المساءلات والتحقيقات..

الانتخابات النصفية 2022 وصراع السيطرة على الكونجرس الأمريكي.. من يفوز؟

تكهنات بفوز الجمهوريين تثير تساؤلات عن الحرب الروسية – الأوكرانية والملف النووي.

الكونجرس الأمريكي - أرشيف

عوض البريكي
رئيس قطاع تريندز غلوبال للبحوث والاستشارات
واشنطن

في الثامن من نوفمبر 2022 تشهد الولايات المتحدة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، حيث يُعاد انتخاب كافة أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 عضوًا، ويُعاد انتخاب ثُلُث أعضاء مجلس الشيوخ، أي 35 مقعدًا من أصل 100 مقعد. وفي الوقت نفسه يجري الاقتراع على مناصب 36 حاكمًا للولايات من أصل 50 حاكمًا. وتحظى الانتخابات الأمريكية النصفية هذا العام بأهمية خاصة، حيث تأتي في ظل ظروف انقسام سياسي حاد بين الحزبين الرئيسيين – الديمقراطي والجمهوري – حول ملفات مهمة، في الوقت الذي ما تزال فيه تداعيات أزمة كورونا وحرب أوكرانيا تتفاعل على كل المستويات؛ حيث يُتَوَقَّع أن يخسر الديمقراطيون بعض مكاسبهم التي حققوها في الانتخابات السابقة، في ظل تراجع التأييد الشعبي للرئيس بايدن في استطلاعات الرأي.

ما أهمية هذه الانتخابات بالنسبة لكُلٍّ من الرئيس والحزبين؟ وما هي الإشكالية التي تعطيها هذه الأهمية، لا سيّما في هذه المرة؟ وما هي النتائج المتوقعة في ظل توجهات الناخبين التي تُظهرها استطلاعات الرأي؟ وما التأثيرات المتوقعة في حالة فوز الحزب الديمقراطي أو خسارته؟ وهل سيتمكن الديمقراطيون من الحفاظ على سيطرتهم؟ أم سيستردُّ الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، مما قد يُعيق التشريعات الديمقراطية لسنوات قادمة؟ وأخيرًا، ما هي تبعات نتائج انتخابات التجديد النصفي على الانتخابات الرئاسية القادمة في سنة 2024؟.

الانتخابات النصفية

يتكون الكونجرس الأمريكي من مجلسين: الأول مجلس النواب، ويبلغ عدد أعضائه 435 عضوًا، يمثلون الولايات الخمسين، ويجب أن يكون لكل ولاية عضوٌ واحدٌ على الأقل. والمجلس الثاني مجلس الشيوخ، ويبلغ عدد أعضائه 100 عضو، حيث يمثل كل ولاية من الولايات الخمسين شيخان (سناتوران).

وتُجْرَى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في منتصف فترة ولاية الرئيس، ولا تتم خلال سنوات الانتخابات العامة، وذلك على عكس انتخابات الولايات والانتخابات المحلية التي تُجْرَى كل عام. وقد أجريت الانتخابات النصفية الأخيرة في عام 2018 خلال السنة الثانية لولاية الرئيس السابق دونالد ترامب. ولم تكن هناك انتخابات منتصف المدة في عام 2020؛ لأنها كانت سنة انتخابات عامة[1]،

ويجري انتخاب جميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها  435 مقعدًا، وثُلُث مقاعد مجلس الشيوخ (35 مقعدًا)، بالإضافة إلى 36 من أصل 50 حاكم ولاية[2]. ويتم تحديد الفائزين في هذه الانتخابات من خلال التصويت الشعبي المباشر، وذلك على عكس نظام الهيئة الانتخابية، أو الكلية الانتخابية، أو المجمع الانتخابي[3]، المستخدم في اختيار الرئيس، حيث يجري انتخاب الرئيس بشكل غير مباشر.

الوضع الحالي

يسيطر الديمقراطيون على كُلٍّ من مجلس النواب ومجلس الشيوخ. ففي مجلس النواب، يشغل الحزب الديمقراطي 221 مقعدًا، بينما يشغل الجمهوريون 212 مقعدًا، وهناك مقعدان شاغران لأسباب مختلفة[4].

