"استعراض تجارب"..

"اليوم الثامن": المصارف في العاصمة عدن.. بين الانتعاش والانكماش (ورقة بحثية)

"دراسة هيكل الموازنة العامة للدولة وتحليله إلى مكوناتها المختلفة، وتبيان البنود ذات العلاقة مع سعر الصرف ثم إقرار الأجراء المناسب بشأن تقلبات سعر الصرف لتفادي الآثار السلبية المترتبة عنها أو الحد منها على الأقل"

تستعرض الورقة دور المصارف في تحقيق التنمية المستدامة في ضوء أهم التجارب الرائدة في إدارة الأزمات المشابهة للحالة اليمنية - اليوم الثامن

د. هيثم قاسم جواس
باحث في الشؤون المالية والمصرفية لدى مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات
عدن

  واجهت العديد من دول العالم أزمات اقتصادية وإجتماعية، نتيجة لعوامل مختلفة، مثل الحروب، والكوارث الطبيعية، والاضطرابات السياسية. وتتطلب إدارة هذه الأزمات اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة، من أجل الحد من آثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع.

هناك العديد من النماذج الرائدة في إدارة الأزمات الاقتصادية، والتي يمكن الاستفادة منها في اليمن. ومن أهم هذه النماذج ما يلي:

  • النموذج الأوروبي: يعتمد هذا النموذج على التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص، من أجل تقديم الدعم المالي والمادي للشركات المتضررة من الأزمة.
  • النموذج الأمريكي: يعتمد هذا النموذج على استخدام السياسات النقدية والمالية، من أجل تحفيز الاقتصاد ودعم النمو.
  • النموذج الآسيوي: يعتمد هذا النموذج على الإصلاحات الهيكلية، من أجل تعزيز كفاءة الاقتصاد وزيادة قدرته على الصمود أمام الأزمات.

كما ان هناك العديد من التجارب الدولية الناجحة في سياسات معالجة وإدارة أزمات التدهور الاقتصادي والاجتماعي في البلدان التي مرت بنفس ظروف اليمن. فيما يلي بعض الأمثلة:

  • تجربة البوسنة والهرسك: مرت البوسنة والهرسك بحرب أهلية دموية في التسعينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى تدهور اقتصادي واجتماعي كبير. نجحت الحكومة البوسنية في معالجة هذا التدهور من خلال سياسات تشمل:
    • إصلاح النظام المالي.
    • إعادة الإعمار.
    • تعزيز النمو الاقتصادي.

نتيجة لهذه السياسات، شهدت البوسنة والهرسك نموًا اقتصاديًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، وتراجعت معدلات الفقر.

  • تجربة كوسوفو: مرت كوسوفو بحرب أهلية في التسعينيات من القرن الماضي، مما أدى إلى تدهور اقتصادي واجتماعي كبير. نجحت الحكومة الكوسوفية في معالجة هذا التدهور من خلال سياسات تشمل:
    • إصلاح النظام السياسي.
    • إعادة الإعمار.
    • تعزيز النمو الاقتصادي.

نتيجة لهذه السياسات، شهدت كوسوفو نموًا اقتصاديًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، وتراجعت معدلات الفقر.

  • تجربة العراق: مرت العراق بحرب أهلية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مما أدى إلى تدهور اقتصادي واجتماعي كبير. نجحت الحكومة العراقية في معالجة هذا التدهور من خلال سياسات تشمل:
    • إصلاح النظام المالي.
    • مكافحة الفساد.
    • إعادة الإعمار.
    • تعزيز النمو الاقتصادي.

نتيجة لهذه السياسات، شهد العراق نموًا اقتصاديًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، وتراجعت معدلات الفقر.

ثانيًا: مدى الاستفادة من هذه التجارب في الجمهورية اليمنية يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك:

  • درجة التشابه بين ظروف اليمن وظروف البلدان التي نجحت في معالجة التدهور الاقتصادي والاجتماعي.
  • القدرة السياسية والاقتصادية للحكومة اليمنية على تنفيذ سياسات إصلاحية.
  • المشاركة المجتمعية في عملية الإصلاح.

