"الجنوب العربي وخرافة اليمن الموحد"..
تاريخ الهجرة اليمنية إلى عدن.. مهاجرون بائسون وساحة لعرض كل الامراض الاخلاقية والنفسية والجسدية
"هذه الصفحات من التاريخ، نقدم بعضا من اشكالية العلاقة بين عدن واليمن، تلك العلاقة التي قدمت بها هذه المدينة لليمن كل الدعم والمساعدة، ولكنها لم تحصد من اليمن غير الخيانة والخداع".
انه التاريخ يكشف حقائق المواقف عند رجال هم عند مستوى المسؤولية في عدن، وبين من جاء يطلب الانصاف والرحمة لكنه ليست له مشروع ولا رؤية سوى التصارع على المال والسلطة قالوا عنهم عندما جاءوا الى عدن (الاحرار) وعندما تغير الزمن وغادر من اهل عدن الى اليمن قالوا عنهم (اللاجئين).
تلك هي مسافة الوعي التي تخلف المواقف ومنها نعرف معدن الرجال.
عدن الثقافة والحضارة والتاريخ والمجتمع المدني، جاءت اليها الامم بكل ما تحمل من كل ارجاء العالم غير ان لليمن كانت لها مآرب اخرى، هدف الى جعل عدن والجنوب العربي جزءا تابعا، ومن تلك العقود تسربت اليمنية عبر طرق ملتويه، طلب الدم واعطاء فرص للعمل وغيرها من اساليب الاحتيال والتي بكل اسف مرت على عقليات جنوبية، عمت بصيرتها شعارات، ومن أدرك تم اخراجه من المشهد العام.
"صحيفة اليوم الثامن" تقدم هنا بعضا من هذا التاريخ، كانت فيه صحيفة فتاة الجزيرة هي من قدم الواجب، لكن اغراض اللعبة بعد ذلك سارت نحو اهداف من خبت السياسة.
بعد سقوط حركة 1948م في اليمن، كتب الاستاد محمد علي لقمان الذي كان يشغل تحرير صحيفة فتاة الجزيرة في عدن مصورا كيف جاءوا أهل تلك البلاد الى عدن بحتا عن من يقدم لهم المساندة، لانهم خارج اطار التاريخ والحضارة بعيدين عن الامم، بل في مجاهل الازمنة.
ذلك كان في يوم 14 ابريل1944م يقول الاستاذ لقمان :( وصل في هذا اليوم المطيع دماج وكان حوالي الظهر في بيتي في حافة حسين، لم اسمع به من قبل ولم اعرفه ولم يأت الى بتوصية من صديق.
وكان يلبس سترة بيضاء قصيرة وازارآ يمانيا الى الركبتين وعلى رأسه عمامة وحذاء من الجلد الذي يلبسه البدوي عادة في الصحراء، وعندما وصل كان متحمسا، كثير الالم بل كانت كلماته عنيفة حزينة.
قال:( جئنا الى فتاة الجزيرة: نحن شعب مظلوم ونحن شعب مالنا أي حق ولا حرية).
وهذا الوصف يقدم لنا صور عن الفوارق بين عدن واليمن.
الملابس الرثة وحالة الهيئة تكشف عن مرجعيات العقلية التي خرجت منها هذه الصفات.
فهي ليست اسير الماضي الذي ظهرت فيه، بل انها حاضرة في مشهد اليوم، بالرغم من محاولات اخراجها من الإطار العام ووضع بدلا عنها تزييف موضعي لوجه اليمن، لكنها سقطت امام الحتمية التاريخية لهذا الامر.
لقد ظلت اليمن لقرون من الزمن خارج مستوى الحضارة الحديثة بينما الجنوب العربي راحت تتجاوز مسافات التخلف بفضل الموقع الجغرافي للعاصمة عدن، المتصل مع العالم وهذا ما جعل لها معالم تخالف اليمن التي جاءت فيها هذه الاوصاف.
في وصف لوضع اليمن عند عهد حكم الامامة يكتب مطيع دماج في 18-اكتوبر 1944م قائلا:( لقد تركت بعض نساء اليمانيين وبناتهم يتكففن في الارقة والاسواق بعدن يطلبن من الرزق ما يسد الرمق ولو يبذل العفاف.
كم من الزمان مضى على هذه الكلمات نحن اليوم في عام 2023م ونفس المشهد يعود الى شوارع عدن التسول وبيع لحم الجسد لمن يدفع.