أمّا مجلس الشيوخ – البالغ عدد أعضائه 100 عضو – فهو فعليًّا منقسم بين الحزبين، حيث يشغل الجمهوريون الآن 50 مقعدًا، بينما يشغل الديمقراطيون 48 مقعدًا، ويوجد حاليًّا عضوان مستقلان في المجلس يُحسبان على الديمقراطيين، وبالطبع تكون كامالا هاريس – نائبة الرئيس – هي الصوت المرجح في حالة التعادل، وهذا ما يُتيح للديمقراطيين السيطرة على مجلس الشيوخ. ويعني هذا أيضًا أن الديمقراطيين في احتياج إلى الحفاظ على عدد مقاعدهم الحالي لتحقيق الأغلبية  المطلقة، بينما لا يحتاج الجمهوريون سوى مقعد واحد لاستعادة السيطرة على المجلس[5].

على مستوى الولاية، سيكون هناك 36 حاكم ولاية، و30 مكتبًا للمدعي العام للولاية في بطاقات الاقتراع، ومن بين 36 ولاية، يشغل الجمهوريون حاليًّا 20 ولاية. وعلى الرغم من أن انتخابات حُكّام الولايات هذه قد تبدو أقل أهمية من مقاعد الكونجرس، فإن الفوز بأغلبية في هذه المناطق سيمنح الديمقراطيين الفرصة لمتابعة تعديل التشريعات الليبرالية خارج واشنطن العاصمة على وجه الخصوص، وتلك مسألة ذات أهمية حيوية، ومنها على سبيل المثال، مسألة حماية حقوق الإجهاض، لا سيما في مواجهة المحكمة العليا.

أهمية الانتخابات النصفية وخصوصيتها

تحظى الانتخابات النصفية دائمًا بأهمية خاصة، صحيحٌ أن نسبة إقبال الناخبين تكون أقل تاريخيًّا مما هي عليه في الانتخابات العامة، إلَّا أن هذه الانتخابات لا تقل أهمية، وذلك لاعتبارات عدة:

أولًا، وقبل كل شيء، فهي تُعَدُّ استفتاءً على سياسة الرئيس في منتصف ولايته الرئاسية، وقد ترسم مستقبله أو مستقبل مرشح حزبه في البيت الأبيض، كما إنها تكشف الأجواء السائدة في كلا الحزبين.

ثانيًا، توفر للناخبين فرصة لتغيير الحزب الحاكم، ومن ثم تساعد في تحديد اتجاه السلطة من خلال السيطرة على الأغلبية في الكونجرس. وهذا بالطبع مهم جدًّا لأنه يتعلق بقدرة المجلس – كهيئة تشريعية – على القيام بسن القوانين وإصدارها.

ثالثًا، تؤثر على مشروعات القوانين بشكل كبير؛ نظرًا لأن مشروع القانون لا يصبح قانونًا ساريًا إلَّا بموافقة كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ، فمن المرجح أن يتم تمرير تشريعات الحزب السياسي الذي يتمتع بالأغلبية في مجلسيْ الكونجرس. هذه المسألة تكتسب أهميتها – بشكل خاص – عندما يتعلق الأمر بالقوانين والتشريعات التي تؤثر على عدد كبير من الأشخاص، مثل تلك التي من شأنها حماية خصوصية البيانات أو تأمين حقوق التصويت. ويوجد حاليا 11831 مشروع قانون وقرار معروض على الكونجرس. في الكونغرس رقم 117، كان هناك 309 مشروع قانون وقرارات مشتركة، وقد أصبحت قوانين بأغلبية ديمقراطية.

رابعًا، الانتخابات النصفية لها تأثير كبير على طريقة عمل الحكومة، حيث تؤثر على تمثيل الأحزاب في الكونجرس، ومن ثم على قوة السلطة التنفيذية أو البيت الأبيض. ويتطلب ضمان الحزب للسيطرة على مجلس الشيوخ حصوله على 51 مقعدًا، بينما يلزمه الحصول على 218 مقعدًا لتحقيق أغلبية في مجلس النواب. ويسيطر الديمقراطيون حتى الآن على مجلس النواب بعدد  218 مقعدًا، بينما يحتل الجمهوريون في مجلس الشيوخ 50 مقعدًا.

خامسًا، تُعَدُّ الانتخابات النصفية أيضًا اختبارًا للوضع السياسي على الصعيد المحلي لكل ولاية، حيث يختار الناخبون أيضًا أعضاء المجالس البلدية والقضاة وقادة الشرطة[6].

