"اليوم الثامن" تقدم قراءة في المواقف الاقليمية والدولية من عدن..

المملكة العربية السعودية.. لماذا ظلت بعيدة عن الجنوب ولماذا اختارت صنعاء دون عدن؟

"إن فشل النظام العربي في إعادة ترتيب أولوياته جعله يفرط بشكل غير مبرر في مقتضيات أمنه القومي ولاسيما في مناطق ذات بعد استراتيجي مثل الجنوب وعدن وباب المندب. ولا أدل على ذلك الفشل والتخبط العربي من الموقف إزاء قضية شعب الجنوب" - رأي الكاتب

دبابة تابعة للقوات المسلحة الجنوبية ترفع العلم الوطني خلال مواجهات مع الحوثيين - وسائل إعلام محلية

د. صبري عفيف
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والأمنية، نائب رئيس التحرير ورئيس قسم البحوث والدراسات في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات،
عدن

 يبدو أن الخطاب الرسمي والشعبي العربي أسير صياغة تقليدية متكررة منذ حرب صيف1994حتى اللحظة، حيث إن المتتبع للخطاب السياسي والشعبي في معظم الأقطار العربية يرى أنه سلك طريق التضليل والتزييف والمداهنة وصار الحديث عن مشروع وحدة يمنية فشلت منذ لحظتها الأولى من المسلمات في ذلك الخطاب، على الرغم من مرور بضعة وثلاثين عاما شنت خلالها حربيين دمويتين ورافقهما مقاومة باسلة من شعب عظيم إلا أن الصمت العربي مازال يسود الأفق ودائما ما يبادر بالاكتفاء بالموقف القولي والمساندة لوحدة اليمن التي عمدت بالدم والقوة العسكرية وتحولت من مشروع سلمي طوعي الى احتلال وعدوان ليس له نظير في التاريخ المعاصر.

 إن فشل النظام العربي في إعادة ترتيب أولوياته جعله يفرط بشكل غير مبرر في مقتضيات أمنه القومي ولاسيما في مناطق ذات بعد استراتيجي مثل الجنوب وعدن وباب المندب. ولا أدل على ذلك الفشل والتخبط العربي من الموقف إزاء قضية شعب الجنوب. إذ تمسك الجميع بذريعة عدم مساندة الانفصال والوقوف إلى جانب وحدة اليمن. ومما زاد الطين بلة أن المجتمع المدني العربي بمؤسساته وهيئاته المختلفة غض الطرف هو الآخر عما يحدث في لأرض الجنوب وشعبها المناضل منذ عام النكبة اليمنية حتى اللحظة.

وانطلاقا من هذه الرؤية تتساءل هذه الورقة البحثية عن الأتي:

-     كيف تجلت المواقف الرسمية والشعبية العربية من حرب اجتياح الجنوب؟

-     ولماذا لم يحرك العرب ساكنا وهم يشاهدون مأساة إنسانية تتم بين ظهرانيهم؟

-      كيف تجلت المواقف الرسمية والشعبية العربية من ثورة شعب الجنوب السلمية؟

-     ما هو موقف دول التحالف العربي الرسمية والشعبية عن قضية شعب الجنوب؟

-     ما هي ملامح الافاق المستقبلية لقضية شعب الجنوب على ضوء التحديات الداخلية والخارجية؟

-     ماهي التوصيات المقترحة لكسر الصمت العربي الرسمي والشعبي عن قضية شعب الجنوب العادلة؟

المطلب الأول: المواقف العربية من غزو الجنوب في صيف 94م

نبدأ بسرد المواقف السياسية والدبلوماسية فقد أعلن مصدر رسمي في الجزائر، أن الرئيس الأمين زروال، دعا إلى وقف إطلاق النار في اليمن، خلال اتصال هاتفي أجراه بالرئيس اليمني على عبد الله صالح، ودعا باسم اتحاد المغرب العربي (الجزائر وتونس والمغرب وليبيا وموريتانيا)، الذي ترأسه الجزائر، إلى "وقف النار بين أبناء اليمن، والجلوس لطاولة الحوار".

