"علي ناصر محمد يدعو إلى حل مجلس القيادة الرئاسي"..

"دويلة مأرب".. مركز عمليات حربية لإدارة حروب إخوان اليمن ضد الجنوب

يعول حزب الإصلاح الإخواني كثيرا على مأرب لتجميع قواته العسكرية فيها، بما يمكنه من البقاء في اللعبة السياسية والعسكرية ومواصلة ارباك الوضع في الجنوب، بعد أن كسرت شوكته في شبوة وبات نفوذه غير ذي مستقبل

اتضح جلياً أن أولوية "الإخوان"، هي محاربة المجلس الانتقالي الجنوبي، والاحتفاظ بالهيمنة المطلقة على الشرعية اليمنية ومواردها في المناطق المحررة

د. صبري عفيف
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والأمنية، نائب رئيس التحرير ورئيس قسم البحوث والدراسات في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات،
عدن

منذ ثلاثة أعوام وتحديدا من العام 2019م ، أصبحت مأرب مركز عمليات عسكرية لإخوان اليمن ضد الجنوب ، حين حرفت بوصلة الحرب التي يشرف عليها التحالف العربي بقيادة السعودية، صوب شبوة وأبين، لتتحول مؤخرا إلى دويلة خاصة بالتنظيم المدعوم قطرياً، تتحالف مع الحوثيين وتشن حربا ضد القوات الجنوبية نيابة عن الأذرع الإيرانية في اليمن، فيما دعا رئيس اليمن الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد إلى حل مجلس القيادة الرئاسي والدخول في تسوية سياسية مع الحوثيين واختيار رئيس واحد لليمن وتوحيد الجيش حتى يصبح جيشا واحداً.

وقال ناصر بعثه لصحيفة اليوم الثامن "إن ما جرى ويجري في شبوة وغيرها من المحافظات من صدامات عسكرية مؤسفة، يؤكد ان المشكلة ليست في شبوة أو صنعاء أو قلعة معاشيق أو سقطرى أو باب المندب أو مأرب، لكن المشكلة تنبع من استمرار الحرب التي غيّبت الدولة ومؤسساتها ودستورها وغيّبت النظام والقانون والمؤسسات الدستورية وقضت على مبدأ المحاسبة للمتسببين في هذه الصراعات والحروب". 

ناصر الذي يعقد انه زار الدوحة مؤخراً لتوثيق فيلم عن احداث الجنوب لقناة الجزيرة القطرية، زعم "أن التشظي الذي أصاب اليمن ويكاد يحوله الى كانتونات الا نتيجة لتلك الحرب المدمرة، يؤكد غياب الدولة ومؤسساتها"؛ ويبدو ان ناصر يتحدث هنا عم المجلس الانتقالي الجنوبي والقوى السياسية الجنوبية التي تريد تستعيد الدولة السابقة التي كان ناصر رئيسها قبل الإطاحة به من قبل الراحل عبدالفتاح إسماعيل الجوفي الذي ينتمي الى اليمن الشمالي..

ودعا ناصر إلى حل مجلس القيادة الرئاسي الذي جاءت به المشاورات اليمنية – اليمنية التي رعتها الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، قائلا "إن اليمن بحاجة الى إعادة صياغة دولته ومؤسساته عبر رئيس واحد بدلاً للعديد من الرؤساء الحاليين، وحكومة اتحادية واحدة توزع فيها المسؤوليات عبر الاقليمين بما يضمن وحدة البلد ويسمح بالتعبير عن خصوصية كل إقليم، وجيش واحد يستوعب كل القوى العسكرية في اطار استراتيجية واحدة ولا يسمح للميليشيات بالتسيّد وتمزيق النسيج الوطني".

وقال "إن أردنا الحل لأزمتنا اليمنية لا بد من البدء بوقف الحرب واستعادة الدولة عبر حوار وطني لا يستثني أحداً وبرعاية إقليمية ودولية".. مشيرا الى ان "أما ماجرى في شبوة فهو جزء من لوحة فسيفسائية معقدة وقد حزّت في نفوسنا كثيراً لأن الشهداء جميعهم من العسكريين والمدنيين هم أبناؤنا وهم ضحايا لهذه الصراعات المركبة على السلطة وتمثل خسارة فادحة لليمن".

وكان التمرد الإخواني المسلح، على السلطات الشرعية، في محافظة شبوة، (شرق عدن العاصمة الجنوبية) قد أعاد فتح أعين المراقبين، على دور مأرب في تقوض استقرار الجنوب، بعدما حولها تنظيم الإخوان الإرهابي إلى ما يشبه غرفة عمليات لإرباك المناطق المحررة.