نسبة الرضا عن الرئيس بايدن

من المعروف أن الرئيس في البيت الأبيض يمثل أعضاء حزبه، ولذلك فإن نسبة الرضا عن الرئيس مهمة؛ لمعرفة المزاج العام في الداخل الأمريكي تجاه الحزبين: الديمقراطي والجمهوري. لا شك أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان سببًا في تراجع شعبية الرئيس بايدن في وقت مبكر، ولكنّ هناك أيضًا أسبابًا أخرى – مثل التضخم وأسعار الطاقة – جعلت نسبة الرضا عن الرئيس بايدن تهوي بين الأمريكيين، حيث وصلت نسبة الرضا الى أدنى مستوياتها (37.7 %) في شهر يوليو2022، وبدأت في الارتفاع تدريجيًّا إلى (41.5 %) في شهر أكتوبر 2022.

ولهذا، فإن هذه الانتخابات تأتي في ظل ظروف داخلية وخارجية صعبة، حيث يواجه الرئيس جو بايدن وضعًا صعبًا للغاية، لا سيّما أنه لم يحقق – بَعْدُ – أهم وعوده الانتخابية، وهي:

توحيد البلاد خلف راية رئاسته، ولكن الذي حدث هو أن مستوى الاستقطاب – العرقي والأيديولوجي – أصبح هو الأعلى منذ الحرب الأهلية. صحيحٌ أنه ليس مسؤولًا عنه، بل ورثه من سابقه دونالد ترامب، لكنه سيُلقي بظلاله على إدارته.
تحسين الاقتصاد – وهو دائمًا أولوية الناخب الأمريكي – لم يتحقق، بل تفاقمت المشاكل، وأهمها التضخم وارتفاع أسعار الطاقة. صحيحٌ أن هناك تحسنًا بدأ يظهر مؤخرًا بسبب الحُزَم الاقتصادية المختلفة التي قدمتها الإدارة للتخفيف على الناس، ولكن الوضع الاقتصادي عمومًا سيلقي بظلاله أيضًا على خيارات الناخبين.

هذا بالطبع ينعكس على وضع الديمقراطيين في الانتخابات المقبلة، وقد يخسرون سيطرتهم في المجلسين إذا ما تفاقم الوضع الاقتصادي.

وهناك عامل تاريخي لا يخدمهم أيضًا، فغالبًا – وليس دائمًا – ما يخسر حزب الرئيس بمعدل 26 مقعدًا في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي. وإذا ما حدث هذا في الانتخابات المُنتظرة، فقد يسيطر الحزب الجمهوري مجددًا على مجلس النواب، ويمضي أعضاؤه قُدُمًا بالتشريعات التي يرغبون بها، أو يُعيقون تمرير مشاريع القوانين التي يريدها الديمقراطيون. ومعروفٌ أن الكونجرس المنقسم – الذي يتحكم فيه أحد الأحزاب بمجلس النواب والآخر بمجلس الشيوخ – من شأنه أن يُعيق التشريعات بشأن الموضوعات الساخنة محل النقاش، مثل مسألة الهجرة والرعاية الصحية وغير ذلك. كما سيعرقل جهود المشرعين الديمقراطيين الساعية إلى الضغط من أجل استكمال المساءلة والتحقيق في أعمال شغب الكابيتول 2021. ولكن بالنظر إلى توازن القوى الضئيل في مجلس الشيوخ، فإن الديمقراطيين قد يفقدون السيطرة على كلا المجلسين. وبالمثل، فقد هدد الجمهوريون بإخضاع بايدن والبيت الأبيض للتحقيقات في حالة فوزهم بأغلبية خلال انتخابات التجديد النصفي هذه، الأمر الذي قد يؤثر على حملة بايدن 2024، إذا استمر في خططه للترشح لإعادة الانتخاب.

قضية أخرى مهمة داخل الكونجرس، هي القدرة على مؤازرة مرشح الرئيس للمحكمة العليا، حيث يتطلب ذلك موافقة مجلس الشيوخ، وهنا تظهر أهمية سيطرة الديمقراطيين على المجلس، حيث يميل أعضاء المحكمة العليا الحالية – بشكل كبير – باتجاه المحافظين (6 محافظين من أصل 9 أعضاء).

