ارتفاع عدد قتلى سجن «إيفين»..
الغضب الشعبي في إيران.. هل يطيح بعرش نظام الملالي القمعي؟
منظمات حقوقية ونشطاء يقولون إن الأكراد يواجهون تمييزاً، وبالمثل الأقليات الدينية والعرقية الأخرى، في ظل الحكم الديني الشيعي في البلاد.

مظاهرات نسائية في مدن إيرانية عدة وهتافات ضد خامنئي
في مواجهة أكبر تحد منذ سنوات، يحاول الزعماء الدينيون في إيران تصوير الاحتجاجات الغاضبة المرتبطة بوفاة مهسا أميني على أنها انتفاضة انفصالية من جانب الأكراد تهدد وحدة الأمة وليس حكم رجال الدين.
وتوفيت أميني (22 عاماً)، وهي كردية من إقليم كردستان في شمال غربي إيران، إثر احتجاز «شرطة الأخلاق» في «الجمهورية الإسلامية» لها بسبب انتهاك القواعد الصارمة للزي النسائي في الأماكن العامة.
وسرعان ما انتشرت الاحتجاجات، التي بدأت في جنازة أميني بمسقط رأسها مدينة «سقز» الكردية، في مختلف أنحاء البلاد، لتصل إلى العاصمة طهران ومدن في وسط إيران وفي جنوب غربي وجنوب شرقي البلاد حيث تتركز الأقليات العربية والبلوشية.
وانتشرت في أنحاء البلاد؛ بما في ذلك في الجامعات والمدارس الثانوية، صرخة المتظاهرين: «النساء... الحياة... الحرية» ودعوات لإسقاط المرشد الإيراني علي خامنئي. ومع ذلك، ركزت حملة القمع التي شنتها قوات الأمن على الشمال الغربي حيث يعيش معظم أكراد إيران الذين يقدر عددهم بـ10 ملايين نسمة.
ونقلت «رويترز» عن شهود أنه جرى نقل شرطة مكافحة الشغب وقوات «الباسيج» إلى المنطقة من محافظات أخرى، وتم إرسال دبابات إلى المناطق الكردية حيث تصاعدت التوترات بشكل خاص.
وهاجمت طهران من تقول إنهم جماعات مسلحة كردية إيرانية في العراق المجاور، قائلة إنها متورطة في الاضطرابات. وأطلق «الحرس الثوري» الإيراني صواريخ وطائرات مسيرة على ما قال إنها أهداف للمسلحين في المنطقة الكردية شبه المستقلة شمال العراق، حيث قالت السلطات إن 13 شخصاً قتلوا.
وقال مسؤول أمني متشدد إن «جماعات المعارضة الكردية تستغل قضية أميني ذريعة لبلوغ هدفها المستمر منذ عقود بانفصال كردستان عن إيران، لكنها لن تنجح».
وردد مسؤول سابق التعليقات نفسها، وقال لـ«رويترز» إن كبار مسؤولي الأمن قلقون من أن «تستخدم جماعات المعارضة الكردية الدعم الذي يحصل عليه الأكراد من أنحاء إيران للضغط من أجل الاستقلال».
ووصفت وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية الاحتجاجات التي عمّت البلاد بأنها «مؤامرة سياسية» أشعلتها جماعات كردية انفصالية، لا سيما «الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني».
وأعلنت السلطة القضائية في إيران، أمس (الاثنين)، أن 8 سجناء لقوا حتفهم جراء الحريق في سجن إيفين بطهران، ارتفاعاً من 4، في حادث يزيد الضغوط على النظام الذي يواجه بالفعل احتجاجات بسبب وفاة امرأة على أثر احتجاز شرطة الأخلاق لها.
وأثارت وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي، احتجاجات بجميع أنحاء البلاد وتحاول السلطات إخمادها بالقوة.
ونقلت وكالة «رويترز» عن القضاء الإيراني قوله إن جميع القتلى الثمانية سجناء من عنبر جرائم السرقة.
ويُحتجز في سجن إيفين أيضاً كثير ممن يواجهون تهماً أمنية، ومن بينهم إيرانيون مزدوجو الجنسية.
وقالت السلطات إن حريقاً أُضرم في ورشة بالسجن «بعد شجار بين عدد من النزلاء المدانين بجرائم مالية وسرقة».
وذكرت وسائل إعلام رسمية أول من أمس (الأحد)، أن الوفيات الأربع الأولى نجمت عن استنشاق الدخان، وأن أكثر من 60 أصيبوا، أربعة منهم في حالة خطيرة.
وقالت صحيفة «إيران» الحكومية في تعليق لها، إن القوات المعادية للثورة خططت للحريق، بمساعدة أجهزة استخبارات أجنبية، من أجل جذب الاهتمام الدولي للاضطرابات في البلاد.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، إن الحريق في إيفين يمكن أن يحدث في أي دولة أخرى.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن منظمة «حقوق الإنسان في إيران» (آي إتش آر) قولها إن عدداً من أفراد عائلات سجناء تجمعوا خارج إيفين مساء الأحد، مطالبين بالحصول على معلومات عن أوضاع أقربائهم.