وفي إطار متابعتي للتطورات السياسية والدبلوماسية المؤيد والمعارض للحرب ضد شعبنا في الجنوب تبين لي عدد من المواقف فقد وقفت عدد من الدول العربية إلى جانب قرارات الرئيس علي سالم البيض معارضين الحرب والعدوان على شعب الجنوب وقد تفاوتت تلك التأكيدات بين الرافض تصريحا والبعض الآخر تعريضا ومنها مصر التي أعلنت أنها لا تعتزم الاعتراف بالجنوب. إلاّ أنها لم تستبعد هذا الاعتراف تماماً، وتركز الدول حالياً على مطلب "وقف إطلاق النار فوراً، ودون قيد أو شرط"، الذي رفضه نظام صنعاء، إلاّ أن دول هذه الفئة، قد تعيد النظر في سياستها الحالية، إذا ما استمرت الحرب.

وفي القاهرة، قال وزير الخارجية السيد عمرو موسى، إن الوحدة اليمنية تمت بمنطق معين منذ أربع سنوات، واستمرار الحرب لا يمكن أن يكرسها، مؤكداً في مؤتمر صحفي، أن بلاده لن تقف متفرجة إزاء ما يحدث في اليمن، والاتصالات مستمرة مع مختلف المسؤولين اليمنيين، في صنعاء وعدن، لوقف إطلاق النار، ورفض الاشتباكات، ومحاولة بناء حوار. ووصف موسى الوضع الحالي في اليمن، بأنه "مأساوي ومشين"، وأدان استخدام السلاح لفرض الوحدة، مشيراً إلى أن الوحدة هدف قومي، إلا أن تنفيذها لا يتم بالقوة وعلى شلالات دماء.

واعترفت جمهورية أرض الصومال بدولة الجنوب، كما اعترفت دولة الإمارات العربية المتحدة، بصورة ضمنية، بالجنوب دولة مستقلة، إلاّ أن هذا الاعتراف الضمني، لم يتم عبر القنوات الدبلوماسية المتعارف عليها، بل ركزت دولة الإمارات اهتمامها على حقيقة، أن علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض، لاعبان رئيسيان في اللعبة اليمنية، ويجب، معاملتهما بالتساوي.

ولمّا كانت دولة الإمارات، إحدى دول مجلس التعاون الخليجي، الذي بين دوله اتفاقات رسمية، بشأن تنسيق سياساتها العربية والخارجية، فإن موقفها ربما يعكس أيضاً، مشاعر بقية دول المجلس تجاه القضية.

وجاء اعتراف دولة الإمارات، في سياق مكالمة هاتفية بين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والسيد علي سالم البيض، الذي وصفته "وكالة أنباء الإمارات" الرسمية بـ "فخامة الرئيس"، في إشارة واضحة إلى أنه رئيس جمهورية اليمن الديموقراطية الجديدة. "تكررت ثلاث مرات في البيان"، الذي بثته الوكالة الرسمية، عن الاتصال الذي جرى بين الشيخ زايد والبيض.

وكان الرئيس علي سالم البيض، الذي أعلن قيام جمهورية اليمن الديموقراطية، قد أطلع الشيخ زايد على هذه الخطوة، قبل إعلانها في 21 (أيار) مايو 1994، إلا إنها لم تصدر بياناً رسمياً، تعترف فيه بجمهورية اليمن الديموقراطية، وعاصمتها عدن.

وقد أرسل الرئيس علي عبدالله صالح، الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس مجلس النواب اليمني، ورئيس التجمع اليمني للإصلاح، وشيخ قبائل حاشد، إلى أبو ظبي، في محاولة لاحتواء توجه دولة الإمارات العربية المتحدة، للاعتراف الرسمي بجمهورية اليمن الديموقراطية، لكنه فشل لقاء الشيخ عبدالله الأحمر مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وقد عكست تصريحات الأحمر ـ عقب اللقاء ـ ضيقه الشديد من إطلاق صفة "الرئيس"، على علي سالم البيض، فقال "هذه كلمة كبيرة جداً في حق اليمن". وعلى الرغم من انتقاده الضمني للإمارات، قال الشيخ عبدالله في مؤتمره الصحافي، "لا أعتقد أن أي دولة عربية أو صديقة، ستقدم على الاعتراف بقرار الانفصال".