بالإضافة إلى مسألة المحكمة العليا، فإن انتخابات حكام الولايات مهمة أيضًا هذه المرة، ولا سيما فيما يتعلق بمسألة حقوق الإجهاض على مستوى الولاية. ورغم تراجع جائحة كوفيد-19، فلا شك أن الانتخابات النصفية ستكون مهمة أيضًا لتحديد تفويضات ارتداء الكمامات وفرض اللقاحات وإعلان حالة الطوارئ، حيث يكون للحُكّام والمشرعين المحليين حق الإدلاء بآرائهم بشأن هذه الأمور على مستوى الولاية والمدينة. كذلك سيظل التنافس للسيطرة على مجالس إدارات المدارس أمرًا مثيرًا للجدل، حيث تنقسم المجتمعات حول مسألة الكتب، وكيفية تعليم الطلاب، ومعالجة مسائل العرق والعنصرية.

ستعاني انتخابات التجديد النصفي أيضًا من آثار دورة إعادة تقسيم الدوائر لعام 2020، وهي عملية تحدث كل 10 سنوات بعد جمع بيانات التعداد الجديدة. خلال هذه العملية يتم إعادة ترسيم الدوائر المحلية والكونجرس. وباستثناء الطعون القضائية الناجحة، فإنه لا يمكن تغيير الدوائر الجديدة مرة أخرى حتى عام 2030. وغالبًا ما ينتهز السياسيون الموجودون في السلطة فرصة إعادة تقسيم الدوائر كوسيلة لتغيير حدود منطقةٍ ما، وذلك من أجل زيادة عدد الناخبين الذين سيصوتون لحزب أو مرشح معين داخل تلك المنطقة.

جديرٌ بالذكر أن الجمهوريين دخلوا في هذه الدورة وهم يسيطرون على ترسيم المزيد من الدوائر، إلَّا أن عدد المقاعد ذات الميول الديمقراطية ازداد عمليًّا نتيجة لإعادة تقسيم الدوائر، حيث احتوتْ الخرائط الجديدة على ستة مقاعد ذات ميول ديمقراطية أكثر من القديمة. ومع ذلك، حقق الجمهوريون مكاسب من إعادة تقسيم الدوائر، حيث استفادوا من رسم الخرائط في ولايات مثل فلوريدا وماريلاند ونيويورك، وعززوا موقفهم الحالي من خلال تحويل المناطق ذات اللون الأحمر الفاتح إلى مقاعد أكثر أمانًا في ولايات مثل تكساس. وبغض النظر عن الحزبية، فسوف يستمر عدد المقاعد المتأرجحة في التناقص، في حين أن المناطق الملونة – خليط من الأحمر والأزرق – سوف تظل مُمَثُّلَةً تمثيلًا ناقصًا داخل الكونجرس[7].

العوامل المؤثرة في الانتخابات النصفية

هناك عوامل متعددة – داخلية وخارجية – تؤثر في الانتخابات عمومًا، بما فيها الانتخابات النصفية. وما يتعلق بالعوامل الداخلية هو دائمًا الأكثر أهمية، بل وربما يستحوذ عمومًا على (80 – 90 %) من اهتمام الناخبين. وأهمها عادةً الوضع أو الظروف الاقتصادية، التي غالبًا ما تلعب دورًا رئيسيًّا – وأحيانًا حاسمًا – في مسار ونتيجة الانتخابات الأمريكية، الرئاسية منها والتشريعية.  ولذلك فإن الاقتصاد دائمًا في سلم أولويات الناخبين. ويدخل تحت هذا العامل: البطالة، ونسب التوظيف، ومستويات الدخول، ومعدلات التضخم، والضرائب، سواء على الشركات أو الأفراد. وهناك أيضًا قضايا داخلية أخرى مهمة في تحديد توجهات الناخبين، ومنها الرعاية الصحية، وقضايا أو قوانين الهجرة، ومسألة الإجهاض، وحيازة الأسلحة، والتعليم، وغيرها من القضايا المحلية، التي يتفاوت دورها من فترة لأخرى حسب الاهتمام والسياق الذي تُطرح أو تبرز فيه.

أمّا السياسة الخارجية، فهي لا تحظى بنفس المستوى من الاهتمام، بل وقد تكون أحيانًا هامشية. وهي عمومًا قد تحظى بنسبة (10 – 15 %) من الاهتمام. ومن أهم هذه القضايا التورُّط العسكري في الصراعات، والأزمات الخارجية كالحرب في أوكرانيا، والموقف من الحلفاء والتحالفات الخارجية، ولا سيما حلف الناتو، إلى جانب الموقف من بعض القضايا الرئيسية الأخرى، ومنها الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، وكذلك قضايا حقوق الانسان، وغيرها من القضايا التي قد يتم إثارتها من قِبَل الحزبين الرئيسيين في الحملات الانتخابية بهدف كسب الأصوات.

