"داعش والقاعدة" يعملان على استغلال الدول النامية..

اليمن ودول الساحل الأفريقي.. مصادر التهديد الإرهابي للولايات المتحدة في العام 2023

“داعش” و”القاعدة” يعملان على استغلال الدول النامية، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف سلطة الدولة على بعض الأراضي، وذلك من أجل ترسيخ نفسها في بيئات عمل صعبة، والتقرب من السكان المحليين.

تنظيم القاعدة استغل النزاع الحاصل في اليمن واستفادته من التعاون الحاصل بينه وبين ميليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً

كريستين أبي زيد
مديرة المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة
واشنطن

قدمت الولايات المتحدة تقييمها لمكافحة “الإرهاب” في العالم، بالعام الجديد 2023م  في ندوة عقدها “معهد واشنطن”، مصادر التهديد الإرهابي للولايات المتحدة في العام 2023.

وبالنسبة للجماعات الجهادية، وفي مقدمتها تنظيما القاعدة والدولة الإسلامية، قال المسح الذي قدمته أبي زيد، إن الخطر في العام 2023 ليس تنظيميا كالذي واجهته واشنطن قبل عقدين وأكثر، إبان هجمات 11 سبتمبر.

وأوضحت أن الولايات المتحدة تواجه خطرا فرديا، من قبل أشخاص معتنقين لأفكار إرهابية، سواء من “القاعدة” و”داعش”، أو من اليمين العنصري المتطرف في الولايات المتحدة وخارجها.

كما تحدث المسح عن الخطر الذي تواجهه الولايات المتحدة من قبل إيران وكوريا الشمالية، باعتبار أنهما دولتان تشكلان تهديدا للأمن القومي الأمريكي.

وجاء في المسح أن مناطق مثل دول الساحل الأفريقي، ودول في جنوب شرق آسيا، وأفغانستان، واليمن، والصومال، تنشط فيها جماعات تشكل خطرا أيضا على الولايات المتحدة.

وأضافت أن “داعش” و”القاعدة” يعملان على استغلال الدول النامية، وعدم الاستقرار السياسي، وضعف سلطة الدولة على بعض الأراضي، وذلك من أجل ترسيخ نفسها في بيئات عمل صعبة، والتقرب من السكان المحليين.

وتبقى هذه الحركات ملتزمة بمهاجمة الأفراد الأمريكيين والمنشآت الأمريكية حول العالم، حتى في ظل تحقيق التوازن بين السعي لبلوغ تلك الأهداف والحصول على المكاسب المحلية. وتشكل هذه الجماعات التهديد الأكثر إلحاحاً بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة في الخارج.

 

خطر في الداخل

 

قالت أبي زيد إنه في الداخل، “لا نزال قلقين بشأن تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية، لكننا نُقدّر أن التهديد الذي يطرحانه هنا أصبح أقل حدةً من أي وقت آخر منذ 11 أيلول/ سبتمبر، ويتماشى هذا التقدير مع ما أعربنا عنه العام الماضي. وفي الواقع، يأتي التهديد الأكثر احتمالاً في الولايات المتحدة من جهات فاعلة منفردة، من بينها تلك التي تلهمها المنظمات الإرهابية الأجنبية والمتطرفون العنيفون الأجانب ذوو الدوافع العنصرية والعرقية”.

وأضافت: “وحتى في الوقت الذي نرصد فيه التهديد، علينا أيضاً تقييم حالة القدرة التي يتمتع بها مجتمع مكافحة الإرهاب على صده. وتزداد أهمية هذا الدور في ظل تراجع الموارد المخصصة لمكافحة الإرهاب على حساب مجالات أخرى، ونحن بحاجة إلى احتساب القدرة التي نحافظ عليها لمواجهة التهديد كيفما تطور”.

 

عنف فردي أكثر من تنظيمي

على عكس ما حدث قبل واحد وعشرين عاماً، فإن احتمال تَعرُّض الشعب الأمريكي اليوم لهجوم إرهابي يشنه مهاجم فردي هو أكبر من احتمال تَعرُّضهم لهجوم تنفذه منظمة إرهابية ذات هيكلية منظمة. ويمكن أن تتجسد التهديدات المتأتية اليوم من الجهات الفاعلة المنفردة بطرق غير متوقعة وفقاً لمجموعة متنوعة من الدوافع.