ماذا حققت انقلاب 26ستمبر لأهل اليمن؟
وعبر مراحل ظل الجنوب بالنسبة لهم طريق الهروب من خراب اليمن ولكن لا حل لما هم فيه ...
في باب سهيل اليماني من فتاة الجزيرة العدد243بتاريخ 22-اكتوبر 1944م يكتب أحد رجال اليمن عن وضع من دخلوا من تعز الى عدن قائلا:( تهدمت في اليمن مدن وضربت قرى وهلكت الوف من الناس واتلفت المزارع وصاحب الجلالة مشغول بتنظيم الضرائب واعداد الجيش المقاتل لتحصيلها ومطاردة السكان واخراجهم افواجا من اليمن يحملون الجوع والمرض والبؤس والشقاء وقد غصت بهم عدن وضاقت الشوارع بالمتسولين منهم العاطلين فهم بملابسهم الرثة والمتسخة، بين سائل واعمى وأعرج وهزيل من المرضى والجوع وارملة تحمل اليتامى على ظهرها وشابة لا يمكننا ان نسطر وسائل كسبها وارتزاقها.
ان وجود هؤلاء البائسين في عدن عار على الحكومة اليمنية وأعظم برهان ما يكتبه المتألمون).
هكذا هي عدن بالنسبة لأهل اليمن، ساحة لعرض كل امراضهم الاخلاقية والنفسية والجسدية لأنها مدينة ترحم من يأتي اليها باحتا عن الامان.
هذه الحالة تخلف تراكم من الحقد ما بين المحروم والمستقر لذلك تكونت في نفسية اهل اليمن نظرة نحو عدن فيها.
من حب السيطرة والاستبداد على هذه المدينة لأنهم ليس في وضعت التمكن من بلادهم التي تحكم عن المذهبية الطائفية باسم السادة والعبيد.
في عام 1945م تم اجتماع لبعض الرجال من اليمن في منزل بالتواهي ضم كل من النعمان والزبيري والقوسي ومطيع دماج وابو راس والموشكي وعقيل عثمان واحمد الشافعي.
وقد حضر الاستاذ محمد علي لقمان كي يشرح لهم الجوانب القانونية لقيام جمعية تحمل القضايا اهل اليمن.
وبعد عدة جلسات في عدن حدث خلاف مالي حيث ان امين المال لم يصدر بيانا يوضح فيه ما جمع من المال فانقسم هذا الجمع على نفسه.
وحول هذا الامر جاء في صحيفة فتاة الجزيرة العدد (432) 5 اغسطس 1948 م ما يلي: (انشق مطيع دماج ورفاقه على احمد نعمان وانصاره
طلب دماج نصف المال الذي بيد الحزب ورفض نعمان بحجة ان المال للقضية وليس لقائمين بها.
ومضت ايام ودماج يشكو عنت رئيس الحزب وحاولت وحاول غيري جبر هذا التصدع ولكن الفلوس تفرق بين الاخ واخيه والام وابنها.
ووجد دماج ورفاقه ان عليهم ان يحصلوا على النفقة الضرورية وان هذا غير ميسورة فاخدوا يعودون الى اليمن واستقبلهم ولي العهد في تعز بالوظائف والمرتبات الشهرية ولم يؤد احدا منهم)
هي لعبة السياسة والمال السياسي اما الوطن والقضية ليست لهم من قيمة الا في حسابات من يدفع وتلك هي اهل اليمن.
هربوا من ظلم الامام، ولكن الخلاف على المال اعاد فرق منهم الى عند من تعامل معهم بالقهر وهو ما يحدث في الحاضر من كان ضد الحوثي يرجع الى الاصول.
وهذا يؤكد على ان الطاعة للسيد فلا وطنية ولا قضية الهروب الى حيت المكسب تم العودة الى نفس المكان.
لقد وجع الشعب في الجنوب العربي في خديعة اليمن، عندما ظن ان 26 سبتمبر قضت على الحكم الشيعة الزيدية، فهم على طاعة المذهب، فهو الدين والوطن والسياسة وهذا الجانب الذي فعل الثعبان الاسود الذي يسكن في الاتجاه المظلم، تم يضرب ضربته في الوقت المطلوب.
الاختلاف على المال وهو دائما عند هذه الامه الغنيمة المقدسة، لكن لا تسقط خطوط الرجعة.
