الأزمة الروسية الأوكرانية..

الولايات المتحدة تشجع على إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي وفرنسا تتهم واشنطن بـ”ازدواجية المعايير”

أصوات غربية تطالب بوقف الانسياق وراء واشنطن في الحرب، معتبرة أنها حرب أميركية تهدف إلى الحد من نفوذ روسيا المتزايد في ملفات دولية مختلفة

مآخذ الرئيس الأميركي جو بايدن على أوبك+ هي نفسها مآخذ قادة أوروبا عليه.

واشنطن

شجعت الولايات المتحدة أوروبا على إنهاء الاعتماد على الغاز الروسي مقابل أن تتعهد بتوفير الإمدادات الضرورية، في انتظار التوصل إلى بدائل لكن الأوروبيين اكتشفوا أن الأمر لا يعدو أن يكون أقرب إلى الخديعة؛ إذ استثمر الأميركيون تراجع الإمدادات الروسية لزيادة أسعار الغاز الأميركي المتجه إلى أوروبا أضعافا مضاعفة.

يأتي هذا ليؤكد أن مآخذ جو بايدن على أوبك+، وعلى السعودية بوجه خاص، بدعوى خفْض الإنتاج لزيادة الأسعار هي نفسها مآخذ أوروبا عليه وعلى إدارته.

وقابل وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان الضغوط على بلاده بخطاب واضح وصريح على هامش قمة المناخ في مصر حين قال إن العالم يريد “التمثيل” بالمملكة أو “صلبها” باعتبارها أكبر مصدر للنفط، في إشارة إلى حجم الاستهداف الذي تعرضت له خاصة من الأميركيين الذي تناسوا في لحظة واحدة حجم الشراكة مع السعودية وأهميتها الإستراتيجية لبلادهم.

وقال الأمير عبدالعزيز “العالم يريد أن يمثل بنا. سنسائل (زعماء دول) العالم عما يقدمونه لأننا نريد من الآخرين مضاهاتنا وتوجيه أموالهم لدعم القضايا التي يتشدقون بها”.

وزير الطاقة السعودي قابل الضغوط على بلاده بخطاب صريح حين قال إن العالم أراد "التمثيل" بالمملكة أو "صلبها"

ويأتي تصريح الوزير السعودي ليؤكد حجم التناقض في تصرف الولايات المتحدة تجاه بلاده من ناحية، ومن ناحية أخرى تضغط على الأوروبيين وتدفعهم إلى شراء الغاز بأسعار خيالية، مثلما اشتكى من ذلك قادة أوروبيون.

وقالت تقارير صحفية إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يتردد في أتهام واشنطن بـ”ازدواجية المعايير” بسبب الاختلاف بين السعر الذي يُباع به الغاز الأميركي في أوروبا والسعر الذي يُباع به داخل أميركا.

وقال ماكرون بسخرية في كلمة له أمام مؤتمر لرجال الأعمال عقد في باريس “سنقول لأصدقائنا الأميركيين والنرويجيين، بروح الصداقة العظيمة: أنتم رائعون، (لأنكم) تزودوننا بالطاقة والغاز”.

وتابع ماكرون “لكنْ هناك شيء واحد لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة، وهو أن ندفع أربعة أضعاف السعر الذي تبيعون به منتجات صناعتكم، ذلك ليس المعنى الدقيق للصداقة”.

ولم يكن الرئيس الفرنسي القائد الأوروبي الوحيد الذي احتج على الخديعة الأميركية التي شجعت الأوروبيين على وقف الاعتماد على الغاز الروسي الذي كانوا يحصلون عليه بسلاسة وبأسعار معقولة ووفق خطط طويلة المدى وآمنة، ثم وضعتهم أمام الأمر الواقع بزيادة الأسعار زيادة جنونية.

واستنكر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك في تصريحات سابقة طلب “دول صديقة”، في مقدمتها الولايات المتحدة، من ألمانيا “أثمانًا خيالية” لتوريد الغاز من أجل تعويض وقف الشحنات الروسية.

ونقلت صحيفة بيزنس إنسايدر منذ أيام عن مصادر مطلعة قولها إن حمولة سفينة واحدة من الغاز الطبيعي المسال الأميركي بحوالي 60 مليون دولار، بلغ سعرها بعد شحنها إلى أوروبا حوالي 275 مليون دولار، أي بزيادة نسبتها 358 في المئة، وإن كل ناقلة غاز طبيعي مسال تحقق أرباحا تتجاوز 150 مليون دولار.