توجهات الناخبين

يتم التعرف على توجهات الناخبين بوسائل مختلفة، ولكن أهمها وأكثرها شيوعًا استطلاعات الرأي؛ والتي تجري بشكل واسع في الولايات المتحدة، وغالبًا ما تعكس رغبات الناخبين، مع وجود نسبة أو هامش خطأ، ونادرًا ما يكون الفرق كبيرًا – أو معاكسًا – بين ما تتوقعه الاستطلاعات وبين النتائج الحقيقة بعد الاقتراع.

وتشير استطلاعات الرأي عمومًا إلى حدوث تغيير في توجهات الناخبين. وقد يكون هذا أمرًا طبيعيًّا. فمنذ عام 1974، أصبح من المعتاد – بل تكاد تكون قاعدة عامة – أن يفقد حزب الرئيس مقاعد في مجلس النواب في التجديد النصفي، بمتوسط 23 مقعدًا.

من المعروف أن تفضيلات الناخبين بالنسبة لمجلس النواب منقسمة بين الجمهوريين والديمقراطيين، وأيًّا ما كان الأمر فإن الحزب الجمهوري يتمتع هذه المرة بميزة بين المهتمين كثيرًا بانتخابات هذا العام، حيث تقرر نتائج استطلاعات الرأي أن نسبة 52 % سوف يصوتون – أو يميلون – للجمهوريين، بينما سيصوت 44 % فقط للديمقراطيين أو يميلون إليهم. أمّا فيما يخص مسألة مَنْ الذي سوف يسيطر على الكونجرس من الحزبين، فقد انقسم المصوتون في استطلاعات الرأي بالتساوي، حيث يؤيد 48 % المرشحين الديمقراطيين، بينما يؤيد 48 % الجمهوريين[8].

أمّا فيما يخص الناخبين المستقلين والمترددين، فإن آخر استطلاع أجرته صحيفة النيويورك تايمز، بالتعاون مع كلية سيينا في شهر أكتوبر، هذا الاستطلاع أظهر أن الناخبين المستقلين والمترددين – خاصة النساء منهم – سوف يتجهون بشكل كبير تجاه الحزب الجمهوري، حيث إن نسبة (49  %) من المستطلعة آراؤهم قالوا إنهم سينتخبون المرشحين الجمهوريين، مقارنة بنسبة (45 %) قالوا إنهم سيصوتون للحزب الديمقراطي. هذا الاستطلاع الأخير يُظهر ارتفاع نسبة التأييد لصالح الجمهوريين، مقارنة باستطلاع شهر سبتمبر الذي كان لصالح الديمقراطيين. وأظهر هذا الاستطلاع أيضًا أن من أهم الموضوعات المؤثرة في الانتخابات النصفية لهذا العام هو موضوع الاقتصاد والتضخم، وذلك بنسبة (44 %) مقارنة مع شهر سبتمبر حيث كانت النسبة (36 %). جديرٌ بالذكر أن الذين أشارو إلى الاقتصاد باعتباره أهم قضية للتصويت، هم من اختاروا التصويت للحزب الجمهوري. وهكذا يظل التحدي الكبير الذي يواجه الديمقراطيين في هذه الانتخابات هو أن نسبة الناخبين الذين يركزون على المسائل الاقتصادية يزداد، مما يدفع الناخبين – بشكل كبير – تجاه الجمهوريين[9].

الظروف الاقتصادية

الاقتصاد هو القضية الأساسية في الانتخابات الامريكية، النصفية أو الرئاسية. وتُظهر البيانات الصادرة عن مؤسسة غالوب، واستطلاعات الرأي الأخرى، أن الاقتصاد – والتضخم على وجه الخصوص – يحظى بالأولوية في اهتمام الناخبين [10]، بل ويتصدر قائمة قضاياهم. وهناك عدد من استطلاعات الرأي، التي نَظَّمَتها PBS NewsHour / NPR / Marist، وكلها تُظهر أن الاقتصاد هو الذي يسيطر على اهتمامات الأمريكيين[11]. ويرى (77 %) من الناخبين المسجلين – أي حوالي ثلاثة أرباع عددهم – أن الاقتصاد هو أهم عنصر لتصويتهم في انتخابات الكونجرس النصفية لعام 2022، مما يجعله في المرتبة الأولى بين العديد من القضايا التي يجري استطلاع الناس بشأنها. ويقول ما يقرب من (28 %)، أي ربع الناخبين،  إن تفشي فيروس كورونا سيكون مهمًا للغاية بالنسبة لتصويتهم، ومع ذلك فهو الأقل أهمية من بين 15 قضية يتم طرحها في الاستطلاعات[12].