فلم تكن عدن لهم وارض الجنوب العربي، الا البديل عن الازمة والارض التي تمارس عليها حالة التمكن لعقدة النقص بالذات.
شرحت تلك الكلمات الانقسام بين اهل شمال الشمال واهل تعز، الشافعي والشيعي فلا يمكن تسيد اهل المناطق الشافعية على السادة الشيعية، مهما تصاعدت حدة الصراعات، والدليل ان انقلاب 26ستمبر لم يذهب بسلطة المذهب خارج اسوار صنعاء، بل دارت المسالة في حلقة مفرغة لتعود الى نفس النقطة ونفس الشي جرى مع على عبدالله صالح الذي لم يسلم للرئيس الجنوبي الشافعي عبدربه منصور هادي، بل لجماعات الحوثي الذين اكدوا ان اكذوبة النظام الجمهوري قد ذهبت مع الرياح بعد خروج الجيش المصري 1967م والانقلاب على السلال.
وتحت عنوان، مستقبل اليمن مظلم ان لم تمزق سحب الظلام، جاء في العدد326من فتاة الجزيرة 16يونيو 1946م هذا الكلام (اما اليمن فان ابناءها يهجرونها ويهاجرون فيها الى الخارج.
ان اليمن في عدن، باستثناء بعض التجار يستجدي الاكف ويبيع ماء وجهه رخيصا لأنه فار من الظلم في وطنه، غير قادر على الحصول على عمل لجهله..
والاكثرية الساحقة عن أبناء اليمن ...يعيشون على قارعة الطريق وينامون على افاريزها ، يفترشون الغبراء ويلتحقون الزرقاء فمن المسؤول ؟
وقد اجبر الفقر والجوع بعضهم فأصبحوا كناسين، اما النساء والبنات فأنهن في الازقة لا من يحميهن ولا من يحفظون ولا ولا ...)
عن قهر حكم المذهب الشيعي الامامي لشعب اليمن وضرب كل المقدسات الاسلام بعرض الحائط تنشر فتاة الجزيرة مقال بقلم عبدالله عبدالوهاب نعمان في 4اغسطس 1946م جاء في بعضه :(انه غزى احدى العزل في صبر بأربعة الاف جندي تحت قيادة محمد علي عثمان والسيد مطهر واخرجوا الاهالي من البيوت وشدوهم بالجبال الى اكتافهم وارسلوهم الى السجون.
وهل يستطيع ان ينكر صاحب سمو انه اخرج بنت احمد الكرسلي واخاها اليتيم من بيت ابيهم ، بعد وفاته طمعا في حديقته الانيقة ، ومنزله الجميل وانه قيدها وابقى عكفته في بيتها حتى رضيت بالجلاء .
وهل يستطيع القول انه لم يمثل هذا الدور نفسه مع زوجات محمد سعيد الزمبر واطفاله على اثر موته.
وهل يستطيع ان ينكر انه ربط بعض اعيان مقبنة وشدهم بالجبال وجلدهم في ظهورهم وبطونهم وصلبهم في الجدران.
ما حدث في الماضي هو ما يجري اليوم هذا يؤكد اكذوبة الجمهورية والقضاء على حكم الامامة.
الامامة هنا ليست سلطة سياسية حزبية يمكن ان تغير عبر انقلاب عسكري بل هي قيادة روحية مذهبية تحكم منذ أكثر من 1000عام وظلت القوى المحركة لكل الامور بعد 1962م حتى اليوم.
لذلك ما يقدم عليه الحوثي من جرائم هي من حق السيد على العبد وعندما جاءوا الى عدن عاصمه الجنوب العربي كانت تحركاتهم مجرد هدنة حتى يرضى عنهم الامام تم يعود الامور الى بيت الطاعة.
لقد قسمت تلك المذهبية مجتمع اليمن الى سادة وعبيد عبر قرون طويلة، وهذا لم يعرف الجنوب بالرغم من وجود السلاطين والمشايخ والامراء.
