دبلوماسي إماراتي يؤكد "لن ننحاز إلى أي طرف في صراع القوى العظمى"..

أبوظبي.. هل تنجح في ضبط العلاقات على مبدأ التوازن بين الشرق والغرب؟

المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات يؤكد أن من المبادئ الأساسية للشيخ محمد بن زايد عدم المساس تحت أي ظرف من الظروف بسيادة الدولة وأن تكون الأولوية لمصالحها.

المستشار الدبلوماسي أنور قرقاش

أنقرة

أكد المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة الخليجية أنور قرقاش أن الإمارات العربية المتحدة ملتزمة بمبادئ أساسية في سياستها الخارجية، وليست لها مصلحة في "اختيار جانب" بين القوى العظمى.

وتأتي هذه التصريحات في وقت تجد واشنطن وأبوظبي نفسيهما على طرفي نقيض بشأن قرار منظمة "أوبك+" خفض إنتاج النفط والموقف من العلاقات مع موسكو.

وقال قرقاش لخبراء ومحللين في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السنوي لمناظرات أبوظبي الإستراتيجية، الذي ينظّمه مركز الإمارات للسياسات، "لا مصلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة في الاختيار بين القوى العظمى".

وأضاف "من المبادئ الأساسية لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، عدم المساس تحت أي ظرف من الظروف بسيادة الإمارات، وأن تكون الأولوية لمصالح دولة الإمارات".

وأثارت منظمة أوبك المكونة من 13 دولة، والتي تعتبر الإمارات عضوا رئيسيا فيها، وحلفاؤها العشرة برئاسة روسيا، غضب واشنطن بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا مؤخرا، بعدما كانت إدارة جو بايدن تأمل في انخفاض الأسعار.

واتهمت واشنطن الدول المنتجة للنفط بمنح موسكو شريان حياة اقتصاديا، لكن الإمارات التي شهدت علاقاتها السياسية والاقتصادية نموا مع موسكو في وقت تسعى واشنطن إلى خنق الاقتصاد الروسي، أصرّت على أن خفض الإنتاج لم يكن لدوافع سياسية ضد الولايات المتحدة.

وقال قرقاش الذي شغل في السابق منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية "نرحّب بالمشاركة البناءة للقوى العالمية الأخرى في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة".

وتابع أن بلاده "لا تعتمد على دولة أو دولتين فقط من أجل ازدهارنا الاقتصادي وأمننا. تتجه العلاقات التجارية بشكل متزايد إلى الشرق، بينما تتجه علاقاتنا الأمنية والاستثمارية الأساسية إلى الغرب"، مضيفا "هذا الوضع قد يتطور بمرور الوقت".

ولطالما كان يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها مصدر الحماية الأهم لدول الخليج الغنية في منطقة الشرق الأوسط، التي تمزقّها الصراعات. وتستضيف الإمارات حاليا قرابة 5000 جندي أميركي في قاعدة الظفرة الجوية في أبوظبي، وسفنا حربية أميركية في ميناء جبل علي في دبي.

وعلى مر السنين، وافقت الولايات المتحدة على بيع الإمارات العربية المتحدة البعض من معداتها العسكرية "الأكثر تطورا وفتكا"، بما في ذلك الطائرات دون طيار أم.كا - 9 والطائرات المقاتلة المتقدمة من طراز أف - 35، وهو امتياز لا يُمنح لأي دولة عربية أخرى.

وأصرّ قرقاش على أن "العلاقة الأمنية الإستراتيجية الأساسية لأبوظبي تظلّ بشكل لا لبس فيه مع الولايات المتحدة"، لكنه دعا إلى التزامات أوضح من الجانب الأميركي.

وقال "هذه الشراكة بين دولتين ذواتي سيادة (..) يمكننا الاستمرار في تقديرها بشكل كبير، ومع ذلك فمن الضروري أن نجد طريقة لضمان أنه يمكننا الاعتماد على هذه العلاقة لعقود قادمة (..) من خلال التزامات واضحة".