الإجهاض

في حين أن الاقتصاد ما يزال هو القضية المهيمنة في الانتخابات النصفية هذا العام، فقد ازدادت أهمية مسألة الإجهاض بشكل ملحوظ، لا سيّما بعد قرار المحكمة العليا الأخير بإنهاء الضمان الفيدرالي للحق في الإجهاض القانوني في الولايات المتحدة. وتقول غالبية الناخبين المسجلين (56 %) إن مسألة الإجهاض ستكون مهمة للغاية في تصويتهم النصفي، مقابل (43 %) في استطلاع مارس. جاءت كل الزيادة تقريبًا من قِبَل الديمقراطيين، حيث يرى (71 %) من الناخبين الديمقراطيين المسجلين أن الإجهاض أمر بالغ الأهمية؛ في حين أن من قال ذلك في استطلاع مارس كانوا أقل من النصف (46 %). وعلى النقيض من ذلك، لم تُظهر وجهات النظر بين الجمهوريين أي تغيير تقريبًا منذ ذلك الحين (41 % الآن، في مقابل 40 % في مارس).

الهجرة

نظام الهجرة من القضايا الرئيسية التي تتزايد الخلافات بشأنها بين الجمهوريين والديمقراطيين، خاصة في السنوات الأخيرة. ويختلف الحزبان حول الأولويات الأكثر إلحاحًا في هذا النظام، حيث يُولي الجمهوريون أهمية خاصة لأمن الحدود، وترحيل المهاجرين الموجودين في البلاد بشكل غير قانوني، بينما يُولي الديمقراطيون أهمية أكبر لمسارات الوصول إلى الوضع القانوني لأولئك الذين دخلوا البلاد بشكل غير قانوني، وخاصة أولئك الذين دخلوا كأطفال.

كوفيد 19

تراجع الاهتمام بأزمة كوفيد، بعد أن كانت تتصدر قائمة العوامل الأكثر تأثيرًا في توجهات الناخبين، بسبب تأثيراته المباشرة عليهم في مختلف النواحي، الاقتصادية والصحية وحتى النفسية؛ ولكنها تراجعت مؤخرًا بشكل كبير مع انحسار الفيروس، ومع الدعم الكبير – وربما غير المسبوق – الذي قدمته إدارة بايدن للأمريكيين، فضلًا عن تخفيف الإجراءات الاحترازية. ولا شك أن هذا الأمر يُسهم أيضًا في تقليل الفجوة بين الحزبين، ولكن هذه الأزمة عمومًا لم تَعُدْ عاملًا حاسمًا كما كانت. وقد أظهر استطلاع للرأي أن 13 % فقط من الجمهوريين يعتبرونها مسألة مهمة للغاية، بانخفاض 6 نقاط عن شهر مارس، وشهد الناخبون الديمقراطيون انخفاضًا مشابهًا في أهمية القضية: (46 % في مارس، إلى 41 % أغسطس)[13].

السياسة الخارجية

عادةً لا يُولي الناخبون الأمريكيون أهمية كبيرة للسياسة الخارجية، وهذه المرة ليست استثناء، فالناخبون – الجمهوريون والديمقراطيون – أقل احتمالية للنظر في السياسة الخارجية. ففي مارس الماضي قال ثُلثا الجمهوريين إن السياسة الخارجية هي قضية مهمة للغاية، بينما لا يقول ذلك اليوم سوى 54 %. ومن جهة الديموقراطيين، فقد قال نصفهم في مارس الماضي إن السياسة الخارجية مهمة للغاية في تصويتهم، مقارنة بنسبة 37 % في أغسطس.

