مكافحة الإرهاب..

"سهام الشرق".. الابعاد الاستراتيجية لمعركة تطهير أبين من الإرهاب

"عملية سهام الشرق تحقق أهدافها الاستراتيجية الأولى خلال ساعات من انطلاقتها دون أي مواجهة مع العناصر الإرهابية التي انسحبت صوب مأرب"

مقاتلون من القوات الجنوبية خلال انطلاق عمليات سهام الشرق في أبين الليلة الماضية - المصدر

فريق التحرير
فريق تحرير صحيفة اليوم الثامن
زنجبار

فرضت قوات الأمن والجيش سيطرتها على معظم مناطق محافظة أبين، الى الشمال الشرقي من العاصمة عدن، عقب عملية عسكرية أطلق عليها "سهام الشرق"، لمحاربة التنظيمات الإرهابية، التي عادت إلى أبين عقب سقوطها في قبضة جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، في أغسطس (آب) من العام 2019م.

وأظهرت صورا بثت على الانترنت، القوات الجنوبية وهي تنتشر في بلدات الوضيع ومودية، عقب تطهير ميناء شقرة التاريخي، الذي كانت ترابط فيه قوات تابعة لإخوان مأرب.

وقوبل انتشار القوات الجنوبية بترحيب واسع في أبين، حيث أظهرت تسجيلات مرئية مواطنيين وهم يلوحون بعلم الجنوب، مرددين هتافات ترحب بالقوات الجنوبية التي جاءت لمحاربة التنظيمات الإرهابية.

وشهدت أبين خلال الأعوام الثلاثة هجمات إرهابية استهدفت قوات الحزام الأمني والمدنيين، بالإضافة الى اختطاف موظفين أجانب يعملون لدى منظمات إنسانية داعمة تعمل في تقديم المساعدات للسكان في المدن الريفية التي فقدت مصادر دخلها جراء الحرب التي افتعلها الحوثيون قبل نحو ثمانية أعوام.

 

لماذا سهام الشرق؟

 

يوم الاثنين الـ22 من أغسطس (آب)، عند الساعة الـ10 مساء بتوقيت العاصمة عدن، أطلقت القوات المسلحة الجنوبية عملية "سهام الشرق" الهادفة الى تأمين أبين من خطر التنظيمات الإرهابية وجماعتي الإخوان والحوثيين.

العملية العسكرية جاءت بعد أيام من عملية عسكرية ضد جماعة الإخوان المسلمين التي أعلنت تمردها على مجلس القيادة الرئاسي في شبوة، وقد ينظر إليها على انها عملية استكمالية لتلك العملية، غير انه عملية عسكرية هدفها قطع الطريق على إخوان اليمن، الذين يريدون جعل المحافظة "نسخة من مدينة مأرب المعقل الأخير للجماعة"، والتي يتم من خلالها تهريب الأسلحة والطائرات المسيرة والصواريخ الى الحوثيين في صنعاء.

تمتلك أبين وخاصة لودر، حدوداً جغرافيا مع محافظة البيضاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وقد شن الاخوان في يوليو (تموز) من العام 2021م، حربا واسعة للسيطرة على مدينة لودر، بغية مواصلة تهريب المشتقات النفطية والأسلحة الى الحوثيين في البيضاء، حيث تعتبر عملية التهريب من أكبر الموارد التي اعتمدت عليها الجماعة.

وهذه العملية العسكرية كان لا بد منها، لمنع قيام اخوان اليمن بتقويض جهود الشراكة الوطنية الجنوبية مع مجلس القيادة الرئاسي، الذي بات بعد عملية شبوة وأبين، يقف على أرضية صلبة ومتينة في مواجهة الحوثيين الموالين لإيران، ولكن يبقى مجلس القيادة الرئاسي بحاجة ماسة لاستعادة مدينة مأرب، من قبضة جماعة الإخوان التي حولتها إلى دويلة خاصة بالتنظيم، تستحوذ على موارد شبوة وحضرموت، وتجييرها لصالح التنظيم اليمني المتماهي مع الحوثيين.

عمد إخوان اليمن منذ وقت مبكر إلى خلق تحالفات مع الحوثيين، من أبرز تلك التحالفات الاتجار بالأسلحة والمشتقات النفطية، والتي تدر أموالا طائلة للتنظيم يستخدمها في معركته مع قوى الجنوب الساعية للاستقلال واستعادة الدولة السابقة، الأمر الذي يؤكد أن عملية سهام الشرق قد قوضت هدف الإرهابيين في تأمين خط التهريب الخلفي بين الحوثيين والإخوان، وانهاء الشراكة التي أسست على التجارة، من خلال تهريب الأسلحة والمشتقات النفطية.