بشكل عام، يمكن للحكومة اليمنية أن تستفيد من هذه التجارب من خلال:

  • دراسة هذه التجارب بعناية لفهم العوامل التي أدت إلى نجاحها.
  • تعديل هذه التجارب لتتناسب مع ظروف اليمن.
  • الحصول على الدعم الدولي في تنفيذ هذه السياسات.

ثالثًا: توصيات:  

يتطلب معالجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدن خصوصًا واليمن عمومًا جهودًا مشتركة من الحكومة اليمنية والقطاع الخاص والمجتمع الدولي. تشمل هذه الجهود ما يلي:

  • وقف الحرب الأهلية: يعد وقف الحرب الأهلية أولوية أساسية لمعالجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدن.
  • مكافحة الفساد الحكومي: يجب مكافحة الفساد الحكومي بشكل فعال لتحسين كفاءة الاقتصاد اليمني وتعزيز ثقة المستثمرين.
  • إصلاح المؤسسات الحكومية: يجب إصلاح المؤسسات الحكومية اليمنية لجعلها أكثر فعالية وكفاءة في تقديم الخدمات للمواطنين.

فيما يلي بعض السياسات المحددة التي يمكن للحكومة اليمنية أن تعتمدها لمعالجة التدهور الاقتصادي والاجتماعي في اليمن:

  • إعداد رؤية واضحة ومتكاملة تعمل فيها جميع السياسات الاقتصادية والإدارية والمالية والنقدية والتجارية وسياسات العمل والأجور والاستثمار كحزمة واحدة لتحقيق هدف السياسة العامة للدولة المتمثل في وقف التدهور الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة.
  • إعادة هيكلة أجهزة الدولة، وتطوير نظم السلطة المركزية والمحلية ورفع كفاءتها، وتدريب أدواتها وتأهيلها، وتعزيز التنسيق بين السياسات المالية والنقدية والتجارية بما فيها الرقابة على الأسعار، وكذلك سياسات الأجور والابتعاث والعلاج بالخارج في أطار السياسة الاقتصادية والسياسة العامة للدولة.
  • مكافحة الفساد الحكومي: سيؤدي مكافحة الفساد الحكومي إلى زيادة الثقة في الاقتصاد اليمني، مما سيؤدي إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
  • وقف الحرب الأهلية: يعد إنهاء الحرب أولوية قصوى لحل الأزمة في اليمن. سيسمح ذلك بإعادة فتح الطرق التجارية وتحسين وصول المساعدات الإنسانية، حيث سيؤدي وقف الحرب الأهلية إلى استقرار الاقتصاد اليمني، وبالتالي زيادة الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
  • إصلاح وحوكمة النظام المالي: سيؤدي إصلاح النظام المالي إلى استقرار العملة اليمنية وزيادة الثقة في الاقتصاد اليمني وذلك من خلال:
  • ترشيد النفقات العامة خاصة الجارية منها على المرتبات والأجور من خلال تطبيق نظامالبصمة والصورة البيولوجية والبطاقة الوظيفية، بما يساعد من استبعاد الوظائف الوهمية والمزدوجة والمنقطعين في مختلف أجهزة الحكومة المدنية والأمنية والعسكرية، فضلًا عن تقليص أعداد ونفقات التمثيل الدبلوماسي، وتخصيص جزء من الإنفاق العام للقيام بأعمال الصيانة الدورية للأصول الحكومية، كون الصيانة الدورية تزيد من العمر الافتراضي للأصول وبالتالي خفض تكاليف الإصلاح والتجديد، فضلًا عن المراجعة الدقيقة والدورية للنفقات غير المبوبة والنظر في إمكانية تبويبها وإلغاء بعضها وتحجيمها وترشيدها.
  • الحد من الإسراف في تأثيث الأجهزة الحكومية والحد من الإنفاق على مظاهر الاستقبال والضيافة والسيارات إلا للحاجة الضرورية، وتوجيه الإنفاق العام نحو المشاريع الاستثمارية المنتجة مثل الصناعات الإحلالية والتصديرية، وتشجيع المستثمرين على زيادة حجم وجودة إنتاجهم منها، مع الالتزام الكامل في تكون التصرفات المالية في حدود المعتمد من الموازنة العامة دون تجاوز وبمراعاة الصرف لما هو ضروري وذو عائد إنتاجي.
  • تنويع مصادر الإيرادات العامة وإصلاح وتحديث الأنظمة المالية والضريبية بحيث تكون قادرة على إتمام المعاملات المالية بدرجة عالية من الرقابة والكفاءة تحصيل وإنفاق، مع التركيز بدرجة اساسية على رفع كفاءة التحصيل الضريبي، ورفع معدلات الضريبة على السلع الكمالية ومعالجة المتأخرات الضريبية، وتفعيل مهام وزارة المالية في العلاقات الخارجية في السعي نحو الحصول على المنح والمساعدات من الدول الأجنبية، والشروع في متابعة تمويل مشاريع إعادة الاعمار لتنشيط عجلة الاستثمار. 
  • تحسين كفاءة إدارة الدين العام وتحجيم اصدار أذون الخزانة وإحلالها ما أمكن بسندات طويلة الأجل لتغطية عجز الموازنة، وتقليصه كمدخل لتخفيض أعباء خدمته، فضلًا عن الاعتماد على مصادر غير تضخمية في تمويل عجز الموازنة، ومحاولة البحث على المنح من جهات عديدة، والعمل على إعادة جدولة المديونية العامة مع إنشاء وحدة خاصة لإدارة الدين العام في الوقت الحالي، ونقل وظائف الخزانة (بما فيها إصدار وخدمة الدين) من البنك المركزي إلى وزارة المالية، مع اصدار قانون ينظم عملية الدين العام المحلي من مجلس النواب، وتحديد الحجم الأمثل للسيولة في الاقتصاد بهدف ضمان اتساق عرض النقود مع الاستقرار والنمو الاقتصاديين.
  • دراسة هيكل الموازنة العامة للدولة وتحليله إلى مكوناتها المختلفة، وتبيان البنود ذات العلاقة مع سعر الصرف ثم إقرار الأجراء المناسب بشأن تقلبات سعر الصرف لتفادي الآثار السلبية المترتبة عنها أو الحد منها على الأقل.
  • إعادة الإعمار: سيؤدي إعادة الإعمار إلى إصلاح البنية التحتية المتضررة من الحرب، مما سيؤدي إلى زيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل.
  • تعزيز النمو الاقتصادي: سيؤدي تعزيز النمو الاقتصادي إلى زيادة الدخل القومي وتحسين مستوى معيشة السكان، وهذا سيتطلب إعادة بناء الاقتصاد اليمني من خلال استثمارات كبيرة في البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية.
  • دراسة أوضاع الوحدات الاقتصادية، وعلى رأسها مصافي عدن، ووضع المعالجات الكفيلة لتشغيلها ورفع كفاءة أدائها وحصة الحكومة من أرباح نشاطها، وإعادة تفعيل وتطوير استثماراتها من خلال توجيهها نحو الاستثمارات ذات الإنتاجية العالية، بما يحقق اهداف السياسة المالية والاقتصادية، والعمل على تنشيط الاستثمارات النفطية والغازية استكشافًا وانتاجًا وتصديرًا وتوريد عائداتها كليًّا إلى الحسابات المخصصة لها في البنك المركزي.