الموقف العام من الحزبين

قبل نحو أسبوع على الانتخابات، تشير استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين منقسمون تقريبًا بين الحزبين، في خِضَمّ معركة حامية الوطيس بينهما للسيطرة على الكونجرس. ويشير أحدث استطلاع للرأي قامت به الواشنطن بوست وأي بي سي نيوز إلى أن الجمهوريين يمسكون زمام القيادة بقوة في الاقتصاد والتضخم والجريمة، بينما يتمتع الديمقراطيون بميزة في مسائل الإجهاض وتغير المناخ[14].

وتُظهر استطلاعات الرأي عمومًا أن الفجوة تضيق بين الحزبين، حيث يتمتع الحزب الديمقراطي بتقدم طفيف على الجمهوري بنسبة 1.1 نقطة مئوية، بعدما كان الجمهوريون يتقدمون على الديمقراطيين في نهاية يناير 2022، بنحو 4 نقاط[15]. ومع تحسن آفاق الديمقراطيين في الانتخابات النصفية، فإن فرصتهم للاحتفاظ بمجلس الشيوخ لا تزيد على 71 %، وفرصتهم للاحتفاظ بمجلس النواب لا تزيد على 29 %، وفقًا لتوقعات موقع Five Thirty Eight[16]. ولذلك فإن فرصة الجمهوريين للفوز بمجلس النواب أكبر بكثير من الديمقراطيين، بينما تتضاءل فرص الاحتفاظ بمجلس الشيوخ لصالح الديمقراطيين.

هناك بالطبع عوامل كثيرة يمكن أن تفسر التحول في الزخم من الحزب الجمهوري إلى الديمقراطي. فعلى سبيل المثال، انخفضت أسعار الغاز بشكل مطرد منذ أوائل الربيع، مما أدى إلى إضعاف أحد أهم النقاط التي أثارها الجمهوريون. كما أقر الديمقراطيون قانون خفض التضخم، مما أدى إلى تهدئة الانتقادات التي وجهها لهم الجمهوريون بأنهم “لا يفعلون شيئًا” في الكونجرس حيال هذه القضية[17]. وجديرٌ بالذكر أيضًا أن جلسات الاستماع في مجلس النواب – بشأن تمرد 6 يناير 2021 – أثارت أسئلة مقلقة بشأن مسألة تشجيع الرئيس دونالد ترامب آنذاك، وبعض أعضاء الكونجرس الجمهوريين، للهجوم على مبنى الكابيتول. كما أن فوز بعض المرشحين المتطرفين في الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في عدة ولايات، يمثل مشكلة أيضًا، وهذا ما يؤكد مخاوف زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ – ميتش ماكونيل – من أن الجمهوريين سيفعلون كل ما بوسعهم في السعي لاستعادة مجلس الشيوخ[18].

وغنيٌّ عن الذكر أن أي حساب للتحوُّل في ديناميكيات انتخابات التجديد النصفي لهذا العام يجب أن يأخذ في الاعتبار قرار المحكمة العليا بمنع الاجهاض، بعدما كان مسموحًا به طوال 50 عامًا[19]، ما أدى إلى إحداث صدمة في السياسات الأمريكية. وقد تحول عدد الناخبات المستقلات بنسبة عشرين نقطة مئوية لصالح الديمقراطيين بين مارس وأغسطس، بينما ارتفعت نسبة النساء المسجلات للتصويت بنحو 35 في المائة في عشر ولايات، مقارنة بالشهر الذي سبق تسريب مسودة رأي المحكمة العليا بشأن القرار. ويبدو أن مَنْ يُطْلَق عليهم اسم الناخبين المقنعين – أي الناخبين الذين لا يصوتون بشكل موثوق لأي من الحزبين – يميلون هذا العام إلى الديمقراطيين مقارنة بالانتخابات السابقة، بحيث يمكن أن يخالف الديمقراطيون الاتجاهات التاريخية في هذه الدورة.

ومع ذلك، ربما يكون من السابق لأوانه الحكم بشأن تأثير هذا الأمر على شعبية الديمقراطيين. فما زال هناك فترة أكثر من أسبوع، يمكن أن يحدث فيها تطورات توقف تقدمهم؛ كما أن جهود الحزب الجمهوري للحد من التصويت المبكر والاقتراع عبر البريد يمكن أن تُضعف الإقبال على الديمقراطيين. هذا فضلًا عن احتمال أن تخطئ استطلاعات الرأي – كما حدث في الماضي – وتبالغ في تقدير قوة المرشحين الديمقراطيين، بينما تقلل من قوة الجمهوريين.