 

 معركة أبين وتعزيز دور مجلس القيادة الرئاسي

 

تمثل معركة سهام الشرق، أهمية استراتيجية، تمنح حماية متقدمة للعاصمة عدن، من خلال تأمين أي تسلل للتنظيمات الإرهابية، خاصة تلك التي تتخذ من محافظتي البيضاء ومأرب، مراكز انطلاق لتنفيذ هجماتها الإرهابية.

وتمنح هذه العملية تحصينا لمدن الجنوب المحررة من الحوثيين، بمعنى أنها تعزز دور مجلس القيادة الرئاسي وتمنح الوقوف على أرضية صلبة في مواجهة الحوثيين، وتعجل بوضع نهاية للحرب في اليمن، حيث ان جنوباً أمناً يمنح المجلس قدرة على التفاوض مع الاذرع الإيرانية، ومقارعتها بالسلاح في حال وفشلت جهود الحل السلمي للأزمة اليمنية في عامها الثامن.

 

المجلس الانتقالي الجنوبي والتزامه بملف مكافحة الإرهاب

 

منذ تأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي في الـ4 من مايو (أيار) العام 2017م، أعلن بشكل واضح التزامه بملف مكافحة الإرهاب، الذي يضرب البلد منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، حين تم تجنيد ما عرف بالأفغان العرب في الحرب اليمنية على الجنوب في الـ27 من أبريل (نيسان) 1994م، حين شنت حكومة صنعاء حربا على عدن، وانتهت باحتلالها عسكرياً، وقد شاركت التنظيمات الإرهابية بفاعلية في الحرب، حتى أصبحوا لاحقا شركاء في السلطات من خلال حزب التجمع اليمني الإصلاح (النسخة اليمنية من تنظيم الاخوان)، الذين باتوا اليوم الخطر الأبرز الذي يواجه الجنوب، خاصة بعد ان اصبحوا خارج "السلطات الشرعية" المعترف بها دوليا، والمتمثلة في مجلس القيادة الرئاسي.

وللجنوب تجربة فريدة في مكافحة الإرهاب، من خلال ما عرف سابقا باللجان الشعبية (المقاومة الجنوبية لاحقا)، ثم الأجهزة الأمنية التي يشرف عليها المجلس الانتقالي الجنوبي، على اعتبار انه السلطة السياسية المفوضة شعبيا.

وتستطيع هذه القوات تحقيق ضربات ناجحة ضد قوى الإرهاب في أي مكان يتطلب حضروها، ويمكن الإشارة الى عمليات شبوة الأخيرة، سواء تلك التي كانت ضد الحوثيين او العمليات الأخيرة ضد التمرد الإخواني، حيث باتت هذه القوات تمتلك قدرة كبيرة على المناورة وتحقيق المكاسب الميدانية بأقل الخسائر.

وتعتمد القوات الجنوبية في عملياتها العسكرية على استراتيجية "حماية المدنيين"، وإذا تطلب الامر جر الخصم الى معركة بعيدة عن الاعيان المدنية، حتى لا يتضرر المدنيون من الاعمال العسكرية، وهي الاستراتيجية التي استطاعت القوات الجنوبية تحقيق مكاسب عسكرية ميدانية من خلالها، فالمدنيون بالنسبة لهذه القوات "خط أحمر"، وهو ما يجعل القوات تأجل بعض العمليات العسكرية حفاظا على المدنيين.

 وهذه الاستراتيجية العسكرية يشرف عليها المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيسه اللواء عيدروس الزبيدي، صاحب الباع الطويل في إدارة العمليات العسكرية منذ نحو ثلاثة عقود، حين كان ضابطا في الجيش الجنوبي، ثم قائدا لقوات المقاومة الجنوبية في الضالع، ثم محافظا للعاصمة عدن، ورئيس اللجنة الأمنية التي أشرفت على عملية تطهير عدن من الجماعات الإرهاب.

وقد أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي شريك فاعل في مكافحة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي.

 

احباط استنساخ تجربة دويلة مأرب في أبين 

 

عقب خسارة إخوان اليمن لشبوة، كان التنظيم يريد تقوية تواجده في ميناء شقرة الاستراتيجية، خاصة بعد إعادة فتح طريق تصل لودر بمكيراس "نقيل الحلحل"، وهذه الطريق الاستراتيجية قد توفر خط أمداد للإخوان إلى مأرب عن طريق محافظة البيضاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين الموالين لإيران، خاصة في ظل وجود رغبة إخوانية في اعلان التحالف مع الحوثيين، حيث يمكن تستفيد الاذرع الإيرانية من بقاء مكيراس تحت قبضتها، كأخر منطقة في أبين يحتلها الحوثيون، وقد عرقلت السلطة السابقة، تحرير مكيراس لحسابات "سياسية"، بدعوى ان تحرير أخر مدينة جنوبية تقع على الحدود، يمكن ان يشجع الجنوبيين على الاستقلال، وقد عرقلت إدارة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، عملية تحرير مكيراس على الرغم من ان القوات الجنوبية استطاعت الدخول إلى مكيراس أكثر من مرة.