"شروط الأمن والاستقرار..

جهود مكافحة الإرهاب في الجنوب.. لماذا "تستدعي استراتيجية أعمق"؟

إن الأمن والاستقرار السياسي في اليمن والجنوب لا يمكن أن يتحقق، أن لم يأخذ المجتمع الدولي أصول المشكلة التي تجلت في صيف 94م وما نتج عنها من احتلال وإرهاب وعنف وظلم وقتل ونفي وتشريد وتعطيل للقانون

جندي من قوات الأمني عند حاجز تفتيش ومواطن بجانب حافلة محترقة اثر هجوم إرهابي - مركبة

د. صبري عفيف
رئيس تحرير مجلة بريم، وهي مجلة سياسية اقتصادية أمنية تهتم بدراسة قضايا الدول المشاطئة على البحر الأحمر وخليج عدن، تصدر عن مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات في اليمن
عدن

يهدف هذا التقرير الى مراجعة استراتيجية حرب المواجهة مع التنظيمات الإرهابية في اليمن - والتي أطلقها المجلس الانتقالي الجنوبي منذ تأسيسه، وبدعم مباشر من دولة الامارات العربية المتحدة - وقد تناول عددا من التدابير الأمنية والعسكرية لمكافحة التطرف العنيف؛ ومكافحة الإفلات من العقاب وضمان مساءلة كل من يسهم في ارتكاب أعمال إجرامية وفقا للتشريعات الدولية لمكافحة الإرهاب. 

المقدمة

إن الأمن والاستقرار السياسي في اليمن والجنوب لا يمكن أن يتحقق، أن لم يأخذ المجتمع الدولي أصول المشكلة التي تجلت في صيف 94م وما نتج عنها من احتلال وإرهاب وعنف وظلم وقتل ونفي وتشريد وتعطيل للقانون وافساد لكل شيء بنته القوى الوطنية في اليمن والجنوب معا. 

فقد صار الوضع أكثر هشاشة في الاوضاع الداخلية وينبغي أن يتم تحقيق الأمن من خلال سيادة القانون وحتى اليوم، أسندت جهود منع الارهاب المبذولة في للتعطيل أيضا وصار الإرهاب هو الحاكم والمشرع والأمن والقانون، ففي 27 ابريل 1994م أعلنت الفتاوى التكفيرية والحرب على شعب الجنوب وتم تمزيق وثيقة العهد والاتفاق التي ضمت في بنودها الأولى اهم مواد لمكافحة التنظيمات والعناصر الإرهابية في اليمن، لكن الحرب وبمساندة من المجتمع الدولي استطاعت تلك القوى الإرهابية احتلال الجنوب وتحويله الى ولاية إرهابية تنهب ثرواتها ويقتل ابناءه وتنتهك حريته وتحارب وتعطل قوانينه وانظمته الريادية والتي شملت كل المجالات الحقوقية والسياسية والمدنية وابدلت عنها التشريعات الإرهابية المتطرفة والمتشددة. 

كل ذلك أدى إلى غياب إطار قانوني لمكافحة الإرهاب وغسيل أموله وصار اليمن لا يلتزم تماما للمعايير الدولية المحددة في الصكوك القانونية العالمية لمكافحة الإرهاب رغم محاولات مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة تقديم المساعدة عن طريق تعزيز النظام القانوني لمكافحة الارهاب.

أولا: أركان جريمة الإرهاب 

-           الأسس القانونية المشتركة التي تستخدم في تجريم الأعمال الإرهابية، وبالتالي بيان الأعمال الإجرامية والنصوص القانونية ذات الصلة بالطلبات الموجهة لأجل التعاون الدولي في المسائل الجنائية.

-           تقديم الأسس القانونية المشتركة بين جميع أشكال التعاون الدولي على مكافحة الإرهاب.

-            الالتزامات في مجال التعاون الدولي على مكافحة الارهاب وبيان القواعد المفيدة من اجل تعاون جيد وفعال.

-            المؤسسات المختصة التي سيلتمس منها التعاون الدولي في المسائل الجنائية وتجريم الأعمال الارهابية المحددة في الاتفاقيات والبروتوكولات العالمية لمكافحة الارهاب.. 