ومن شبه المؤكد أن هؤلاء الأفراد يمارسون العنف بشكل مستقل دون توجيهات من جماعات محددة. فمنذ الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، نُفذ سبعةٌ وثلاثون هجوماً داخل الولايات المتحدة بإلهامٍ من تنظيمَي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة»، مقارنةً بثماني هجمات كانت على صلة مباشرة بهاتين الجماعتين. وبالمثل، خلال الاثني عشر عاماً الماضية، نفّذت جهات فاعلة تعتنق فكرة تفوّق العرق الأبيض سبعة عشر هجوماً متطرفاً عنيفاً بدوافع عنصرية وعرقية، وحدثت جميع هذه الهجمات من قبل أفرادٍ تطرفوا على الأقل جزئياً عبر الإنترنت، ومارسوا العنف كجهات منفردة، كما استُلهم الكثيرين منهم من قبل أجانب من المتطرفين العنيفين ذوي الدوافع العنصرية والعرقية وتأثروا ببياناتهم.

 

منظمات إرهابية تُلهم الجهات الأفراد

ما زلنا قلقين وحذرين فيما يتعلق بالتهديد المتأتي من الجهات الفاعلة المنفردة والجماعات الصغيرة التي تلهمها المنظمات الإرهابية الأجنبية. فمنذ عام 2001، تطور التهديد الناشئ عن هؤلاء الأفراد من تهديدٍ تحدده الهجمات المعقدة والواسعة النطاق التي تديرها منظمة إرهابية أجنبية، إلى تهديدٍ غالباً ما تحدده هجمات بسيطة تُشَن ذاتياً بإلهامٍ من منظمة إرهابية أجنبية.

وتراجعت الرسائل الموجهة إلى هؤلاء الأفراد لتنفيذ الهجمات، مع أنهم ما زالوا يستلهمون من المنشورات التاريخية مثل مجلة “إنسباير” (Inspire) (التي ينشرها تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب») ورسائل تنظيم «الدولة الإسلامية».

 

المتطرفون العنيفون المحليون

يدعم “المركز الوطني لمكافحة الإرهاب” “مكتب التحقيقات الفيدرالي” ووزارة الأمن الداخلي في تحليل التهديد الذي يطرحه المتطرفون العنيفون في الداخل، والذين لهم صلات إرهابية دولية وعابرة للحدود. والتهديد الذي يطرحه بشكل خاص المتطرفون العنيفون ذوو الدوافع العنصرية والعرقية له روابط كبيرة بالجهات الفاعلة العابرة للحدود التي تشجع مؤامراتها وأيديولوجيتها المعلَنة أولئك الذين يتأثرون برسائلها على الحشد لممارسة العنف. ويتسم هذا التهديد الأخير العابر للحدود بحدٍ كبيرٍ من الانسيابية والتشتيت وغياب البنى الهرمية، إذ تتمحور أطر الأعمال التي ينفذها المسؤولون عنه حول مفهوم المقاومة بدون قيادة.

وغالباً ما تشمل العلاقات القائمة بين المتطرفين العنيفين ذوي الدوافع العنصرية والعرقية في الولايات المتحدة من جهة، ونظرائهم الأجانب من جهة أخرى، مشاركة رسائل التطرف العنيف مزدوجة الاتجاه، والشكاوى المتبادلة، وبيانات المهاجمين الناجحين، والتشجيع على ممارسة الجهات المنفردة للعنف، مثل مطلق النار في مدينة بوفالو. وعلى غرار التحديات الأخرى التي يطرحها الإرهاب، يمكن أن يعمل المتطرفون العنيفون ذوو الدوافع العنصرية والعرقية في أي مكان بشكل عابر للحدود، من خلال استغلال العالَم الذي تربطه وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الأخرى على الإنترنت.

 وحتى مع قيام شركات التكنولوجيا بتحسين قدراتها على كشف المحتوى المرتبط بالتطرف العنيف والتصدي له عبر الإنترنت، يجد المتطرفون العنيفون ذوو الدوافع العنصرية والعرقية وداعموهم طرقاً جديدة لنشر رسالتهم.

