الاقتصاد المغلق..

"الدينار الجنوبي" الواحد يساوي 3 دولار أمريكي.. الأسباب الاقتصادية

مع انهيار العملة المحلية للبلاد الريال اليمني حاليًا والتي أصبحت تساوي أكثر من 1100 ريال مقابل الدولار الواحد و300 ريال يمني مقابل الريال السعودي الواحد!

قوة الدينار الجنوبي

ناصر بامندود
عدن

كانت قيمة الدينار عملة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية " اليمن الجنوبي" منذُ الاستقلال في 30 نوفمبر (1967م) إلى غاية ما عرف بالوحدة اليمنية في 22 مايو (1990م) تساوي قيمته 3 دولار أمريكي مقابل الدينار الواحد، و10 ريال سعودي مقابل الدينار الواحد! 

ومع انهيار العملة المحلية للبلاد الريال اليمني حاليًا والتي أصبحت تساوي أكثر من 1100 ريال مقابل الدولار الواحد و300 ريال يمني مقابل الريال السعودي الواحد! 

بات هذا السؤال يجول في خاطري كثيرًا، وزادت رغبتي في معرفة الأسباب الاقتصادية للقوة التي كان عليها الدينار الجنوبي، وكل الأشياء المتعلقة به.

وفي هذا التقرير نتعرف على عملة دينار ( اليمن الجنوبي) سابقًا والأسباب الاقتصادية التي أدت إلى قوة الدنيار الجنوبي وارتفاع سعر صرفه إلى هذا المبلغ. 

معلومات عن الدينار الجنوبي

في عام 1964م أنشئت مؤسسة نقد الجنوب العربي، والتي تمثل اتحاد الجنوب العربي والذي كان يضم حتى سقوطه كل السلطانات في الدولة التي أقيمت عام 1967م - باستثناء سلطنتي القيعطي والكثيري الحضرميتان، وسلطنة المهرة وسقطرى - وتم اعتماد الدنيار كعملة للجنوب العربي في ابريل عام 1964م، وكان أول رئيس لمؤسسة نقد الجنوب العربي ‏هو عبد الباري علي بازرعة. 

ظل التعامل بالدينار بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م فأصبحت العملة الرسمية للبلاد، ولكن تغير اسم المؤسسة المسؤولة عن العملة من مؤسسة نقد الجنوب العربي إلى مصرف اليمن. 

طباعة الدينار

يقول الأستاذ محمد سالم باصمد رئيس قسم الخزائن في مصرف اليمن فرع حضرموت : " أول ما بدأ التعامل بالدينار في 1964م كانت العملات الموجودة منه هي العملات المعدنية فقط، وفي العام التالي طبعت العملات الورقية له وكانت طباعتها في بريطانيا - وبالمناسبة كل طابعات الأربع لفئات الدينار منذُ بدء اعتماده والتداول به في عامي 1964م/1965م إلى آخر طباعه له في 1988م كانت تتم في بريطانيا- وكانت طباعةً ذات جودة عالية فالعملات الورقية كانت متينة على عكس طابعة الريال اليمني فيما بعد، والعملات المعدنية للدينار كانت تحتوي على نسبة قليلة محدودة من الذهب وأغلبه من مادة نحاسية لذلك كان له بريقه، وبعد الوحدة تم استخدام العملات المعدنية للدينار في الشمال بصناعة ( الجنبية) ". 

ويضيف باصمد: " كانت تتطبع الكميات المطلوبة والمحددة منه فقط، وهي الفئات التي غالبًا ما تكون تعرضت للتلف بفعل تداولها لسنواتٍ طويلة، ولم تكن عملية الطباعة عشوائيةً البتة، إنما هي مبالغ محددة ومدروسة بعناية". 

فئات الدينار

يتحدث الأستاذ محمد باصمد عن مستويات فئات الدينار: " كانت أدنى فئة نقدية من فئات الدينار فئة ال 5 فلس بالنسبة للعملة المعدنية، وفئة ال 250 فلس بالنسبة للعملة الورقية، بينما كانت أعلى فئة له هي فئة ال 10 دينار والتي تساوي 200 شلن."