ويرى مراقبون أن التصعيد الأميركي ضد كارتل أوبك+، وخصوصا السعودية، لا يخلو من اعتبارات انتخابية في علاقة بانتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وستخف وطأته بمجرد انتهاء الاستحقاق، حيث تدرك واشنطن أن مصالحها تفرض عليها عدم الذهاب بعيدا في أي تصعيد، خصوصا وأن الإمارات تملك العديد من الخيارات كتوثيق الروابط مع الشرق (الصين).

وعززت الصين في السنوات الأخيرة من علاقاتها مع دول مجلس التعاون، ولاسيما مع الإمارات والسعودية وعُمان، في خطوة أثارت انزعاج الولايات المتحدة التي تسعى جاهدة لاحتواء النفوذ الصيني المتصاعد على الصعيد الدولي.

وتقول أوساط سياسية إن السياسات الأميركية نفسها ساهمت بشكل كبير في فتح المجال أمام تطور العلاقات الخليجية – الصينية، وأنه سيكون من الصعب على إدارة بايدن حاليا "إعادة عقارب الساعة إلى الوراء"، لاسيما مع التحول المسجل في السياسة الخارجية لدول الخليج، وخصوصا الإمارات والسعودية، والتي تقوم على قاعدة تنويع الشركاء.

وقال مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات إنه على مدى أكثر من خمسين عام تولى زمام سلعة النفط مجموعة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، التي تأسست في العراق في سبتمبر 1960، ويسيطر أعضاء أوبك البالغ عددهم 14 عضوا على 35 بالمئة من إمدادات النفط العالمية إضافة إلى 82 بالمئة من الاحتياطيات المؤكدة، وتتصدر المملكة العربية السعودية المجموعة كأكبر منتج للنفط بمعدل يزيد عن عشرة ملايين برميل يوميا.

شهدت مجموعة أوبك عبر تاريخها تقلبات على مستوى السياسات والأعضاء كما حدث بتعليق اندونيسيا لعضويتها مرتين، كانت آخرها عام 2016 ولا تزال معلقة للآن، وحديثا انسحبت دولة قطر من المنظمة عام 2021، وتبعه انسحاب الإكوادور أوائل العام الجاري.

ومنذ عام 2016 في الجزائر ظهر ما عرف بمجموعة (أوبك بلس)، وضمت هذه المجموعة دول الأوبك إضافة إلى عشرة دول منتجة للنفط وفي مقدمتهم جمهورية روسيا الاتحادية بإنتاج مكافئ تقريبا للمملكة السعودية يصل لأكثر من عشرة ملايين برميل يوميا، واستمر صعود دور المجموعة حتى وصل ذروته مع الحرب الروسية على أوكرانيا واضرابات حالة سوق الطاقة.

فهل استنفذت أوبك دورها ومرحلتها؟، ذكرنا سابقا أن كلا من السعودية وروسيا ينتجان ذات الكميات من النفط يوميا ما يزيد عن عشرة ملايين برميل لكل مهما فانضمام روسيا إلى تكتل نفطي إلى جانب السعودية إضافة إلى دول منتجة أخرى كانت خارج صناعة سياسات الأوبك يزيد من قدرة المجموعة النفطية الدولية.

على جانب آخر زاد استحواذ دول أوبك بلس على امدادات النفط العالمي إلى نسبة 55 في المائة و90 في المائة من الحيازات وبالتالي فإن حجم التأثير في الاقتصاد العالمي ازداد مع مجموعة أوبك بلس مقارنة بالأوبك.

تداعي دول أوبك بلس خلف مصالحهم لم يأتي وليد الصدفة أو الشراكة لأجل الشراكة فقط، فهناك عوامل اقتصادية يراها البعض في منافسة سوق انتاج الصخر الزيتي مع صعود دور انتاجه في سوق الطاقة العالمي وتزايد فرصه في الإنتاج عالميا خاصة في الولايات المتحدة الامريكية.

