ضربة حقيقية لأقدم إذاعة في العالم في فجر مئويتها..
لماذا أغلقت بي.بي.سي عربي المحطات الإذاعية بعد سقوط جسر لندن؟
إعلان هيئة الإذاعة البريطانية توقف محطات إذاعية يعد ضربة حقيقية لأقدم إذاعة في العالم في فجر مئويتها
مغردون استعادوا أول بث إذاعي لراديو بي.بي.سي عربي بصوت المذيع المصري أحمد كمال سرور عام 1938.
أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية إغلاق المحطات الإذاعية باللغات العربية والفارسية والصينية، بالإضافة إلى وقف بعض البرامج التلفزيونية في أفريقيا وآسيا. ووصف مراقبون الخطة بأنها “ضربة حقيقية لأقدم إذاعة في العالم في فجر مئويتها”.
وذكر بيان صحافي أن هذه الخطة لهيئة الإذاعة البريطانية ستؤدي إلى إلغاء 382 وظيفة في خدمتها الدولية، وأن الهدف من الإجراءات التي تم الإعلان عنها يوم الخميس هو تحقيق وفورات قدرها 28.5 مليون جنيه إسترليني (حوالي 31 مليون يورو) سنويًا، وهذا المشروع جزء من خطة التسريع الرقمي التي تم الإعلان عنها في مايو، مما أدى إلى إلغاء 1000 وظيفة (من بين 22000).
وتؤكد هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” أنه لن يتم إغلاق أي من خدمات اللغات الأجنبية البالغ عددها 41 بالكامل، لكن ما يقرب من نصفها سيكون متاحًا عبر الإنترنت فقط. وتذكر الهيئة أن “تغيير العادات العامة في جميع أنحاء العالم، مع وصول المزيد من الأشخاص إلى المعلومات رقميًا، يصاحبه مناخ مالي صعب”.
وقالت ليليان لاندور مديرة الخدمة العالمية في “بي.بي.سي” إن هناك “حجة مقنعة” لتوسيع الخدمات الرقمية، حيث زاد عدد الجماهير بأكثر من الضعف منذ عام 2018. وأضافت “إن الطريقة التي يصل بها الجمهور إلى الأخبار والمحتوى آخذة في التغير، كما أن التحدي المتمثل في الوصول إلى الناس وإشراكهم في جميع أنحاء العالم بجودة وصحافة موثوقة آخذ في الازدياد”.
ومع اقتراب الذكرى المئوية لتأسيسها الشهر المقبل تتعرض هيئة الإذاعة البريطانية بالفعل لضغوط مالية كبيرة. وسبق أن جمدت الحكومة البريطانية الرسوم السنوية البالغة 159 جنيها إسترلينيا. وقالت الحكومة البريطانية إنها ستجمد تمويل “بي.بي.سي” لمدة 4 سنوات، وستناقش ما إذا كان ينبغي استمرار رسوم الترخيص التي تفرضها الدولة على المواطنين للاستفادة من الخدمات الإعلامية للهيئة البريطانية.
وقالت وزيرة الثقافة السابقة نادين دوريس إن هناك تساؤلات جادة ينبغي طرحها حول مستقبل رسوم الترخيص في عام 2027 وما بعده، في وقت يمكن فيه للعامة الاشتراك في منصات كثيرة مثل نتفليكس وأمازون برايم. وأضافت دوريس أنها ترى وجوب بقاء هيئة الإذاعة البريطانية، لكنها تحتاج إلى أن تكون قادرة على مواجهة المنافسين.
وتتعرض “بي.بي.سي” لضغط إبداعي هائل من جانب عمالقة البث مثل أبل وأمازون. ويعتمد مستقبلها على قدرتها على إقناع جيل الشباب بدفع رسوم من أجل الحصول على خدماتها.
وتصل خدمة “بي.بي.سي” العالمية إلى جمهور يقدر بنحو 365 مليون شخص في جميع أنحاء العالم كل أسبوع وتعد برامجها ذات أهمية خاصة في البلدان التي يتم فيها تقييد حرية الصحافة.
وواجهت هيئة الإذاعة البريطانية منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016 اتهامات بالتحيز السياسي.
وفي أغسطس الماضي أعلنت “بي.بي.سي” أنها ستدمج شبكتي “بي.بي.سي نيوز” و”بي.بي.سي وورلد نيوز” في خدمة إخبارية واحدة تقدم على مدار 24 ساعة اعتبارا من أبريل عام 2023 في محاولة لخفض النفقات. ويأتي ذلك في إطار سلسلة من إجراءات توفير الأموال التي تنفذها الإذاعة بعد أن أعلنت وزيرة الثقافة نادين دوريس أنه سيتم تجميد رسوم الترخيص للعامين المقبلين.
وفي ردة فعل سريعة على هذا القرار، هدد موظفو “بي.بي.سي” بالإضراب بسبب إعلان اندماج الشبكتين الإخباريتين معللين ذلك بأنه سيتسبب في إلغاء 70 وظيفة بالمملكة المتحدة.
كما أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية مايو الماضي نقل قناتها للأطفال “سي.بي.بي.سي” وقناتها التي تركز على الثقافة “بي.بي.سي 4” للبث عبر الإنترنت ودمج محطات أخبار دولية ووطنية في تغييرات أعلنت عنها ستوفر الملايين من الجنيهات الإسترلينية وستجعل “البث الرقمي أولا” شعارا للهيئة.
