هاجم الإطار التنسيقي..
العراق.. مقتدى الصدر يطالب إيران كبح جماح بعيرها ويصفهم بـ"الميليشيات القذرة"
التيار الصدري يصف اعتزام الإطار التنسيقي عقد جلسة لمجلس النواب تمهيدا لتشكيل الحكومة بالمواقف الوقحة، متحدثا عن إعدامات لمحتجين داخل المنطقة الخضراء.

زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر
شنّ المقرب من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والمعروف باسم "وزير القائد" صالح محمد العراقي، الأربعاء هجوما حادا على الإطار التنسيقي بسبب "مواقفه الوقحة" لاعتزامه عقد جلسة لمجلس النواب تمهيدا للمضي في تشكيل الحكومة، متحدثا عن "إعدامات" لمحتجين داخل المنطقة الخضراء، على يد من وصفهم بـ"الميليشيات القذرة"، فيما وجه رسالة إلى إيران طالبا منها بأن تكبح جماح بعيرها في العراق.
ونشر العراقي عبر حسابه على فيسبوك بيانا، قال فيه إنه يستغرب "مواقف الإطار التنسيقي الوقحة حينما يعلنون وبكل وقاحة، متحدّين الشعب، أنهم ماضون في عقد البرلمان لتشكيل حكومتهم الوقحة، وما زال دم المعدومين غدرا من المتظاهرين السلميين وبطلقات ميليشياتهم القذرة لم يجف، وكأن المقتول إرهابي أو صهيوني ولا يمتّ إلى المذهب أو الوطن بصلة".
وأضاف العراقي "نعم تلك وقاحة ما بعدها وقاحة، فلا دين لهم ولا أخلاق ولا يتحلّون بقليل من شرف الخصومة، فيا له من ثالوث وقح لا يعرف معنى الإصلاح، ولا الثورة ولا السلمية ولا معاناة الناس على الإطلاق".
وتابع "ولتعلموا أنني لم ولن أتردد في كتابة هذه المقالة، فإنها وإن كانت شديدة أو يعتبرها البعض خارجة عن سياقات السياسة، إلا أنها الحقيقة المرّة التي يجب أن ينطق بها الناطقون، ويلهج بها اللاهجون، وإلا كان الساكت شيطانا أخرس لا يحب الوطن".
وحذر الإطار التنسيقي قائلا "من هنا إذا لم يعلنوا الحداد، فليعتبروني والتيار من اليوم عدوهم الأول بكل السبل المتاحة، وبعيدا عن العنف والاغتيالات التي قرر الفاسدون أن يصفوا خصومهم بها، وهذا ندائي للجارة إيران أن تكبح جماح بعيرها في العراق وإلا فلات حين مندم".
وجاء البيان بعد ساعات على دعوة الإطار التنسيقي مساء الثلاثاء إلى الإسراع بتشكيل "حكومة خدمة وطنية" وعودة المؤسسات الدستورية إلى ممارسة مهامها، بعد انتهاء اعتصام الصدريين، وانسحابهم من المنطقة الخضراء استجابة لدعوة زعيمهم الذي أمهلهم ساعة من الزمن لمغادرة المكان، مهددا إياهم بالتبرؤ منهم في حال عدم تنفيذ أوامره.
ويمثل الإطار التنسيقي الواجهة السياسية للحشد الشعبي الذي يتعرّض ولاؤه المطلق لإيران لانتقادات حادة من شريحة واسعة من العراقيين.
ودعا الإطار التنسيقي في بيانه إلى "الإسراع بتشكيل حكومة خدمة وطنية تتولى المهام الإصلاحية ومحاربة الفساد ونبذ المحاصصة وإعادة هيبة الدولة، لينعم الجميع بالأمن والاستقرار بمشاركة واسعة من جميع القوى السياسية الراغبة بالمشاركة".
كما دعا "مجلس النواب وباقي المؤسسات الدستورية إلى العودة لممارسة مهامها الدستورية والقيام بواجبها تجاه المواطنين".