لكن الذي جعل للجنوب حاله مخالفة لوضع اليمن ، القوة المذهبية المقدسة التي تحكم باسم الحق الالهي لذلك تد اليمن الخارج عن هذه السلطة ليس لها المكانة في الحقوق الاجتماعية فكان لابد من البحت عن الوطن البديل ، فكانت عدن هي الهدف ننظر اليها او لا مجرد اقامه ، تم تحولت الى رغبة في تملكها عبر اليمننة التي دخلت من هذه الابواب وظلت عبر اجيال من اهل اليمن تتدفع الى عدن حتى كونت شبه كانتونات في عمق المجتمع الجنوبي تم جاءت الشعارات السياسية في مرحلة الكفاح المسلح ليصبح الجنوب العربي جزاء من اليمن وكانت تلك الفئات المتدفقة من تعز هي القوة الداعمة لسلخ الجنوب العربي عن هويته وإدخاله في حصار اليمن الذي يجب ان ينتهي بالوحدة وهذه الحقائق عندما غيبت عن الوعي الجنوبي سقط في محرقه الهيمنة اليمنية.
في العدد 348 من فتاة الجزيرة 1-ديسمبر 1946م يكتب الاستاذ محمد علي لقمان هذه الروية :( في اليمن الزيدية والشافعية، وكل هؤلاء قد لقنوا منذ عشرات السنين حب الامام بصفته امير المؤمنين وحب بيت الامام، فقد فرض على جميع اليمنين الدعاء له في خطبة الجمعة وفي كل مسجد والدعاء له في كل خطاب رسمي او شخصي يكتبه يمني لقريب او بعيد، وعليه ان يقول في خطابه بعد السلام، والله يؤيد مولانا امير المؤمنين واولاده الخ ...
وفي الكتاتيب في اليمن حيت يتعلم الاطفال القران يلتقون الاخلاص للإمام وابنائه.
وبمثل هذه الوسائل تمكن بيت حميد الدين عن توطيد العقيدة بوجوب الولاء لإفراد هذا البيت.
اما رؤساء العشائر والمرشحون للإمامة، بمن فيهم بيت حميد الدين وولي العهد سيف الاسلام احمد فان انتظار اصلاح واسع النطاق او حتى محدود النفع على ايديهم يكاد ان يكون حلما من احلام الشعراء لما سيواجهونه من عقبات وقلاقل ودسائس سوف يحتاجون سنوات طويلة للتغلب عليها.
قد يقول قائل لم لا تكون في اليمن جمهورية؟
والجواب ان الجمهورية العادلة والملكية الدستورية المقيدة لا بتيسير استتبابهما في امه بعيدة عن كل الوسائل الحضارة الحديثة.
لهذا يعتقد المفكرون ان احسن الوسائل لمنع الاضطرابات في العربية السعيدة ان ينتخب الشعب ملكا او اماما يشترط عليه ان يتقيد بمجلس شورى مؤلف عن رؤساء القبائل ورجال الفكر ، ودستور يضعه الشباب المتنور في ضوء تعاليم الاسلام والمدينة الحديثة ، يكون نبراسا تسير علية حكومة اليمن بمساعدة رجال الجامعة العربية ، والانتفاع برجال الفكر من الاكفياء المخلصين للقيام بأعباء الحكم ومسؤولياته والعمل السريع المثمر لتأسيس المدارس ، ونشر الثقافة والعلم، ووضع برنامج لرفع مستوى البلاد خلال 15 سنه أدبيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا )
وانطلقت نظرة الاستاذ لقمان من محيط عدن، فهو لا يرى في التغير الا عبر نسف عقيدة عبادة الفرد التي تجدرت عند اهل اليمن وتشرب كحتميه لا يجوز الخروج عليها وهي تعود اليوم بكل قوة بعد سقوط خرافة القضاء على حكم الامامة.
هذه المسافة الفاصلة بين الجنوب العربي واليمن، هي ما يؤكد ان خرافة اليمن الموحد زرعت لغرض سياسي يهدف لبلع الجنوب العربي، وذلك من الاحلام العدائية عند حكام الهضبة الذين نظروا حتى لليمن الشافعي على انه ارض مستباحه، وكل عالم يهب من قبل هذه العقليات التي ترى بحق الغير مال حرام ان لم تأخذه لها.
اما ان تصنع اليمن مشروع دولة مدنية، هذا يعني اعلان حرب الابادة على سيطرة العقيدة الشيعية ومن هنا حتى بعد 1962م وحتى اليوم ظلت مناطق كثيرة في اليمن كما تركتها الامامة، من جهل وتخلف ومرض وفقر، وهي اوضاع يجب ان بقى هكذا لا تعرف تطور العصر لان هذا الحفاظ على نوعية البيئية دوام السلطة الروحية للعقيدة، وهو ما ظهر عند ظهور الحوثي فهم جاءوا من نفس المرجعيات في المقدس اليمني.