 

تعطيل سفر الإرهابيين وتأمين الحدود

ويُعتبَر تحديد الإرهابيين المعروفين أو المشتبه بهم أو التابعين لهم الذين يسعون إلى التسلل عبر حدود الولايات المتحدة عن طريق البر أو البحر أو الجو أمراً محورياً في استراتيجية الحكومة الأمريكية لمكافحة الإرهاب.

تهديد الخارج مستمر

في البيئة الخارجية، تُواصلُ الحركات الإرهابية الأجنبية حول العالم إلهام أتباعها، وتمكين التخطيط لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة والأمريكيين والدول الغربية الأخرى.

ويستمر تنظيما «الدولة الإسلامية» و«القاعدة»، وهما أبرز تهديدين إرهابيين أجنبيين تواجههما المصالح الأمريكية، في التطلع إلى مهاجمة الولايات المتحدة والمصالح الغربية الأخرى، لكنهما كانا أكثر فعالية في السعي إلى تنفيذ العمليات ضد الخصوم الإقليميين والمحليين. وقد لعب الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة والشركاء الأجانب في مجال مكافحة الإرهاب خلال الخمسة عشر عاماً الماضية دوراً حاسماً في إضعاف قدرة هاتين الجماعتين، لا سيما عبر تعطيل القادة والعناصر ذوي الخبرة وفرض ضغط مستمر على الشبكات الرئيسية.

 

المشروع العالمي لتنظيم الدولة

في العراق وسوريا، بقي تنظيم «داعش» الذي يتمتع بقيادة مركزية على حالته الأصيلة، وسيستمر على الأرجح في تشكيل تهديد عالمي للمصالح الأمريكية والغربية الأخرى، وللسكان المحليين على حد سواء. وعلى الرغم من خسارته أكثر من عشرة من كبار القادة خلال السنوات الثلاث الماضية، يستمر التنظيم في قيادة تمرد منخفض المستوى في العراق وسوريا منذ الهزيمة الإقليمية التي لحقت به في عام 2018، ويترأس شبكة عالمية متماسكة سمحت للتنظيم بالحفاظ على نفوذه، وأتاحت له في بعض المناطق مثل أفريقيا توسيع نطاق التجنيد والعمليات.

ونقدّر أن تنظيم «الدولة الإسلامية» عيّن بسهولة كبيرة “أميراً” جديداً في شباط/ فبراير من العام الماضي، بعد الغارة التي أسفرت عن مقتل “أميره” العام. وقد قبِلَ عناصر «داعش» الزعيم الجديد بسهولة، ولا نلاحظ بوادر انقسامات أو تفكك داخل فروع وشبكات التنظيم على الرغم من القيود التي يواجهها في العراق وسوريا.

وحتى في ظل القيادة الجديدة، يبقى تنظيم «الدولة الإسلامية» ملتزماً بتحقيق هدفه الطويل الأجل المتمثل في إقامة خلافة إسلامية، ويواصل استغلال المناطق التي تضعف فيها سلطة الدولة في العراق وسوريا، حيث ينشط حالياً كجهة متمردة سرية.

وفي هذا العام، أعطى تنظيم «داعش» الأولوية لمهاجمة مركز اعتقال في شمال شرق سوريا يضم قادة رئيسيين ومقاتلين متمرسين ينتمون إليه، ونفذ هذه العملية. 

وبينما نقدّر أن معظم المعتقلين المهمين قد أُعيد القبض عليهم أو قُتلوا عندما ردت القوات المحلية على الهجوم، إلّا أن العملية نفسها تشير إلى قدرة التنظيم على شن هجمات بارزة وإعطاء الأولوية لجهود إعادة تشكيل صفوفه المتضائلة. وقد شهدنا دعوات وجهوداً لاحقة للإفراج عن الأعضاء المسجونين، بما فيها تلك التي أطلقتها فروع «داعش» في مناطق بعيدة مثل غرب أفريقيا. وستظل قدرات الجماعة ومسارها معتمدين على مستوى الضغط الذي تواجهه في مجال مكافحة الإرهاب، لا سيما من قبل الجهات الفاعلة في هذا المجال التي تستمر بشكل روتيني في تعطيل شبكات التيسير والعمليات الخاصة بتنظيم «الدولة الإسلامية».