تجريم الاعمال الإرهابية محددة في الاتفاقيات والبرتوكولات العالمية 

تشكل الصكوك العالمية أساسا عالميا للتعاون الدولي في المسائل الجنائية حيث ان مصادر الالتزامات الدولية تلك تتضمن تقريبا جميع الجرائم والآليات التعاون الضرورية لمكافحة الارهاب على الصعيد الدولي ويكمل تلك "الترسانة " من الاتفاقيات القرار (1373) الصادر في عام 2001م الذي يمثل اداة مهمة للتعاون الدولي في المسائل الجنائية وتوجد آليات اقليمية او وطنية اخرى تستخدم في تجريم الاعمال الارهابية وهكذا فان الاسس القانونية التي يقوم عليها تجريم الاعمال الإرهابية.

وهذا فأن الأسس القانونية التي تقوم عليها تجريم الاعمال الإرهابية هي التالية:

-           قرارات مجلس الامن ذات الصلة 

-           الصكوك العالمية 

-           الصكوك الإقليمية 

-           التشريعات العربية

-           التشريع المحلي

اليمن وعدم التعاون مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب.   

ففي 29كانون الاول /ديسمبر 2009، فرض على البرلمان اليمني اتخاذ ثلاث خطوات حاسمة لتعزيز قدرة البلد على مكافحة الإرهاب باعتماده اتفاقية لمناهضة تمويل الإرهاب وقوانين جديدة لمكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب الا انه لم يحقق ذلك وحسبما قالت (سيسيليا روتستروم_روين) رئيسة فرع منع الارهاب التابع لمكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فان قطع التمويل عن الارهابيين أمر حاسم الأهمية فيما تتكلل عمليات مكافحة الإرهاب بالنجاح فهو بمثابة حرمانهم من الهواء الذي ينفسونه"

ومنذ عام 2003 ما فتئ مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة يقدم للنظام في صنعاء مساعدات تقنية للتصديق على اتفاقيات مكافحة الارهاب 12كانون الثاني /يناير 2010 دون تحقيق أي فائدة في هذا المجال 

وفي 2011م برزت الأحداث التي شهدها صنعاء التحدي الخطير القائم أمام وسن تشريعات لمكافحة الإرهاب تتمشى مع المعايير الدولية وهو يواصل أيضا بناء قدرات هيئات إنفاذ القوانين والمؤسسات القضائية لوضع هذه الصكوك القانونية موضع التطبيق العلمي وتمثل هذه الجهود جزءا من خطة العمل على منع الإرهاب التي اتفق عليها بين اليمن والمكتب في عام 2005 ونقحت في عامي 2006م -2008

وفي 8 و9كانون الاول /ديسمبر 2009 عقد فرع منع الإرهاب التابع للمكتب، وبالاشتراك مع لجنة مكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب في اليمن حلقة عمل في صنعاء لتدريب مسؤولي العدالة الجنائية في جهاز القضاء وهيئات إنفاذ القوانين والاستخبارات والوزارات ذات الصلة إلا أن تلك الجهود ذهبت في مهب الرياح وقالت السيدة (روتستروم-روزين) إن النظام في صنعاء لا يصدق على صكوك مكافحة الإرهاب وهذا أمر خطير جدا في مجال مكافحة الإرهاب وسيوثق المكتب عدم تعاونه مع الحكومة اليمنية للمساعدة على تعزيز الإطار القانوني والمؤسسي لمكافحة الإرهاب فيه.

ثانيا: عوامل أسهمت في التمدد الأيديولوجي للإرهاب 

لمعرفة أسباب تحول المناطق والمحافظات الحدودية بين اليمن والجنوب إلى ملاذ آمن للجماعات الإسلامية المتطرفة، لكون تلك المحافظات تتسم بالولاء السياسي والعسكري لجماعة الاخوان المسلمين والقوى العسكرية للقائد العسكري علي محسن الأحمر المتهم برعاية العناصر الإرهابية في اليمن، حيث أصبحت معظم تلك المجتمعات من التفكك الاجتماعي وعدم قدرتها على فرض سلطتها خارج المدن الرئيسية، كما أن مجتمعات تلك المحافظات( تعز- مارب- البيضاء) تعاني من الفشل السياسي والفساد ونقص خدمات التعليم وندرة الفرص الاقتصادية، مما فتح الباب على مصراعيه لتفشي جرائم الإتجار بالبشر والدعارة والمخدرات وتهريب السلاح، وهكذا تمكنت التنظيمات والعناصر الإرهابية من استغلال تلك الثغرات والقدرة على التنقل بحرية في تلك المحافظات وتعمل على عقد تحالفات مع الجماعات المحلية والإستعانة بعدد من الشخصيات القبلية. 

