تفكيك التنظيمات المتطرفة..

كيف يمكن قراءة خرائط مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف المعولم؟

معظم الدراسات الحديثة أشارت إلى أن المواجهة الأمنية، والتي تقوم على تفكيك التنظيمات المتطرفة، لا تمثل سوى 6% من المواجهة عموماً، بينما لا تمثل المواجهة العسكرية القائمة على جمع المعلومات الاستخبارية والتي من شأنها إتاحة الفرصة للمواجهة الأمنية سوى 32% فقط.

الإرهاب المعولم - أرشيف

منير أديب
القاهرة

ثلاث طرق يمكن من خلالها مواجهة تنظيمات العنف والتطرف لا رابع لها، أولاها المواجهة الأمنية، وثانيتهما المواجهة العسكرية ثم المواجهة الفكرية، وعلى قدر أهمية النوعين الأولين في أي مواجهة، إلا أن المواجهة الفكرية تبدو الأكثر أهمية وتأثيراً ولا يمكن الاستغناء عنها.

كثير من الدول واجهت الإرهاب أمنياً وعسكرياً، وبات دورها في المواجهة الفكرية ضعيفاً، ربما لعدم إيمانها بهذه الصورة من المواجهة، أو لأنها ترى أن مواجهة الإرهاب لا بد من أن يكون بالقوة الأمنية، نظراً إلى ما يمثله من خطر، لوحظ في هذه الدول انتشار الظاهرة لا اختفاؤها، رغم أن هذه الدول بذلت جهوداً كبيرة في النوعين الأولين من المواجهة، سواء المواجهة الأمنية أم حتى العسكرية.

ولذلك هناك فرق بين مواجهة الإرهابي ومواجهة الإرهاب كحالة؛ إذا قتل الإرهابي فسيخلفه إرهابي آخر، أما إذا كانت المواجهة للحالة نفسها فقد يكون التأثير أكبر في غياب الظاهرة أو اختفائها أو على الأقل التقليل من أثرها السيئ.

الأزمة الكبيرة في مواجهة ظاهرة الإرهاب، أن الكثير من الدول التي تنشط فيها الظاهرة تعتقد أن المواجهة هي أحد أهم الأدوار المناط بأجهزة الأمن والاستخبارات القيام بها، وهنا تنحصر المواجهة في بُعديها الأمني والعسكري، ويخفت بعد المواجهة الفكرية.

في الحقيقة، البعد الثالث في مواجهة الإرهاب والممثل في المواجهة الفكرية، هو دور المجتمع بأكمله، بدءاً بالمؤسسة الدينية والمجامع الفقهية، التي تعمل على تفكيك خطاب التيار المتطرف، وتقديم التصور الصحيح للإسلام الذي تتحجج به هذه التنظيمات، كما أن المؤسسة التعليمية عليها دور كبير له علاقة بتقديم محتوى يساعد الطلاب على عدم الوقوع في فخ هذه الأفكار.

الأمر لا يقتصر على دور هاتين المؤسستين، سواء الدينية أم التعليمية، ولكنّ هناك دوراً آخر للمؤسسة الثقافية، وهنا يبدو للفن والثقافة دور مهم في تهذيب المشاعر وترشيد الأفكار، وهذا الدور لا يمكن الاستغناء عنه ولا يمكن لمؤسسة بخلاف المؤسسة الثقافية القيام به، كما أن المجتمع المدني له دور لا يقل عن دور المؤسسات الرسمية السالفة الذكر، بحيث لا يمكن تفكيك الأفكار المتطرفة من دون دور المجتمع في ذلك.

هناك أزمة حقيقية لدى الكثير من المجتمعات في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، فغالباً تركز هذه المجتمعات على مواجهة ظاهرة الإرهاب فقط، ومن هنا تركز على المواجهة الأمنية والعسكرية، بينما تترك مواجهة ظاهرة التطرف وهي الأخطر، وبالتالي تستغني عن المواجهة الفكرية التي تمثل قرابة 62% من إجمالي نسبة المواجهة الموزعة بين صور المواجهة.