 وحتى مع انخفاض قدراته الإعلامية الإجمالية مقارنةً بسنواته الأولى، يأتي تهديد «داعش» الأكثر انتشاراً بالنسبة إلى الولايات المتحدة أو الدول الغربية الأخرى من المهاجمين الملهَمين المعرَّضين للتأثر برسائله. وقد تجلت مؤخراً قدرة التنظيم على إثارة العنف من خلال قيام أحد مناصريه بتنفيذ هجوم في أوسلو في حزيران/ يونيو من العام الماضي أدى إلى مقتل شخصين وإصابة 21 آخرين.

كما ساعدت بعض الجماعات المؤيدة لتنظيم «الدولة الإسلامية» في تعزيز وجوده الإعلامي عبر إنشاء دعايات بلغات متعددة وأرشفتها وترجمتها ونشرها على الإنترنت.

ونشرت إحدى هذه الجماعات الداعمة لـ “«داعش» – ولاية خراسان” وسائل إعلامية باللغة الإنكليزية ركزت على نزع الشرعية عن الولايات المتحدة وتشويه سمعة حركة “طالبان”.

وفي حين شهدنا انخفاضاً في عدد الهجمات المنفذة في الغرب بإلهامٍ من تنظيم «الدولة الإسلامية» منذ أن بلغت ذروتها في عام 2017، إلا أن مثل هذه العمليات لا تزال تشكل أولوية بالنسبة للتنظيم.

كما لا تزال الجماعة تطمح إلى نشر العناصر في الغرب، ونحن نواصل رصد التهديدات الموجَّهة ضد الأهداف الإقليمية الجذابة البارزة للعيان، والتي من شأنها أن تُحدِث تأثيراً كبيراً مشابهاً وتوفر قيمة دعائية وترويجية، مثل “بطولة كأس العالَم” الأخيرة في قطر.

وعلى نطاقٍ أوسع، استمر تنظيم «داعش» في تنمية مشروعه العالمي، الذي يضم الآن ما يقرب من عشرين فرعاً وشبكة، والذي يُظهر قادته من خلالها قوتهم ويبددون عبرها رواية هزيمة التنظيم.

ففي آذار/ مارس من العام الماضي، اعترف تنظيم «داعش» بأحدث فرع له في منطقة الساحل. وفي تموز/ يوليو، أعلن هذا الفرع مسؤوليته عن تنفيذ هجوم على سجن كوجي النيجيري، الذي يقع على بُعد أربعة وأربعين كيلومتراً فقط من السفارة الأمريكية، حيث أُطلق فيه سراح ما يقرب من1,000 سجين، ومن بينهم بعض الإرهابيين.

كما استخدم تنظيم «داعش» فروعه وشبكاته لتصميم حملات هجومية عالمية منذ عام 2019، وقد نفّذ آخرها في نيسان/ أبريل من العام الماضي انتقاماً لمقتل أميره العام. واحتل عناصر «داعش» في العراق وسوريا مركز الصدارة من حيث عدد الهجمات التي تبنوها، وقد دعمهم فرعا “«داعش» – ولاية غرب أفريقيا” و”«داعش» – ولاية خراسان”، اللذان نعتبرهما من بين الفروع التي تتمتع بالقدرة الأكبر ضمن الجماعة.

وفي العام الماضي، وسّع فرع “«داعش» – ولاية خراسان” طموحاته خارج أفغانستان من خلال تنفيذه عدد قليل من الهجمات الصاروخية عبر الحدود ضد طاجيكستان وأوزبكستان، ومن خلال مؤامرة أُحبطت في الهند. ولا تزال طموحاته بمهاجمة الغرب، وربما أرض الوطن، تشكل أولوية استخباراتية قصوى، على الرغم من انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في آب/ أغسطس 2021.

