الولايات المتحدة تعلق العقوبات المفروضة على دمشق..

الزلزال المدمرة.. أسقطت الحواجز السياسية واتهامات متبادلة بتسييس المساعدات الإغاثية

قافلة مساعدات تفشل في الوصول إلى مناطق المعارضة السورية بعد أن منعتها قوات سوريا الديمقراطية من الانتقال من مناطق سيطرة الأكراد إلى المتضررين في شمال سوريا.

دول لا ترتبط بعلاقات طيبة مع تركيا أو سوريا نحّت الحسابات السياسية وانضمت إلى للتخفيف من وطأة الكارثة

دمشق

تسببت الحرب الأهلية التي تمزق سوريا في مفاقمة معاناة المتضررين من الزلزال المدمر الذي عصف بالبلاد، إذ لم تفلح المحنة الإنسانية في إرساء هدنة مؤقتة تتيح تدفق المساعدات إلى منطقة شمال غرب سوريا التي تسيطر عليها قوى المعارضة وسط اتهامات بتسييس المدّ التضامني.

ولم يهدم الزلزال المدمر الذي ضرب الحدود التركية - السورية فجر الاثنين الماضي جدرانا إسمنتية وبنى تحتية فحسب، بل أسقط حواجز وخلافات سياسية هيمنت على علاقات بعض الدول ببعضها البعض لسنوات عدة، أو حتى الانقسامات داخل الدولة الواحدة.

فمع سقوط عشرات الآلاف من الضحايا والمصابين وتكشّف حجم الدمار الهائل والخسائر في البلدين المنكوبين، نحّت دول لا ترتبط بعلاقات طيبة مع تركيا أو سوريا الحسابات السياسية جانبا وانضمت إلى ركب المساعدين الذين قدموا يد العون للتخفيف من وطأة تلك الكارثة الطبيعية، انطلاقا مما عرف بـ”دبلوماسية الكوارث”.

وعادت قافلة مساعدات كانت قادمة من المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد في سوريا إلى المناطق التي ضربها الزلزال في الشمال الغربي للبلاد يوم الخميس، وفشلت في الوصول إلى من هم في حاجة إليها في أحدث مثال على تعقيد جهود الإغاثة بسبب العداوات الناجمة عن الحرب الأهلية.

وتمثل الأعمال العدائية التي تجتاح سوريا الممزقة بسبب الصراع الدائر على أراضيها منذ نحو 12 عاما تحديا إضافيا لعمال الإغاثة الذين يحاولون مساعدة المتضررين من الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 21000 شخص في تركيا وسوريا.

وكانت القافلة تحاول الانتقال من منطقة تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد إلى منطقة خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة المدعومة من تركيا وتبادلت مصادر من الجانبين الاتهامات بعد فشل عبور القافلة واتهم كل منهما الآخر بمحاولة تسييس المساعدات.

وأظهرت لقطات تلفزيونية لرويترز القافلة وهي تنتظر لساعات عند نقطة العبور وعليها راية الإدارة التي يقودها الأكراد.

ووجه المتحدث باسم الإدارة الكردية جوان إبراهيم اتهامات لتركيا التي تمتلك قوات متمركزة في شمال غرب سوريا وبعض الفصائل المعارضة بمنع القافلة من العبور وقال مسؤول تركي كبير إن هذا غير صحيح على الإطلاق وإن تركيا لا تمنع وصول المساعدات.

واتهمت مصادر مطلعة في المعارضة السورية قوات سوريا الديمقراطية بتسييس القضية عن طريق المطالبة بأن تحمل الشحنات راية القوات وهي مسألة حساسة للكثيرين في المنطقة بسبب الأعمال العدائية.

وشنت تركيا ثلاث عمليات توغل في شمال سوريا لمواجهة الجماعات الكردية السورية والتي تعتبرها أنقرة تهديدا لأمنها القومي بسبب صلاتها بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره جماعة إرهابية.