الاقتصاد المغلق

يشرح لنا الأسباب الاقتصادية لقوة الدينار الجنوبي الدكتور محمد صالح الكسادي رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية بكلية العلوم الادارية في جامعة حضرموت فيرى: " إن من أهم أسباب قوة الدينار الجنوبي هو أن اقتصاد البلاد كان مغلقًا، والاقتصاد المغلق: بمعنى أن اقتصاد البلاد ليس خاضغًا لقانون (العرض والطلب) 

فالدولة هي من تستورد السلع وتحدد أسعارها، والاقتصاد بالكامل تحت سيطرتها، فمثلًا القمح والألبان والزيوت كانت تستورده الدولة، وتوزعه عبر التعاونيات الاستهلاكية وشركة التجارة الداخلية، كذلك الكهربائيات كانت تشتريها شركة التجارة الخارجيّة التابعة للحكومة، وشركة التجارة الداخلية التابعة كذلك للحكومة توزعها، الأمر الذي لغى احتكار التجار للسلع لأنه الدولة هي من توفرها للشعب ". 

ويضيف الكسادي : " وهذا عكس ما هو عليه الحال الآن الاقتصاد أصبح بيد التجار، وهم من يحددون العرض والطلب ". 

الإجراءات الحكومية

ويقول الدكتور الكسادي: " أيضًا من أسباب قوة الدنيار الجنوبي هي حزمة الإجراءات التي كانت تتخذها الحكومة كالافصاح عن دخول العملة الأجنبية للبلاد والتي كان لا يسمح لغير الجهات الحكومية المختصة بالافصاح عنها، ومثالًا آخر صرف العملات الخارجيّة حيث كانت تصرف في ( البنك الأهلي) الحكومي وليس في محلات الصرافة مثل ما نعيشه الآن، وأيضًا كانت الحكومة تعرف مثلًا كميات الذهب القادمة إلى البلاد مع الأشخاص العائدين إليها من لحظة دخولهم المطارات كانت تعرف مقدار الكميات وحجمها، نفس الشيء ينطبق على العملات الأجنبيّة الواردة إلى البلاد كانوا يعلمون بحجم المبالغ القادمة من لحظة دخول البلاد لكي يعرفون مقدار قانون (العرض والطلب) " .

المقاولات والمشاريع الحكومية

ويتابع الدكتور الكسادي: " كل المقاولات والمشاريع والبنية التحتية بشكلٍ عام في الجنوب قبل الوحدة كانت تنفذها الدولة ولا تجعل القطاع الخاص يتدخل فيها، فالحكومة هي من يمول ويحدد التكلفة التقديرية ويشرع بتنفيذها، وهو عكس ما حدث بعد الوحدة حينما أصبح القطاع الخاص شريكًا في المشاريع".

رب أسرة عايش مرحلة الدينار

يحكي العم عبد الرحيم عتعوت باوزير (72 عامًا) عن تلك الأيام فيقول: " حين كانت عملتنا الدينار كان الراتب يكفي ويزيد، وكنا لا نحمل همًا فقد كان كل تفكيرنا كيف نقيم الرحلات نهاية الأسبوع، فالأسعار رخيصة وراتبك يسد كل الاحتياجات فمثلًا كان الكيس الرز أبو 50 كيلو ب10 دينار ، وكنت أشتري ثمين رأس لحم ب 3 شلن، والمواصلات كذلك كانت رخيصة ، إلى أن جاءت الوحدة تغيرت الأحوال، وعرفنا الغلاء وصارت أحوالنا من أسوأ إلى أسوأ ".

نهاية الدينار

استمر التداول بالدينار حتى بعد الوحدة فكانتا عملتي البلاد الريال والدينار، ولكن بعد الوحدة انخفضت قيمته التي حافظ عليها طيلة 23 عامًا، حيث كان قبل العام 1990م مثلًا يساوي الدينار الواحد 35 امام الريال يمني عملة ( اليمن الشمالي) بينما بعد الوحدة أصبح سعر صرفه 26 ريالٌ يمني للدينار الواحد. 

استمر الحال في التعامل بالعملتين إلى سنة 1996م حين أصدر قرارٌ في آذار/ مارس بإلغاء التعامل به، فانتهى تداوله 32 عامًا من التعامل بالعملة التي على وجهها صورة مباني وميناء عدن ومركبٌ شراعي، وفي الوجه الآخر نخلة وأشجار القطن ورأس جملًا غير مرئي لمنع التزوير.