  • الحد من الفقر وتحسين سبل العيش: سيؤدي الحد من الفقر إلى تحسين نوعية حياة السكان وزيادة الاستقرار الاجتماعي، توفير فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية الأساسية.
  • إعادة النظر في نظام الصرف الحالي واختيار نظام صرف ملائم يتناغم مع الظروف الحالية ويضمن تحقيق الاستقرار في سعر الصرف وإعادة الثقة في الريال اليمني في الاجل القصير والتوازن الداخلي والخارجي في الأجل الطويل.
  • تحييد البنك المركزي عن القرارات السياسية وجعلة سلطة مستقلة بذاتها في سياساتها الهادفة إلى تطبيق قرارات الإصلاح عن طريق السياسة النقدية الملائمة للأنشطة الإنتاجية بما يحقق اهداف التنمية، وتفعيل دوره في الرقابة على البنوك وتحديث سياساته وأهدافه، من خلال تطوير وسائل وإجراءات عمل وحدة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، فضلًا عن إزالة شبح التناقض بين السرية المصرفية والشفافية المطلوبة لتحقيق أغراض مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والعمل على تحديث نظم المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، وتنفيذ مشروع تطوير البنية التحتية للقطاع المالي والمصرفي المحلي ونظم وتكنولوجيا المعلومات للبنك المركزي والبنوك التجارية، وتوسيع آلية الشمول المالي ووضع الضوابط والتعليمات المنظمة لها.
  • الدراسة الدقيقة لإجراءات التدخل عند الدفاع عن قيمة الريال أو تخفيضه والحد من الآثار السلبية التي تتركها عمليات التدخل وعلى رأسها التوقعات بارتفاع سعر الصرف في المستقبل، مثل تحري الكتمان في معلومات السياسة النقدية المراد اتباعها قبل أوانها لأن تسريب هذه المعلومات في غير أوانها يزيد من حدة عمليات المضاربة في السوق الموازية، واتباع استراتيجية تركز على الأجلين القصير والطويل، ففي الأجل القصير يجب العمل بكافة الطرق على التقييم الفعلي لقيمة العملة مع مواجهة كل أشكال المضاربة على قيمة الريال، وإحداث زيادة في الناتج المحلي الإجمالي، وتنشيط سياسة تنمية الصادرات وعمليات إصلاح الهيكل الاقتصادي في الأجل الطويل.
  • الوقوف على قضايا الأراضي والرقابة على أسعار السلع والخدمات وجودتها، والشركات الوهمية بشكل جاد، واعداد مصفوفة ملائمة للقضاء على الآثار الناتجة عنها.
  • اتخاذ إجراءات كافية لمكافحة عمليات المضاربة في العملة: تسعى العديد من الدول النامية إلى مكافحة المضاربة في العملة مثل:
  • فرض رسوم على التداول الأجنبي: يمكن أن يؤدي فرض رسوم على التداول الأجنبي إلى جعل المضاربة في العملة أكثر تكلفة.
  • تحديد قواعد لتداول العملات الأجنبية: يمكن أن يؤدي تحديد قواعد لتداول العملات الأجنبية إلى الحد من المضاربة الجائرة.
  • عدم جواز قيام البنوك بالتعامل او المضاربة في العملة بأي شكل من الاشكال سواء تم ذلك لحسابها او لحساب عملائها.
  • تتبع واغلاق كافة شركة الصرافة الذي تقوم بفتح حسابات للعملاء والمضاربة على العملة.
  • محاربة عمليات السحب على المكشوف والشراء بالهامش.
  • تطوير الأسواق المالية المحلية: يمكن أن يؤدي تطوير الأسواق المالية المحلية إلى تقليل اعتماد البنوك على المضاربة في العملات الأجنبية.
  • تفعيل دور البنوك التجارية والإسلامية العامة والخاصة في انشاء حاضنات الاعمال، واعداد السياسات التوجيهية للمصارف لتمويل المشروعات الصغيرة المتوسطة للشباب، وخاصة المشاريع الخضراء.
  • تطوير منتجات وخدمات مالية مناسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة: يمكن للمصارف التجارية الإسلامية اليمنية تطوير منتجات وخدمات مالية مناسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وذلك من أجل دعم هذه المشاريع وتعزيز دورها في خلق فرص العمل وتنمية الاقتصاد.
  • تقديم قروض ميسرة للمشاريع الاجتماعية: يمكن للمصارف الإسلامية اليمنية تقديم قروض ميسرة للمشاريع الاجتماعية، مثل مشاريع التعليم والصحة والبيئة، وذلك من أجل تحقيق التنمية الاجتماعية.
  • تعزيز الشمول المالي:يمكن للمصارف اليمنية تعزيز الشمول المالي، وذلك من خلال تقديم الخدمات المالية للأفراد والشركات في المناطق الريفية.
  • تقديم الدعم المالي للشركات المتضررة من الحرب، وذلك من خلال تقديم قروض وتمويلات ميسرة.
  • إجراء الإصلاحات الهيكلية: يمكن للمصارف اليمنية دعم إجراء الإصلاحات الهيكلية، مثل إصلاح النظام المصرفي وتعزيز الشفافية المالية، من أجل تعزيز كفاءة الاقتصاد وزيادة قدرته على الصمود أمام الأزمات

قد تكون هذه السياسات ليست سهلة التنفيذ، ولكنها ضرورية لمعالجة التدهور الاقتصادي والاجتماعي في اليمن.