وأثار إعلان هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) وقف البث الإذاعي بعدة لغات من أبرزها اللغة العربية تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثيرون عن حزنهم لهذا الخبر، مودعين “صوت لندن” الذي رافقهم لسنوات طويلة.
وقالت بي.بي.سي الخميس إنها قررت وقف البث الإذاعي بـ10 لغات، من بينها العربية والفارسية والصينية والبنغالية، إلى جانب إلغاء المئات من الوظائف عبر الخدمة العالمية. وأضافت في بيان أنها “تعتزم إلغاء 382 وظيفة بالخدمة العالمية في إطار جهودها الرامية لتوفير 28.5 مليون جنيه إسترليني من المدخرات السنوية لخدماتها الدولية”. وأوضحت أن “التضخم المرتفع وارتفاع التكاليف أديا إلى خيارات صعبة للهيئة”. وأضافت الهيئة البريطانية أن خطط الخدمة العالمية تدعم إستراتيجيتها لإنشاء “منظومة حديثة، وقيادة رقمية”.
وبحسب تقرير لموقع “بي.بي.سي” بدأ القسم العربي في الشبكة بإذاعته العريقة منذ 84 عاما، وملأت أصوات مذيعيه الأثير وانتشرت شهرة برامجه الإخبارية والثقافية والترفيهية في أصقاع العالم العربي.
وكانت الإذاعة آنذاك سيدة المشهد.ولم تقتصر “بي.بي.سي عربي” على الصوت بل تعاملت مع الكلمة المكتوبة أيضا، وذلك عبر مجلاتها الشهيرة “المستمع العربي” و”هنا لندن” و”المشاهد السياسي”.
وعرفت إذاعة “بي.بي.سي عربي” نخبة من كبار المذيعين العرب الكبار عبر 8 عقود من مسيرتها ومنهم أحمد كمال سرور أول مذيع يقرأ نشرة في “بي.بي.سي العربية” في عام 1938، وحسن الكرمي الذي التحق بالقسم العربي في الشبكة مراقبا للغة حتى عام 1968، كما أعد وقدم برنامجه المعروف “قول على قول” والذي استمر في تقديمه ثلاثين عاما متتالية بالإضافة إلى مديحة المدفعي مذيعة الأخبار في أوائل الستينات وغيرهم.
واستعاد مغردون مقطع فيديو لأول بث إذاعي لراديو “بي.بي.سي عربي” بصوت المذيع المصري سرور عام 1938.
ويسمع صوت سرور وهو يقول بصوت هادئ “سيداتي وسادتي نحن نذيع اليوم من لندن باللغة العربية لأول مرة في التاريخ”. وأضاف “يسرنا أن نخاطب المستمعين في الشرق الأدنى بلسانهم العربي”، وبدت خلال البث استديوهات “بي.بي.سي” بأجهزتها القديمة.
وصارت بعدها الافتتاحية الشهيرة “هنا لندن، سيداتي وسادتي…” التابعة لدقات “بيغ بين” عند تمام كلّ ساعة.
ويشار إلى أن سرور كان أحد نجوم الميكرفون اللامعين في مصر والعالم في الثلاثينات والأربعينات. وهو الذي أذاع نعي الملك فؤاد على العالم وخبر تولي فاروق عرش مصر، ونبأ إبرام معاهدة عام 1936، وغيرها من أخبار هامة في تلك الفترة.
وضمن هاشتاغات #BBCArabic و#بي_بي_سي و#بي_بي_سي_عربي، جاءت معظم التفاعلات، واعتبر صحافيون كثر إغلاق هذا الصرح الإعلامي المهم بمثابة خسارة لا تعوض.
وقال الكاتب الصحافي اليمني عبدالسلام القيسي “نجحت ‘بي.بي.سي’ في البقاء محل المصدر الأول للخبر في المجتمعات المتهالكة والعالم الثالث (…)”. وأضاف “بعد سقوط جسر لندن بوفاة الملكة إليزابيث الثانية توقفت عبارة هنا لندن التي كانت مبتدأ كل صباح ونهاية كل يوم من إذاعة ‘بي.بي.سي’ بالعربية، أنجزت بريطانيا مهمتها في عصر الإذاعة، وجهت هذا الراديو إلى العالم العربي والعوالم غير الناطقة بالإنجليزية، ويبدو الآن أن شكل التأثير هو ما تغير بتغير وسائله، ولم تعد الإذاعة مجدية (…)”.
يذكر أن ليليان لاندور مديرة خدمة “بي.بي.سي” العالمية قالت “لم يكن دور ‘بي.بي.سي’ أكثر أهمية من أي وقت مضى كما هو اليوم”، مضيفة أن “الشبكة حظيت بثقة مئات الملايين من الأشخاص للحصول على أخبار عادلة ونزيهة، خاصة في البلدان التي تعاني من نقص في المعروض”.
وتابعت “تتغير الطريقة التي يصل بها الجمهور إلى الأخبار والمحتوى ويتزايد التحدي المتمثل في الوصول إلى الناس في جميع أنحاء العالم وإشراكهم بجودة الصحافة الموثوقة”.
يذكر أن مراقبين وصفوا إيقاف الإذاعات بأنه “ضربة حقيقية لأقدم إذاعة في العالم في فجر مئويتها”.