وأكد الشيخ الأحمر، أن الحسم العسكري "هو الخيار الأخير للمحافظة على وحدة اليمن". وقال إن "اليمن لا يرفض الوساطة من أجل وقف الحرب، شريطة أن تتم في إطار الشرعية". ورفض الأحمر تدخل مجلس الأمن في الصراع اليمني، وقال "ما دخل مجلس الأمن في قضية داخلية". وكانت مصادر صنعاء، تعلق أمالاً كبيرة على زيارة الأحمر لأبو ظبي، في تحييد دور الإمارات، إذا لم يتسن كسب موقفها إلى جانب صنعاء، لعرقلة الاعتراف الدولي باليمن الديموقراطية. [1]

أعرب الشيخ جابر الأحمد الصباح، أمير دولة الكويت، عن موقف بلاده المبدئي والثابت، "الذي يدعو إلى علاج المشكلات بمنطق المصلحة الوطنية، عن طريق الحوار الأخوي، بعيداً عن أسلوب استخدام القوة، لأن ذلك سيزيد الخلاف، ويعقد المشكلات.

وقال العطاس في مؤتمر صحفي، عقُد مساء 29 مايو 1994، أن لديه " ثقة كبيرة، في الكويت كنصير للحق وللجنوب، في الحرب التي يشنها عليه نظام الجمهورية العربية اليمنية"، مشيراً إلى أن هذه الحرب " تُنفَذ بالروح نفسها التي شنت فيها الحرب الغادرة على الكويت".

وأوضح أن عدن ترحب بإجراء مفاوضات مع صنعاء، لإيجاد وسائل لإنهاء القتال، واتهم صنعاء، بتلقي الدعم من العراق، وتحدث عن معلومات " تؤكد وجود مخزون للأسلحة العراقية لدى صنعاء، وخبراء عراقيين، وعناصر سودانية، وطيارين إريتريين، يشاركون في القتال مع صنعاء، ووقوع أسرى من هؤلاء في قبضة القوات الجنوبية".

وأعرب العطاس عن "أسفه لما تعرضت له الكويت على يد الغزاة العراقيين"، وقال "لو حدث الغزو قبل وحدة اليمن، لكان موقف الجنوب رافضاً ومعارضاً للغزو". وشبَّه مطالبات العراق بالكويت، بمطالبات صنعاء بالجنوب، إذ يعتبر "اليمنيون الوحدة، مجرد إلحاق للجنوب باليمن ويستخدمون اللهجة نفسها (العراقية) مطالبين بعودة الفرع إلى الأصل".

لقد انحازت دولتي (العراق، وقطر.. إلى اليمن وأدان العراق بشدة، إعلان الزعيم الجنوبي الرئيس، السيد علي سالم البيض "جمهورية اليمن الديموقراطية". وأفادت وكالة الأنباء العراقية حينها، أن الرئيس العراقي صدام حسين، بعث برسالة إلى علي عبدالله صالح، بمناسبة الذكرى الرابعة للوحدة اليمنية، التي صادفت أول من أمس، "تمنى فيها لمجلس الرئاسة اليمني، النجاح في حماية وحدة اليمن، والحفاظ على أمنه وسلامته والتغلب على الصعوبات".

وقد نقلت الوكالة عن وزير الخارجية العراقي، السيد محمد سعيد الصحاف، أن "العراق يؤكد تأييده التام وحدة اليمن الشقيق أرضاً وشعباً، ويؤيد السلطة الشرعية والدستورية، بزعامة الرئيس علي عبدالله صالح". وأضاف الصحاف: أن العراق "تدين بشدة العمل الانفصالي البغيض، الذي أقدم عليه البيض ومجموعته.