وشككت المنظمة التي تتخذ من أوسلو مقراً، في رواية السلطات، وقالت: «نظراً إلى كذب المسؤولين الذي بات طبيعياً، لن نقبل التفسيرات الرسمية»، مشيرة إلى أنها تلقّت تقارير تفيد بأنّ حرس السجن شجّعوا السجناء أثناء القتال فيما بينهم.
وقال المحامي الإيراني المعروف سعيد دقان على حسابه في «تويتر»، إن 19 محامياً كانوا يدافعون عن المعتقلين في الاحتجاجات الأخيرة، اعتقلوا بدورهم.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن والاتحاد الأوروبي بين أولئك الذين انتقدوا حملة طهران القمعية على المتظاهرين.
وحذر المتحدث باسم السلطة القضائية في إيران مسعود ستايشي، من أن «نشر الكذب بقصد تعكير الرأي العام يستوجب العقاب قانوناً».
وقال أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت، علي فتح الله نجاد: «منذ بداية الانتفاضة، حاول النظام تصويرها على أنها قضية عرقية كردية وليست قومية»، مشيراً إلى «تهديد انفصالي من المنطقة الكردية».
وأضاف أن التضامن الكبير بين الجماعات العرقية المختلفة في إيران خلال الاحتجاجات على مستوى البلاد قوض جهود السلطات.
ومع ذلك، بالنظر عبر حدودها إلى الوضع في العراق، وأبعد غرباً في سوريا، يمكن للسلطات الإيرانية أن تشير إلى أن الطموحات الكردية في الحكم الذاتي تترسخ عندما تتعرض الحكومة المركزية لتحديات.
وفي العراق، حصل الأكراد؛ الذين قاتلوا نظام صدام حسين لسنوات، على قدر من الحماية العسكرية الغربية بعد حرب الخليج عام 1991 بصورة كافية للحصول على درجة من الحكم الذاتي. وتعزز مستوى الحكم الذاتي بعد 12 عاماً بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح صدام.
كما استغلت القوات الكردية السورية الاضطرابات التي أشعلتها انتفاضة 2011 ضد الرئيس بشار الأسد، وتحالفت مع الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» لتفرض سيطرتها على رقعة من شمال شرقي سوريا.
وفي تركيا؛ حيث يشكل الأكراد نحو خُمس السكان البالغ عددهم 85 مليون نسمة، خاض مسلحو «حزب العمال الكردستاني» تمرداً مسلحاً ضد الدولة منذ عام 1984 قتل فيه عشرات الآلاف. وخرج الأكراد في العراق وسوريا بمظاهرات تضامناً مع المحتجين في إيران.
وفي تركيا، قال نائب زعيم «حزب الشعوب الديمقراطي» الموالي للأكراد لـ«رويترز» إن الحزب «يحيي النساء في إيران» وينادي بحقوقهن.
وأضاف تونجر بكرهان، وهو رئيس بلدية سابق أقيل واعتُقل على خلفية اتهامات بارتباطه بالمسلحين: «كما هي الحال في تركيا والعراق وسوريا؛ الأكراد في إيران هم من يسعون إلى الديمقراطية، والأكراد هم من يسعون إلى الحرية».
في المقابل؛ دأبت الحكومة الإيرانية على نفي اتهامات التمييز ضد أي مجموعات عرقية من السكان، وهي تقول إنها تعامل جميع المواطنين على قدم المساواة بصرف النظر عن عرقهم. ويكفل الدستور الإيراني حقوقاً متساوية لجميع الأقليات العرقية، ويتيح استخدام لغات الأقليات في وسائل الإعلام والمدارس.
لكن منظمات حقوقية ونشطاء يقولون إن الأكراد يواجهون تمييزاً، وبالمثل الأقليات الدينية والعرقية الأخرى، في ظل الحكم الديني الشيعي في البلاد.
وقالت منظمة العفو الدولية إن «العشرات إن لم يكن المئات» من السجناء السياسيين المنتمين إلى «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الإيراني وغيره من الأحزاب السياسية المحظورة يقبعون في السجن بعد إدانتهم في محاكمات جائرة.
وقال هيوا مولانيا، وهو صحافي كردي إيراني مقيم في تركيا: «لم يعترف النظام قط بحقوق السكان الأكراد».
وعلى الرغم من هذه القيود في الداخل، ونموذجي الحكم الذاتي الكردي في العراق وسوريا، فإن العديد من الأكراد الإيرانيين يصرون على أنهم لا يسعون للانفصال.
وقال كافه جريشي، وهو صحافي وباحث كردي إيراني، إن «الأكراد الإيرانيين يريدون احترام حقوقهم الدستورية... الناس في إقليم كردستان... يريدون تغيير النظام وليس الاستقلال».
وقال خبير الشؤون الإيرانية في «مجموعة الأزمات الدولية»، علي واعظ، إن الاتهامات بالطموحات الكردية الانفصالية تهدف إلى خلق «حالة التفاف وطني» تشجع الإيرانيين على دعم القيادة وليس المتظاهرين.