أن العنصر الآخر الذي أسهم في تمدد نشاط الجماعات الارهابية المتطرفة في الحزام الحدودي للجنوب كان التمويل الذاتي الوافر، وذلك عن طريق غسيل الأموال وتجارة المخدرات والجريمة إلى أن عمليات الجريمة المنظمة لتلك الجماعات تدر عليها بملايين الدولارات لو تُركت هذه الجماعات دون ملاحقة أو تناسي المجتمع الدولي تنامي هذه الظاهرة فإن المتطرفين سيحولون الجنوب ومنطقة باب المندب والبحر الاحمر إلى نقطة انطلاق لتنمية قواعد الإرهاب وشن هجمات إرهابية في ضد المصالح الدولية.

-           الانتقالي الجنوبي والخيارات الاستراتيجية لهزيمة التنظيمات الإرهابية: 

إن الجريمة الارهابية ظاهرة اجتماعية يكون التعامل معها بواسطة نظم العدالة الجنائية والأجهزة الأمنية وليس بالتدخلات السياسية التي تضاعف من خطرها وتحقق للمنظمات الإرهابية الأهداف الدعائية لذلك يتوجب على المجلس الانتقالي القيام بها في المرحلة الراهنة.

وهناك خياران امام المجلس الانتقالي الجنوبي لواجهة التنظيمات الإرهابية هما: 

-           الخيار الأول: المكافحة المستمرة للإرهاب.

صرح الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي قائلا" إن الجنوبيين قدموا قوافل من الشهداء والجرحى في سبيل الانتصار في هذه المعركة المصيرية، التي تخوضها القوات المُسلحة الجنوبية كشريك محوري للمجتمعين الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وستواصل مهامها الوطنية لتأمين ممرات الملاحة الدولية في باب المندب وخليج عدن، والحفاظ على المصالح الدولية بعيدا عن تهديد جماعات الإرهاب والتطرف.

فتأكيد الرئيس الزبيدي بأن المعركة مع الإرهاب مصيرية ولن نتراجع عنها وهذا هو الخيار الثابت في سياسة المجلس الانتقالي الجنوبي؛ لكن الواقع يتطلب الحد من التهديدات الموجودة، ولمنع ظهور تهديدات جديدة، وإيقاف الهجمات ضد مدن الجنوب والشخصيات العسكرية والسياسية والمدنية.

وهذا الخيار يتطلب إقامة شراكة محلية وإقليمية ودولية في سبيل تجنيب تعقيدات دائمة قد تؤدي إلى الوقوع في ورطات مستقبلية وتكاليف كبيرة يدفعها شعبنا في الجنوب. ويستلزم هذا الخيار بناء شبكة من التحالفات الاقليمية والمحافظة عليها للحصول على حقوق الوصول والإنشاء والتركيز المستمر والمكثف على الاستخبارات والقصف الجوي واستهداف الافراد رفيعي المستوى في تلك التنظيمات. 

الخيار الثاني: الاستقرار المستند على القوى المحلية 

 ويكون عن طريق معالجة الأسباب الجذرية أو، على الأقل، إقامة ودعم شخصيات مؤثرة في نلك المناطق التي تنتشر فيها التنظيمات الإرهابية وسوف يستمر الاستقرار المتسق والدائم عندما ينبثق ً من الرضا الشعبي عن الوضع الراهن والظروف الاقتصادية الاجتماعية الاخرى، والتخفيف عن أي إجراء عسكري قادم من قوى خارجية. ويتم هزيمة الجماعات العنيفة بصورة رئيسية من خلال وسائل غير مباشرة، مثل إضفاء الشرعية والتحول الديموقراطي وتقديم المعونة الاقتصادية وبناء تحالف محلي داخلي. 

وتحتاج تلك الاستراتيجيتين الى عدد من الأسس: 

-           توحيد القيادة والسيطرة

-           إعادة ترتيب التوقعات وإدارتها بعناية

-           النظر في تغيير نهج القوات المسلحة الجنوبية في التخطيط الاستراتيجي للحرب غير المنتظمة.