وأعربت دول عديدة، منها ليبيا، وإيران، والسودان، عن أسفها لما حدث، لكنها لم تستنكر المبادرة الجنوبية، وعلى الرغم من انحياز هذه الدول إلى جانب الجمهورية العربية اليمنية، نوعاً ما، فإنها ليست مستعدة، على ما يبدو، لتحمل مجازفات نيابة عنه.

 

المطلب الثاني: ثورة الجنوب السلمية وتجاهل الموقف العربي عن نصرتها

ان لشعب الجنوب دولة مستقلة ذات سيادة تسمى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ومعترف بها عالمياً ومن افضل البلدان موقعاً جغرافياً، وبنوايا حسنة و طيبة دخل بوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية، إلا ان النوايا و المأرب و الاطماع التي كان يحملها ابناء الجمهورية العربية و سلطتهم على الجنوبيين افشلت تلك الوحدة، بعد ان تعرض ابناء الجنوب للإقصاء و التهميش و القتل و النهب والسلب، حينها طالب الشعب الجنوبي بالمساواة في الحقوق المدنية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و العسكرية إلا ان تلك المطالب رُفضت، حتى شنت حرب شرسة في صيف 1994م على شعب الجنوب من قبل علي عبدالله صالح الرئيس السابق لليمن وقوى النفوذ الشمالية من قبائل و حزب الاصلاح وبفتوى تكفيرية احلت بها دماء ابناء الجنوب افتى بها مشايخهم برئاسة الزنداني و الديلمي، وتم احتلال الجنوب ارضاً وانساناً، ونهبت ممتلكات و ثروات دولته، وتعرض ابناء الجنوب للإقصاء و التهميش وتسريحهم من الوظائف المدنية و العسكرية من نظام علي صالح و سلطته.

لقد أدرك أبناء الجنوب أن طريق استعادة حقوقهم المسلوبة تبدأ بالاعتراف المتبادل لحقوق بعضهم البعض وتوحيد صفوفهم والتسامي عن جراحاتهم فيما بينهم، وتهيئة الظروف للسير نحو الأهداف من خلال الفعل التضامني المنظم المعتمد على النضال السلمي منهجاً وطريقاً مشروعاً في معركة الدفاع عن الحق. بهذه الروح انطلقت حركة المتقاعدين العسكريين والمدنيين والأمنيين وجمعية الشباب العاطلين عن العمل ومعهم مئات الآلاف من مواطني الجنوب الذين باتوا مهددين في معيشتهم، في أمنهم وفي حريتهم بل في حقهم في الحياة هم والأبناء والأحفاد من بعدهم جراء هذا النهج التدميري الذي تتبعه السلطة في صنعاء تجاه الجنوب.

وبعد معاناة مستمرة، خرج وانطلق شعب الجنوب يثور سلمياً للمطالبة بحقوقهم في 7/7/2007م ولكن تم مواجهتهم بكل وسائل القوة من قبل السلطة الحاكمة والمحتلة حيث تعرضوا لكل انواع القتل والجرح والقمع والاختطاف والاسر وظل الشعب محافظاً على سلمية ثورته رغم كل الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها، وظلت الثورة في الجنوب في تصاعد مستمر حيث خرجت حوالي عشرين مسيرة مليونية للجماهير في ذلك السياق، واقيمت كافة الفعاليات للتعبير عن ارادة شعب الجنوب و المطالبة بفك الارتباط و استقلالهم الثاني عن جمهورية اليمن في ظل تجاهل دولي و صمت عربي لكل مطالب شعب الجنوب الحر وغض الطرف عن كل الجرائم و المجازر التي ارتكبها نظام صنعاء و حلفائه بحق شعب الجنوب من قتل و قصف و تدمير لكل شيء، للإنسان و الهوية بالجنوب، وصارت الانسانية منهارة ومعدومة، وحرم شعب الجنوب من كل الخدمات الأساسية، و رغم كل تلك الانتهاكات الجسيمة إلا ان شعب الجنوب ظل محافظاً على سلمية ثورته و ظل الشعب في اعتصام مفتوح بساحة الحرية بخورمكسر بالعاصمة عدن، و ناشد العالم العربي و الاسلامي للوقوف مع قضية شعب الجنوب و نصرته و وقف مجازر نظام صنعاء، و لكن لا حياة لمن تنادي .

