"بن سلمان وسياسية إزالة التوتر"..
الاتفاق السعودي الإيراني.. محادثات القنوات الخلفية مع الحوثيين للخروج من حرب اليمن
"أجندة الرياض واضحة من خلال تقليل الاضطرابات في الخارج للحفاظ على التركيز على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل"
أكدت مصادر خليجية وتقارير صحفية أن المحادثات بين المملكة العربية السعودية والأذرع الإيرانية في اليمن، وصلت إلى مرحلة متقدمة من التفاهمات بين الجانبين، ولكن نقطة الخلاف تكمن حول اشتراط طهران أن تحصل أذرعها في صنعاء على مرتبات من عائدات نفط الجنوب، الأمر الذي يبدو ان الرياض غير قادرة على اتخاذ الموافقة على مثل هذا المطلب، لكن قد تدفع برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى نقل مقر اقامته من قصر معاشيق في العاصمة عدن، إلى مدينة المكلا مركز محافظات حضرموت، وهو ما مهد له ناشطون سعوديون.
ورجحت مصادر سياسية تحدثت إلى صحيفة اليوم الثامن "أن السعودية إذا قررت جدياً في نقل العليمي إلى المكلا، فهذا يعني الموافقة على منح الحوثيين جزء من عائدات النفط الجنوبي، تحت بند دفع المرتبات التي يعترض عليها المجلس الانتقالي الجنوبي بشدة، ناهيك عن ان الرياض لديها مشروع استراتيجي يتمثل في نقل المشتقات النفطية عبر هذه الجزيرة.
وذكرت صحيفة العرب الصادرة في لندن أن المملكة العربية باتت منخرطة في محادثات عبر قنوات خلفية مع الأذرع الإيرانية، قد تؤدي في النهاية إلى إخراج القوات السعودية من الحرب، فيما يشترط الحوثيون ان تقوم الرياض بإعادة الاعمار وتعويض الخسائر التي يقول الحوثيون انهم تعرضوا لها جراء الحرب.
واعتبرت الصحيفة التقارب بين السعودية وإيران والمحادثات مع الحوثيين بأن يأتي في ظل مساعي السعودية إصلاح الخلافات المريرة مع خصومها الإقليميين مثل قطر وتركيا".
وأشارت الصحيفة الى ان ولي العهد السعودي الذي يسعى لإنهاء حالة التوتر من خلال التقارب مع إيران، ناهيك أنه قدّم بلاده كوسيط محتمل للحرب في أوكرانيا.
وقال صحيفة العرب إنّ الأمير محمد بن سلمان تحوّل راهنا إلى صاحب سلطة براغماتي بشكل غير مسبوق، حتى لو كان من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت إجراءاته لخفض التصعيد ستنجح.
ونقلت الصحيفة عن الخبير في السياسة الخارجية السعودية بجامعة برمنغهام عمر كريم قوله "إنّ الاتفاق مع إيران على وجه الخصوص “يمثّل تغييرا جذريا في نهجه السياسي”، ما يشير إلى “نضج وفهم أكثر واقعية للسياسات الإقليمية”.
إلا أنّ عملية التحول لم تكتمل بعد، إذ لا يزال الاتفاق مع إيران في حاجة إلى التنفيذ، حيث من المقرر إعادة فتح السفارات بحلول الأسبوع الثاني من مايو بعد سبع سنوات من القطيعة الدبلوماسية.
وفي سياق متّصل، تجري السعودية وسوريا مباحثات تتعلّق باستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين، بعد قطيعة مستمرة منذ سنوات نتيجة إغلاق الرياض سفارتها في دمشق على خلفية موقفها المناهض للنظام، حسبما أفاد مسؤول في وزارة الخارجية السعودية الخميس.
وكانت المملكة أغلقت سفارتها في دمشق وسحبت كل الدبلوماسيين والعاملين فيها في مارس 2012، بعد
نحو عام من اندلاع النزاع في سوريا حيث دعمت الرياض الجماعات المعارضة للنظام وللرئيس السوري بشار الأسد.
وقالت تقارير صحفية إنه بغض النظر عمّا سيحدث لاحقا، تبدو أجندة الرياض واضحة، تتمثل في تقليل الاضطرابات في الخارج للحفاظ على التركيز على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في الداخل.
وقال مسؤول سعودي بعد أيام من الإعلان عن الاتفاق مع إيران “رؤيتنا هي شرق أوسط مزدهر، لأنه دون أن تتطور منطقتك معك، هناك حدود لما يمكنك تحقيقه”.
وقال دبلوماسي عربي مقيم في الرياض لفرانس برس “لقد صُدم السعوديون لأن الأميركيين لم يفعلوا شيئا لحمايتهم”.
وتكشّف مشهد متناقض مشابه العام الماضي في جدة، ثاني أكبر مدينة سعودية والواقعة على ساحل البحر الأحمر، حين قصف الحوثيون منشأة نفطية بالقرب من حلبة سباق الفورمولا 1 فيما كان السائقون في المضمار.
ويتذكّر الدبلوماسي قائلا “أخبرنا المسؤولون السعوديون نحن في حاجة إلى التركيز على المشاريع العملاقة”، مشيرا إلى مدينة “نيوم” المستقبلية الضخمة ومركز فنون ناشئ في مدينة العلا في أقصى شمال البلاد.
وأضاف “إذا سقط صاروخ واحد على “نيوم” أو العلا فلن يكون هناك استثمار أو سياحة. الرؤية ستنهار”.
في استعادة علاقته مع إيران، لم يذهب الأمير محمد بن سلمان بمفرده، إذ أعادت الكويت والإمارات العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع الجمهورية الإسلامية العام الماضي.