تأثير الانتخابات على السياسة الخارجية

صحيحٌ أن السياسة الخارجية لا تلعب دورًا كبيرًا في توجهات الناخبين، ولكنها مع ذلك تتأثر بنتيجة الانتخابات. وهذا لا يعني بالطبع – ولا يُتَوَقَّع أصلًا – أن تؤدي الانتخابات القادمة إلى تحولات أساسية أو حاسمة في السياسة الخارجية. ولكن إذا سيطر الجمهوريون على مجلس النواب، أو مجلس الشيوخ، أو الاثنين معًا، فسوف يقومون بالتدقيق وتفحص سياسات الإدارة باهتمام أكبر[20].  أي أن الكونجرس الجمهوري سيجعل الأمور صعبة على بايدن، دون أي يؤدي هذا بالضرورة إلى تغييرات كبيرة وفورية في النهج الأمريكي للشؤون الخارجية.  

أيًّا ما كان الأمر، فسيظل هناك مجالات للتعاون المحتمل بين الحزبين. فوجهات النظر متقاربة حول مسألة الأمن القومي الأكثر إلحاحًا التي تواجه الولايات المتحدة، وهي الحرب في أوكرانيا. ورغم وجود انتقادات من بعض الجمهوريين في الكونجرس، فإن القليل منهم فقط وضع الاستراتيجية الشاملة موضع تساؤل. بالطبع ليس هناك ما يضمن استمرار الجمهوريين في دعم هذا الموقف ضمنيًا، فالجمهوريون اليمينيون المتطرفون، الذين يعارضون السياسة الخارجية التدخلية بشكل عام، وكذلك المرشحون الجمهوريون للرئاسة، الذين يسعون لتقويض بايدن في قضايا مثل التضخم الناتج عن الحرب، كل هؤلاء يمكن أن تتزايد انتقاداتهم مع الاقتراب من الانتخابات الرئاسية في 8 نوفمبر 2024. ولهذا سيتعين على بايدن أن يعمل بجد لإقناع أعضاء الكونجرس الجمهوريين – والشعب الأمريكي عمومًا – بأن استمرار الدعم لأوكرانيا أمرٌ يستحق التكلفة[21].

كما يعتبر الناتو نقطة التقاء أيضًا، على الرغم من أن هذا الدعم تراجع نسبيًّا بسبب توجهات ترامب ، لكن الجمهوريين – عمومًا – ما زالوا يدعمون الحلف. وعلى أي حال، سيحتاج بايدن إلى دعم جمهوري مستمر لضمان التزام أمريكي ومتواصل لحلف الناتو.

هناك أيضًا توافق بشأن الصين. ورغم وجود اختلافات بشأن صياغة سياسات محددة، فإن بايدن والجمهوريين في الكونجرس يتشاركون في القلق العميق من الصين. ويشمل ذلك التحركات الجيواستراتيجية للصين في بحر الصين الجنوبي وما وراءه، والمشاريع الخاصة بمبادرة “الحزام والطريق” لتشكيل نظام تجاري واستثماري عالمي تقوده الصين، والسياسات الحمائية للبلاد وغيرها. ومن ثم، فهناك بالتأكيد تداخل بين الجمهوريين والديمقراطيين، واحتمالات لمقاربات بين الحزبين بشأن الصين.

ولكن في مجالات أخرى، ربما يتم تقييد المساحة أمام إدارة بايدن للمناورة في الساحة الدولية إذا فاز الجمهوريون بأغلبية في أي من المجلسين أو كليهما. ومن أبرز الأمثلة على ذلك التغير المناخي، حيث كان لدى بايدن خطط طموحة لإحداث تحول كبير في الطاقة في الداخل، وإعادة تنشيط الدور الأمريكي بشأن هذه القضية المهمة في الخارج. ولكن كل ذلك تراجع، أو انتهى  على الأقل ذلك الجزء الذي يتطلب تشريعات، ولم يكن ذلك بسبب الجمهوريين وحدهم، ولكن أيضًا بسبب الديمقراطيين أنفسهم؛ حيث يعارض عدد منهم خطط بايدن في هذا المجال. وإذا تحولت الأغلبية إلى الجمهوريين في مجلس الشيوخ، فإن التشريعات الخاصة بالتغير المناخي ستتوقف أو تنتهي.

المصدر: تريندز للبحوث والاستشارات