وفي هذا الصياغ وجه السيد الرئيس علي سالم البيض نداء للأمين العام لمجلس التعاون الخليجي/ عبد اللطيف الزياني- قائلا فيه" ليس الغريب جرائم الاحتلال اليمني فحسب، بل الأكثر استغراباً هو الصمت الاقليمي من الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي".

وأضاف البيض ـ في النداء الذي يعد الأول بسبب تجاهل دول الخليج- لطالب الجنوبيين قائلا: إن" هذا الصمت غير المبرر الذي جعل الاحتلال اليمني يستمرئ دماء جيرانكم في الجنوب ويتفنن يوما بعد يوم في ارتكاب الجرائم، مستغلاً التعتيم الإعلامي المفروض على قضية شعب الجنوب”.

وأشار إلى” تدهور الوضع الإنساني وتزايد الانتهاكات والقتل الفردي اليومي بشكل غير مسبوق، مقدماً عرضا لنشاط (الحراك الجنوبي) منذ يوليو/ تموز 2007 ومعتبراً أن الحراك سبق ثورات الربيع العربي في المطالبة بنيل حقوقه في استعادة دولة الجنوب التي كانت مستقلة إلى ما قبل قيام الوحدة اليمنية 1990.

وأوضح أن قضية شعب الجنوب لم تحظ بأي اهتمام تستحقه كما حصلت عليه ثورة التغيير في صنعاء في (2011) وتجسد هذا الاهتمام بإخراج مبادرة خليجية.

وقال البيض “المبادرة الخليجية تمت برعاية ومباركة إقليمية ودولية لحل أزمة صراع المصالح والنفوذ بين أجنحة نظام صنعاء الموغل في الفساد وصناعة الإرهاب في المنطقة، ولم تشر هذه المبادرة إلى قضية الجنوب العادلة التي تعتبر جوهر الصراع اليوم”.

واتهم” الاحتلال” بتدمير القرى على رؤوس ساكنيها في شبوة وردفان والضالع والقتل اليومي في العاصمة عدن وحضرموت، حيث بلغ عدد الكوادر المدنية والعسكرية الجنوبية التي تم اغتيالها وتابع “مما يؤسف له حقا، أننا لم نر أي استنكار أو إدانة لهذه الجرائم من قبل الأمم المتحدة أو الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي أو لجان حقوق الإنسان التابعة لها.

لكن للأسف لم يجد اذانا صاغية لنداءات وكذلك شعب الجنوب خرج بمليونيات تعبر عن ارادتها ومطالبه لكن الامر لم يلق أي استجابة عربية لا رسيمة ولا شعبية.

المطلب الثالث: حرب 2015 ضد الجنوب والموقف العربي منها

المبادرة الخليجية لحل الأزمة بين قوى صنعاء اليمنية وتجاهل قضية شعب الجنوب هي اتفاقية سياسية أعلنتها الدول الأعضاء بمجلس التعاون العربي الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية في 3  أبريل 2011م، لتهدئة الحركة الشبابية اليمنية في صنعاء، عن طريق ترتيب نظام نقل السلطة بين القوى اليمنية والتي نصّت على تشكيل حكومة وحدة وطنية في الفترة التي تسبق الانتخابات على الرغم من رفض المتظاهرين للصفقة، منتقدين الأحكام التي تمنح الحصانة لصالح من الملاحقة القضائية والتي تطلب من المعارضة للانضمام مع صالح ووزرائه في حكومة وحدة وطنية، واتفق زعماء المعارضة في نهاية المطاف للتوقيع على المبادرة.  بحلول نهاية الشهر، على الرغم من تراجع صالح وأعلنت الحكومة أنه لن يوقع على الاتفاقية، وعلقت المبادرة من مجلس التعاون حتى وقت آخر.