وسعى براد كرابتري، مساعد وزير الطاقة الأحفورية وإدارة الكربون في الولايات المتحدة، إلى الإيحاء بأن رفع الأسعار لا يتعلق بشركة الغاز الطبيعي المسال الأميركية (حتى لا يفهم أنه توجه رسمي لإدارة بايدن)، وإنما تقف خلف ذلك “شركات وتجار نفط دوليون يتخذون من أوروبا مقرا لهم”.

وصرّح كرابتري لفاينانشيال تايمز بأن الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة أوروبا في الحصول على ما يكفي من الغاز “بسعر في متناول القارة”.

وعزت المحللة الاقتصادية إيرينا سلاف في تقرير لموقع أويل برايس الأميركي زيادة الأسعار إلى استفادة منتجي الغاز الطبيعي المسال من الطلب القوي المتأتّي من أوروبا. وقالت “هذا هو بالضبط سبب تمتعهم بأرباح أعلى: زاد الطلب، وعندما يزيد الطلب تتبعه الأسعار، خاصة إذا كان العرض لا ينمو بسرعة الطلب”.

ومن شأن زيادة الأسعار بشكل خيالي أن تدفع الأوروبيين -طال الوقت أم قصر- إلى مراجعة موقفهم والكف عن الرهان على الأميركيين كمصدر لإمدادات الغاز. وقد يفضلون المجازفة باستعادة العلاقة مع روسيا ووقف تنفيذ العقوبات المطلوبة أميركيًّا إذا فشلوا في تأمين بدائل من دول أخرى غير الولايات المتحدة.

وبدأت أصوات غربية تطالب بوقف الانسياق وراء واشنطن في الحرب، معتبرة أنها حرب أميركية تهدف إلى الحد من نفوذ روسيا المتزايد في ملفات دولية مختلفة، وأن أوروبا ليست سوى أداة لتحقيق أجندة واشنطن ولو على حساب أمنها القومي.

ويعرف الأميركيون أن مثل هذا التراجع صعب في الوقت الحالي، لذلك يستغلون حاجة أوروبا إلى بدائل تمدهم بالغاز لزيادة الأسعار زيادة خيالية، وبذلك يؤكدون أنهم ليسوا صديقا لأوروبا يمكن الاعتماد عليه.

وقال خبراء “أيا كانت المبررات الموضوعية بالنسبة إلى زيادة الأسعار، سواء منها ما تعلق بدخول وسطاء أو ما اتصل بسعي الشركات الخاصة للربح في ظل ارتفاع الطلب، فإن الصورة تظهر تناقضا في تصرّف إدارة بايدن التي تبحث الآن عن تفسيرات لزيادة أسعار الغاز الموجه إلى أوروبا فيما كانت تهاجم تفسيرات السعودية وبقية دول أوبك+ بأن قرار خفض الإنتاج هو قرار اقتصادي بحت ولا خلفيات سياسية له”، في إشارة إلى اتهام الولايات المتحدةِ الرياضَ بمساعدة روسيا على تمويل الحرب.

وأشار المراقبون إلى أن تناقض إدارة بايدن في التعامل مع أسعار الغاز الأميركي من جهة وأسعار نفط أوبك+ من جهة أخرى يسقط عن اتهاماتها للسعوديين أيّ شرعية، ويعطي مشروعية للمسار الذي سلكوه بالتفكير في مصلحة المملكة من وراء قرار خفض الإمدادات بقطع النظر عن الحملة متعددة الأوجه التي تشنها واشنطن بلا توقف.

وقالت وزارة الطاقة الباكستانية، إنه لا يوجد خيار أمامها سوى ترشيد الاستهلاك في الشتاء المقبل بسبب النقص المتزايد كل عام.

وأضافت الوزارة -في مناقشة أمام لجنة الطاقة بمجلس الأمة في باكستان-، أنها ستبذل أقصى جهد لضمان توفير الإمدادات للمستهلكين المحليين لمدة 3 ساعات في الصباح، وساعتين بعد الظهر، و3 ساعات في المساء، وفقًا لموقع داون المحلي المتخصص (dawn).

وتعني هذه الخطة صعوبة إتاحة الغاز الطبيعي لـ"قطاع المنازل" في باكستان على مدار الساعة كما هو معهود، بل سيُجرى تخفيف أحمال الشبكة لمدة 16 ساعة يوميًا، مع إتاحة 8 ساعات متقطعة بسبب النقص المتزايد في الإنتاج المحلي وارتفاع تكلفة الواردات من الخارج، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

ويقول قسم البترول في وزارة الطاقة الباكستانية، إن الشتاء المقبل سيكون صعبًا للغاية من حيث توافر الغاز الطبيعي، ما اضطرها إلى اقتراح خطة ترشيد إلزامية تقتضي توفير الغاز للمنازل 3 مرات متقطعة يوميًا لإنجاز أعمال الطهي وخلافه، لحين انتهاء فصل الشتاء الذي يتزايد فيه الاستهلاك بصورة موسمية اعتيادية.