وحذر الباحث في الشأن السياسي غيث التميمي من خطورة مضي "الإطار التنسيقي نحو تشكيل الحكومة"، وقال عبر حسابه على تويتر "رسالتي لمن يسمع من الإطار التنسيقي، احذروا المضي خطوة في ما أنتم عليه، إنكم تنتحرون ولن تجدوا لكم وليا ناصرا.. حقنا للدماء تريثوا وامنعوا قادتكم من خطاب المنتصر، خسرتم في حادثة المطار ما لن تعوضوه ببعض المواقع والمصارف والمولات".
وعادت الحياة إلى طبيعتها الأربعاء في العراق بعد مواجهات مسلحة دامية في المنطقة الخضراء في وسط بغداد، لكن لا بوادر بعد لحل الأزمة السياسية المستمرة منذ أكثر من عام.
وقتل 30 شخصا وأصيب حوالي 600 من أنصار الصدر خلال المواجهات التي اندلعت الاثنين، واستمرت قرابة 24 ساعة في المنطقة الخضراء شديدة التحصين، والتي تضمّ مقار الحكومة وبعثات دبلوماسية، بين أنصار الصدر من جهة، وعناصر من القوى الأمنية والحشد الشعبي من جهة ثانية.
وعادت الحياة الأربعاء إلى العاصمة، عقب رفع حظر التجوال الذي كان أعلنه الجيش إثر اندلاع المواجهات، وعادت الاختناقات المرورية اليومية إلى شوارع بغداد.
كان الصدر قد قال في مؤتمر صحافي بالنجف الثلاثاء، بعد يوم على ذلك الإعلان، إن لا ثورة في وجود العنف، "هذه الثورة ما دام شابها العنف ليست بثورة".
ومثّلت المواجهات قمة الخلافات حول الأزمة السياسية التي يمرّ بها العراق منذ الانتخابات التشريعية في أكتوبر 2021. وبسبب الانقسامات الحادة بين الأطراف السياسية، لم يتم تعيين رئيس وزراء جديد ولا تشكيل حكومة بعد الانتخابات. كما فشل البرلمان في انتخاب رئيس جمهورية جديد لبلد يعدّ بين أغنى دول العالم في موارده النفطية، لكنه غارق في أزمات اقتصادية واجتماعية.
ويتفق الصدر وأبرز خصومه المنضوين في الإطار التنسيقي، وبينهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، على نقطة واحدة لحل الأزمة، هي الحاجة إلى انتخابات مبكرة جديدة. لكن فيما يصر مقتدى الصدر على حلّ البرلمان أولا، يريد خصومه تشكيل الحكومة قبل البرلمان.
وقال رئيس الجمهورية برهم صالح في خطاب متلفز مساء الثلاثاء، إن "إجراء انتخابات جديدة مبكرة وفق تفاهم وطني، يمثل مخرجا للأزمة الخانقة في البلاد عوضا عن السجال السياسي أو التصادم والتناحر".
ولإجراء انتخابات مبكرة، يجب حلّ البرلمان، الأمر الذي لا يتمّ إلا بتصويت الأغلبية المطلقة لأعضائه، وفقا للدستور. ويمكن أن يتم ذلك بناء على طلب ثلث أعضائه، أو طلب رئيس مجلس الوزراء بموافقة رئيس الجمهورية. ولا تملك أي قوة أغلبية واضحة في البرلمان.
من جانب آخر ذكرت تقارير إخبارية، أن قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني ظل يسعى إلى عقد اجتماع مع مقتدى الصدر لأشهر، كما أنه دأب على زيارة العراق، ونقل المسؤولون الإيرانيون عن قاآني قوله إنه "إذا ضم الصدر حلفاء طهران إلى أي ائتلاف، فستعتبر إيران الصدر الشخصية السياسية الشيعية الرئيسية بالعراق"، وهي إيماءة ليست بالهينة بين القيادة الشيعية المنقسمة، ولكن الصدر ظل ثابتاً وشدد في تغريدة عقب الاجتماع على التزامه بحكومة خالية من التدخل الأجنبي، وقال "لا شرقية ولا غربية.. حكومة أغلبية وطنية".