وفي 23 نوفمبر 2011م، جرى في الرياض في المملكة العربية السعودية التوقيع على الخطة للانتقال السياسي، الذي كان قد رفضه صالح سابقا. وأخيراً وافق على نقل سلطات الرئاسة قانوناً إلى نائبه عبد ربه منصور هادي في غضون 30 يوماً، وتقام الانتخابات رسمياً في 21 فبراير 2012 م، مقابل منح صالح الحصانة من الملاحقة القضائية له ولأسرته، ومن جانبه أعلن الحراك الجنوبي أن المبادرة الخليجية جاءت تعالج الوضع في صنعاء ولم يكن الجنوب شريكا أو طرفا فيها ولم يشارك أو يقر أو يناقش ما جاء فيها.

في عام 2015م شنت حرب جديدة على الجنوب وتم احتلاله بالقوة مرة أخرى، وارتكبت المجازر والابادة الجماعية ضد سكان الجنوب على مرأى ومسمع من العالم والامم المتحدة. وأدى ذلك إلى سقوط الالاف من الشهداء والجرحى بنيران القوات الشمالية ونزوح وتشريد عشرات الالاف من الاسر وقصفهم حتى وهم في طريقهم للنزوح، و بعد كل التضحيات تحررت كل محافظات الجنوب من الاحتلال الشمالي، و بعد التحرير خرج شعب الجنوب بمليونية و تم اعلان عدن التاريخي في 4/5/2017م الذي نص على تشكيل قيادة للشعب و تمثيله امام المحافل الدولية و هو المجلس الانتقالي الجنوبي المعبر عن ارادة شعب الجنوب والحامل الوحيد للقضية الجنوبية لاستعادة دولته كاملة السيادة و عاصمتها عدن.
وبعد كل المعاناة و الظلم و الاضطهاد التي تعرض لها شعب الجنوب و بعد ان اصبح له ممثل و كيان يقوده لبر الامان وبعد تشكيل مؤسسات الدولة الدستورية، وصار للمجلس الانتقالي صوتاً مسموعاً في المحافل الدولية وشريكاً اساسياً مع التحالف العربي في محاربة المد الفارسي باليمن و شريكاً عالمياً بالسلم و الامن الدوليين، أليس من حق شعب الجنوب تقرير مصيره دامه مسيطر على ارضه وله قيادة موحدة، لهذا لابد من منحه حق تقرير مصيره و ادارة شؤونه عبر استفتاء شعبي جنوبي بأشراف دولي او اي وسيلة اخرى من الوسائل الديمقراطية التي يقرها القانون الدولي ، ليستعيد دولته الحرة المستقلة بحدودها السابقة اسوة بكل شعوب العالم.

ومن أبرز المواقف تأكيد البيان الختامي الصادر عن المشاورات اليمنية اليمنية في الرياض، على الاتفاق على إدراج قضية شعب الجنوب في أجندة مفاوضات وقف الحرب لوضع إطار تفاوضي خاص لها في عملية السلام الشاملة.

-     الافاق المستقبلية لقضية شعب الجنوب

ما هي ملامح الافاق المستقبلية لقضية شعب الجنوب على ضوء التحديات الداخلية والخارجية؟ وهل ستؤثر مكافأة شعب الجنوب بالاستقلال أو الحكم الذاتي الحقيقي على آفاق السلام في اليمن أم تؤدي الى صدامات اقليمية؟ وما الذي ستكون عليه دلالات الاعتراف بنيل الجنوبيين استقلالهم بالنسبة للنزاعات الانفصالية في أماكن اخرى من الوطن العربي؟ هذه الأسئلة بحاجة الى تفحص ونقاش في ظل أنظمة عربية ما زال تؤمن بوهم المشروع العربي.

من هنا ينبغي على مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية أن يعين مبعوثا خاصا للتشاور مع جميع الأطراف المعنية ويعد تقاريره بشأن الأبعاد القانونية والأمنية والسياسية للنزاع ويقدم خيارات للحلول المرضية لقضية شعب الجنوب

وأخيرا فان هناك نتيجتين محتملتين فحسب: صيغة معينة لدولة يمنية موحدة (سواء في شكل فيدرالية أو كونفدرالية أو ترتيب استقلال ناجز يحصل فيه الجنوب على مكانته الطبيعية ويكون دول جارة مستقلة.