بالرغم من ان اليمن قطعت بعد 1962م بعض الخطوات في طريق الوصول الى مدينه العصر، لم يترك لهذه المحاولات التواصل مع العالم.
يقال ان الامام احمد قال :( سوف اموت واحكم اليمن من قبري)
عبارة تعزز مبدأ ان السلطة المذهبية في اليمن مهما كانت درجات الاختلاف عليها، لا تسمح بخروجها عن هذا الإطار هي مسالة قد حسمت باسم الحق الالهي.
من هنا ندرك ان رؤية محمد علي لقمان لم تتخط الورق التي كتبت عليها وكم هي محاولات اهل الثقافة في اليمن تحطيم هذا الصنم الذي يسكن الانفس والعقول ذهبت مع الريح.
واليوم تعود المسألة الى نفس المربع، كان التاريخ في اليمن تحنط في هذا القبر الذي يحكم بالفناء على كل من يسعى لهدمه.
لقد ادرك العقل الجنوبي المستنير ان قضية قلب الاوضاع في اليمن من المستحيل، لان القوى الفاعلة في قيادة الرأي العامة، تدمير افعال النهوض، ففي مجتمع يحتل فيه شيخ القبلية الصف الاول قبل المثقف، بل الاخر يدخل في زمرة حلقة الجلوس مع المشايخ وأخد منهم المشورة، يدل على ان الحدود التي رسمت ليست من السهل المرور من فوقها .
لم تكن الحرب بين اصحاب الملكية واصحاب الجمهورية التي استمرت من 1963-1967م تم الدخول في اتفاق يجمع بينهما تحت زيف الجمهورية الا دليل على عجز قوانين ومبادئ العصر من كسر جدران العزلة عن العقل اليمني الذي ما زال حتى اليوم اسير الكهوف المظلمة التي لا تقدر على العيش فيها الا كائنات معينه هي من يشكل هذا الواقع.
ويكتب الاستاذ محمد علي لقمان في العدد 390من فتاة الجزيرة 28-ستمبر 1947م قائلا:( ان الذين يطالبون اليمن بالمدارس والمستشفيات وغيرها هذه الاصلاحات يتنافسون المطالبة بدستور لهذه البلاد.
ان الدستور وحده هو الذي يوجد الاصلاح ان الامة لا لدستور لها لا اصلاح فيها.
اننا نريد حكومة دستورية مقيدة والا فلن يرضى اليماني بغير جمهورية ديمقراطية لا تكون فيها الحكومة غير خادمة لهذا الشعب المظلوم المهضوم.
في اليمن حرية ذبيحة وارواح لا تعلم متى تطير شعاعا واموال تذهب زكاه لا يفتقر ايجادها الى الاعذار ، وشعب ليس له حق التعبير ، وارض غنية بطبيعتها ، فقيرة بنظام الحكم فيها ، فلا مدارس تنجب المفكرين والقادة ولا صحافة توجه الرأي العام ، وبحر خال من سفن اليمن ، وبريد لا يحمل الا الرسالة التي يريدها احد المسؤولين ، وقضاء مرتجل، وتشريع يميله الهوى ، وتنفيذ يتم قبل ان ينطق الحاكم بأمره وعجزه لم يكن لهم في شبابهم نصير ،ومشردون لم يكن لهم في منازلهم امان ، ومواصلات لا زالت جزءا من تاريخ البغال والحمير، وثروة قومية غمرتها اعاصير الظلم والعدوان برمال كثيفة متراصة عمياء .
امة خمدت جذوة عزتها منذ اباد، فلم تشعر بان كرامتها تهان وبيوتها يلجئها اجلاف العسكر المأجورين يعبثون بكل مقدس ، وعقول ابنائها لهم غير العيش في نتن الزندقة والنفاق ، تميميون يومآ ويومآ قيسيون ، او بصراحة هذا العصر ،فهم يوما يذمون سيف الاسلام واخر يسجدون على ركبتيه ) .
الدستور هنا هو النظام والدولة، لكن اليمن عبر التاريخ هي شعب بدون حكومة، والقانون هو اهانة للعرف القبلي الذي يحكم والكل راضي عنه.
كان يظن الاستاذ لقمان، ان هناك امة تطلب الدولة عبر الدستور غير ان ما هو على السطح ليس الا فقاعات صابون اما العمق هو الطاعة لمذهبية قد ارست قرون القهر النفسي والاستسلام المطلق، شعار لا تمرد على السادة.
