الحرب الروسية الأوكرانية..
فلاديمير بوتين.. خطابات نارية.. وحرب بلا قواعد ... واجتماعات الإنذار الأخير
وشهد الجسر الذي يربط الأراضي الروسية بشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014 انفجارا قويا السبت الماضي، أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وقطع حركة مرور العربات والقطارات
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
هل الحرب الروسية الأوكرانية بلغت ذروتها وتنذر بحرب شاملة ومدمرة، ماذا بعد خطاب الغاضب هل هي نهاية "إعادة كتابة تاريخ أوكرانيا" ورسم خارطة عالمية جديدة؟
فبعد ساعات معدودة من أحاديث عن انعقاد قمة، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على العالم في خطاب متلفز من الكرملين، وألقى خطابا مليئا بالغضب والمظلوميات التاريخية والتحدي للغرب.
هذا الخطاب أبرز صورة بوتين الغاضب، نافد الصبر، المتوعّد وبشكل مباشر. وقد بدأ الرئيس الروسي وكأنه ينفض عن صدره ثِقل 20 عاما من الإساءة ويردّها لأصحابها.
يقول بوتين للغرب: "لم ترغبوا في أن نكون أصدقاء. لكنكم في الوقت ذاته لم تضطروا إلى معاداتنا". وتضمّن خطاب بوتين الكثير مما سمعناه من قبل، لكنه استعاد أطراف الحديث وأدّلى به جُملة واحدة عالِمًا بأن العالم كله يصغي إليه. وتأكد من خطاب بوتين اعتزامه عدم التنازل عن أيّ من مطالبه الأمنية المتمثلة في وجوب إعادة النظر في توسّع حلف شمال الأطلسي الناتو، وأن عضوية أوكرانيا في الحلف خط أحمر.
ويرى بوتين أن مطالب روسيا تمّ تجاهلها على مدى سنوات، مُتهمًا الغرب بمحاولة "حبْس" روسيا كقوة عالمية منبعثة. وطفح حديث بوتين المكثّف عن أوكرانيا بهوس الاستحواذ؛ فبدا الزعيم الروسي كمن يتحدث عن شيء صغير. وفي ثنايا الحديث، بدأ بوتين كمن يقدّم عرضا للهرب للرئيس الأوكراني، وبشيء من التفصيل.
وطرح "بوتين" في خطابه كتابةً جديدة من بنات أفكاره لتاريخ أوكرانيا، زاعمًا أنها لم تكن يومًا دولة بالمعنى الحقيقي. وهو ما يلوح في هذا السياق نذيرا بسوء شديد. لكن هل ثمة رسائل وجّهها بوتين للغرب؟ لماذا إذن تساءل: "هل يعادي الناتو روسيا؟". بكل تأكيد، لم يشرع الحلف الغربي في عمل كهذا. لكنّ خطاب الزعيم الروسي يؤكد مجددًا أن الكرملين لا يزال حانقًا على الطريقة التي وفّق بها التاريخ الأوضاع، إن مكاسب الناتو، في تقويم بوتين الصِفري للعالم، تُعدّ خسارة لروسيا.
توشك قواعد الاشتباك بين روسيا وأوكرانيا على أن تتغير، ومن المتوقع أن تنتقل الحرب بين الطرفين إلى مرحلة أكثر عنفا، بعد الانفجار في جسر القرم الاستراتيجي الذي سبق وأن هددت كييف بتدميره واعتبرت أنه "الهدف الأول" لهزيمة موسكو.
الجسر يمثل طريق الإمداد الرئيسي للقوات الروسية على جبهة خيرسون جنوبي أوكرانيا، سواء بالرجال والسلاح والذخائر أو بالوقود والمؤن.
وشهد الجسر الذي يربط الأراضي الروسية بشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو عام 2014 انفجارا قويا السبت الماضي، أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وقطع حركة مرور العربات والقطارات.
وبينما لم يتبن أي طرف مسؤولية تفجيرات أنبوبي غاز نورد ستريم 1و2 في 26 سبتمبر/أيلول المنصرم، خرج مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك، في أشبه باعتراف رسمي بوقوف بلاده وراء التفجير، معتبرا إياه "البداية.. ويجب تدمير كل شيء غير شرعي
إن حربا خفية تشن على روسيا، والهجوم الإرهابي المعلن منذ مدة طويلة على جسر القرم لم يعد مجرد تحدٍ بل إعلان حرب بلا قواعد"، هذا ما صرح به أوليغ موروزوف، نائب رئيس مجلس الدوما (البرلمان) لوكالة "سبوتنيك" الروسية.