واعتمدت باكستان حتى العام الماضي على تعويض النقص في الإمدادات المحلية، عبر استيراد شحنات من الغاز الطبيعي المسال وضخها إلى المنازل بعد إجراء عمليات التحويل الفنية اللازمة لذلك.

وتخشى شركات النفط ظاهرة التغيير السريع للحكومات في باكستان، إذ لا تلبث حكومة أن تتولى مقعدها حتى تجد نفسها مضطرة إلى المغادرة بعد عام أو عامين على الأكثر في أغلب الأحوال.

ويُرجع المراقبون أسباب هذه الظاهرة إلى حالة الاستقطاب السياسي الحاد بين مكونات النخبة السياسية والحزبية والأمنية والدفاعية في البلاد، بالإضافة إلى عوامل الاختراق الخارجي من كبرى دول العالم لا سيما الولايات المتحدة، وصولًا إلى الهند المجاورة من الغرب والمتصارعة على إقليم كشمير منذ عقود، والصين المطلة على البلاد من الشمال الشرقي.

وكان رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان قد نجا من محاولة اغتيال في 3 نوفمبر/تشرين الثاني (2022)، لكنه وجّه أصابع الاتهام إلى رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف ووزير الداخلية ورئيس الاستخبارات؛ ما قد يدفع بالبلاد إلى مزيد من الفوضى والاضطراب مع استمرار الاحتجاجات المناوئة لحكومة ينظر إليها بشيء من الريبة منذ توليها السلطة.

يُذكر أن حكومة شهباز شريف تولّت السلطة في أبريل/نيسان (2022)، بعد عملية إطاحة برلمانية مريبة برئيس الوزراء السابق عمران خان الذي اتهم الولايات المتحدة الأميركية صراحة بإسقاطه بالتواطؤ مع أحزاب المعارضة، الأمر الذي فتح على الحكومة الجديدة نيران النقد والاحتجاج منذ اليوم الأول لإعلان تشكيلها.

وتواجه باكستان صعوبات كبيرة في الحصول على الغاز الطبيعي من إيران وروسيا في ظل العقوبات الدولية المفروضة على البلدين في الوقت الحالي.


وعبّر وزير البترول الباكستاني عن هذا المعنى قائلًا: "كل الدول التي تحدثت إليها السلطات بشأن إمدادا الغاز كانت تحت تأثير بعض الدول الأخرى".

وتخطط باكستان في الوقت الحالي لتطوير البنية التحتية لمصادر الطاقة لا سيما الغاز، وسط تقديرات بأنها ستضطر إلى الاعتماد على الغاز المستورد بصورة أكبر خلال السنوات الـ4 المقبلة على الأقل، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وتتوقع عودة أسعار الغاز العالمية للانخفاض خلال السنوات المقبلة، لكن تطورات الصراعين الروسي الأوكراني، والصيني التايواني، قد تعصف بتوقعاتها وتضعها في مأزق مالي شديد التعقد.


وفي نفس السياق ذكر تقرير صادر عن المنظمة الدولية للطاقة ومقرها باريس أن أزمة توقف إمدادات الغاز الروسي لأوروبا على خلفية الصراع في أوكرانيا كانت دافعا قويا للأوروبيين لتسريع إنهاء اعتمادهم على الغاز كمصدر لإنتاج الكهرباء والتحول بصورة أسرع إلى "الطاقة النظيفة" المولدة من المصادر الجديدة والمتجددة بحلول الأعوام القليلة القادمة.

وأشار تقرير المنظمة - المشاركة حاليا بوفد رفيع المستوى في قمة شرم الشيخ للمناخ - إلى أن التحول للطاقة النظيفة يعني وقف الانبعاثات الكربونية الملوثة للهواء الناتجة عن عمل محطات الكهرباء التقليدية وهو ما قد يكتب شهادة وفاة للاعتماد على الوقود الأحفوري والمحروقات البترولية الملوثة للبيئة كمصدر لإنتاج الطاقة الكهربائية التقليدية.

وألمح التقرير إلى أن مفوضية الاتحاد الأوروبي تتبنى استراتيجية لتحقيق هذا الهدف سيكون اعتماد الأوروبيين وفقا لها لا يقل عن 82 في المائة من الطاقة النظيفة بحلول العام 2030 وأن يشهد هذا العام نهاية اعتماد الأوروبيين كذلك على الوقود الأحفوري في إدارة محطات إنتاج الكهرباء.