ومع ذلك؛ فإن الخطر الحقيقي لا يكمن في أي طموحات انفصالية للأقليات الإيرانية، وإنما في تعامل القيادة الإيرانية مع هذه الأقليات.
وقال فايز: «تجاهل النظام المظالم المشروعة للأقليات العرقية والطائفية... جعل البلاد أكثر عرضة للحرب الأهلية التي دفعت ببلدان في المنطقة مثل سوريا واليمن إلى دوامة قاتلة».
وقدمت المقاومة الايرانيةلاتقارير وأقوال شهود عيان مستعدين للإدلاء بشهاداتهم في المحاكم والمراجع الدولية:
- قُتل ما بين 30 إلى 40 سجينًا في هجوم القوات الخاصة لحرس خامنئي (نوبو) على سجن إيفين، تم تسجيل أرقامهم وأسمائهم ومواصفاتهم في مستوصف إيفين. معظم القتلى من عنبر 7.
- وكان الهجوم على السجناء مدبراً مسبقاً، وأبلغ مهدي هاشمي ابن رفسنجاني، بعدم العودة إلى السجن بعد اجازته، كما تم نقل ”أكبر طبري“، نائب السلطة القضائية في عهد صادق لاريجاني، ونجفي وزير ورئيس بلدية طهران السابق إلى مستوصف السجن قبل الهجوم لكي يكونوا في موقع آمن.
- وألقى وحوش (نوبو) بعض السجناء من السطح على الأرض. واستهدفوا من السطح السجناء الذين كانوا في الفناء بالرصاص الحربي والرصاص الكروي. وأصابوا أحد السجناء الذي كان ينظر من خلف النافذة برصاصة حربية أصيب في خاصرته.
- وهاجم وحوش نوبو عنبر 8 حيث يحتجز المسجناء السياسيون بالرصاص الحربي والكروي وأطلقوا الغازات المسيلة للدموع باتجاه العنبر لدرجة الاختناق. وتم إراقة الدماء في فناء العنبر الـ 8 مثل المسلخ ولم يتمكنوا من تنظيفه حتى بعد مرور 24 ساعة.
- وفي العنبر الثامن، قام بعض السجناء المرتزقة والخونة بالتجسس على السجناء والتعاون مع حراس السجن وتوجيههم. وبعد إطلاق النار وإطلاق الغازات المسيلة للدموع، أجبرت الوحدة الخاصة السجناء على الانبطاح على الأرض وضربتهم حتى الموت. استمر الضرب الوحشي حتى الصباح. وقدر استطاعتهم، استخدموا العصي الكهربائية لضرب السجناء.
- وتجاوز الحرسي العقيد محمودي قائد وحدة حماية السجن الحد من الأعمال الوحشية بحيث عندما طلبت منه الوحدة الخاصة عدم الضرب قام بضرب السجناء على رأسهم بهراوة. وتسببت ضرباته الوحشية على رأس سجين سياسي في إصابة عينيه والنزيف بالدم. وكان أحد المجرمين يدعى ”توكلي“ ضابط الخفر في السجن.
- وأخذوا 51 شخصاً من العنبرالـ 8، حتى أن أحد السجناء الذي بقي في جسده 5 رصاصات كروية أخذوه بنفس الحالة. وتم نقل البعض إلى سجن كوهردشت، لكن مكان بقية السجناء غير معروف.
- وتم إلقاء الغازات المسيلة للدموع داخل عنبر النساء وفي نفس الوقت أغلقوا أبواب السجن حتى لا يتمكّنّ من الرد وإنقاذ أنفسهن.
- لو لم يتحرك مواطنو طهران باتجاه سجن إيفين ليلة السبت، لكان قد قتل عدد أكبر من السجناء. حتى الآن، إذا ظلت أبواب السجون مغلقة ولم يزر أحد، فإن كارثة إنسانية ستحدث.
وفي الوقت نفسه، قال رئيس السلطة القضائية كبير الجلادين المدعو إيجئي، بوقاحة: "ما حدث في سجن إيفين كان جريمة ارتكبها عدد قليل من عناصر العدو" (موقع انتخاب 17 أكتوبر). وفي الوقت نفسه، قال علي رضا بيكي، عضو مجلس شورى الملالي: "لا يتم تلبية طلبنا بزيارة السجون ومراكز الاعتقال للاحتجاجات الأخيرة" (شبكة ” شرق“ 17 أكتوبر).
وبهذا الشأن دعت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، الأمم المتحدة والمفوض السامي ومجلس حقوق الإنسان والمدافعين الآخرين عن حقوق الإنسان إلى تشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق للذهاب إلى إيفين في أقرب وقت ممكن برفقة ممثلا عن المقاومة الإيرانية ليشاهدوا آثار الجرائم ضد الانسانية. إذا ادعى النظام عدم ارتكاب أي جريمة، فعليه أن يقبل زيارة هذه اللجنة.