النتائج 

1-            الصمت العربي الرسمي والشعبي تجلى منذ حرب صيف 94 ومرورا بالمقاومة والنضال السلمي حد اللحظة.

2-            تمسك صانعي القرار السياسي العربي بمشروع الوحدة اليمنية الذي عمدت بالقوة العسكرية خلال ثلاثة عقود ونيف.

3-             لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة دوراً كبيراً في دعم القوى الجنوبية، كشريك رئيسي، وفي مقدمة ذلك المؤثرين الذين شكلوا فيما بعد المجلس الانتقالي الجنوبي. وساهمت بشكل ملفت في تنظيم المقاومة الجنوبية وتأهيل القوات الأمنية والعسكرية الجنوبية سواء في مناطق الجنوب -عدن ولحج وحضرموت وشبوة، أو في الشمال باتجاه الساحل الغربي ودعمها لقوات العمالقة الجنوبية.

4-            الامارات العربية المتحدة تعد أول حليف خارجي يتعامل بذكاء في سياسته مع الجنوبيين ويتفهّم حساسية موقفهم، إلى جانب مراعاة علاقاتها بالقوى اليمنية الأخرى المناهضة للحوثيين، إذا ما استثنينا من ذلك حزب الإصلاح اليمني "الإخوان المسلمين".

5-            المملكة العربية السعودية لم تكن علاقتها قريبة من الجنوبيين حتى منذ ما قبل اندلاع الحرب الأخيرة 2014، كان تركيزها منصباً على شمال اليمن خاصة السنوات الأخيرة إبان حروب صعدة الستة 2004-2009، نظراً لما تشكله المناطق اليمنية الملتهبة من تهديد على حدودها الجنوبية، ولما يشكله توسع انتشار جماعة "الشباب المؤمن" التي عُرفت فيما بعد بالحركة الحوثية من تزايد التأثير الإيراني في محافظة صعدة الحدودية مع السعودية.

6-             ظل الاهتمام السعودي منصباً على الشمال حتى بعد 2011، ورغم أن الحراك الجنوبي السلمي كان في فورته قبل أزمة التغيير اليمنية، غير أن الجنوبيين كانوا يُقابلون بنوع من الإهمال.  

7-            استمرت السياسة السعودية في لعب دور الرعاية لإدارة التباينات اليمنية، وأدركت أهمية تأثير الجنوبيين بعد حرب 2015 وما يمكن أن تشكّله التوازنات بين مختلف الأطراف، فرعت "اتفاق الرياض" لنزع فتيل الأزمة بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي في 2019، ليصبح الجنوبيون بعد ذلك شريكاً أساسياً في الحكومة الجديدة.

8-             رعت السعودية المشاورات اليمنية- اليمنية الأخيرة في الرياض، التي غيّرت بنية الرئاسة اليمنية، فكان "عيدروس الزبيدي" رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، أحد أعضاء مجلس القيادة الرئاسي الجديد، على الرغم من موقفه السياسي الرافض للوحدة من بين بقية الأعضاء الجنوبيين في مجلس القيادة.

التوصيات

1-            حملات إعلامية ودبلوماسية لكسر الصمت العربي الرسمي عن قضية شعب الجنوب.

2-            دعم وتشجيع الجاليات الوطنية الجنوبية في دول المهجر العربية والعمل معها في الاسهام في كسر الصمت العربي الشعبي.

3-            الحفاظ على علاقات متوازنة مع دول التحالف التي قدمت الكثير، بما يضمن الحفاظ على دعم التحالف وتجنب التصادم معه نتيجة بعض الأفعال والسياسات المتبعة التي يراها البعض معاكسة لمطالب الجنوبيين.

4-            عمل دبلوماسي راقي واعلام مهني منضبط للتأثير على صانعي القرار السياسي العربي لكسب مواقف مؤيده لقضية شعب الجنوب المظلوم.

مصادر 

 

[1] كتاب قصة حياة وتاريخ وطن، السفير قاسم عسكر جبران، مخطوط تحت الطبع 2023م ص 178