إضافة لهذا العامل جاءت رغبة السعودية في زيادة قدراتها في السيطرة على سوق النفط من خلال تجمع رسمي جديد يمتلك فاعلية اقوى من أوبك خاصة وأنه يشهد تحالفا مع روسيا اللاعب القوي في سوق الطاقة الدولي لا سيما سوق النفط.

وعلى الجهة المقابلة للعوامل الاقتصادية جاءت العوامل السياسية متمثلة بالتوجهات الرسمية الروسية داخليا على مستوى الجمهور ومراكز القوة داخل الدولة، فذهبت الرؤية عند الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتعزيز دور سياسات الطاقة الروسية من خلال تحالفات مجموعة أوبك بلس خاصة مع السعودية التي باتت التقاطعات بينهما جلية وفي اتجاهات متعددة.

وبرزت أكثر مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا والموقف السعودي منها، حيث جاء الموقف السعودي وفقا لاتصال هاتفي تلقاه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الرئيس الروسي بوتين في الثالث من آذار 2022 فبما يتعلق بالأزمة في أوكرانيا، أوضح ولي العهد السعودي موقف المملكة المعلن ودعمها للجهود التي تؤدي إلى حل سياسي يؤدي إلى إنهاء الأزمة، ويحقق الأمن والاستقرار.

تزامن تصاعد العلاقات الروسية -السعودية مع الفتور في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة الامريكية إبان ما عرف بثورات الربيع العربي ومطالبات التغيير في المناهج داخل المملكة السعودية ثم أزمة الصحفي جمال خاشقجي في تركيا ما جعل التوجه السعودي إلى كل من الصين وروسيا أولوية واضحة في الاجندات السعودية.

وإن كانت العلاقات الثنائية شهدت تحسنا ملحوظا في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فإنها أخذت بالتراجع مع عهد الرئيس الحالي جو بايدن، ورغم الزيارة التي قام بها إلى السعودية وطلبه الحثيث آنذاك بعدم تخفيض الإنتاج، لكن مطلبه لم يلق تجاوبا من الرياض.

ورغم بعض الآراء الامريكية حول تحولات اهتمام الموقف الأمريكي الرسمي تجاه الشرق الأوسط لكن لم تعتد الإدارات الامريكية ترك مسرح الشرق الأوسط دون التدخل لضبط مسار

الاحداث هناك، فيذهب الخبير الأمريكي ويندر فايس للقول إن الشرق الأوسط أصبح أقل أهمية للأمن القومي الأمريكي نتيجة لتوجه الولايات المتحدة نحو آسيا، وتراجع الوجود

العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان، وزيادة القوات الأمريكية. إنتاج النفط والغاز المحلي.

لا شك أنه عند الإدارة الامريكية حساباتها في خفض الإنتاج وبالتالي زيادة الأسعار ولا تبعد موسكو عن تلك الحسابات فواشنطن تدرك تماما الفائدة العائدة على روسيا من هذا الخفض لأنه سيوفر فوائض مالية تساعد موسكو على تمويل حربها في أوكرانيا وزيادة هامش تصديها للعقوبات الاقتصادية إضافة إلى تمركزها في صنع قرار امداد النفط الدولي.

وهذه التقديرات الامريكية أكدها خبير الطاقة الروسي سيرجي فاكولينكو بلغ فائض الحساب الجاري لروسيا من يناير إلى يوليو 167 مليار دولار، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف مستوى نفس الفترة في عام 2021.  

ويمكن رصد الردود الامريكية الرسمية تجاه خطوة أوبك بلس بالتتالي ما بين التحذير من خطورة الموقف والامتعاض ثم قدمت خطوات كحلول بديلة، وتصاعد الموقف الامريكي وجاءت ردود التصعيد في المواقف تجاه الرياض خاصة.