ان ما نطرحه ليس صورة زيف، ولكنه الحق الكامل في واقع اليمن.
هذا شعب محكوم عليه في هذا المستوى من البقاء تحت وعي التاريخ حتى ما طرح كمحاولة، تتطاير في افق الظلام، هنا قوة سوداء تحكم هذا الارت .
لقد غرس في العقول الى حد التعبيد في محرابه. نفسية مثل هذه كيف لها الانعتاق، وهي لا تجد حضورها الا في التمسك بكل عوامل هذه الذات.
تم هل تغير حالات بناء مدرسة او عيادة او طريق وغيرها من تكوينات جماعات تحول وسائل العصر الى ادوات تخدم مصالح الطائفة؟
ان البنايات مجرد احجار الا تغير العقول، وهو اصلب من الحجر.
انه ناموس تقديس الفوضى ولعن القانون، لا يظل عقل المريض الا في ظل بقاء الحالة المرضية دائمة وما التمسك بما يقال عنه العادات والتقاليد اليمنية الا ضرب لكل محاولات الخروج عن سلطة عبادة الذات التي حكمت اليمن وما زال فيها اخر الزمن.
في العدد 288من فتاة الجزيرة 14-سبتمبر1947م يكتب الاستاذ محمد علي لقمان قائلا:( يحاول جلاله الامام يحيى وأولاده ان يذروا الرماد في عيون الناس في الداخل والخارج بما يقومون به من حركات ظاهرها النشاط والعمل وباطنها الركود والفشل)
ولكننا لسوء الحظ نعرف حقائق عن اليمن تنفر النوم من العيون، وتقض مضاجع الوطنيين، وتطعن هذه الصورة الزائفة فتمسخها وتظهر ما وراء من غايات استبدادية هي البقية الباقية في عالمنا هذا عن اثار القرون البائدة والحكم الغاشم أدي انسان يستطيع ان ينكر ان داء اليمن الاكبر هو نظام الحكم القائم فيها؟
لقد عاش اليمانيون طوال العصور، يجأرون تحت نير حكم فردي، او اوتوقراطي، ونظام اقطاعي، ورؤساء يجهلون كل شيء يمت الى الشعب بخير ،ولا يفهمون سوى شيء واحد هو تسخير قدرات هذه الامة ليتمتعوا بالنعيم والترف على حسابها وشقائها .
يقول ايضا أنصار النظام القائم ان اليمن متمرد وأمه لم يستقر بعد وان خير ما يحكمه هو الظلم ويستشهدون بالأمن السائد في اليمن.
منطق غريب وحجة خاوية ونحن عشاق الحرية، نضحك ساخرين بهذه الاقاويل الباطلة، وبدعاتها النفعيين ... اي امن في المملكة لا يحمي القانون فيها سكانها من استبداد الامير الظالم والعامل الطماع الذي يقطع ولاية كاملة على ان يورد الى خزينة الدولة ما يشبع نهمها، ويفعل بالناس ما يحلو له؟
ان يروا نشر الامن بالخوف فهل كان ذلك امنا؟؟؟ لقد حرص كل من تولى الحكم في اليمن ان يوجه الشعب اليماني توجيها يتفق واغراضه ومصالحه تحت شعار الدين وتعاليم جاءوا بها ما انزل الله من سلطان وتنافس الحكام في هذا الاستغلال فكانت اليمن ضحية لا هوائهم ومهدا لدسائسهم وا رحمتاه يا كبش الفداء)
هذه بعض من اشكاليات العلاقة بين عدن واليمن، قدمت عدن لها المساعدة الفكر به الخروج من مساقط التاريخ، وكان العلم والقوانين ممر العبور لكنها، اليمن لم ترد لعدن غير الحقد ورغبة الانتقام.
ما جرى بحق الجنوب من قبل علي عبد الله صالح ليس خارج سلسل الاعتداءات عبر عصور ضد هذه الارض وشعبها.
نحن اليوم بحاجة للعودة الى مثل هذه المرجعيات حتى ندرك نحو اي وحدة ذهب الجنوب.
انهم لم يسقطوا مصادرهم لذلك مارسوا لعبة الاحتيال على الجنوب، وبواسطة عقيدة الغدر والخيانة، كانت سياستهم تتبدل فيها كل الصور حسب الطلب
لقد ظل الجنوب العربي لليمن مجرد غنيمة ومكسب يجب نهبه ...
المكلا