كما يستغل تنظيم «داعش» الضغوط المحلية غير المتكافئة لمكافحة الإرهاب في وسط وشرق وجنوب إفريقيا لتوسيع وجوده وزيادة قدرته على الاتصال، وتطويره قدرات جديدة خارج معاقله التقليدية في شمال وغرب إفريقيا. ويهدد توسع الجماعة في موزمبيق بشكل متزايد مشاريع الطاقة التي يقودها الغرب هناك، بينما تُظهر علامات نفوذ «داعش» في جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب أفريقيا ودول أخرى في المنطقة جاذبيته المتزايدة في جميع أنحاء القارة.

 

تنظيم “القاعدة” ما بعد الظواهري

شكل مقتل الزعيم الذي ترأّس تنظيم «القاعدة» لفترة طويلة، أيمن الظواهري، في تموز/ يوليو الماضي في كابول ضربة استراتيجية ورمزية مهمة تلقتها شبكة «القاعدة»، التي قادها من عزلته النسبية لأكثر من عقدٍ من الزمن. وكان الظواهري زعيماً أيديولوجياً محترَماً ضمن الشبكة العالمية للتنظيم الذي سعى جاهداً إلى تعزيز الترابط عبر الفروع الإقليمية المنتشرة للتنظيم.

بعد مرور أشهرٍ على تنفيذ العملية التي أودت بحياته، لم تُعلن الجماعة بعد عن خليفته. ومن بين قدامى المحاربين المتبقين في تنظيم «القاعدة» الكثير من كبار القادة المقيمين في إيران، وأبرزهم سيف العدل وعبد الرحمن المغربي، اللذان ربما يستمران في تقديم التوجيه الأيديولوجي والاستراتيجي للشبكة العالمية. والقادة الآخرون في تنظيم «القاعدة» الذين يظهرون في وسائل الإعلام العالمية والإقليمية هم مسؤولون عن الفروع الإقليمية، ويتشاورون على الأرجح عبر فريق قيادي موزع بشأن توجه الشبكة.

ويشرف كبار قادة تنظيم «القاعدة» في إيران على الشبكة العالمية، التي تضم فروعاً إقليمية في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا بالإضافة إلى العديد من الشبكات المحلية التي تدعم الفروع. وتهدد «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، التي نشأت في غرب أفريقيا والتي تدور في فلك تنظيم «القاعدة»، بشكل متزايد العواصم في منطقة الساحل، بينما تحارب القوات العسكرية المحلية وعناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» في منطقة الساحل والقوات شبه العسكرية الروسية في مالي.

ففي تموز/ يوليو من العام الماضي، هاجمت الجماعة أكبر معسكر للجيش في مالي يقع خارج باماكو مباشرةً، مما يؤكد قدراتها وجرأتها المتزايدة في المنطقة. وربما تأمل «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» في استغلال رحيل القوات الفرنسية من مالي في وقتٍ سابقٍ من هذا العام لتسريع نموها وترسخها، بما في ذلك داخل الدول الساحلية من غرب أفريقيا مثل بنين وساحل العاج وتوغو.

كما أدت مخاوف مكافحة الإرهاب في المنطقة إلى عدم الاستقرار الذي أدى إلى تأجيج عمليات الانتقال غير الديمقراطية للسلطة، وكان آخرها في بوركينا فاسو.

وفي القرن الأفريقي، ما زلنا نشعر بالقلق إزاء التهديد المستمر الذي تشكله “حركة الشباب” على المواطنين الأمريكيين والمصالح الغربية. فهذه الحركة هي الأغنى والأكثر فتكاً من بين فروع «القاعدة» بأجمعها، وتسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب الصومال، وقد أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات ناجحة في أرجاء المنطقة، بما في ذلك ضد أفراد أمريكيين من القوات المسلحة.

وفي شمال أفريقيا، شهد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» انتكاسات بسبب ضغوط مكافحة الإرهاب منذ أوائل عام 2018، ولكنه ربما يقدم إرشادات لعناصر آخرين من «القاعدة» في المنطقة، ولا سيما «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين». ومنذ عام 2020، شغل الجزائري يزيد مبارك منصب زعيم تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، وهو يؤدي دوراً رئيسياً في إدارة العمليات العالمية لتنظيم «القاعدة»، بما فيها اختطاف الأمريكيين وقتلهم.