وبات الحديث عاليا عن تفعيل قانون “نوبك” الذي يطرح للتداول منذ عشرين عام ويعود إلى الادراج دون الوصول إلى قرار تفعيله، حيث أعاد طرحه مؤخرا النائب الجمهوري تشاك جراسلي والنائبة الديمقراطية إيمي كلوبوشار وغيرهما، ليحظى بتأييد 17 عضواً في اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ، مقابل رفض أربعة، بحسب تقرير لرويترز.

ويهدف مشروع قانون “نوبك” إلى حماية المستهلكين والشركات في الولايات المتحدة من الارتفاعات المتوقعة في أسعار البنزين ووقود التدفئة، ورغم أن هذا التأييد خطوة متقدمة مقارنة بما حظي به القانون منذ عشرين عام بداية طرحه ومع ذلك اختلف الآراء بين مؤيد ومعارض له أو الفائدة من جدواه بين مقللين ومتفائلين من تأثيره على مجريات الاحداث.

فهناك من رأى فيه تقييد حتى على شركات وطنية وصديقة للولايات المتحدة الامريكية وعلى صعيد مقابل طالب بعض السياسيين والأكاديميين في مجال الطاقة التأني في هكذا خطوة تصعيدية، فقد قال وقال مارك فينلي الزميل بمعهد بيكر بجامعة رايس المختص بشؤون الطاقة والنفط العالمية والمحلل والمدير السابق بوكالة المخابرات المركزية “إنها لخطوة سيئة أن تضع السياسات وأنت في حالة غضب”.

لذلك سيبقى ارجاء القانون الخيار الأفضل لحين استنفاذ واشنطن كافة علاقاتها وقواها الناعمة وغيرها للوصول إلى تسوية حول الموضوع الذي باتت أطرافه مختلفة تماما عما كانت عليه في عهد المجموعة السابقة “أوبك”.

وكشف تقرير أمريكي عن أن قرار مجموعة "أوبك+" بقيادة السعودية، خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا، فاجأ روسيا، ولم يفاجئ واشنطن وحدها.

وذكر موقع "إنترسبت" الأمريكي، نقلا عن مصدرين سعوديين، إن قرار السعودية وأوبك+، بخفض إنتاج النفط، جاء بمقدار الضعف بما كان يتمناه الروس، ما فاجأ موسكو.

وكانت مجموعة "أوبك+" قررت خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا في نوفمبر، وهو ما تزعم واشنطن أنها خطوة ستزيد من قوة موسكو.

لكن مصادر سعودية أكدت للموقع، أن الغضب الأمريكي "لا علاقة له بروسيا"، ويرجع إلى مخاوف سياسية داخلية بشأن ارتفاع أسعار النفط، قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل.

وفي وقت سابق، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن رفض المملكة التام  "للتصريحات التي لا تستند إلى الحقائق، وتعتمد في أساسها على محاولة تصوير قرار منظمة أوبك بلس خارج إطاره الاقتصادي البحت"، مؤكدة أن القرار "اتخذ بالاجماع من كافة دول مجموعة أوبك+.

وحرصت دول عربية عدة على رأسها مصر والإمارات والكويت والبحرين وقطر وتونس وباكستان والعراق والمغرب والجزائر والأردن، على دعم موقف المملكة العربية السعودية بشأن مراجعة أوضاع الأسواق النفطية وخفض الإنتاج، بناء على تصويت مجموعة "أوبك".

وفي ذات السياق، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الجمعة، تعليقا على موقف الولايات المتحدة "نرى أن هناك دولة تهدد السعودية.. هذا التنمر ليس صائبا".

وتابع الوزير التركي "يمكنكم انتقاد القرار والإعلان عن أنه لم يعجبكم.. نحن أيضا لا يعجبنا ارتفاع الأسعار.. لكننا لا نستخدم لغة التهديد".

وقال وزير الخارجية التركي "ارفعوا العقوبات عن إيران إذا كنتم تريدون انخفاض أسعار النفط.. فلا يمكنكم حل المشكلة عبر تهديد دولة واحدة" في إشارة إلى السعودية.