لكن بعض خبراء التحليل السياسي قالوا إن الصفقة السعودية – الإيرانية أكثر أهمية من غيرها لأن البلدين وجدا نفسيهما على طرفي نقيض من النزاعات في جميع أنحاء المنطقة، ليس في اليمن فحسب بل أيضًا في لبنان والعراق.
من ناحية أخرى، قال موقع المرجع المتخصص في دراسات الإسلام السياسي إنه لم تمض أيام قليلة على توقيع الاتفاق السعودي الإيراني الذي قضى بعودة العلاقات بين الدولتين، حتى ارتفعت أصوات مشككة في مدى التزام طهران بهذا الاتفاق الذي سيعيد خريطة التحالفات الإقليمية في المنطقة، خاصة أن لدى كلتا الدولتين نفوذًا مشتركًا بتوجه مختلف في بلدان عدة، مثل اليمن ولبنان والعراق وأيضًا سوريا.
ويرجع هذا التشكيك كون طهران يحكمها تيار متشدد أيديولوجيًّا ودينيًّا، وهو ما ساهم في وجود دعوات منادية بإقصاء هذا التيار من الحكم وسياسة البلاد الخارجية حتى يكتب للاتفاق الموقع مع السعودية، النجاح على أرض الواقع.
كانت البداية في 16 مارس 2023، إذ قال النائب الإيراني جليل رحيمي آبادي في تصريحات لصحيفة «جمهوري إسلامي»، إن التيار المتشدد هو المسؤول عن تدهور علاقة طهران مع دول العالم، وإن بلاده كلما كانت تنوي إصلاح علاقتها مع بعض الدول سواء الإقليمية أو الأوروبية تحدث عراقيل من قبل هذا التيار يعيق هذا التوجه الذي يدفع نتيجته في نهاية الأمر المواطنون.
أضاف النائب قائلًا: «لماذا لا يتحمل هؤلاء المتطرفون مسؤولية أعمالهم؟ ألا يجب أن يعترفوا أن تصرفاتهم هي سبب خراب علاقات إيران بدول العالم؟».
أما الناشط الإيراني كمال الدين بير موذن، فدعا من جانبه، في تصريح لصحيفة «آرمان ملي»، الحكومة الإيرانية إلى إقصاء المسؤولين المتشددين الذين يقومون بتصرفات لعرقلة إنجاح الاتفاق الموقع مع الرياض ومعاقبة المتسببين في قطع العلاقات في السابق مع المملكة العربية السعودية، مشيرًا الى أن هذا الاتفاق يمكن أن ينجم عنه مصالح لكلا الطرفين، بعد أضرار عدة تحملتها طهران جراء تصرفات بعض المتشددين، حينما اقتحم محتجون إيرانيون المقرات الدبلوماسية السعودية في طهران ومدينة مشهد في يناير 2016 اعتراضًا على إعدام السعودية رجل الدين الشيعي "نمر النمر".
ورغم الأصوات الإيرانية المرحبة بعودة العلاقات مع المملكة العربية السعودية، فإن هناك أصواتًا أخرى عبر منصات التواصل الاجتماعي قللت من أهمية الاتفاق.
وحول ذلك، يقول الدكتور «مسعود إبراهيم حسن» الباحث المختص في الشأن الإيراني، إن تلك الدعوات هي نوع من حفظ ماء الوجه بالنسبة لأركان النظام الإيراني المتشدد خاصة، لرؤيتهم أن الاتفاق يمثل عودة للوراء باعتباره سيقيد -وفقًا لوجهة نظرهم- تحركات إيران سواء فيما يتعلق ببرنامجها النووي أو مشروعها الإقليمي الذي تقوم به ميليشياتها المنتشرة في المنطقة
وعن مدى تأثير تلك الدعوات، لفت في تصريح لـ"المرجع"، إلى أن هذه الدعوات لن يكون لها صدى أو تأثير كبير، نظرًا لأن الاتفاق يمثل "بوابة أمل" بالنسبة للنظام الإيراني أولًا ثم الشعب ثانيًا، لأنه يفتح أبواب للتعاون أمام النظام الإيراني في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية مع دول المنطقة وخاصة الخليج وتحديدًا السعودية.
ونجاح الاتفاق -والحديث للباحث- سيؤدي لأمرين، أولهما مزيد من تطبيع دول المنطقة مع إيران، والثاني المساهمة في تحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تشهدها البلاد منذ سنوات.
وعن مدى نجاح الاتفاق السعودي الإيراني، يوضح الباحث الدكتور «مسعود إبراهيم حسن»، أن الكرة الآن في ملعب نظام الملالي، خاصة أن هناك بندًا في الاتفاق يمنع تدخل إيران في شؤون دول المنطقة، وهذا يتعارض مع الدستور الإيراني الذي يتيح في إحدى مواده، التدخل تحت مزاعم مساندة الدول التي تعاني مما وصفها الدستور "المظلومية"، وهذا الأمر قد يمثل عائقًا أمام استمرار إيران في الاتفاق.
وأضاف أن العائق الآخر، متعلق بكيفية تعامل نظام الملالي مع الميليشيات الموالية له ببعض دول المنطقة كالعراق، سوريا، اليمن، الأمر الذي يطرح تساؤلات، منها، هل تتحمل طهران كلفة خروج تلك الميليشيا من دول المنطقة وتتخلي عن دعمها وهل تلتزم الميليشيات نفسها بأركان المبادرة السعودية الإيرانية؟، هذه الأسئلة كلها، النظام الإيراني وحده الذي يمتلك الإجابة عنها.