وأكد مصدر إيراني لصحيفة الجريدة الكويتية، أن الصدر رفض لقاء قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآني للمرة الثالثة خلال شهر أغسطس(آب) الجاري، إذ إن الأخير طلب لقاء الصدر منذ شهر لكن الأول تعلل بانشغاله ورفض اللقاء.
وأوضحت أن قائد فيلق القدس عاد لطلب لقاء زعيم التيار العراقي بعد أسبوع، لكن مكتب الأخير أبلغه بعدم وجود موعد متاح، ولاحقاً جدد قآني طلبه للمرة الثالثة منذ أسبوع، لكن الصدر رفض عقد اللقاء لأنه (مشغول بأجندة تتعلق بالصراع السياسي الداخلي في العراق).
وحسب المصدر، أمر خامنئي قآني والسفير الإيراني الجديد محمد كاظم آل إسحاق، بضرورة لقاء الصدر وحتى دعوته إلى إيران لمقابلته شخصياً، لكن الزعيم العراقي رفض عقد مثل هذا اللقاء مؤكداً أن "العراق هو مركز التشيع، وأن على الآخرين أن يتبعوه".
وإثر إعلان مقتدى الصدر اعتزاله السياسة، لفتت مصادر في مجلس الأمن القومي الإيراني إلى أن السفير السابق في بغداد إيرج مسجدي وقائد فيلق القدس إسماعيل قآني طلبا من المجلس إصدار تعميم يمنع التعرض لسمعة الصدر في إيران، خوفاً من تأجيج الشارع العراقي وإثارة فتنة يمكن أن تؤدي إلى حرب شيعية- شيعية، كما تم أيضاً إصدار الأوامر للسفير وقائد فيلق القدس للتنسيق مع جميع حلفاء إيران في العراق، كي يتجنبوا الإدلاء بأي تصريحات يمكن أن ترفع التوتر، مع الحث على التعاون لإيجاد توافق داخل البيت الشيعي.
وهدّد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بعد الأحداث الأخيرة بالاستقالة في حال استمرار الشلل السياسي الذي يضرب البلاد.
وقال الكاظمي في خطاب مساء الثلاثاء "أحذّر من أنّهم إذا أرادوا الاستمرار في إثارة الفوضى والصراع والخلاف والتناحر وعدم الاستماع لصوت العقل، فسأقوم بخطوتي الأخلاقية والوطنية بإعلان خلوّ المنصب في الوقت المناسب، حسب المادة 81 من الدستور، وتحميلهم المسؤولية أمام العراقيين، وأمام التاريخ".
من الواضح أن الأزمة مستمرة، لعدم توصل الكتلتين الشيعيتين الرئيسيتين إلى توافق.
وتمسّك الإطار التنسيقي بمواقفه وجدّد في بيان صدر الثلاثاء مطالبته بـ"الإسراع بتشكيل حكومة خدمة وطنية تتولى المهام الإصلاحية ومحاربة الفساد".
أما موقف الصدر المعروف بتصريحاته وتحركاته المتقلبة والتي لا يمكن توقعها، فليس واضحا اليوم. فقد دعا الثلاثاء أنصاره إلى "الانسحاب" من الشارع تماما، حتى من "الاعتصام أمام البرلمان" الذي كانوا بدأوه قبل أسابيع.
وأوقف انسحابهم الاشتباكات، لكنه لم يأت بأي مبادرة للتفاوض، بل على العكس، ردّ على أسئلة الصحافيين حول ما سيحدث بأنه لن "يتكلّم في السياسة".
ورأى المحلل العراقي سجاد جياد أن "الدولة هي الخاسر الأكبر، لأنها تراقب (فقط) فريقين مسلحين قويين يتقاتلان على السلطة".
وكتب "إلى أن يتم إيجاد حلّ مناسب، من الممكن حدوث المزيد من الاحتجاجات والعنف".