وقال إبراهيم إن الإدارة التي يقودها الأكراد والتي تسيطر على حقول النفط السورية الرئيسية في الشرق تجري مناقشات مع أطراف أخرى وخاصة الأطراف الدولية لإقناع الطرف الآخر بالسماح بدخول هذه المساعدات.

وتسبب الزلزال في تعطيل تدفق مساعدات الأمم المتحدة من تركيا إلى الشمال الغربي الذي تسيطر عليه قوى المعارضة، حيث يعتمد نحو أربعة ملايين شخص بالفعل على المساعدات ولكن استؤنفت المساعدات الخميس.

ودعت الولايات المتحدة الرئيس السوري بشار الأسد إلى السماح فورا بدخول المساعدات عبر جميع المعابر الحدودية.

وقال مسؤول تركي اليوم الجمعة إن تركيا تناقش إعادة فتح معبر حدودي إلى أراضي الحكومة السورية مما سيتيح إرسال المساعدات مباشرة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد بعد عقد من العداء بينه وبين أنقرة، مضيفا أن تركيا تدرس أيضا فتح معبر آخر يؤدي إلى منطقة إدلب الخاضعة لسيطرة المعارضة.

وناشدت الحكومة السورية التي تخضع لعقوبات غربية الأمم المتحدة لإمدادها بالمساعدات، لكنها قالت إن إيصالها يجب أن يتم بالتنسيق مع دمشق وتسليمها من داخل سوريا وليس عبر الحدود التركية إلى مناطق المعارضة.

وكان المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا المصطفى بن المليح قد وجه نداء إنسانيا طالب من خلاله بوضع السياسة جانبا من أجل إيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة التي تسيطر عليها فصائل جهادية ومعارضة في إدلب ومحيطها وتضررت بشدة جراء الزلزال.

وأودى النزاع السوري منذ 2011 بنحو نصف مليون شخص ودفع قرابة نصف السكان إلى مغادرة منازلهم ما اضطر العديد منهم إلى التوجه إلى تركيا.
وكانت غالبية السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية قبل الزلزال المدمر الذي أضاف كارثة أخرى إلى المأساة ولخص بن المليح قتامة الوضع بقوله "إنها أزمة فوق أزمة"، مضيفا أنه "ليس هناك معدات كافية للبحث والإنقاذ، ليس هناك معدات طبية كافية ولا أدوية كافية".  


وبادر رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بالاتصال هاتفيا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتعزية في ضحايا الزلزال وأرسل مساعدات إنسانية وفرق إغاثة وعمال إنقاذ للبلد الجار، على الرغم من التوتر السائد بين البلدين والذي كاد يصل إلى مواجهة عسكرية بسبب خلافات على جزر متنازع عليها والتنقيب عن مصادر الطاقة في البحر المتوسط.

وكأن بوراك أوزوجيرجين السفير التركي السابق لدى أثينا كان يستشرف الواقع حينما قال في خطاب وداع قبيل مغادرته اليونان نهاية العام الماضي “أتمنى ألا نحتاج إلى حرائق أو زلازل أو كوارث أخرى لتذكرنا أننا جيران”، حسبما نقلت شبكة دويتشه فيله الإعلامية الألمانية.

كما تناست السويد موقف تركيا المعرقل لمسعاها الرامي إلى الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) وسارعت إلى تقديم المساعدة إلى أنقرة، وهو نفس الموقف الذي أبدت أرمينيا استعدادها للقيام به على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية مع أنقرة بسبب خلافات تاريخية بين البلدين.

ولم يقصر العراق مساعداته على سوريا فحسب بل أقام جسرا جويا لإرسال المساعدات الإغاثية العاجلة بما فيها الدواء والوقود إلى البلدين، على الرغم من العمليات العسكرية التي تقوم بها أنقرة في شمال العراق ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني.

وقال بيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني “يأتي هذا في إطار الالتزام العراقي بالتواصل الإنساني مع الشعوب الشقيقة والصديقة، والتضامن مع ضحايا الكارثة الإنسانية”.