أما "حرب بلا قواعد" فالمقصود بها استهداف المنشآت المدنية والبنية التحتية "في الداخل الروسي"، دون اعتبار للخطوط الحمراء التي وضعتها موسكو، رغم تلويحها بالسلاح النووي.
فالمرحلة المقبلة من المتوقع أن تشهد ردا روسيا بتوسيع الحرب بما يشمل استهداف البنية التحتية والمنشآت المدنية الأوكرانية، ما سيؤدي إلى سقوط ضحايا أكبر من المدنيين، وتدمير لمنشآت حيوية مثل محطات إنتاج الكهرباء.
وليس من المستبعد أن تعلن روسيا الحرب على أوكرانيا، وتحويل عمليتها العسكرية إلى تعبئة شاملة بدل التعبئة الجزئية التي تواجه عقبات حاليا، ما سيؤدي إلى تخصيص مزيد من الموارد للجيش لتحقيق نصر حاسم.
بل من الممكن أن يشمل الرد حربا خفية روسية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، سواء بتكثيف الحرب السيبرانية، أو استهداف المنشآت المدنية في الدول الأوروبية دون تبني ذلك.
فالعالم مقبل على تفجيرات فوضوية متعمدة، تقف وراءها دولة أو مجموعة دول، دون أن يتبناها أحد. من الصعب على روسيا ابتلاع الإهانة التي تلقتها في البحر الأسود سواء حادثة الجسر أو تدمير أهم سفينة حربية لها في البحر الأسود (الطراد موسكوفا) في أبريل/نيسان الماضي. وحتى وإن كان بإمكان روسيا إعادة فتح الجسر خلال ساعات واستكمال الإصلاحات خلال أشهر، فإن وقوع اختراق لكل الاحتياطات الأمنية التي وضعتها يهز سمعتها العسكرية.
إذ سبق لروسيا وأن فاخرت بإسقاط طائرة مسيرة قرب جسر القرم في أغسطس/آب، وتعزيز دفاعاتها الجوية والبحرية وحتى في عمق البحر لصد أي هجوم بطائرات مسيرة أو صواريخ أمريكية متوسطة المدى، أو حتى بغواصات وضفادع بشرية وقوات خاصة. لكن الهجوم كان مفاجئا كونه بواسطة شاحنة مفخخة دخلت من الأراضي الروسية متجاوزة كل إجراءات التفتيش، وانفجرت قرب قطار محمل بالوقود ما زاد في اشتعال المكان بالنيران، وانهيار جزء من الطريق في مياه البحر.
والواضح أن خيارات موسكو بالرد بالأسلحة التقليدية بما فيها الصواريخ الباليستية والفرط صوتية والمسيرات الإيرانية لم يردع تقدم القوات الأوكرانية، التي يبدو أنها مصممة على استرجاع كامل الأراضي التي استولت عليها روسيا، بما فيها جزيرة القرم
ما يدفع باحتمال لجوء روسيا إلى استخدام الأسلحة غير التقليدية والمحرمة دولية للفوز بالحرب، على غرار الأسلحة الكيماوية التي استخدمت في سوريا، والبيولوجية بل وحتى النووية التفجيرية، لمواجهة التقدم الأوكراني المدعوم غربيا.
الوضع في أوكرانيا يشهد تصاعدا غير مسبوق على جبهات القتال قبيل أسابيع من فصل الشتاء، حيث حققت القوات الأوكرانية انتصارات هامة في الجبهة الشمالية بمقاطعة خاركيف بعد استعادتها لمدينة ليمان الاستراتيجية وتحقيقها تقدما عسكريا في الجبهة الجنوبية بمقاطعة خيرسون المحاذية لشبه جزيرة القرم.
وجاء تفجير الجسر ليزيد الضغوط الداخلية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للضغط على الزر النووي، لتجنب هزيمة مهينة لثاني قوة عسكرية في العالم، بل الأولى من حيث عدد الرؤوس النووية
ووصف بوتين انفجار الجسر بأنه عمل إرهابي لا يمكن أن يمر دون رد، وهدد برد قاس إذا وقعت أي هجمات أخرى على الأراضي الروسية. وكان بوتين يتحدث بعد اجتماع لمجلس الأمن الروسي.