وفي الشرق الأوسط واليمن، ينوي تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» القيام بعمليات في الغرب وضد المصالح الأمريكية والإقليمية الحليفة. وقد أثبت أنه من بين فروع شبكة «القاعدة» الأكثر إبداعاً، لكنه واجه ضغوطاً كبيرة نتيجة مكافحة الإرهاب في السنوات الأخيرة، مما أنشأ عقبات أمام تخطيط الجماعة للعمليات الخارجية. وفي حزيران/ يونيو 2021، نشر تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» العدد السادس من دليل “إنسباير غايد” (Inspire Guide) الذي يوفر إرشادات متعلقة بالعمليات للمهاجمين المحتملين على أرض الوطن، ويشير إلى أن الجماعة لا تزال تحتفظ بقدرات إعلامية قابلة للاستمرار، على الرغم من وفاة داعيتها الرئيسي في عام 2001.

وفي سوريا، واجه عناصر «القاعدة» تحت راية «حراس الدين» صعوبة في ترسيخ مكانتهم، وخسروا العديد من القيادات وتعرّضوا لضغوط من الجماعة المنافِسة، «هيئة تحرير الشام». غير أن هؤلاء العناصر يمكنهم أن يستخدموا ملاذهم الآمن التقليدي في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة من أجل استهداف المصالح الأمريكية والغربية الأخرى في المنطقة.

وأخيراً، في أفغانستان، يُعتبَر فرع «القاعدة» في جنوب آسيا، أي «قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية»، أضعف جماعة في الشبكة العالمية للتنظيم. ولا يزال تنظيم «القاعدة» عازماً على ضرب المصالح الأمريكية وإلهام أتباعه بالقيام بذلك، ولكنه يفتقر حالياً إلى القدرة على توجيه هجمات ضد الولايات المتحدة من أفغانستان. وبمعزلٍ عن فرع «قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية»، ربما يبلغ عدد العناصر القدامى في «القاعدة» الذين يتمتعون بعلاقات تاريخية مع الجماعة والموجودين في أفغانستان أقل من اثني عشر، وربما كان بعضهم متواجداً هناك قبل سقوط كابول، ولكن ليس لدينا ما يشير إلى أن هؤلاء الأعضاء القدامى المتبقين في أفغانستان متورطون في التخطيط لهجمات خارجية.

 

التهديد الإيراني للولايات المتحدة

في سياق التهديدات المنبثقة عن إيران وشركائها ووكلائها، تُواصلُ إيران تشجيع ودعم المؤامرات ضد الولايات المتحدة في الداخل والخارج، وخاصةً في الشرق الأوسط. ويستمر تصميم إيران و«حزب الله» اللبناني على الانتقام لمقتل قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني، وتمثل ذلك بقيام إيران بالتخطيط لشن هجمات ضد مسؤولين أمريكيين سابقين. وتنتهج إيران حملة متنوعة تستخدم إجراءات قانونية ومالية وفتاكة في سعيها للانتقام. فقد هددت طهران علناً بشن عمليات مميتة يستهدف بعضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، وزادت مؤخراً من تهديداتها بتنفيذ أعمال فتاكة داخل الولايات المتحدة. وفي آب/ أغسطس الماضي، اتُهم عضو من «الحرس الثوري» الإيراني مقره في إيران بمحاولة تدبير مقتل مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون في الولايات المتحدة.

كما تنتهج إيران حملة ضد معارضي النظام الإيراني حول العالم، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة. ففي تموز/ يوليو 2021، اتهمت السلطات الأمريكية المعنية بإنفاذ القانون مسؤولاً إيرانياً في الاستخبارات وأربعة آخرين بمحاولة اختطاف صحفية أمريكية-إيرانية في نيويورك وإعادتها قسراً إلى إيران. وفي تموز/ يوليو الماضي، اعتُقل رجل يحمل سلاحاً هجومياً قابل للإطلاق بعد أن تصرّفَ بطريقة مشبوهة خارج منزل الصحفية نفسها. وأبدت إيران أيضاً استعدادها للانخراط في الإرهاب في الشرق الأوسط، كما ثبُت في حزيران/ يونيو الماضي عندما ألقت السلطات التركية القبض على أعضاء خلية إيرانية كانت تخطط لخطف واغتيال مواطنين إسرائيليين في إسطنبول. وكانت المؤامرة تهدف إلى الرد على عملية إسرائيلية مزعومة في طهران. وعلى نحو منفصل، يستهدف المقاتلون المدعومون من إيران في العراق وسوريا القوات الأمريكية بواسطة منظومات طائرات مسيرة وهجمات غير مباشرة بأسلحة نارية، أثناء محاولتهم إرغامها على الانسحاب من المنطقة.