وتعمل دول أوروبية عديدة على تحقيق هدف الاعتماد على الطاقة النظيفة كبديل عن الطاقة التقليدية الملوثة للبيئة، ففي لشبونة اعتمدت حكومة البرتغال خطة للوصول بإنتاج الطاقة النظيفة إلى 80 في المائة من احتياجات البلاد بحلول العام 2026 وصولا بتلك النسبة إلى 100 في المائة بنهاية العقد الحالي، وتعد البرتغال في مقدمة بلدان الاتحاد الأوروبي اعتمادا على الطاقة النظيفة التي تلبي حاليا نحو 60 في المائة من احتياجاتها المحلية من الطاقة.

وفي هولندا تخطط الحكومة الهولندية لمضاعفة الكهرباء المولدة من مزارع التوربينات الهوائية الموجدة في منطقة بحر الشمال إلى 300 جيجاوات بحلول العام 2050 وهو ما يغطي استهلاك 230 مليون منزل على مستوى الاتحاد الأوروبي حال تصديره، وتنوي هولندا مضاعفة إنتاجها من مزارع الكهرباء الهوائية في مياه بحر الشمال العميقة إلى 150 جيجاوات بحلول العام 2030 وهو ما سيحقق لها اكتفاء محلي من الكهرباء المولدة من طاقة الرياح بنسبة 97 في المائة تقريبا.

وباستثمارات قدرها ملياري يورو تعول الدانمارك والنمسا على الكهرباء المولدة من الخلايا الشمسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة بحلول العام 2030، وقد رصدت النمسا 260 مليون يورو لتشجيع مواطنيها عبر الاقتراض على تركيب الألواح الشمسية في مساكنهم.

واعتبر تقرير صادر عن المفوضية السامية للشئون الإنسانية في الأمم المتحدة أن نجاح اليونان في تحقيق الاعتماد أكبر على المصادر الجديدة والمتجددة في توليد الكهرباء يشكل "نقطة نجاح مهمة" قد تكتب نهاية الاعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة في بلد أوروبي.

وأشاد التقرير بالنجاح الذي حققته اليونان في منتصف أكتوبر الماضي عندما استطاعت مد الكهرباء المولدة من المصادر الجديدة والمتجددة ولمدة خمس ساعات متصلة لجميع انحائها بنسبة تغطية 100 % وبقدرة 3106 ميجاوات/ ساعة.

وبحسب التقرير فقد أسهمت كهرباء الخلايا الشمسية وخلايات طاقة الرياح بنسبة 46 في المائة من إجمالي الطاقة الكهربائية التي يستهلكها اليونانيون خلال الفترة من يناير وحتى نهاية أغسطس الماضيين بعد أن كانت لا تتعدى 42 % من إجمالي إنتاج الكهرباء في اليونان في الفترة من يناير وحتى نهاية أغسطس 2021 ويتوقع التقرير بلوغ اليونان نسبة 70 في المائة في إنتاج الكهرباء من المصادر الجديدة والمتجددة بحلول عام 2030 وهو ما يستلزم تحقيقه استثمارات قدرها 30 مليار يورو.

وأشار التقرير إلى الجهد الذي تبذله سويسرا على صعيد تعظيم اعتمادها على المصادر الجديدة والمتجددة لإنتاج الطاقة، وكشف عن استراتيجية بناءة للوصول إلى اعتماد كامل على هذا النوع من الطاقة بحلول العام 2050 تتبناها الحكومة السويسرية، ومن أبرز معالم تلك الاستراتجية تركيب ألواح الطاقة الشمسية لنسبة لا تقل عن 70 في المائة من المجمعات السكنية على امتداد البلاد، والعمل على استبدال الكهرباء المولدة من المصادر التقليدية بأخرى تعتمد على مصادر جديدة ومتجددة بمعدل 400 ألف مسكن سنويا حتى العام 2050.

وكشف التقرير عن أن أحد أسباب انخفاض مستويات غلاء المعيشة في سويسرا (3ر3 %) مقارنة بباقي دول الاتحاد الأوروبي (10 %) خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الجاري إلى انخفاض فواتير استهلاك الكهرباء لدى السويسريين بسبب ارتفاع نسبة مكون الطاقة الجديدة والمتجددة في إنتاج الكهرباء في سويسرا مقارنة ببلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تعتمد على الغاز الذي كان يتم استيراده من روسيا لإدارة محطات الكهرباء، وهو الغاز الذي ارتفعت أسعاره منذ اندلاع الأزمة في أوكرانيا في الرابع والعشرين من شهر فبراير الماضي.