وخلافاً للبرود الذي قابل معارك خاصة سابقة خاضها حزب الإصلاح الإخواني في تعز وأبين، أثار التمرد المسلح على محافظ شبوة ومجلس القيادة الرئاسي صحوة شعبية غير مسبوقة في أوساط اليمنيين، كما دفع كثيرين إلى رفع أصواتهم للمطالبة بوضع حد لهيمنة الإخوان على مأرب.

وتعد مأرب في الوقت الراهن، واحدة من المناطق القليلة، التي يستخدمها حزب الإصلاح اقتصاديا وعسكريا، في آن واحد، لإدارة وتمويل تحركات قواته في المحافظات الجنوبية، لا سيما بعد أن فقد ميزة السيطرة على شبوة، وبالتالي لا يمكن تأمين الأخيرة إلا بإنهاء هيمنة "الإخوان" على مأرب.

وكان التنظيم قد استخدم مأرب بالفعل كنقطة انطلاق لشن عمليات مسلحة لتقويض استقرار محافظة شبوة المجاورة، وذلك بعد الإطاحة بالمحافظ الموالي له محمد صالح بن عديو من المنصب، وتعيين الشيخ عوض ابن الوزير بديلاً. 

على أن احتفاظ الإخوان بالسيطرة عليها، لا يشكل تهديدا لمحافظات الجنوب فحسب، وإنما أيضا للمحافظة نفسها، فقد تؤجل الضغوط الدولية والهدنة السارية اجتياح المدينة، ولكن حمايتها من الحوثيين لن تتحقق إلا بإحلال قوات تملك القدرة العسكرية لتهديدهم جديا بإلحاق الهزيمة بهم.

ولأن كانت الحكومة اليمنية قد اعتقدت، في لحظة ما، أن خطوط المعركة ثابتة، وأن الأسرة الدولية لن تسمح للحوثي باجتياح مأرب، فقد اختل التوازن العسكري عقب انسحاب قوات الإخوان من المديريات الجنوبية، ما مكن الحوثيين من الوصول إلى محيط المدينة.

وبجانب ذلك، ترى مصادر سياسية تحدثت إلى اليوم الثامن أن استمرار وجود القوات الموالية للإخوان في مأرب كما في غيرها من المحافظات الجنوبية مثل حضرموت، من شأنه أن يبقي على الخلافات قائمة داخل السلطة الشرعية، ذلك أن الغرض من هذا الوجود خدمة أجندة حزب له ارتباطات إقليمية، وسبق وأن فتح ثغرات لتسلل الحوثيين إلى الجنوب.

ففي حين يرى المجلس الانتقالي الجنوبي، والقوات المحسوبة عليه، المليشيا الحوثية عدواً وتهديداً خطيراً يجب محاربه، فإن لدى تنظيم الإخوان المسلمين أولويات أخرى يسخر في سبيلها كل شيء آخر.

ومن وقت مبكر، اتضح جلياً أن أولوية "الإخوان"، هي محاربة المجلس الانتقالي الجنوبي، والاحتفاظ بالهيمنة المطلقة على الشرعية اليمنية ومواردها في المناطق المحررة، ولهذا حين يكون الخيار بين الإصلاح المؤسساتي اللازم لهزيمة الحوثيين والتراجع أمامهم يختار التنظيم الخيار الثاني دائمًا، وذلك لأن أي إصلاح في منظومة "الشرعية" يهدّد مستقبله.

وكانت شبوة تحتل أهمية في حسابات الإخوان، لجهة الحفاظ على وجودهم العسكري والأمني في الجنوب، وأيضا بوضعهم السياسي الذي تعرض للتحجيم منذ نقل صلاحيات الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي، وإقالة قائد الجناح العسكري للتنظيم علي محسن الأحمر في أبريل الماضي.

في الاثناء تعدّ مأرب الغنية بالنفط والغاز المعقل الأكبر للإخوان والقيادات التي جرى تمكينها من إدارة المحافظة، والتحكم بثروتها، وتصريف الإيرادات لصالح عناصرهم من موظفين حكوميين أو مجندين في صفوف قواتهم أو حتى مقيمين في عواصم عربية وإقليمية.

ويعول حزب الإصلاح الإخواني كثيرا على مأرب لتجميع قواته العسكرية فيها، بما يمكنه من البقاء في اللعبة السياسية والعسكرية ومواصلة ارباك الوضع في الجنوب، بعد أن كسرت شوكته في شبوة وبات نفوذه غير ذي مستقبل.