 

تطوير مشروع مكافحة الإرهاب

ما زال مدى تعقيد التهديد الذي عُرض للتو يتطلب بذل جهود في مجال مكافحة الإرهاب تقوم على التعاون والسرعة وتوفير الموارد المناسبة للتخفيف من التهديدات الإرهابية التي تواجهها الولايات المتحدة. وفي واحد وعشرين عاماً منذ 11 أيلول/ سبتمبر، طورت الحكومة الأمريكية مشروعاً متكاملاً ومبتكراً وناجحاً إلى حد كبير في مجال مكافحة الإرهاب، يستمر في التكيف مع طبيعة التهديد. ويعمل ممارسو مكافحة الإرهاب وراء الكواليس كل يوم لضمان استخدام عمليات مكافحة الإرهاب وبرامجها المترابطة بشكل فعال واستعمال مجموعة واسعة من الأدوات، بما فيها استخبارات الهوية والأمن الدبلوماسي والعقوبات وتحقيقات إنفاذ القانون وعمليات الأهداف العالية القيمة وجهود بناء قدرات الشركاء.

وعلى الرغم من أن الأولويات الأخرى تتطلب اهتماماً من مجتمع الأمن القومي الأمريكي، تبقى مكافحة الإرهاب أساساً لتحقيق أمننا القومي. ويجب أن يحافظ مشروع مكافحة الإرهاب على أساسيات مكافحة الإرهاب، مثل الجمع والتحذير والتحليل والتعطيل ومشاركة المعلومات والشراكات الرئيسية، التي تمنح مجتمع الأمن القومي في النهاية الوقت والمجال للتركيز على الأولويات غير المرتبطة بمكافحة الإرهاب.

 

التطلع إلى المستقبل

يُعد الحفاظ على فعالية وكفاءة بنية مكافحة الإرهاب مهمة متواصلة، وأثمر التقدم الذي أحرزناه خلال الواحد وعشرين عاماً الماضية جهداً حكومياً كاملاً. وبينما نتطلع إلى اتخاذ موقف من التهديدات المتطورة وأولويات الأمن القومي، علينا التأكد من أننا نستفيد من البنى التحتية والعلاقات التي بُنيت في مجال مكافحة الإرهاب منذ 11 أيلول/ سبتمبر دعماً للجهود الأخرى المرتبطة بالأمن القومي.

وتتمتع بيئة التهديدات المترابطة التي تغذيها المنافسة بين القوى العظمى والصراعات الإقليمية وحالات الطوارئ الإنسانية بالقدرة على مفاقمة التهديدات بسرعة. وعلينا ضمان احتفاظ مشروعنا في مجال مكافحة الإرهاب، الذي يشمل شركاءنا الدوليين وفي الولايات المتحدة، بالقدرة على وقف التهديدات ومواكبة مشهدها الدائم التطور.

اسمحوا لي في الختام بتوجيه الشكر إلى المجتمع المذهل من رجال المخابرات والدبلوماسيين والعسكريين والمتخصصين في إنفاذ القانون الذين أدى تفانيهم في مهمة مكافحة الإرهاب إلى المساهمة الهائلة في حماية هذا البلد ومواطنيه من خصمٍ دائمٍ وغير متبلور. وإنه لشرفٌ كبيرٌ أن أكون جزءاً من مشروع مكافحة الإرهاب اليوم وأن أعمل نيابةً عن الشعب الأمريكي، وأنا أتطلع قدماً إلى عامٍ مليءٍ بالتحديات وبالمكافآت أيضاً.