وهنا تبدو أهمية وجود استراتيجية دولية لمواجهة الإرهاب، بحيث تترك الظاهرة لكل دولة تواجهها بالطريقة التي تروق لها، وقد لا تكون ذات أثر عميق، وهو ما يحدث الآن، لا بد من أن يكون الحوار أكبر من مجرد التواصل بين أجهزة الأمن والاستخبارات في تلك الدول، فهذه الأجهزة تعمل بكفاءة عالية، ولكن هناك صورة أهم في المواجهة ليس مناطاً بأجهزة الأمن القيام بها وما زالت غائبة عن التفعيل.

لا بد من إنشاء ميثاق عام يُعلن في الأمم المتحدة، ويأخذ اعتراف كل دول العالم، يتعلق بمواجهة الإرهاب؛ هذا الميثاق يأتي أولاً على تعريف معنى الإرهاب تعريفاً دقيقاً، ويوجه بمعاقبة من يمارس الإرهاب أو يدعمه، سواء كانوا أفراداً أو دولاً، ولا بد من أن تتحرك كل دول العالم تحت ما يُقرّ في هذا الميثاق.

كثير من الدول تدعم الإرهاب وتدافع عنه ما دام لها مصلحة سياسية، هذه الدول قد تستخدم بعض جماعات الإسلام السياسي كجماعات ضغط وتمرد، هذا ما أفسد جهود مواجهة ظاهرة الإرهاب عالمياً، وباتت التنظيمات المتطرفة تُدرك حقيقة الخلاف الدولي في هذه النقطة، وبدأت تقدم نفسها لمن يريد أن يستخدمها مقابل أن يعطيها تاج البقاء.

التنظيمات المتطرفة تلعب على فكرة التناقضات، فهي تغذي مفهوم الاختلاف حول هذه النقطة حتى تظل باقية وتتمدد في الوقت نفسه، وهو ما حدث بالفعل وما زال يحدث، فهم التنظيمات المتطرفة وتقديم رؤية يمكن ترجمتها إلى عمل يتبناه المجتمع الدولي أمر يبدو في غاية الأهمية.

فلا أقل من أن يجتمع العالم حول تعريف الإرهاب وتفسير الظاهرة، ووضع استراتيجية عامة للمواجهة تناسب كل دولة من دول العالم، وتعطيها حق المواجهة بما يناسب ظروفها، ولكن لا يتسامح معها في التراخي مع الظاهرة أو الاستفادة من وجودها بأي صورة كانت.

فالعالم كان يشاهد بنفسه تعاملات مالية بين دولة “داعش” قبل أن تسقط، وبعض الدول التي كانت تشتري منها النفط، صحيح كان يتم ذلك من خلال عمليات تهريب، ولكنه كان يحدث تحت أعين أجهزة استخبارات هذه الدول، وكانت تتم عملية الشراء بأموال زهيده، وهو ما حقق استفادة لهذه الدول، وهنا كانت المصلحة الاقتصادية أهم من مواجهة ظاهرة الإرهاب.

الأمر نفسه تكرر مع “حركة الشباب المجاهدين” في الصومال التي تُسيطر على مناجم للفحم، فما زالت تبيع لدول في محيطها رغم توقيع الولايات المتحدة عقوبات على من يقوم بالشراء من هذه الحركة، ولكن ما زالت الحركة المتطرفة تبيع لدول كثيرة، ما جعل موازنتها المالية تفوق موازنة الحكومة الصومالية نفسها.

فإذا كانت هذه هي حال الإرهاب المعولم الذي تتعاون معه دول كثيرة، فكيف تكون المواجهة؟ وأي أثر يمكن أن تحققه هذه المواجهة بأبعادها الثلاثة؟ لا بد من إعادة قراءة خرائط المواجهة وتوجيهها على النحو الصحيح.