كما أرسلت مصر مساعدات طبية إلى تركيا على الرغم من فتور العلاقات بين البلدين منذ سنوات ومرورها بفترات من الشد والجذب وسط تحذيرات من احتمال حدوث مواجهة عسكرية على الأراضي الليبية مؤخرا.

وكان اللافت هو إجراء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالا هاتفيا مع نظيره التركي لتقديم واجب العزاء في ضحايا الزلزال، والإعراب عن تضامن القاهرة مع الشعب التركي في تلك اللحظة العصيبة.

ولم تكتف تونس من جهتها بتقديم مساعدات إنسانية لتركيا وسوريا، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك وقررت رفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي لدى دمشق، في خطوة رأى مراقبون أنها ربما تكون توطئة لإعادة العلاقات بشكل كامل بين البلدين.

وفي السياق ذاته، جاء موقف الولايات المتحدة التي أعلنت عن تقديم مساعدات بقيمة 85 مليون دولار إلى تركيا وسوريا وقررت تعليق بعض العقوبات المفروضة على دمشق للسماح بإدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية في ظل وضع كارثي بسبب ضعف الإمكانات لدى الحكومة السورية.

وحددت واشنطن مدة تعليق العقوبات بـ180 يوما، وهو ما يعتبر وقفا لقانون قيصر الأميركي الذي يمنع على الدول تقديم دعم لـ”النظام السوري” ويفرض عقوبات عليها في حال خرقت القانون، وذلك لأسباب إنسانية بحتة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في تصريحات صحفية “نحن فخورون بالانضمام إلى الجهود العالمية لمساعدة تركيا مثلما سبق أن ساهمت تركيا في الكثير من الأحيان عبر خبرائها في عمليات الإنقاذ الإنساني لدول عدة أخرى”.

تونس لم تكتف من جهتها بتقديم مساعدات إنسانية لتركيا وسوريا، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك وقررت رفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي لدى دمشق

وأبدت إسرائيل منذ اليوم الأول استعدادها للانضمام إلى حملة الإغاثة والمساعدة الدولية لسوريا حال طلب منها ذلك.

وبعد اتهامات لها بعدم السماح بإيصال المساعدات إلى الشمال السوري، أتاحت حكومة دمشق دخول المساعدات إلى مناطق المعارضة بالتنسيق مع الصليب الأحمر والأمم المتحدة.

كما دفعت المأساة الإنسانية حزب العمال الكردستاني إلى الإعلان عن تعليق “عملياته” في تركيا مؤقتا بعد الزلزال. وقال القيادي في الحزب جميل بايك “قررنا عدم تنفيذ أيّ عملية طالما لم تهاجمنا الدولة التركية”.

ويرى محللون أن التحولات في المواقف وإن كانت بدافع إنساني قد تمهد أو تفتح الباب أمام مشهد سياسي جديد على خارطة العلاقات الدولية، وأن كارثة الزلزال ربما تساعد في كسر عزلة الرئيس السوري بشار الأسد وتخفف العقوبات الدولية المفروضة على نظامه.

ونقل موقع المونيتور الأميركي عن منى يعقوبيان، كبيرة مستشاري المعهد الأميركي للسلام، قولها إن “الاتجاهات نحو التطبيع جارية بالفعل.. من المهم أيضا عدم الخلط التام بين جهود تقديم المساعدة الإنسانية في مواجهة مأساة تاريخية، والتطبيع. هناك بعض الفروق بوضوح”.

ومع مرور الأيام تتلاشى آمال العثور على ناجين تحت أنقاض المباني المهدمة، وتزداد صعوبة الوضع الإنساني على الأرض لاسيما في شمال سوريا. وعلى الرغم من تقديم كمّ كبير من المساعدات، يعتبر حجم المأساة أكبر بكثير، حيث أعلن برنامج الأغذية العالمي الجمعة نفاد مخزونه في شمال غرب سوريا، داعيا إلى إفساح المجال من جميع الجهات لإدخال المساعدات وسط مخاوف من انتشار الأوبئة.