأصبحت ملكا خاصا بهم، لكن هذه الأملاك - يقول مسؤولون محليون - انها تظل املاكا للدولة وقد يتم استعادتها فور استقرار البلاد، مؤكدا ان المستثمر سيدفع ما عليه للدولة على اعتبار انه قام بالسطو على "ملك للجيش".
النزوح وجهوية حكومة معين عبدالملك
بينت دراسة صادرة عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ان معين عبدالملك رئيس حكومة المناصفة تعامل بجهوية مع ملف النازحين، حيث سخر كل الدعم الحكومي الذي يأتي من موارد عدن، لدعم النازحين القادمين من تعز وتهامة في حين يرفض تقديم ولو جزء بسيط للنازحين من مدينة مكيراس الجنوبية المحتلة.
وكشفت مصادر وثيقة الصلة لصحيفة اليوم الثامن "ان الوحدة التنفيذية للنازحين التي يديرها مسؤولون مرتبطون بمعين عبدالملك، قاموا بالتلاعب بدعم اغاثي قدم للنازحين وتم صرف سلل غذائية كانت مخصصة لنازحي مكيراس، وسلمت لمواطنيين يمنيين في عدن، ليسوا نازحين وانما ادرج أسمائهم".
وكشفت مصادر حقوقية ان منظمة يطلق عليها "وقف الواقفين"، ومقرها الإقليمي في العاصمة اليمنية صنعاء، صرفت ما يصل الى مائة سلة غذائية لمدير عام مديرية خور مكسر، كهدية على تعاونه مع المنظمة، فيما قال نازحون من مكيراس ان المنظمة طلبت منهم التوقيع على استلام سلل غذائية وحين انتهوا من التوقيع، قام مسؤول يمني في الوحدة التنفيذية للنازحين من مدينة تعز، بنقل الشاحنة والسلل الغذائية، الى النازحين من تعز".
واستغرب مواطنون من أبناء مكيراس كيف يتم التعامل معهم بهذه الطريقة، من قبل منظمة يفترض انها افريقية حين تسلم المواد الغذائية للوحدة التنفيذية للنازحين التي يشرف عليها يمنيون".
وقال مصدر مسؤول في السلطة المحلية في عدن "ان مكتب التخطيط والتعاون الدولي وجهات حكومية أخرى متواطئة مع ملف النازحين، الذي أصبح يدر أموالا طائلة، حيث لا يرغب معين ولا المسؤولين التابعين له ان يتم معالجة مشكلة النازحين حتى لا يتوقف الدعم الدولي والإقليمي الذي يقدم على أساس مساعدات".
ملف النزوح اجندة سياسية
قالت مصادر حكومية ان مجموعة تجارية يمنية نافذة في عدن، مكنت نازحين يمنيين من تعز من الاستحواذ على مقرات لمؤسسات تجارية جنوبية عريقة في المعلا وصرفتها للنازحين لتحقيق هدفين، تعطيل عمل تلك المؤسسات والمصانع التي كانت رائدة ابان دولة الجنوب، او التمهيد لشراء تلك المواقع لاحقا من النازحين الذين ينتمي الغالبية منهم الى تعز".
وكشفت معلومات أمنية ان المئات من المواطنين اليمنيين الشماليين حصلوا على هويات على انهم مواطنون جنوبيون، في عدن ولحج وأبين.
ويتمركز الآلاف من النازحين اليمنيين في احياء وضواحي العاصمة عدن، اما في لحج فهناك اربعة مخيمات للنزوج "المشقافة، الرجاع،الفيوش، الرباط".
وقد حاول معد البرنامج زيارة بعض هذه المخيمات انه منع من دخولها، وفي مركز الفيوش، يقول مواطنون انهم يخشون من الاقتراب من مخيم للنازحين من تعز وتهامة وان هناك عصابات في داخل المخيمات تمنع الاقتراب منه، حتى اصبح اقطاعية خاصة بهم، لا احد يقترب من ذلك بما في ذلك الأجهزة الأمنية.
وأبدت مصادرة حكومية من مخاوفها من ان تكون هذه المخيمات عبارة عن معسكرات سرية لتجنيد المرتزقة للقيام بهجمات إرهابية داخل عدن او لحج.
وقالت مصادر حكومية ان ملف النازحين في الجنوب، هدفه في الأساس احداث تغيير ديمغرافي في التركيبة السكانية للجنوب، تمهيدا لاي إجراءات استفتاء قد تنظم مستقبلا.
-----------------------------
- صحافي وكاتب وناشط حقوقي.
الحوطة