التوصيات والمقترحات: 

1-        يتوجب على المجلس الانتقالي الجنوبي سن تشريع استثنائي لمكافحة الإرهاب خاصة أنه لا يوجد تشريعاً قائماً بذات في اليمن، ولكون الجنوب ارضا وشعبا هدفا للتنظيمات الإرهابية يحق له أن يقدم على خطوة مثل تلك مقارنة بالتجارب التي سبقت حيث ان هناك تدابير مكافحة الإرهاب المعتمدة في أوقات الأزمة أو في حالات التوترات السياسية الشديدة هي تدابير وضعت لتكون قصيرة الأجل لكنها قد تصبح مع مرور الزمن تدابير راسخة يمكن لسلطات إنفاذ القانون أن تحتج بها بصورة روتينية. والكثير من تشريعات الطوارئ التي سنتها الدول في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 أيلول/سبتمبر 2001، على سبيل المثال، لا تزال ساريةً حتى الآن. وقد يعيق الشعور بوجود ضرورة سياسية عاجلة.

2-         تأمين الحزام الحدودي للجنوب الذي أصبح في مرمى التنظيمات الإرهابية إن التنظيمات الإرهابية الدولية في اليمن فهي تتمركز في محافظات تتمتع بموقع استراتيجية محو (مارب وتعز والبيضاء وتلك المحافظات تعد من اهم المواقع الجغرافية والسياسية والبحرية والقبلية. وبعد تحرير عدن ولحج وإطلاق عملتي سهام الشرق وسهام الجنوب تقهقرت التنظيمات الإرهابية وخسر كثير من مواقعه في ابين وشبوه وحضرموت هرب معظم قياداته واعضاءه إلى محافظتي تعز والبيضاء ومأرب.

3-        معالجة الظروف المؤدية إلى الإرهاب ومكافحة التطرف العنيف رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها المجلس الانتقالي الجنوبي وبدعم من الامارات العربية المتحدة ضد الإرهاب وهزيمته في معظم محافظات الجنوب الا انه ما زال الإرهاب يزدهر في بيئات تستمر فيها ممارسة العنف والفساد برعاية شخصيات قيادية في الدولة اليمنية ومن دون عقاب، خصوصاً في الأماكن التي لا تزال فيها التوترات المناطق الجنوبية ذو التركيبة القبلية في ابين وشبوة ووادي حضرموت فتلك المناطق يسعى الاخوان الى تتفاقم فيها المظالم بين الفئات الاجتماعية، وحيثما يؤدي خلق مناخٍ من الظلم. وتشمل العوامل التي يمكن أن تساهم في هذه الظروف الانتهاكات المرتبطة بالصراعات المستمرة منذ أمدٍ طويل دون حل؛ والإقصاء السياسي والتهميش الاجتماعي والاقتصادي؛ ومناخ الإفلات من العقاب.

4-        مطالبة المجتمع الدولي ان يوفر الدعم الكافي العسكري والتنموي للمجلس الانتقالي الجنوبي والقوى الحية في الجنوب لكي تُشرك المجتمعات المحلية والعناصر الفاعلة غير الحكومية المعنية في وضع استراتيجيات لمناهضة الخطاب المتطرف العنيف الذي يمكن أن يُحرض على ارتكاب الأعمال الإرهابية.

5-        التصدي للظروف المؤدية إلى شيوع التطرف العنيف الذي يمكن أن يُفضي إلى الإرهاب، وذلك بسُبُل منها تمكين الشباب والأُسر والنساء والقادة في الأوساط الدينية والثقافية والتعليمية، وكافة الجماعات المعنية الأخرى في المجتمع المدني. 

6-        الأخذ بنُهُج مكيفة بحسب الحالة في مكافحة اعتناق هذا التطرف العنيف، والنهوض بالإدماج والتماسك الاجتماعيين بين أبناء الشعب في الجنوب. 

7-        بذل جهوداً مستمرة لتعزيز انخراط المجتمعات المحلية والسلطات في بناء الثقة ودعم الإمساك بزمام المبادرات على الصعيد المحلي، وتطوير خطاب إيجابي مضاد.

8-        مطالبة المجتمع الدولي مطالبة الدول التي لم تضع تشريعاتها تعريفا للإرهاب ان تبادر الى وضع تعريف للإرهاب في تشريعاتها الجنائية يتفق مع التعريف الوارد في الاتفاقيات الدولية.

9-        إنزال العقاب على الإرهاب أيا كان شكله وأيا كانت وسيلته ما دامت وسيلة اجرامية ومادام الغرض منها او من شانها اثارة الفزع والرعب لدى أشخاص معينين او لدى عامة الناس.